ثلاث وقفات مع المصلين

د مراد باخريصة
1434/07/14 - 2013/05/24 16:30PM
ثلاث وقفات مع المصلين
لقد عظم الله قدر الصلاة وميزها عن غيرها من سائر العبادات وفرضها على العباد في اليوم والليلة خمس مرات وهي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء وأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلى ففُرض عليه وعلى أمته هذه الشعيرة العظيمة والعبادة الجليلة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وأول ما يحاسب عنه العبد يوم الزحام.
إننا نريد اليوم أن نتذاكر وإياكم أمر الصلاة ونقف بعض الوقفات مع بعض الأمور التي تخص الصلاة فوالله مامعنا من العبادات العظيمة في هذه الدنيا إلا الصلاة فلاجهاد معنا ولاصدقة ولا أمر بمعروف ولانهي عن المنكر إلا من رحم الله فإذا لم نهتم بصلاتنا فبماذا نهتم وإذا لم ننتبه لأمرها فما هو الأمر الذي سننتبه له إذن؟
لانريد أن نتكلم حول من يترك الصلاة أو يصلي أحياناً ويترك أحياناً فهؤلاء شأنهم شأن آخر وكلامهم كلام آخر ويكفيهم أن يتعظوا بقول الله سبحانه وتعالى عن أصحاب الجحيم حين يسألون {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ماهو السبب الذي أدخلكم النار فيذكرون أول سبب فيقولون: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}.
إننا نريد اليوم أن نقف وقفات مع المصلين ومن يحافظون على الصلاة ولكنهم لايهتمون لأمرها ولايقدرونها قدرها ولايعظمونها حق تعظيمها وهذا يظهر في مظاهر كثيرة منها:
أن يأتي المصلي إلى الصلاة في أكثر أحيانه متأخراً وقد فاتته تكبيرة الإحرام أو فاتته بعض الركعات فتجده كثيراً مايتخلف عن الصلاة ويأتي إليها متأخراً ويقوم مسبوقاً بعد الإمام وربما لا يمر عليه يوماً واحداً صلى فيه الفروض الخمسة دون أن يكون مسبوقاً فإذا لم يتأخر في الفجر تأخر في الظهر وإذا لم يتأخر في الظهر تأخر في العصر وإذا لم يتأخر في العصر تأخر في المغرب وإذا لم يتأخر في المغرب تأخر في العشاء.
هذا شيء محزن وواقع مؤلم كثيراً مانرى الصلاة تقام ولايوجد في المسجد إلا نفر قليل لايتجاوزن أحياناً نصف صف ثم يأتي الناس بعد ذلك فلا تنتهي الصلاة إلا وهم صفوف معدودة فيهم كثير من المسبوقين والمتأخرين.
وأكثر مايؤلم أن هؤلاء النفر القليل المتواجدين في أول الصلاة هم من العوام وكبار السن والأميين والمساكين فأين الشباب وأين المثقفون وأين من يقرءون ويحفظون وأين وجهاء الناس وكبراؤهم؟
والله لوكان الإنسان يأتي إلى الصلاة مبكراً ولاتقوم الصلاة إلا وهو في المسجد فإنه لن يضيره أسرع الإمام في الصلاة أو تأخر أو قرأ قليلاً أو كثيراً لأن بعض الناس يتعذرون في التأخير عن الصلاة بسرعة الإمام في الصلاة أو بإقامة المؤذن للصلاة قبل غيره من المساجد بدقيقين أو ثلاثِ دقائقَ أو خمسٍ ولو أنه أتى مبكراً وركع وجلس فحتى لو تعجل المؤذن في الإقامة كما يقولون أو أسرع الإمام أو قرأ سوراً من قصار السور فإن المصلي سيجد الصلاة كاملة مكملة.
إن المشكلة أن يعود الإنسان نفسه على التأخير ويصبح التأخير وكأنه شرط من شروط الصلاة عنده فكم من أناس وخاصة من فئة الشباب الناشئين تراه يأتي إلى المسجد أحياناً قبل الإقامة ثم تتفاجأ حينما يسلم الإمام تجده قائماً مع المتأخرين فكيف يكون مع المتأخرين وقد جاء إلى المسجد قبل إقامة الصلاة؟ إنه الإهمال واللعب واللامبالاة يدخل المسجد ولايبالي بإدراك تكبيرة الإحرام وإدراك الصلاة كلها مع الإمام فيبقى يلعب ويمزح عند أماكن الوضوء أو داخل المسجد نفسه وللأسف ثم يدخل في الصلاة وقد انقضى بعضها فإذا سلم الإمام قام مع المسبوقين ليكمل ماعليه من الركعات.
وبعض الناس ابتلي بالوسوسة في الوضوء فيشغل نفسه بوساوس الشيطان عند الوضوء ويضيّع الوقت في إعادة الوضوء مرات وكرات وكلما توضأ وضوءً صحيحاً صور له الشيطان أن وضوئه باطل وغير صحيح حتى يضيّع عليه الصلاة ويفوت عليه تكبيرة الإحرام وهو يكرر الوضوء ويعيده.
وبعض الناس أدمن التأخير عن الصلاة حتى يرى نفسه غريباً لو جاء إلى المسجد مبكراً ودائماً يحاول الشيطان أن يلهيه ويشغله ولو بأمور تافهة وبسيطة حتى يضيّع عليه الصلاة ويجعله يأتي إليها متأخراً.
