ثُلثُ العَشَرَة ونَفْحَةُ عَرَفَة (تجميع من خطب مشايخنا الكرام) .

منصور بن هادي
1442/12/05 - 2021/07/15 19:38PM

ثُلثُ العَشَرَة ونَفْحَةُ عَرَفَة
الحَمدُلله  ثُمَ الحَمدُلله  ثُمَ  الحَمدُلله ..حَـتى يـَبَـلـٌغ آلَحمْدُ مـُنـتـَهـَآه، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعدُ :

أيها المسلمون: أعمارُنا كنزٌ ثمين.. تَمْضِيْ وتَرْحَلُ في عَجَل. أوقاتُنا، لحظاتُنا، أيامُنا، ساعاتُنا، إن طابَ فيها زرْعُنا طاب الثمر، إن جَدَّ فيها سَعينا سَرَّ الخَبَر،  إن بُدِّدَتْ في غفلةٍ، أو بُعْثِرَت في باطِلٍ طال الضرر.

إنَّ الحَــياةَ قـَـليلةٌ لَذاتُها     **     والموتُ فِيها هَادِمُ اللـــذاتِ

مَا أقصَرَ الأعمَارَ عِندَ رَحيلِنا     **    فَكأنَّهَا وَمْضٌ مِنَ اللَّحَظاتِ

وفي الحياةِ.. يَمنُحُنا الكريمُ بِمَنِّهِ أوقاتَ بِرٍّ وافرِ البركاتِ. أيامُنا أيامُ عشرٍ فُضِّلَت.. فاستثمرِ الأوقاتَ بالحسناتِ.

لا زِلْنا نَتفيأُ فَضلَ اللهِ عَلينا في عَشرٍ هيَ أبركُ أيامِ السنةِ، وقد بَقيَ منها الثُلثُ، والثُلثُ كثيرٌ، وإن مِن العَشرِ لَيَوماً هوَ أعظمُها؛ إنهُ يومُ الاثنين القادمِ، لَا يَومَ كَهَذَا اليَومِ، وَلَا عَشِيَّةَ كَعَشِيَّتِهِ، اِجْتِمَاعٌ عَظِيمٌ لِتَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى وَذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ.

إنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ التَّجَلِّيَاتِ والنّفَحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ،يَوْمُ الْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ وَالسَّخَاء، يَوْمٌ حَازَ أَطْيَبَ الْفَضَائِلِ، وَحَوَى أَرْفَعَ الْمَنَازِلِ،إنهُ يومُ العِتْقِ والدُنوِّ والمُباهاةِ، الذيْ قالَ عنهُ النبيُّ e : مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ؛ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ. رواه مسلمٌ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وهو يَدلُّ على أنهمْ مَغفورٌ لهم؛ لأنهُ لا يُباهِيْ بأهلِ الذنوبِ). 

أليسَ عَرضًا مغريًا؟! أليسَ هَذا هُوَ الرْصِيدُ الحقيقيُ، لا أَرْصدةُ الريالاتِ؟!

 ومنَ المنح الربانيةِ أن صيامَ يومِ عَرفةَ يكفِّرُ صغائرَ الذنوبِ لسَنتينِ، سنةٍ مَضتْ، وسَنةٍ أتتْ، فكأنهُ حِفْظٌ للماضِي والمستقبلِ. وهو أفضلُ من عاشوراءَ وأكثرُ تكفيراً؛ لأن صومَه من خصائصِ شرعِنا، فضُوعِفَ ببركاتِ المصطفَى r.

فلنتفرَّغْ لهذا اليومِ الجليلِ، ولنَتهيَّأْ قبلَهُ بنومِ لَيلِنا، وبقضاءِ أشغالِنا، وتركِ جوالاتِنا، ونُسَاهِمُ في إِعَانةِ زَوجَاتِنا وبَناتِنا على التّفرغِ للدعاء، والافطارُ على تَمَرات، وتأجيلُ الموائدِ الا ما بَعدَ الصلاة، ومن الرحمة وحب الخير للغير( إعفاء الخدمِ والمكفولين، من العمل بعد الظهر أو تَقليلِ سَاعاتِ العمل، لِنُعِيّنهَم على صِيامِ يَومِ عَرفة والتفرغِ للدعاء ).

ولنُرتِّبْ أعمالاً صالحةً متعددةً ليستْ صومًا فحسبْ؛ بل دعاءً وذكرًا وتكبيرًا، وإخباتًا، وإحسانًا. وقدْ كانَ بعضُ السلفِ والصالحينَ يجمِّع حَوائجَه بين يَديْ ربهِ في يَومِ عَرفةِ، فيدعو بإلحاحٍ، فلا يلبثُ أن يرَى فَضلَ ربهِ في إجابةِ دُعائهِ قَبلَ عَرفةَ القادمِ.

