ثلاث خطب لشهر ربيع الآخر الأسبوع الرابع (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) (الرقائق)
محب آل البيت
1433/04/24 - 2012/03/17 06:33AM
خطبة بعنوان : الابتلاء (3/1)
فهذه الحياة إنما هي دار ابتلاء وحقيقة الابتلاء هي الفتنة و الاختبار بالخير والشر بالطاعة والمعصية فالحياة كلها دائرة بين هذه الأمور إن الله يبتلي بالخير لينظر هل يشكر أم يكفر أم يبطر أم يطغى ويتكبر ويتجبر.
الابتلاء
العناصر:
1- الغاية من الخلق 2- حقيقة الابتلاء 3- أنواع الابتلاء 4- حكم الابتلاء 5- الابتلاء سنة ماضية
إن الحمد لله نحمده ونسعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءلونءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدع ضلالة وكل ضلالة في النار .
فإن الله تعالى خلق الخلق ليبتليهم في هذه الحياة والابتلاء سنة من سنن الله تعالى قال الله تعالى :((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2))) سورة تبارك الآيات (1-2).
أي يختبركم أيكم أحسن عملا حسن العمل يكون بالمتابعة وبالإخلاص المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص لله- عز وجل- في العبادات لغير الله تعالى يقول الله جل شأنه ((الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3))) سورة العنكبوت (1-3).
فهذه الحياة إنما هي دار ابتلاء وحقيقة الابتلاء هي الفتنة و الاختبار بالخير والشر بالطاعة والمعصية فالحياة كلها دائرة بين هذه الأمور إن الله يبتلي بالخير لينظر هل يشكر أم يكفر أم يبطر أم يطغى ويتكبر ويتجبر.
ويبتلى بالفقر لينظر هل العبد سيصبر هل سيشكر الله تعالى على هذه الحال هل سيتسخط هل سيؤمن بقضاء الله وقدره وأنه سبحانه وتعالى مقسم الأرزاق وهو الذي يقسم المعيشة بين الناس فهذا غني وهذا فقير هذا بين هذين الصنفين فالحياة كلها دائرة في مجال الابتلاء كل إنسان في هذه الحياة متبلى صاحب الصحة بصحته صاحب المرض بمرضه وصاحب الملك بملكه وصاحب المال بماله وصاحب الوجاهة بوجاهته وهكذا فكل الناس يعيش في دائر الابتلاء .
والله تعالى إنما يبتلى ليتميز المؤمن من المنافق وبتميز المسلم من الكافر إن الحياة كلها تدور حول الابتلاء والابتلاء- أيها الإخوة الفضلاء- أنواع :
من أنواع الابتلاء:
الابتلاء بالمصائب في حديث أبي سعيد الخدري قال: (( دخلت على النبي- صلى الله عليه و سلم -وهو يوعك . فوضعت يدي عليه فوجدت حرة بين يدي فوق اللحاف.
فقلت: يا رسول الله ماأشدها عليك؟
قال : إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر .
قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟
قال : الأنبياء .
قلت: يا رسول الله ثم من ؟
قال : ثم الصالحون .
إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ))[1] .
وفي حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت : (( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أجرني في مصيبتي وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.
قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أي الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ إني قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَتْ : أَرْسَلَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاطِبَ بْنَ أَبِى بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ .
فَقُلْتُ:إِنَّ لي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ.
فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ))[2].
فهذا نتيجة الطاعة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- و للرضا بقضاء الله وقدره.
من أنواع الابتلاء:
الابتلاء بالنعم وبالخير ومن ذلك سليمان -عليه السلام -ابتلاه الله تعالى بأن أتاه الله تعالى ملكاً هذا الملك الذي دعا ربه ألا يؤتيه أحد بعده فكان له من الملك ما كان له من الابتلاء ما كان منها أنه حينما طلب من يأتيه بعرش بلقيس قال له : عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك .
فقال الآدمي الذي عنده علم من الكتاب :
أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قبل أن تفتح عينك ستجد العرش أمامك.
فلما رآه مستقراً عنده.
قال : هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم فشكر الله- عز وجل- هذا النبي الكريم الذي أتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
لهذا نتذكر هذا الدعاء نبينا- صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث ((صلينا مع رسول الله- صلى الله عليه و سلم- صلاة مكتوبة فضم يده في الصلاة .
فلما صلى قلنا يا رسول الله: أحدث في الصلاة شيء؟
قال :لا إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي و أيم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان لارتبط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة))[3]
هذا الابتلاء ابتلى ربنا- عز وجل- به سليمان- عليه السلام- نبي الرحمة فالابتلاء ليس كما يتبادر لكثير من الناس أن الابتلاء لا يكون إلا للفقير إلا للمريض إلا للرجل الذي لا يؤبه له .
لا بل الابتلاء يكون للأنبياء يكون للأغنياء ويكون لأصحاب الوجاهة أشد ما يكون فإذا كان الأنبياء يبتلون فكذلك من ليس نبيا يبتلى كذلك والأمر كما قال :- صلى الله عليه وسلم- ((عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))[4]
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الكافر ليس له من أمره شيء فيه خير له وإنما يعجل له في هذه الدنيا عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس لذلك إلا لمؤمن وهكذا أيضا من الابتلاء بالنعم ابتلاء الثلاثة الذين ذكرهم النبي- صلى الله عليه وسلم -في حديث الأقرع والأعمى والأبرص.
فأما الأقرع والأبرص جحدوا نعمة الله تعالى حين أبدلهم الله تعالى ذاك أبدله شعراً وذاك أبدله جلداً حسناً وذاك الأعمى أبدله الله تعالى بصراً فأعطاهم بعد ذلك من المال ما أعطاهم كما تعرفون في قصتهم فأرسل الله تعالى لهم ملكاً ليختبرهم وليبتليهم هل سيشكرون الله تعالى؟
هل سيتذكرون نعمة الله- عز وجل-؟
أما الأقرع والأبرص فقالوا : ما عندنا شيء هذا الأموال ورثناها أباً عن جد وكابراً عن كابر فأنكروا نعمة الله تعالى .
وأما الأعمى فقال : نعم والله .
لقد كنت فقيراً وكنت أعمى ورزقني الله تعالى ما ترى من هذه النعم فخذ منها ما شئت ودع منها ما شئت .
فقال له ذلك الملك الذي أرسله الله تعالى: بارك الله تعالى لك في مالك إنما ابتلاكم الله بي فأخذ ما عند أولئك من المال وغضب عليهم وأبقى ما عند الأعمى الذي رد الله تعالى له بصره أبقى له ماله وبارك له ورضي الله تعالى عنه.
من صور الابتلاء كذلك بالمعاصي ومن صورها:
أن الله- جل وعلا- ابتلى آدم فقال تعالى :((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36))) سورة البقرة الآيات (35-36).
لكن الشيطان أضلهما وأزلهما فأكلا منها فبدت لهما سؤاتهما وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين هذا ابتلاء بالمعاصي نهاهما عن المعصية ومع هذا وقعا في معصية الله- عز-وجل -هذا نوع آخر من أنواع الابتلاء ومن الابتلاء أيضا الابتلاء بالطاعات كما حدث لنبي الله إبراهيم- عليه السلام -مع ولده إسماعيل حينما أمره الله تعالى أن يذبح أبنه طاعة لله -عز وجل- فلذة كبده قال الله تعالى :((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ ))سورة الصافات آية (102).
ولما بلغا إلى مكان الذبح ناداه الله تعالى وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم.
بالرغم من أن الله تعالى ابتلى إبراهيم بأن يذبح ابنه طاعة لله -عز وجل- ليختبر إيمانه وليختبر صدقه بالرغم من هذا أتاه الشيطان في الطريق وقال له تذبح ولدك فلذة كبدك الولد الوحيد الذي انتظرته طويلاً لكن مع هذا رمى الشيطان وقال له: أخسأ ثم في الثانية رماه وقال له: أخسأ ثم في الثالثة رماه وقال له: أخسأ حتى إذا أخذ السكين وأراد أن يذبحه أرسل الله تعالى بالفداء لإسماعيل قال الله تعالى: ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107))) سورة الصافات الآيات (103-107).
إن الابتلاء في هذه الحياة أيها الإخوة سنة ماضية ما من قضية في هذا الكون إلا وهي داخلة تحت هذا الإطار إطار الابتلاء .