عباد الله: إن الإنسان قد يغفل فيتأخر فتفوته بعض الركعات وقد يشغله شاغل أو عذر فيضطره إلى التأخير لكن هذا يكون قليلاً ونادراً وليس هو الأصل.
قد يغفل الإنسان عن الصلاة نادراً لكن حينما تكثر الغفلة فربما يكون والعياذ بالله من الغافلين وقد يغلب النوم الإنسان أحياناً فينام فلا يقوم إلا مع الصلاة لكن هذا ليس هو الأصل وإنما يكون أحياناً ونادراً كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم في إحدى الغزوات.
لكن يبقى هذا كله على سبيل القلة والندرة وليس على سبيل الكثرة والغالب كما هو حال بعضنا فلو حسب الصلوات التي لم تفته فيها ركعة وحسب الصلوات التي فاتته فيها ركعة أو أكثر لوجد أن الصلوات التي فاتته فيها بعض الركعات أكثر من الصلوات التي صلاها كاملة لم يفته فيها شيء.
ومن العجيب أن تجد من يأتي إلى بعض الصلوات مبكراً ولكنه في بعض الصلوات الأخرى يأتي متأخراً وربما يأتي إلى صلاة الفجر مبكراً لكنه في صلاة العصر مثلاً يفرط ويتأخر.
فأنصح نفسي وإياكم بالاهتمام بالصلاة وتعظيم أمرها والاتيان إليها مبكراً وأن نحاسب أنفسنا دائماً على التأخير ولنستشعر الفضل العظيم والأجر الكبير في التعجيل والتبكير يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ " ويقول عليه الصلاة والسلام " أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ".
قلت ماسمعتم واستغفر الله..
الخطبة الثانية:
عباد الله: ومما أذكر به نفسي وإياكم حول موضوع الصلاة صلاة الفجر مع الجماعة لأننا نرى البعض حريصاً على أداء الفروض الأربعة مع الجماعة لكنه في صلاة الفجر لوجود له ولايصلي مع الناس في المسجد وإنما صلاته للفجر دائماً أو غالباً تكون في بيته وهذا والله حرمان كبير وتقصير عظيم.
كيف يحرص الإنسان على أداء الصلوات كلها في المسجد ثم يحرم من أعظم الصلوات وأجلهن وأشرفهن وهي صلاة الفجر التي يقول الله سبحانه وتعالى عنها {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.
عجيب أمر هؤلاء الذين لايصلون الفجر في المسجد ويصلون باقي الصلوات في المسجد أو يصلي العصر والفجر في بيته ولايأتي إلى المسجد وكل يوم على هذا المنوال وهذه الطريقة وهذه غفلة كبيرة ورقاد خطير لابد للعبد أن يوقف نفسه عند حدها فيه ولايسمح لها بالتساهل فيه
يصلي الفجر كل يوم في البيت ولايعرف صلاة الفجر في المسجد إلا في رمضان هذا مرض كبير وخطير يجب على من ابتلي به أن يعالج نفسه منه لأن من صفات المنافقين أنهم لايصلون بعض الصلوات التي فيها مشقة عليهم في المسجد ويصلونها في البيوت يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِيَ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ".
فهل يعون ويتعظون بهذا الحديث من يصلون الفجر في أغلب أحيانهم أو كلها في البيوت ولايخرجون إلى المسجد إلا نادراً وهل يعلمون أنهم حرموا أنفسهم من الخيرات والبركات والأجور الكبيرة بإضاعتهم لصلاة الفجر وأدائها خارج المسجد في غير جماعة.
أيها المصلون:
ومن الظواهر المشينة وهذه ظاهرة غريبة وجديدة رأيناها ترددت وتكررت في هذا المسجد خاصة في الجمع الأخيرة ظاهرة ماكانت موجودة ولا مألوفة ولم نراها من قبل أتدرون ماهي؟
إنها التأخر عن صلاة الجمعة حيث يقوم وللأسف أكثر من صف في آخر المسجد قد فاتتهم ركعة أو فاتتهم الركعتين من صلاة الجمعة.
هذا أمر غير معهود نعم كنا نرى من يتأخر عن صلاة الجماعة أما صلاة الجمعة فماكنا نرى من يتأخر عنها.
نرى من يأتي إلى الخطبة متأخراً هذا خطأ موجود من زمان لكن الجديد في الأمر أن التساهل بلغ إلى أن يكون التأخير ليس عن الخطبة وإنما عن صلاة الجمعة نفسها وهذا شيء مؤسف ومحزن.
فلنتقي الله ولنتأمل قول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} روى الإمام مسلم في صحيحه عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ".
صلوا وسلموا...
المرفقات

ثلاث وقفات مع المصلين.doc

ثلاث وقفات مع المصلين.doc

المشاهدات 2390 | التعليقات 1

جزاكم الله خيرا شيخ مراد على الخطبة