أخي يا رعاك الله : إنك ستدعُو رَباً عَظيماً، بَراً كريماً، لا يَتعاظَمُه ذنبٌ أن يَغفرَه، ولا فَضلٌ أن يعطيَه، فأحسِن ظنَك بربِك؛ فإن ربَك عند ظَنِك، وعَطاءَ اللهِ أَعْظَمُ من أمَلِكَ. ولا تَظُنَ بربِكَ إلا أنه قَبِلَكَ، وَوهَبَ لكَ طلبك .

أخي يا رعاك الله : حضِّرْ أدعيتَك، واخْلُ بنفسِكَ، وادعُ اللهَ، وابكِ وألحَّ، وأنتَ مُوقنٌ بالإجابةِ؛ لعلَّ اللهَ أنْ يَرفعَ بدعائِكَ بلاءً نَزلَ،وخُصَّ بالدعاءِ والدَيكَ وأهلَكَ ويجرانك ومن تحب، وادعُ لأقطارِ المسلمينَ، وللمَكروبينَ والمَرضَى والموتَى .

فَلِلَّهِ ذَاكَ الْمَوْقِفُ الْأَعْظَمُ الَّذِي     ***       كَمَوْقِفِ يَوْمِ الْعَرْضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ

وَيَدْنُو بِهِ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ                 ***                 يُبَاهِي بِهِمْ أَمْلَاكَهُ فَهْوَ أَكْرَمُ

يَقُولُ: عِبَادِي قَدْ أَتَوْنِي مَحَبَّةً                  ***                  وَإِنِّي بِهِمْ بَرٌّ أَجُودُ وَأَرْحَمُ

فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُمْ                  ***                  وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا أَمَّلُوهُ وَأُنْعِمُ

فَبُشْرَاكُمُ يَا أَهْلَ ذَا الْمَوْقِفِ الَّذِي             ***            بِهِ يَغْفِرُ اللَّهُ الذُّنُوبَ وَيَرْحَمُ

سَلُوا اللهَ تَعَالَى كُلَّ حَوَائِجِكُمْ، فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَرِيبٌ؛ يجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَاهُ. يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَهُ العِبَادُ جَمِيعَ مَصَالِحِ دِيْنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالكِسْوَةِ وَغَيرِ ذَلِكَ؛ كَمَا يَسْأَلُونَهُ الهِدَايَةَ وَالمَغْفِرَةَ.... وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَسْأَلُ اللهَ فِي صَلَاتِهِ كُلَّ حَوَائِجِهِ حَتَّى مِلْحَ عَجِينِةِ وَعَلَفَ شَاتِهِ. الخ.

أخي يا رعاك الله : وقتُ عَشيةَ عَرفة : (من بعد الظهرِ إلى غروبِ الشمس ) وهي أنفسُ ساعاتِ العامِ وأشرفها، ويبدا وقتُ الدعاء من بعدِ الزوالِ ويشتّدُ عشيةَ عَرفه وقتُ مايتنزلُ الله جل جلاه الى السموات الدنيا عشيةَ عَرفة .

أخي المبارك : قسّم دُعائكَ بين حاجاتِ دنياكَ وآخرتك ، واجعل مَطالبكَ متنوّعةٌ شاملةٌ وجامعة ، ولا تستكثر دُعاء ولا تترك شيء إلا دعوت به ، فالله كريم يُحبّ الملحين في الدعاء ، واحرص على دعوات الكتاب والسُنّة فهي جوامع ، ومعالي مطالب .

قُلْتُ هَذَا الْقَوْلَ، وَلِي وَلَكُمْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

الثانية  ....................

الحمدُ للهِ يُعطِينا، ويَشكرُ لنا إن أَعطَينا، والصلاةُ والسلامُ على أُسوتِنا، وقدوتِنا، أما بعدُ:

عبادَ اللهِ: إنَّ اليومَ الذيْ يَليْ عرفةَ، وهوَ يومُ النحرِ- يومٌ مفضَّلٌ ومعظمٌ عندَ اللهِ، ولذلكَ سمَّاه اللهُ يومَ الحجِّ الأكبرِ. وفيهِ شَعيرتانِ عَظيمتانِ:

الأولى: شُهودُ صلاةِ العيدِ معَ المسلمينَ، فهي شعيرة من شعائر الإسلام، ومظهر من مظاهره، ينبغي على المسلم أن يحرص على أدائها مع جماعة المسلمين، فلا تفوِّتْها فبعضُ العلماءِ يَرى وُجوبَها.