ما هو حاصل اليوم في العالم بأسره غنيه وفقيره آمنه و مضطربه إنما هو نوع من أنواع البلايا ومن أنواع الابتلاء للناس هل يسلكون المسلك الصحيح من أجل أن يميز الله- عز وجل- الناس هل هم صابرون وشاكرون ؟
أم هم متضجرون وكافرون؟
هل هم واقفون على أمر الله تعالى أم هم متنكبون ؟ هل هم صادقون أم كاذبون؟
كل مجريات الحياة اليوم إنما هو داخل في هذا الإطار وإن الكافر في مأمنه وفي نعمة إنما هو ابتلاء من الله- عز وجل- يبتليهم لكنه سبحانه وتعالى يعطيهم في هذه الحياة لأنها جنتهم وأما الآخرة فما لهم فيها من خلاق.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
إن للابتلاء حكم من هذه الحكم:
أن يصلح العبد علاقته مع الله- عز وجل- فربما ابتلاه الله- عز وجل- بشيء من المصائب فرجع إلى الله بسبب ذلك يرجع إلى الله تعالى بالتوبة يرجع إلى الله تعالى بالندم يرجع إلى الله تعالى بالاستغفار
يرجع إلى الله تعالى بالتعبد والتذلل والدعاء والخضوع لله- عز وجل- الانكسار بين بدي الله- عز وجل-.
ومن حكم الابتلاء أيضا:
أصلاح علاقة العبد بنفسه فينظر مواطن الزلل في نفسه فيصلح من حاله ويتفقد طاعاته وعباداته فيشغل نفسه بطاعة الله- عز وجل- وينشغل بنفسه بإصلاح هذه النفس الأمارة بالسوء وهذه حكمة وغاية من غايات الابتلاء من ذلك أيضا إصلاح للعبد فيما بينه وبين الناس ولربما تذكر أنه ظلم نفسه ولعل ما أصابه بسبب دعوة فلان المظلوم أو أخذ مال فلان فيرد إليه ماله أو سفك دم فلان يتحلل من ذلك أو سب عرضه أو ما شاكل ذلك فيعود و يؤوب ويرجع إلى الله- عز وجل- ويحسن علاقته مع الناس ويتذلل للناس ويخفض جناحه للناس ولا يتكبر على الناس ويعرف حقيقة نفسه.
هذه حكمة أيضا من حكم الابتلاء لأن الإنسان إما أن يبتلى بالخير فإن شكر الله- عز وجل- عرف حقيقة هذه النعمة وعرف حق الله تعالى في هذه النعم وعرف حق المسكين والسائل والمحروم والفقير والمتعفف وما شاكل ذلك .
وأما أن يبتليه بالمصيبة فيتذكر حاله ويتذكر ضعفه ويتذكر من ظلم من الناس فإذا به يرجع ويتقرب فيستغفر الله- عز وجل- وبعد أن كان الناس في خوف منه ومن حركاته إذا بهم يأمنون منه و يتعجبون لصلاح حاله.
أما حال الناس مع الابتلاء فهم على حالين :
إمِّا مؤمن صابر شاكر وإمِّا منافق إما يبطر وإما يتضجر فإن أغناه الله تعالى بطر يبطر على هذه النعم ويبطر على عباد الله تعالى فيستغل هذه النعم في معصية الله- عز وجل- بجميع أشكالها وألوانها وإما أن يبتليه الله- عز وجل- بالفقر فإذا به يتضجر وإذا به يتسخط و إذا به يشكو الله- عز وجل- إلى خلقه بل ربما تلفظ بألفاظ لا تليق بالمؤمن فيقول :ما عرفتني إلاِّ أنا ذاك فلان ما أخذت ماله ولا سلبت ولده ولا فعلت ولا فعلت وأنا أفعل وأفعل ويبتليني بهذا الابتلاء هذه من الأمور الخطيرة فالمؤمن يصبر إذا نزلت به كارثة ويشكر إذا حلت به نعمة أما المنافق فإما أن يبطر وإما أن يضجر ولهذا الابتلاء نتائج عظيمة منها:
تحقيق العبودية لله- عز وجل- فمن تذلل لله وعرف حقارة نفسه والتجأ إلى الله- عز وجل- واستغفره وانكسر بين يديه ظهرت له حقيقة عبوديته الله -عز وجل- وأنه مفتقر وبخاصة إلى ربه-عز وجل- .
ومن نتائجه أيضا :
توبة العصاة فكم من عاص ابتلاه الله- عز وجل- فعاد إليه وأناب واستغفر فبعد أن كان يرتكب شتى الجرائم إذا به من كبار العباد ولا عيب في هذا على الإنسان العيب أن يسترسل في معصية الله -عز وجل- لكن من الشيء الجيد أن يعرف الإنسان مكانته فيستغفر ويعود وأحب الناس إلى الله- عز وجل- المستغفرين وخير الخطائين التوابون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا : من نتائج الابتلاء كشف المنافقين والنفعيين المنافق الذي يجري وراء مصلحته المنافق الذي يعرف الحق ولكنه لا يقف معه المنافق الذي يجري وراء مصلحته ويلهث وراء مصلحته هذا أيضا يميز الله تعالى بهذه البلايا يميز المنافقين أصحاب المنافع الذين إذا انقضت مصالحهم قلبوا ظهر المجن وصاروا يتلونون كأصحاب الوجهين الذين ذمهم الله عز وجل .
ومن النتائج أيضا: محق الكافرين أن الله تعالى يمحق الكافرين ويمحق الظالمين ويمحق المتكبرين والمتجبرين فِأعمارهم في هذه الدينا قصيرة ثم يصيرون بعد ذلك لا يذكروا بل ربما تبعتهم اللعنات إلى قبورهم.
ومن نتائج الابتلاء: إظهار المؤمنين إن الله تعالى يظهر المؤمن كما أنه يكشف حال المنافقين يظهر المؤمنين ويعلي شأنهم ويرفع من درجاتهم ومن نتائجهم أنه يرفع درجات المؤمنين نتيجة سب المنافقين لهم نتيجة أذية المنافقين لهم نتيجة أنهم ربما يكونون أحيانا قلة في المجتمع ولكن الله تعالى يعلي درجاتهم.
ومن نتائجها أيضا تمكين المؤمنين في الأرض إن العاقبة في النهاية هي للمؤمنين ليست للمنافقين ولا للظالمين ولا للجبارين ولا للمتكبرين العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين
والحمد لله رب العالمين.
[1] – سنن ابن ماجة 2/1334
[2] – مسلم 3/37
[3] – السنن الكبرى للبيهقي 2/450
[4] – مسلم 8/227
رابط الخطبة : http://almaqtari.net/?p=752
فهذه الحياة إنما هي دار ابتلاء وحقيقة الابتلاء هي الفتنة و الاختبار بالخير والشر بالطاعة والمعصية فالحياة كلها دائرة بين هذه الأمور إن الله يبتلي بالخير لينظر هل يشكر أم يكفر أم يبطر أم يطغى ويتكبر ويتجبر.
الابتلاء
العناصر:
1- الغاية من الخلق 2- حقيقة الابتلاء 3- أنواع الابتلاء 4- حكم الابتلاء 5- الابتلاء سنة ماضية
إن الحمد لله نحمده ونسعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءلونءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدع ضلالة وكل ضلالة في النار .
فإن الله تعالى خلق الخلق ليبتليهم في هذه الحياة والابتلاء سنة من سنن الله تعالى قال الله تعالى :((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2))) سورة تبارك الآيات (1-2).
أي يختبركم أيكم أحسن عملا حسن العمل يكون بالمتابعة وبالإخلاص المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص لله- عز وجل- في العبادات لغير الله تعالى يقول الله جل شأنه ((الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3))) سورة العنكبوت (1-3).
فهذه الحياة إنما هي دار ابتلاء وحقيقة الابتلاء هي الفتنة و الاختبار بالخير والشر بالطاعة والمعصية فالحياة كلها دائرة بين هذه الأمور إن الله يبتلي بالخير لينظر هل يشكر أم يكفر أم يبطر أم يطغى ويتكبر ويتجبر.
ويبتلى بالفقر لينظر هل العبد سيصبر هل سيشكر الله تعالى على هذه الحال هل سيتسخط هل سيؤمن بقضاء الله وقدره وأنه سبحانه وتعالى مقسم الأرزاق وهو الذي يقسم المعيشة بين الناس فهذا غني وهذا فقير هذا بين هذين الصنفين فالحياة كلها دائرة في مجال الابتلاء كل إنسان في هذه الحياة متبلى صاحب الصحة بصحته صاحب المرض بمرضه وصاحب الملك بملكه وصاحب المال بماله وصاحب الوجاهة بوجاهته وهكذا فكل الناس يعيش في دائر الابتلاء .
