ثلاث وصايا نبوية
سعود المغيص
الخطبة الأولى :
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ واعلموا أنه عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- “أن رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: عِظْنِي وَأَوْجِزْ؟” وفي رواية: (عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: “إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَأَجْمِعْ الْيَأسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ)
أيها المؤمنون: جمع هذا الحديث العظيم ثلاثة وصايا عظيمة ، جمعت الخير كله ، من فهمها وعمل بها ، حاز الخير في دنياه وأخراه.
الوصية الأولى : دعا نبينا عليه الصلاة والسلام ، من قام في صلاته، أي شرع فيها، أن يصلي صلاة مودع، ومن المعلوم لدى الجميع أن المودع يستقصي في الأقوال والأفعال ما لا يستقصي غيره، فإذا صلى العبد صلاته مستحضراً أنها صلاته الأخيرة ، وأنه لن يصلي غيرها جَدَّ واجتهد فيها، وأحسن في أدائها وأتقن في ركوعها وسجودها وواجباتها ومستحباتها.
فإذا استشعر ذلك دعاه هذا الاستشعار إلى حسن الأداء، وتمام الإتقان، والحسن في أداء الصلاة.
ومن أحسن في صلاته عباد الله ، ساقته إلى كل خير، ونهته عن كل شر ورذيلة، وعُمِر قلبه بالإيمان، وذاق بذلك طعم الإيمان وحلاوته، وكانت صلاته قرة عين له، وكانت راحةً وأنساً وسعادة.
والوصية الثانية : وصية بحفظ اللسان، وأن اللسان أخطر ما يكون على الإنسان، وأن الكلمة إذا لم تخرج فإن صاحبها يملكها، أما إذا خرجت من لسانه ملكته وتحمَّل تبعاتها، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( لَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا) أي حاول وجاهد نفسك على منع لسانك ، من كل كلمة تخشى أن تعتذر منها، وكل كلمة تتطلب منك اعتذرا، فإنك ما لم تتكلم بها فإنك تملكها، وأما إذا تكلمت بها ملكتك. جاء في وصية النبي عليه الصلاة والسلام- لمعاذ -رضي الله عنه-: “قَالَ: “أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟” قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: ( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا) فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ : ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟“. ( وقول نبينا -عليه الصلاة والسلام- في هذه الوصية الجامعة ) :لَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا ( فيه دعوة إلى محاسبة النفس فيما يقوله الإنسان، وأن يتأمل فيما يقول؛ فإن وجد ما يقوله خيراً تكلم به، وإن وجد أن ما يقوله شر ، امتنع من قوله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ“.
الوصية الثالثة: فيها دعوة إلى القناعة وتعليق القلب بالله وحده، واليأس تماما مما في أيدي الناس، قال: ( وَأَجْمِعْ الْيَأسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ) اجمع اليأس، أي أجمِع قلبك واعزم وصمم في فؤادك على اليأس من كل شيء في يد الناس؛ فلا ترجُه من جهتهم، وليكن رجاءك كله بالله وحده جل وعلا، وكما أنك بلسان مقالك لا تسأل إلا الله، ولا تطلب إلا من الله، فعليك كذلك بلسان حالك أن لا ترجو إلا الله، وأن تيأس من كل أحد إلا من الله، فتقطع الرجاء من كل الناس، ويكون رجاءك بالله وحده .ومن كان يائساً مما في أيدي الناس عاش حياته مهيباً عزيزا، ومن كان قلبه معلقاً بما في أيدي الناس عاش حياته مهيناً ذليلا، ومن كان قلبه معلق بالله لا يرجو إلا الله، ولا يطلب حاجته إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله كفاه الله -عز وجل- في دنياه وأخراه، والله -جل وعلا- يقول: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ويقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )
أقول قولي هذا ..
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ واعلموا أن هذه ثلاثة وصايا عظيمة ، جدير بكل واحد منا أن يُحسن تأملها، وأن يجاهد نفسه على تحقيقها، والعمل بها
فهي وصية وجيزة وموعظة بليغة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ، جمعت الخير كله ووفَّته. والله قد جمع لنبينا صلى الله عليه وسلم بديع الكلم، وجوامع الوصايا، وأكمل القول وأتمه وأحسنه، ومن كان ذا صلة وثيقة بالسنة، وهدي خير العباد صلوات الله وسلامه عليه فاز في دنياه وأخراه.
اللهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها إلا أَنْتَ، واصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَها، لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَها إلا أَنْتَ .
اللَّهُمَّ صِلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغِرِّ الْمَيَامِينِ وَتَابِعِيَّهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنَاً مُطْمَئنَاً وَسَائرَ بِلادِ المُسلمينَ.
اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه ياقوي ياعزيز
اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينَ الشَريفينَ، ووليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ،
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.