الثانية: الأضحيةُ، ذلكَ القُربانُ العظيمُ موقعُه عندَ اللهِ –سبحانَه-. ومن عجَزَ عن قيمتِها فهو معذورٌ، وهي مسنونةٌ لا واجبةٌ، ويقال لمنْ عَجَزَ: قد ضحَّى عنكَ حبيبُك -صلى اللهُ عليه وسلمَ- حينَما ضَحَّى بِكَبْشٍ، وَقَالَ: هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي.

ومَنْ وجَدَ سَعَةً فليُعطِ دراهمَ لمنْ يعجَزُ، أو يعطيْهِ إحدَى ضحايا وَصايا أمواتِهِ، يذبحونها ويأكلوُنها فيَفرحونَ، وتبقَى نيةُ الوَصِيِ والموصِي على ما هيَ. أو ليجمعْ أهلُ بيتٍ قيمةَ أضحيةٍ، ولْيَهَبُوا المبلغَ لمحتاجٍ مِنْ عادتهِ أنه يُضحيَ، ولكنهُ عجَزَ الآنَ. فما أعظمَ إدخالَ السرورِ على مِثلِ هؤلاءِ.

وَمِنْ آدَابِ عِيدِ الْأَضْحَى خَاصَّةً: أَلَّا يَأْكُلَ شَيْئًا حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ، وَقَالَ الشَّيخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا حَرَجَ أنْ يَسْتَدِينَ الْمُسْلِمُ لِيُضَحِّيَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الوَفَاءِ.أ هـ

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: هُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ جِدًّا: وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اعْتَادُوا فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَنْ يَذْبَحُوا أَضَاحِيهِمْ ثُمَّ يَدْعُوا لَهَا أَقَارِبَهُمْ وَجِيرَانَهُمْ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ لا بَأْسَ بِهِ، وَفِيهِ تَأْلِيفٌ لِلْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعٌ وَزِيَادَةُ صِلَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَلَكِنْ قَدْ يَصْحَبُ هَذَا أَمْرَانِ فِيهِمَا مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ.

 (الأَوَّلُ) أَنَّ الْأُضْحِيَةَ تُؤْكَلُ كَامِلَةً مِنَ الْأَقَارِبِ، وَلا يُعْطَى مِنْهَا الْفُقَرَاءُ شَيْئًا، فَإِعْطَاءُ الْفَقِيرِ مِنَ الْأُضْحِيَةِ أَمْرٌ وَاجِبٌ.

 (الْأَمْرُ الثَّانِي) هُوَ أَنَّهُ يَكْثُرُ دَعْوَةُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَتَكْثُرُ الذَّبَائِحُ وَيَقِلُّ أَكْلُ النَّاسِ لَهَا، ثُمَّ تُرْمَى فِي الْمَزَابِلِ.

وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَنْتَبِهَ النَّاسُ لِهَذَا، وَنَحْذُرَ مِنْ هَذَا الْإِسْرَافِ الذِي قَدْ يُوجِبُ عُقُوبَةَ اللهِ لَنَا.

فَلا يُطْبَخُ مِنَ الْأُضْحِيَةِ إِلَّا مَا كَانَ سَوْفَ يُؤْكَلُ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَاضَ شَيْءٌ فَلْيُنْظَرْ إِلَى طَرِيقَةٍ لِحِفْظِهِ وَالاسْتِفَادَةِ مِنْهُ، وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى هَذَا جَمِيعًا، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ..اللهم لكَ صَلاتُنا ونُسُكنُا ومَحيانا ومَماتُنا، وإليكَ مآبُنا.. اللهم وَهبتَنا مالاً، فَبَذَلْنا منه بفضلِكَ قُربةً ومَنْسَكًا.

فاللهم اقبَلْ ضَحايَانا وارزُقنا بعدَها تقوَى القلوبِ. .اللهم إنا عاجزونَ عن شُكرِكَ، فنُحيلُ إلى عِلمِكَ وفضلِكَ . اللهم وقفنا وافتح علينا عشية عرفة للدعاء، وألهمنا  الثناء والإلحاح في الطلب والصدق في الدعاء،اللهم أعنا وأفتح لنا مفاتيح عطايك، اللهم أعنا على الذكر والدعاء، اللهم انا نعوذ بك أن تكل عزائمنا وتفتر هممنا وترتخي أيدنا قبل غروب شمس يوم عرفة ، اللهم بك نستعين وعليك نتوكل اللهم ذلل لنا صعوبة أمرنا وسهل لنا مشقته 

اللهم لا يُشغلنا عن دعائك عشية عرفة شاغل، ولا يُلهينا لاهي، ولاَ يَحولُ بَيْنَ دعئنا حائِلٌ .

المرفقات

1626377910_نَفْحَةُ عَرَفَة.doc

المشاهدات 1353 | التعليقات 0