والله تعالى إنما يبتلى ليتميز المؤمن من المنافق وبتميز المسلم من الكافر إن الحياة كلها تدور حول الابتلاء والابتلاء- أيها الإخوة الفضلاء- أنواع :
من أنواع الابتلاء:
الابتلاء بالمصائب في حديث أبي سعيد الخدري قال: (( دخلت على النبي- صلى الله عليه و سلم -وهو يوعك . فوضعت يدي عليه فوجدت حرة بين يدي فوق اللحاف.
فقلت: يا رسول الله ماأشدها عليك؟
قال : إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر .
قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟
قال : الأنبياء .
قلت: يا رسول الله ثم من ؟
قال : ثم الصالحون .
إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ))[1] .
وفي حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت : (( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أجرني في مصيبتي وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.
قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أي الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ إني قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَتْ : أَرْسَلَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاطِبَ بْنَ أَبِى بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ .
فَقُلْتُ:إِنَّ لي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ.
فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ))[2].
فهذا نتيجة الطاعة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- و للرضا بقضاء الله وقدره.
من أنواع الابتلاء:
الابتلاء بالنعم وبالخير ومن ذلك سليمان -عليه السلام -ابتلاه الله تعالى بأن أتاه الله تعالى ملكاً هذا الملك الذي دعا ربه ألا يؤتيه أحد بعده فكان له من الملك ما كان له من الابتلاء ما كان منها أنه حينما طلب من يأتيه بعرش بلقيس قال له : عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك .
فقال الآدمي الذي عنده علم من الكتاب :
أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قبل أن تفتح عينك ستجد العرش أمامك.
فلما رآه مستقراً عنده.
قال : هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم فشكر الله- عز وجل- هذا النبي الكريم الذي أتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
لهذا نتذكر هذا الدعاء نبينا- صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث ((صلينا مع رسول الله- صلى الله عليه و سلم- صلاة مكتوبة فضم يده في الصلاة .
فلما صلى قلنا يا رسول الله: أحدث في الصلاة شيء؟
قال :لا إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي و أيم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان لارتبط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة))[3]
هذا الابتلاء ابتلى ربنا- عز وجل- به سليمان- عليه السلام- نبي الرحمة فالابتلاء ليس كما يتبادر لكثير من الناس أن الابتلاء لا يكون إلا للفقير إلا للمريض إلا للرجل الذي لا يؤبه له .
لا بل الابتلاء يكون للأنبياء يكون للأغنياء ويكون لأصحاب الوجاهة أشد ما يكون فإذا كان الأنبياء يبتلون فكذلك من ليس نبيا يبتلى كذلك والأمر كما قال :- صلى الله عليه وسلم- ((عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))[4]
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الكافر ليس له من أمره شيء فيه خير له وإنما يعجل له في هذه الدنيا عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس لذلك إلا لمؤمن وهكذا أيضا من الابتلاء بالنعم ابتلاء الثلاثة الذين ذكرهم النبي- صلى الله عليه وسلم -في حديث الأقرع والأعمى والأبرص.
فأما الأقرع والأبرص جحدوا نعمة الله تعالى حين أبدلهم الله تعالى ذاك أبدله شعراً وذاك أبدله جلداً حسناً وذاك الأعمى أبدله الله تعالى بصراً فأعطاهم بعد ذلك من المال ما أعطاهم كما تعرفون في قصتهم فأرسل الله تعالى لهم ملكاً ليختبرهم وليبتليهم هل سيشكرون الله تعالى؟
هل سيتذكرون نعمة الله- عز وجل-؟
أما الأقرع والأبرص فقالوا : ما عندنا شيء هذا الأموال ورثناها أباً عن جد وكابراً عن كابر فأنكروا نعمة الله تعالى .
وأما الأعمى فقال : نعم والله .
لقد كنت فقيراً وكنت أعمى ورزقني الله تعالى ما ترى من هذه النعم فخذ منها ما شئت ودع منها ما شئت .
فقال له ذلك الملك الذي أرسله الله تعالى: بارك الله تعالى لك في مالك إنما ابتلاكم الله بي فأخذ ما عند أولئك من المال وغضب عليهم وأبقى ما عند الأعمى الذي رد الله تعالى له بصره أبقى له ماله وبارك له ورضي الله تعالى عنه.
من صور الابتلاء كذلك بالمعاصي ومن صورها:
أن الله- جل وعلا- ابتلى آدم فقال تعالى :((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36))) سورة البقرة الآيات (35-36).
لكن الشيطان أضلهما وأزلهما فأكلا منها فبدت لهما سؤاتهما وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين هذا ابتلاء بالمعاصي نهاهما عن المعصية ومع هذا وقعا في معصية الله- عز-وجل -هذا نوع آخر من أنواع الابتلاء ومن الابتلاء أيضا الابتلاء بالطاعات كما حدث لنبي الله إبراهيم- عليه السلام -مع ولده إسماعيل حينما أمره الله تعالى أن يذبح أبنه طاعة لله -عز وجل- فلذة كبده قال الله تعالى :((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ ))سورة الصافات آية (102).
ولما بلغا إلى مكان الذبح ناداه الله تعالى وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم.
بالرغم من أن الله تعالى ابتلى إبراهيم بأن يذبح ابنه طاعة لله -عز وجل- ليختبر إيمانه وليختبر صدقه بالرغم من هذا أتاه الشيطان في الطريق وقال له تذبح ولدك فلذة كبدك الولد الوحيد الذي انتظرته طويلاً لكن مع هذا رمى الشيطان وقال له: أخسأ ثم في الثانية رماه وقال له: أخسأ ثم في الثالثة رماه وقال له: أخسأ حتى إذا أخذ السكين وأراد أن يذبحه أرسل الله تعالى بالفداء لإسماعيل قال الله تعالى: ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107))) سورة الصافات الآيات (103-107).
إن الابتلاء في هذه الحياة أيها الإخوة سنة ماضية ما من قضية في هذا الكون إلا وهي داخلة تحت هذا الإطار إطار الابتلاء .
ما هو حاصل اليوم في العالم بأسره غنيه وفقيره آمنه و مضطربه إنما هو نوع من أنواع البلايا ومن أنواع الابتلاء للناس هل يسلكون المسلك الصحيح من أجل أن يميز الله- عز وجل- الناس هل هم صابرون وشاكرون ؟
أم هم متضجرون وكافرون؟
هل هم واقفون على أمر الله تعالى أم هم متنكبون ؟ هل هم صادقون أم كاذبون؟
كل مجريات الحياة اليوم إنما هو داخل في هذا الإطار وإن الكافر في مأمنه وفي نعمة إنما هو ابتلاء من الله- عز وجل- يبتليهم لكنه سبحانه وتعالى يعطيهم في هذه الحياة لأنها جنتهم وأما الآخرة فما لهم فيها من خلاق.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
إن للابتلاء حكم من هذه الحكم:
أن يصلح العبد علاقته مع الله- عز وجل- فربما ابتلاه الله- عز وجل- بشيء من المصائب فرجع إلى الله بسبب ذلك يرجع إلى الله تعالى بالتوبة يرجع إلى الله تعالى بالندم يرجع إلى الله تعالى بالاستغفار
يرجع إلى الله تعالى بالتعبد والتذلل والدعاء والخضوع لله- عز وجل- الانكسار بين بدي الله- عز وجل-.
ومن حكم الابتلاء أيضا:
أصلاح علاقة العبد بنفسه فينظر مواطن الزلل في نفسه فيصلح من حاله ويتفقد طاعاته وعباداته فيشغل نفسه بطاعة الله- عز وجل- وينشغل بنفسه بإصلاح هذه النفس الأمارة بالسوء وهذه حكمة وغاية من غايات الابتلاء من ذلك أيضا إصلاح للعبد فيما بينه وبين الناس ولربما تذكر أنه ظلم نفسه ولعل ما أصابه بسبب دعوة فلان المظلوم أو أخذ مال فلان فيرد إليه ماله أو سفك دم فلان يتحلل من ذلك أو سب عرضه أو ما شاكل ذلك فيعود و يؤوب ويرجع إلى الله- عز وجل- ويحسن علاقته مع الناس ويتذلل للناس ويخفض جناحه للناس ولا يتكبر على الناس ويعرف حقيقة نفسه.
هذه حكمة أيضا من حكم الابتلاء لأن الإنسان إما أن يبتلى بالخير فإن شكر الله- عز وجل- عرف حقيقة هذه النعمة وعرف حق الله تعالى في هذه النعم وعرف حق المسكين والسائل والمحروم والفقير والمتعفف وما شاكل ذلك .
وأما أن يبتليه بالمصيبة فيتذكر حاله ويتذكر ضعفه ويتذكر من ظلم من الناس فإذا به يرجع ويتقرب فيستغفر الله- عز وجل- وبعد أن كان الناس في خوف منه ومن حركاته إذا بهم يأمنون منه و يتعجبون لصلاح حاله.
أما حال الناس مع الابتلاء فهم على حالين :
إمِّا مؤمن صابر شاكر وإمِّا منافق إما يبطر وإما يتضجر فإن أغناه الله تعالى بطر يبطر على هذه النعم ويبطر على عباد الله تعالى فيستغل هذه النعم في معصية الله- عز وجل- بجميع أشكالها وألوانها وإما أن يبتليه الله- عز وجل- بالفقر فإذا به يتضجر وإذا به يتسخط و إذا به يشكو الله- عز وجل- إلى خلقه بل ربما تلفظ بألفاظ لا تليق بالمؤمن فيقول :ما عرفتني إلاِّ أنا ذاك فلان ما أخذت ماله ولا سلبت ولده ولا فعلت ولا فعلت وأنا أفعل وأفعل ويبتليني بهذا الابتلاء هذه من الأمور الخطيرة فالمؤمن يصبر إذا نزلت به كارثة ويشكر إذا حلت به نعمة أما المنافق فإما أن يبطر وإما أن يضجر ولهذا الابتلاء نتائج عظيمة منها:
تحقيق العبودية لله- عز وجل- فمن تذلل لله وعرف حقارة نفسه والتجأ إلى الله- عز وجل- واستغفره وانكسر بين يديه ظهرت له حقيقة عبوديته الله -عز وجل- وأنه مفتقر وبخاصة إلى ربه-عز وجل- .
ومن نتائجه أيضا :
توبة العصاة فكم من عاص ابتلاه الله- عز وجل- فعاد إليه وأناب واستغفر فبعد أن كان يرتكب شتى الجرائم إذا به من كبار العباد ولا عيب في هذا على الإنسان العيب أن يسترسل في معصية الله -عز وجل- لكن من الشيء الجيد أن يعرف الإنسان مكانته فيستغفر ويعود وأحب الناس إلى الله- عز وجل- المستغفرين وخير الخطائين التوابون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا : من نتائج الابتلاء كشف المنافقين والنفعيين المنافق الذي يجري وراء مصلحته المنافق الذي يعرف الحق ولكنه لا يقف معه المنافق الذي يجري وراء مصلحته ويلهث وراء مصلحته هذا أيضا يميز الله تعالى بهذه البلايا يميز المنافقين أصحاب المنافع الذين إذا انقضت مصالحهم قلبوا ظهر المجن وصاروا يتلونون كأصحاب الوجهين الذين ذمهم الله عز وجل .
ومن النتائج أيضا: محق الكافرين أن الله تعالى يمحق الكافرين ويمحق الظالمين ويمحق المتكبرين والمتجبرين فِأعمارهم في هذه الدينا قصيرة ثم يصيرون بعد ذلك لا يذكروا بل ربما تبعتهم اللعنات إلى قبورهم.
ومن نتائج الابتلاء: إظهار المؤمنين إن الله تعالى يظهر المؤمن كما أنه يكشف حال المنافقين يظهر المؤمنين ويعلي شأنهم ويرفع من درجاتهم ومن نتائجهم أنه يرفع درجات المؤمنين نتيجة سب المنافقين لهم نتيجة أذية المنافقين لهم نتيجة أنهم ربما يكونون أحيانا قلة في المجتمع ولكن الله تعالى يعلي درجاتهم.
ومن نتائجها أيضا تمكين المؤمنين في الأرض إن العاقبة في النهاية هي للمؤمنين ليست للمنافقين ولا للظالمين ولا للجبارين ولا للمتكبرين العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين
والحمد لله رب العالمين.
[1] – سنن ابن ماجة 2/1334
[2] – مسلم 3/37
[3] – السنن الكبرى للبيهقي 2/450
[4] – مسلم 8/227
رابط الخطبة : http://almaqtari.net/?p=752
المشاهدات 4434 | التعليقات 2
خطبة بعنوان : موعظة نبوية (3/3)
فإن من جملة ما أيد الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من البينات والمعجزات أيده بما يسمى بدلائل النبوة هذه الدلائل والعلامات التي أهتم فيها أهل العلم فكتبوا المصنفات الطويلة العريضة التي تبلغ بضع مجلدات كل تلك الأخبار التي أخبر فيها النبي عليه الصلاة والسلام والتي تحقق في زمنه أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم…
خطبة بعنوان : ( موعظة نبوية)
العناصر:
1- بعض دلائل نبوتيه صلى الله عليه وسلم 2- وقوع بعض ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام 3- مراكز التنصير في اليمن4-بعض طوائف الرافضة 5- مسئولية الدولة.
أما بعد :
فإن من جملة ما أيد الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من البينات والمعجزات أيده بما يسمى بدلائل النبوة هذه الدلائل والعلامات التي أهتم فيها أهل العلم فكتبوا المصنفات الطويلة العريضة التي تبلغ بضع مجلدات كل تلك الأخبار التي أخبر فيها النبي عليه الصلاة والسلام والتي تحقق في زمنه أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وأنه يخبر عن أمر الغيب لا يعلمه إلا نبي ما يزيد المؤمن في حال وقوع ما أخبر به النبي عليه والصلاة والسلام إلا إيمانا ويقينا واستسلاما لأوامر الله عز وجل ولأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويرى الواقع الملموس الذي أخبر به صلى الله عليه و سلم ويقارن بين زمن ما تحدث به والزمن الذي وقع به فيرى أن بون شاسع ربما يفوق على الألف وأربعمائة عام هذا الخبر الذي يخبر به النبي صلى الله عليه سلم لا يكاد يجعل المؤمن إلا منصاعا منقادا ممتثلا وباذلا نفسه في سبيل الله تعالى.
تلك الأخبار التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام تدل على أنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ولهذا فلقد انصاع وأنقاد جملة من اليهود الذين كان من صفاتهم العناد وكان من صفاتهم الجحد وكان من صفاتهم التقليب والتحريف والتبديل لآيات الله تعالى حينما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور فوجدوا أن هذه القضايا لا يخبر عنها إلا نبي ما كان منهم إلا أن آمنوا بالله تعالى ودخلوا في الدين ولقد أعترف أولئك القوم يصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لكنه الحقد الحنق والغضب من أن النبوة سلبت من أيديهم لأنهم لم يوقروها ولم يعرفوا لها حقها ولم يقيموا لها وزنها.
لذلك بادلوا هذا الأمر بالتكذيب وبادلوا هذا الأمر بالتحريف لصفات النبي عليه الصلاة والسلام حتى لا يؤمن به من كتب الله تعالى له الإيمان .
بين أيدينا حديث كثيرا ما نسمعه وكثيرا ما نردده ولكنه جدير بالاهتمام وجدير بالدراسة وجدير بأن يطرق على مسامعنا حينا بعد حين وأن هذا الدين حق ولنعلم أن ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام حق وأنه دليل وعلامة من علامات نبوته صلى الله عليه و سلم .
روى الحاكم في مستدركه و البيهقي في سننه الكبرى من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معشر المهاجرين:(( يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن .
-مثل هذا الكلام الذي يفتح به النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث يجعل الإنسان مشدوها وهذا من أرقى الأساليب في الخطابة والوعظ والتأثير ألا تدخل في الحديث مباشرة وألا تطرق مسامع الناس بالمعضلة والمشكلة من أول وهلة خصال خمس إن ابتليتم بهن- إذا فهن بلاء من الله عز وجل- وهذا البلاء قد يكون خيرا وقد يكون شرا :((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)) سورة الأنبياء آية (35).
لهذا فيزداد الذهن انشغالا وتشبثا بالحديث لسماع هذه الخمس الخصال ما هن وأعوذ بالله أن تدركوهن إذا هن أمور عظام أنهن أمور يستعاذ بالله تعالى منهن وأعود بالله أن تدركوهن ما هي هذه الخصال ؟
قال : ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في بأيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ))[1]
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا .
عظيمة هذه الخصلة وحق للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحذر منها أن يستعيذ بالله تعالى ويعيد أصحابه منها لأنه لا تظهر الفاحشة ظهور بينا بين الناس إلا من وقت عمت فيه الجاهلية الجهلاء من زمن الجاهلية حينما كان الناس لا ضابط لهم إلا أهوائهم وشهواتهم كانت توجد في مكة نساء على بيوتهن أعلام يعرف الناس أن هذه دار فيها بغية يدخل إليه الناس ليزنوا بها وليعطوها أجرا قليلا وكان الناس في الجاهلية لهم إماء يستكرهن على الوقوع في الفاحشة من أجل أن تدفع كل واحد منها ضريبة لسيدها حتى جاء الله تعالى بهذا الدين بالإسلام بمحمد عليه الصلاة والسلام فآمن من آمن حتى هؤلاء الجواري فرفضن أن يسلكن هذا الطريق مع أنهن لا يزلن إماء ولا تزال الواحد منه ليست حرة لكنها لما آمنت وخالط الإيمان بشاشة قلبها رفضت أن تنصاع وتنقاد لهذا الأمر.
ظهور الفاحشة انتشارها صار الآن في بلاد الإسلام ليس في بلاد الغرب معلما من معالم الضياع والانحطاط والإتباع لخطوات الشيطان وإتباع سبل أهل الكتاب الذين انحرفوا عن دين الله تبارك وتعالى.
وباليتك تخالط الشباب و يا ليتك تعلم بماذا يتكلم الشباب ومع من يمشي الشباب وليتك تقرأ الرسائل التي تأتيهم في جوالاتهم ليتك تعلم تلك النوادي التي يلتقون فيها ليتك تخالط تلك الشوارع التي يختلطون فيها مع المنحرفين والمنحرفات ليت دوائر الأمن التي ما وضعت إلا لحماية المجتمع من الوقوع في الانحطاط والرذيلة ليت هذه الجهات تتابع هذه الأماكن وتفضحها وتقدمها للعدالة لا أن تتستر عنها ولا أن تتكاسل عن الإبلاغ عنها لأن هؤلاء والله مسئوليتهم بين يد ي الله عظيمة إن موقف عظيم سيقفون فيه بين يدي الله تعالى أن تتستروا على مثل هذه الأماكن هم أجدر بأن يكتشفوا مثل هذه الأماكن ما دخل أحدهم إلى مثل هذه الأماكن وما طلب مثل هذه المناصب من أجل أن يكون النظر إليه ملفتا ولا من أجل أن يشار إليه بالبنان .
كل هؤلاء مناصبهم ليست مناصب تشريف إنما هي مناصب تكليف ومسئولية عظيمة كان السلف الصالح يبتعدون منها ويفرقون منها وإذا كلفوا بها فإنهم يتحملونها بجدارة ما لم يستطيعوا فإنهم يتنازلون عنها مباشرة .
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إعلانها ليس المقصود أن تطرح لافتات أو تطرح لوحات في الأماكن التي يفعل فيها مثل هذه الفواحش أبدا ليس هذه هو المراد أن يعلن بها في أي وسيلة ومن وسائل الإعلام عن طريق الجوالات عن طريق الإنترنت عن طريق الالتقاء عن طريق القنوات الفضائية الفاضحة التي تظهر ما يخجل منه المؤمن هناك أماكن على أجهزة الأمن أن تفتشها تلك الأماكن التي تبيع الاسطوانات الالكترونية والتي فيها ما يندى له الجبين عليها أن تداهم مثل هذه الأماكن وتنظر ماذا يباع فيها وما ذا يوزع فيها خصوصا في أ خر الليل على أجهزة الأمن أن تتحمل مسئولية هذا الجانب لأن هذه القضية ليس معني بها فئة معنية .
إنما هي من أجل الحفاظ على أمن المجتمع و أخلاقة وما أمس عند جارك صبح في دارك .
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ابتلوا بالأمراض والأسقام التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا أمراض لم يجدلها المجتمع ولم يجد لها العالم ولم تجد لها التقنية الحديثة ولاكتشافات المتقدمة لم تجد لها علاجا .
من أواخرها داء نقصان المناعة المكتسبة ((الإيدز)) هذا المرض الذي يحصد في كل يوم مئات الآلاف من المجتمع في الأرض وهنالك مجتمعات مسلمة فشى فيها هذا المرض ولكنها تستحي أن تعلن عن الأرقام الموجودة في البلاد الإسلامية لتظهر للناس أنها لا تزال محافظة .
والله أن الوقت قد أنقرظ و فشي هذا الداء في المجتمعات المسلمة انتشار النار في الهشيم فشى في الناس كانت توجد من قبل أمراض وإن كان استطاع العلم أن يوجد لها علاجا ولكن ما اكتشفوا علاجا لمرض إلا ابتلاهم الله بمرض أخطر كان يوجد في الناس نتيجة الزنا ونتيجة اللواط مرض الهربز ومرض السيلان ومرض الزهري وأوجدوا له ما أوجدوا من علاجات ،لكنهم الآن هذا المرض الذي يحصد العالم حصدا .
مليارات من الناس بعداء البيوت هياكل عظمية تداهمها الأمراض والأسقام من كل حدب وصوب لا يجد لها المجتمع حلا لماذا؟
لأن الفاحشة ظهرت وأعلن الناس بها ودخول كثير من الشباب في مقاهي الانترنت من أخطر الأمور ولا تظنوا أن ما عمل من الإجراءات من قبل وزارة الثقافة والإعلام من تكسير الحواجز بين المختلطتين في داخل أندية ومقاهي الانترنت كاف.
لا بل المسئولية عليهم أعظم من هذا بالاستمرار في المتابعة حماية للمجتمع فما من شخص يسقم ويمرض إلا انتقل داؤه إلى المجتمع كله :((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) سورة الأنفال آية (25).
الخصلة الثانية : لم ينقصوا المكيال والميزان أي أنهم جميعا يحاولون التطفيف تجارهم و كذلك الذين يبيعون ولو لم يكونوا تجارا إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤمن وجور السلطان عليهم لو سألت أحدهم الآن كيس السكر وكيس البر وكيس الأرز كم كيلو؟
لقال أكثرهم خمسون كيلو ولكن الجواب خطأ هذا كان قبل عشرين سنة أما الآن فهو ينقص عشرة إلى خمسة كيلو!!!
إما أن يكون هذا مطلوبا من المصدر وإما أن يكون هذا بصنع صانع المخازن ينقصون المكيال الميزان وأهل الحل والعقد والمسئولون يتسترون عن مثل هذا الظلم ظلم للمجتمع كله أن يكون مكتوبا على الكيس خمسين كيلو وهو في الحقيقة خمس وأربعين كيلو .
أين العقوبات الصارمة لأمثال هؤلاء ؟
هذه مظالم العباد التي تجر البلاد وتجر العباد إلى الويلات لا أول لها ولا أخر هذه المظالم هي التي تجر الناس إلى أن يتأثروا إلى أن يخرجوا عن النظام و إلى أن يخرجوا عن الدستور وإلى أن يخرجوا عن نطاق الشرع لأن أكثرهم لا يعقلون ولا يعون مخاطر الخروج على الحاكم ولا يعون المخاطر التي تؤول بالعباد البلاد من جراء هذا الخروج.
لا أظن أن أحدا من الناس راض عن هذا الوضع صغيرا أو كبيرا فقيرا أو غنيا إلا من نزع الله تعالى الرحمة من قلبة .
لا أظن أحدا يرتضي بالوضع الذي يعيشه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها .
إني أتحدث عن البلاد خاصة وأتحدث عن بلاد الإسلام عامة لأن هذه القضايا تعم المسلمين أجمعين لا تخص بلدا بعينه لو جئت تنظر في قوانين وزارة الاقتصاد مثلا ونظرت إلى ما سطره وكتبه التموين من قرارات وقوانين لو جدت أن الواقع يخالفه يقننون قوانين ولا يتابعونها .
هل تابعوا كسرة الخبز وقرص الرغيف كيف يباع في الأسواق ؟
وكيف يخبز في المخابز ؟
وهل هو وفق المعايير التي وصفوها خدمة للمجتمع وخدمة للناس ؟
لم يحصل هذا مجرد ورقة تطبع وتخرج من الطابعة ويوقع وتختم ثم تلصق في المخابز ثم بعد ذلك على المواطن السلام لأنهم لا يألمون لألم المواطن ولا ينظرون لمعاناة الناس ما عسى هذه الورقة تفعل أن لم يكن صاحب المخبز وأن لم يكن التاجر مراقبا لله تعالى أن كان مراقبا لله تعالى و الله لا يحتاج إلى مثل هذه الأوراق ولا يحتاج إلى مثل هذه المتابعات.
لكن حب المال هو الذي يجعل الناس يظلمون ويجورون ولا ينظرون في حاجة صغار الناس لعلك تجد نساء يقفن بعيدا عن المخابز يستجدين الناس من أجل أن يعطوها كسرة خبز. الناس في معاناة.
ولم ينقصوا المكيال ولا ميزان إلا ابتلوا بالسنين السنين المقصود بها شح الأمطار لا ليس شح الأمطار فحسب بل قد يمطر الناس ولكنهم لا ينفعهم الله تعالى بهذه الأمطار.
بشر أهل اليمن بأنهم دخلوا في مدارات الأمطار وفي مواسم الأمطار الغزيرة وظن الناس أن الخيرات ستأتيهم من كل حدب وصوب ولا تأتي الخيرات مع انحراف لا تأتي الخيرات مع عصيان لا تأتي الخيرات مع هجر للصلاة والمساجد لا تأتي الخيرات مع سكوت على المنكرات لا تأتي الخيرات مع عدم الحكم يغير ما أنزل الله تعالى.
إنها أمور مترابطة تمطر البلاد ولكن هذا المطر يذهب إلى البحر لا ينتفع الناس به تعالى وأعطي إحصائية عن المزارع التي تزرع القمح وتزرع الفواكه وتزرع الخضروات من أين تسقي أنها تستقي من جوف الأرض ما تستقي من الأمطار الأمطار لا ينتفعون بها ولهذا كل يوم يفجأ الناس يرفع الأسعار .
كيف ترتفع هذه الأسعار ؟ أليس هنالك رقابة؟
أن كان السعر اقتصاديا كما يدعي الاقتصاديون فليكن ثابتا لا كل اليوم ينتقل إلى مرحلة وليس هناك مواكبة لحال الفقراء ولمساكين وذوي الدخل المحدود.
ومن هنا أقول أيها الإخوة :
إن هذا ناتج عن المعاصي وليس هذا من خصوصيات الحاكم وحده فالأمر مشترك بيننا وبينه حتى نكون عادلين لأننا نشتكي من الظلم .
ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤمنة شدة المؤمنة ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم ارتفاع مهول إلى أين تجر البلاد ؟
والله أعلم إلى أين تمضي العجلة وجور السلطان عليهم أي شدته أن يشدد عليهم في كثير من القضايا الضرائب ضريبة بعد ضريبة سرية وعلانية يوما بعد يوم على المستورد العام وضريبة على أصحاب البيع بالتقسيط والتجزئة وضريبة حتى وإن كانت هذه لم تأت ولكنها في الطريق لأن هذا نظام غربي حتى على المستهلك نفسه إذا اشترى بمائة ريال خبزا سوف يدفع بعد ذلك فوق هذا ضريبة .
هذا نظام غربي محض نظام رأس مالي محض لا يبقي في البلاد إلا طبقة طاغية في الغنى وطبقة مسحوقة في الفقر.
ثالثا: لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولا لو البهائم لم يمطروا ولولا رحمة الله بالبهائم التي تلهج بتسبيح الله تعالى وتمجيده لم يمطروا لأنه لا يستفيد من هذه الأمطار البشر إلا قلة ولا يستفيد إلا البهائم ترعى منها وإنك إذا رأيت الجبال تخضر ثم أسبوع تراها محروقة ذهبت بركة الأمطار .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الخصلة الرابعة التي حذر رسول الله منها أنه قال لم يخونوا عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فاخذ بعض ما في أيديهم .
وقد نقض عهد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وسلط الله على هذه الأمة الأمم من سواها فأخذوا بعض ما في أيدهم .
ولا تزال سلسلة طويلة لا يزال قضاء الله تعالى وقدرة في هذه الأمة ماض فقد أخذت فلسطين وأخذ البوسنة و لهرسك وأخذت كثير من البلاد الإسلامية من أوساط أسيا أخذتها الشيوعية والماركسيون .
والعراق الآن منهوبة والصومال محتلة كثير من البلاد في زعزعة قلاقل ولا يزال العدو يتربص أن تضعف الفريسة وتسقط فيهجم عليها دارفور صعدة وغيرها هذه قضايا نتيجة النقض لعهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم .
الحكم أيها الإخوة:
ليس المقصود به الحاكم في المحكمة الحاكم في المحكمة جزء من الحكم لكن الحكم عندنا نوعان :
محاكم شرعية ومحاكم قانونية المحاكم التجارية محاكم قانونية .
المحاكم الشرعية : فيها ما فيها من البلاء إلا ما شاء الله من أن يكون الحاكم ملتزما بكتاب الله وسنة رسول لله صلى الله عليه وسلم والحكم ليس المقصود به المحكمة فحسب أنا أحكم وأنت تحكم في أولادك والزوجة تحكم مع زوجها والأولاد تحكم بينهم بالحق وتحكم بين جيرانك بالحق وتحكم بين الناس بالحق هكذا ما لم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم.
انظروا إلى ما يحدث اليوم في السودان من تدخل يدخلون أقدمهم شيئا فشيئا و يدخلون رؤوسهم شيئا فشيئا ابتداء بالدعم المادي التقني بالدعم التكنولوجي بعد ذلك يأتي جنود بعد ذلك على أن يصير هذا الإقليم بعد ذلك ينفصل هذا الإقليم بعد ذلك يكون تحت الوصاية الأمريكية وهكذا كما يفعل في كثير من البلاد الإسلامية في مصير تيمور الشرقية .
أيها الإخوة :
كيف انخزلت تيمور الشرقية عن بلاد الإسلام؟
إلا بهذه الطريقة والله لئن أمدكم الله تعالى بالأعمار إذا لم يتدارك الله تعالى هذه الأمة برحمته ستذكرون مثل هذه القضية في دبي مثلا إنها مؤهلة للانفصال عن البلاد الإسلامية ما يحدث اليوم في صعدة جزء من هذا الانخزال لبلاد الإسلام.
أن طوائف بغيضة حاقدة على الإسلام والمسلمين تربت على فكر منحرف متآمر على بلاد الإسلام والمسلمين من أجل تجزئته من أجل تقسيمه الرافضة في صعدة وأن كانوا قلة إلا أن خطرهم داهم و والله لا يقل خطر القرامطة البهرة والإسماعيلية عن هؤلاء الرافضة فإن كان هؤلاء الذين في صعدة رافضة جارودية
فإن الإسماعيلية و البهرة رافضية جارودية.
و والله إنهم بحسب التقرير الذي سمعناه في مؤتمر علماء اليمن في صنعاء من بعض الأفاضل من صعدة إن الإسماعيلية في نجران يمدون الروافض في صعدة بالمال ولذا اشتروا الأسلحة الثقيلة والمتوسطة أنهم في حد تقدير يريدون أن يشكلوا لأنفسهم دولة داخل دولة دولتين صعدة من اليمن ونجران من السعودية لشكلوا لأنفسهم دولة لأن هؤلاء فكر واحد ولا يقل خطر بعضهم عن بعض إطلاقا.
نعم لقد اجتمع الرئيس بالعلماء وحملهم المسئولية ولكن تحميل العلماء هذا المسئولية لا يكون في مثل هذه الموطن الحرجة فقط وأقولها بصراحة أنه يجب على الدولة أن تجعل للعالم مكانته وأن تكرمه وأن تسمع له وأن تنقاد له وأن تستنير برأيه وتهتدي بهدية لا يكون هذا في وقت المضايق نعم وقت المضايق لا يجوز أن يفرط في الأقطاب لا يجوز أن يفرط في الأمة إطلاقا مهما كلف الأمر ولكن يجب أن يكون هنالك خلقة تواصل بين الدولة وبين أهل العلم للمناصحة هؤلاء ينصحون هنا فساد وهنا فساد وعلى الدولة أن تنفذ صحيح أن الدولة في حسب تقديري عندها جدية للإصلاح.
ولكن الأمر مستشري ويحب عليها أن تحمل مسئوليها في الوقت الراهن ونحن نعاني معاناة شديدة من وطأة ما يحدث من هؤلاء الرافضة الحاقدين على الإسلام والمسلمين باسم الدين يستقبل برهان الدين زعيم طائفة البهرة استقبالا رسميا يحمون من أجل أن يكون عيدهم محميا أن فيه والله من الفساد ما يغضب الله وقد تكلمت معكم في الأسبوع الماضي ما هذا التناقض تناقض صارخ يناقض الكتاب والسنة القانون والدستور .
القانون والدستور لا يحمي الفساد ولا يشجع الفساد طوائف تعمل في داخل البلاد الزعزعة الأمن من المستوى البعيد إنني أحذر من هذا المكان المسئولين في هذه البلد وفي المحافظة بالذات أحذرهم من جراء هذه المشاكل والفتن .
ولقد بحت أصواتنا نحذر المسئولين من هذه الفتن هذه الميدالية ليتكم تعلمون ما فيها إن فيها الصليب من أين دخلت من الذي وزعها إنها مراكز للتنصير داخل مدينة تعز وغيرها .
والله إن المسئولين يعلمون هذا عندي في البيت شريط فيديو وزع على الطلبة في معهد للغات الذي بجوار المستشفى الجمهوري فيه عقيدة الصليب ودعوة صريحة للتنصير برشورات مطويات وأشرطة و خرجات ورحلات داخلية وخارجية كل ذلك لعرض التنصير .
هؤلاء والله لو كثروا في البلاد لأوجدوا لأنفسهم ضغطا كأي بلد آخر ولصار لهم إقليم يحتكمون فيه هذه الميدالية وزعت من وزعها؟
هذه ليست مسئولتي أنا إنما وصلت إلي من بعض الغيورين على هذا الدين هذه مسئولية الأمن ونحن قد قلنا لهؤلاء إن هنالك مراكز للتنصير منها معهد اللغات ومنها المعهد السويدي الكائن بشارع المرور وغير ذلك أناجيل توزع بأفخر الطبعات توزع في بلاد الإسلام من الذي يحمي هذا هل هناك قوانين تحمي هذا ؟
أما هذا ضد القانون والله أنه ضد الكتاب و السنة وضد القوانين ولكن هذه قضايا إذا لم ينتبه لها وتؤد في مهدها يوشك أن تشكل خطرا على المجتمع .
خامسة الخصال التي اختتم النبي صلى الله عليه سلم حديثه وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتحرون ذلك فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم وانتم ترون ما يحدث بين قادة العرب و قادة الإسلام من الله تعالى جعل بأسهم بينهم فلا يكادون يخرجون في مؤتمر ولا اجتماع بنظرة واحدة بل يخرجون مختلفين متناحرين قلوبهم يأكل بعضهم بعضا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والحمد لله رب العالمين
[1] – سنن ابن ماجه 2/1332
رابط الخطبة : http://almaqtari.net/?p=2307
محب آل البيت
خطبة بعنوان : ظاهرة الخسوف والكسوف (3/2)
1- من علامات يوم القيامة
2- سبب حدوث الخسوف والكسوف
3- أسباب حدوث الخسوف والكسوف
4- شؤم الذنوب والمعاصي
5- عاقبة ترك الأمر والنهي عن المنكر.
أما بعد:
عباد الله:
فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة كثرة الفتن في آخر الزمان وكثرة القتل ونحن نرى ونسمع يوميا ما يحدث على ظهر هذا الكون من الفتن والمحن فتن وكوارث وقتل هنا وهناك يخلف مئات الآلاف من القتلى ويخلف مئات الآلاف من الجرحى و يشرد الملايين من الناس في عام 2004م تذكرون حادثة ( تسو نامي ) التي حديث في جنوب شرق آسيا ذلك الطوفان الرهيب الذي هو جند من جنود الله تعالى هذه التسمية تسمية يابانية معناها أمواج الميناء عن الأمواج الطبيعية التي تسوقها الرياح هذه الأمواج تصل سرعتها إلى 800كيلو متر في الساعة الواحدة بمعنى أن هذه الأمواج لو انطلقت من أمريكا إلى ميناء طوكيو على سبيل المثال لو صلت هذه الأمواج قبل أن تصل الطائرة إنها عظمة الله تعالى! إنها تحذر البشر من غضب الله تعالى وسخطه جراء ما يفعلون هذه الحادثة خلفت مائة وخمسة وخمسين ألفا من القتلى وأكثر من هذا بكثير من الجرحى وأكثر أضعافا مضاعفة من المشردين وقبل أيام هزة أرضية في هايتي هذه الهزة البسيطة التي تقاس بمقاييس الدنيا تخلف نحو مائة ألف قتيل والعدد قابل للزيادة وأكثر من هؤلاء ربما جرحى ونحو 4ملايين من المشردين الذين يتضورون جوعاً وبرداً هذه الهزات الأرضية التي تحدث لم تكن لتحدث عفوياً وليس ظواهر طبيعية محضة نعم لها أسبابها واليوم حادثة خسوف الشمس هذه الحادثة التي عرف عنها من عرف وصلى صلاة الخسوف من صلى وتهاون من تهاون وجهل أصلاً أنه حدث كسوف من المسلمين من جهل ومن حرم هذه الصلاة فقد حرم خيراً كثيراً .
حادثة الخسوف تنتج أيها الإخوة نتيجة أن القمر يحول دون وصول ضوء الشمس إلى الأرض وحادثة الخسوف تحدث عادة بداية الشهر العربي القمري ويكون قبله أو بعد خسوف للقمر يحدث هذا بعد نصف شهر تقريباً حدث هذا الخسوف للقمر قبل حوالي نصف شهر تماماً والمسلمون والكفار يؤمنون ويوقنون بالأسباب وأن هذا هو السبب في حدوث كسوف الشمس أن القمر يخرج عن مداره قليلاً وأنه يحجب ضوء الشمس عن الأرض لكن هذا الحجب قد لا يرى في بعض البلدان وأن الخسوف يحدث بنفس مقدار الكسوف تماما كما يقول العلماء هذه الظواهر طبيعية نؤمن بها كما يؤمن بها غيرنا .
أما الأسباب الشرعية لمثل هذه الحوادث لا يؤمن بها إلا المؤمنون ويتهاون بها ولا يرفع لها رأساً خلق كثير من هذه الأمة.
إن من أعظم الأسباب التي أدت إلى ظاهرة الكسوف والخسوف والذنوب والمعاصي والتي يحدثها الناس ويخالفون بها أوامر الله تعالى .
وأوامر رسوله صلى الله عليه سلم ولهذا لم يحدث الكسوف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة لأن الذنوب لم تكن تفشو وتظهر كما هو الحال في هذا الأزمان المتأخر فإن الكسوف يحدث كثيراً والخسوف كذلك نتيجة لهذه الذنوب وإن هذه الحوادث كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ويريد بهذا القول أن يبطل عقائد الكفار فإنهم كانوا يعتقدون أن كسوف الشمس وخسوف القمر إنما يحدث لموت عظيم أو لحياته فقال صلى الله عليه وسلم لأنه في ذلك اليوم توفى ولده إبراهيم عليه السلام فقال الناس:ما كسفت الشمس إلا لموت إبراهيم عليه السلام فقال صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ))[1]
هذه الأسباب والمسببات نؤمن بها نحن معاشر المسلمين وأما غيرنا ممن لا يدينون بديننا فلا يرفع لهذه الأسباب رأساً.
نؤمن بأن هذه الحوادث تحدث نتيجة للذنوب ونتيجة للمعاصي وفي ذلك تحذيرٌ وإنذارٌ من الله عز وجل لبعاده ويريد منهم أن يرجعوا إليه ولذلك شرع ربنا تعالى أنه في حال النظر في مثل هذه الحوادث أن يهرع الناس إلى الصلاة : (( فإذا رأيتموهما فاهرعوا إلى الصلاة واذكروا الله تعالى واستغفروا الله جل وعلا )).
إن هذه الظواهر تنبئ عن قرب الساعة نتيجة لكثرة الذنوب والمعاصي التي تحدث على ظهر الأرض والناس آمنون من مكر الله عز وجل:((أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)) سورة الأعراف (99).
المؤمن لا يأمن مكر الله جل وعلا كما قال أبو بكر رضي الله عنه: (والله لو كانت أحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها لما أمنت مكر الله سبحانه وتعالى ).
إن مكر الله شديدٌ والله تعالى يمكر بمن يمكر به ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) سورة الأنفال (30).
ومكر الله أيها الفضلاء ليس كمكر الناس بل هو مكر يليق بجلال الله وعظمته.
وإن الناس يمكرون بالليل والنهار لكنه مكر يليق بضعفهم قال الله تعالى: ((وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) سورة سباء(33).
فأثبت الله سبحانه وتعالى أنهم يمكرون ليلاً ونهاراً ويجترحون السيئات ليلاً ونهاراً ولكم أن تنظروا إلى ما يحدث في هذا الكون من الذنوب والآثام والمعاصي والجرائم انظروا إلى الربا الذي هو مبارزةٌ لله ومحاربة له وانظروا إلى معاداة أو لياء الله جل وعلا إنها إنذار من الله تعالى بالحرب على الناس من عادى لي ولياء فقد آذنته بالحرب والربا حرب على الله وحرب من الله ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )) سورة البقرة (279).
إن الله جل وعلا يغار على حرماته كما كغار أحدكم على عرضه كما صح في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الناس سعداً ورأوا من غيرته الشديدة هذا الرجل الذي كان إذا طلق امرأته لا يجرؤ أحدٌ أن يتزوج بها بعده لشدة غيرة هذا الرجل يمكن أن يقتل من تزوج طليقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني ) )[2]
فالله سبحانه وتعالى يغار إذا ارتكبت محارمه ((الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ))[3]
إذا ارتكبت محارم الله عز وجل حل بالناس العقوبة وحلت بهم الأسقام والأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا من قبلهم .
ها نحن نسمع عن أمراض وأسقام ما كان آباؤنا و لا أجدادنا يعرفونها ما هذا إلا لأن الناس قد أوغلوا وتفننوا في مخالفة أمر الله عز وجل و الشرع إذا أمر بشيء فإنما يأمر بخير وإذا نهى عن شيء فإنما ينهى عن شر .
وانظروا اليوم إلى الكرة الأرضية بأسرها وما يحدث فيها من القلاقل وما يحدث فيها من الفتن ومن الابتلاء على للمسلمين خاصة.
في الصين مقاطعات بأكملها من المسلمين تعاني من الوثنيين ما تعاني وإن كانت أخبارهم قد لا تصل إلينا.
المسلمون في روسيا يعانون ما يعانون المسلمون في الهند يعانون ما يعانون ،المسلمون في أفغانستان يعانون ما يعانون، المسلمون في العراق يعانون ما يعانون المسلمون السنة في إيران يعانون ما يعانون من وأولئك الظلمة المغتصبين للأرض وللخيرات والثروات والمخالفين للمنهج الحق والمنتهكين للأعراض هكذا المسلمون في فلسطين يعانون ما يعانون والمسلمون في الصومال يعانون ما يعانون .
ما من بلد إلا وفيها قلاقل وفيها قتل ومن أشراط الساعة وعلاماتها كثيرة القتل كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما أخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام فأتوني ببلد ليس فيه القتل حتى بلدنا هذا قد شملته هذه الفتنة فتنة الاقتتال وفتنة يوشك أن تأكل الأخضر واليابس ائتوني ببلد ليس فيه سجن يئن من وراء قضبانه أناس ليس لهم ذنب إلا أنهم قالوا ربنا الله .
ائتوني ببلد مسلم ليس فيه احتقار وازدراء بالعلماء والصالحين والمصلحين، ومن المفارقات أنه في بلاد الغرب مع كفرهم يجلون العلماء ويحترمون المفكرين يعزونهم يدافعون عنهم يبحثون عن راحتهم وعن حرياتهم .
أما في بلاد المسلمين فيوشك أن يطبق المسلمون على أنهم يتمنون أن يناموا ثم يصبحون فلا يرون عالماً ولا مصلحاً إلا من رحم الله ما هذا إلا انتكاس ورجوع إلى الوراء ووقوع في الوقوع في المخالفة الشرعية.
إن الله تعالى لا يزال يحفظ هذه الأمة بالصالحين وبالمصلحين والعلماء فإذا لم يحترم هذا الصنف من الناس وإذا لم يقم هذا الصنف بدورهم يوشك أن يعم الله تعالى الناس جميعاً بالعقوبة.
كما يقول صلى الله عليه وسلم (( لتأمر بالمعروف ولتهون عن المنكر……
أيها الإخوة الفضلاء هذه الظواهر والفتن إنما هي نتيجة لوقوع الذنوب والمعاصي ومخالفة أمر الله جل وعلا وعدم التحاكم إلى شريعة الله أين إقامة حكم الله عز وجل في بلاد المسلمين؟ يوشك أن تطبق المحاكم على أن تحكم بالقوانين الوضعية يوشك أن تطبق كذلك على الرشوة وعلى الاختلاس وعلى التحايل على أحكام الله عز وجل .
وهذا نذير شر عظيم يوشك إن يضغط الأعداء على بلاد المسلمين من أجل أن يلغوا شيئا اسمه شريعة الله عز وجل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن الذنوب والمعاصي تؤثر على هذا الكون وتؤثر على البيئة وتؤثر على الهواء وتؤثرعلى الناس في أجسامهم وتؤثر على معاشهم.
في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الحجر الأسود نزل من الجنة وكان أشد بياضاً من الثلج ، أو البرد فما سوده إلاَّ خطايا بني آدم))[4].
فسمي الحجر الأسود وإلا فهو في الأصل أبيض .
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ))[5].
ما هو حاصل اليوم للمسلمين في ضيق المعاش إنما هو نتيجة للوقوع في الذنوب والمعاصي ما هو حال اليوم بسكان الأرض من كارثة الاحتباس الحراري إنما هو ناتج عن المعاصي ومن هذه المعاصي الاعتداء على هذا الكون بما ينبعث من المصانع وغيرها من ثاني أكسيد الكربون في السماء لا شك أن ذلك معصية لأن الإنسان إذا دمر ما حوله وقع في معصية الله عز وجل إنه مأمور بأن يحيي ما حوله وأن يحافظ على ما حوله .
ما هذه الأمراض التي انتشرت اليوم إلا نتيجة هذا التدمير الذي يحدث في البيئة .
إن مدينتنا هذه اليوم في خطر تعاني من حمى الضنك نتيجة ماذا نتيجة هذا المعاصي إننا لا نلتفت إلى التوجيهات الصادرة من المتخصصين من ترك المياه مكشوفة ويترك كثير من الناس مياههم في أثناء الأعمال في الشوارع في البيوت أعني المقاولين ومن نحى نحوهم تبقى مكشوفة تتعرض لها البعوض وتفقس فيها ثم تنتشر الأمراض .
المسابح أحياناً في بعض البيوت تكون سبباً والبرك أيضا تكون سبباً.
وأحيانا بعض الأشياء التي تلقى في الشوارع كالإطارات المستهلكة والخزانات التالفة فتتجمع فيها مياه المطار أو تتسرب المياه المواسير أعني المياه الصالحة للشرب فتتجمع في الحفر فينتج عنها هذه الأمراض هذا كله بسبب هذه المخالفة وهذه المعصية وهكذا رمي المخلفات والقمائم في غير محلها وعدم رفعها من الجهات المختصة هو نوع من أنواع المخلفات لشريعة الله تعالى وهذا يسبب كثيراً من الكوارث والأمراض والأوبئة.
إن الله تعالى ربما يخسف ببلد كلها بسبب الظلم :((وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَ أَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ )) سورة الأنبياء آية (11).
قرى بأسرها يدمرها الله يالرياح والأعاصير أو بالطوفان وما شاكل ذلك هذا كله نتيجة أن الناس خالفوا أوامر الله جل وعلا ولهذا حيثما تحل المعصية يخسف الله بالناس أولهم وآخرهم .
إقليم آتشي الذي في أندنوسيا والذي دمر بالتسونامي كان إقليماً مسلماً لكن كثرت فيه المعاصي فأخذ الله تعالى الصالح والطالح .
ويقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ قَالَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ))[6]
فالعقوبة لا تصيب الظالم وحده ولا تصيب المرتكب للجريمة وحده بل تصل إلى غيره هذا الذي يزني ينشر المرض إلى غيره ينشر المرض إلى زوجته إلى أبنائه ينتشر إلى هذه المرأة التي واقعها فيواقعها رجل آخر فينشر المرض في البلد وبهذا يتحمل هذا الظالم هذا الوزر وزر هؤلاء الناس الذين فعلوا هذا الفاحشة، هذه البنوك الربوية التي لا تزال تعمل ليلاً ونهاراً لا تصيب الفتنة مدراءها ولا تصيب العاملين وحدهم بل تضر بالناس عامة ودرء الضرر العام أوجب من إزالة الضرر الخاص .
بل إن الضرر الخاص أحيانا قد يسكت عنه حتى لا ينتشر شره إلى العامة.
فمثلا هذا شيخ الإسلام بن تيمية رحمة الله عليه يأتي هو وطلابه فيرى التتار سكارى ومرميين في الأرض فيقول أحد الطلاب أفلا نقيم عليهم الحد فيقول : لا دعوهم فإنه لو صحوا لقتلوا الناس فالشر العظيم والشر العام يدفع بالشر الخاص والضرر الأعلى يدفع بالضرر الأدنى .
أسأل الله أن يوفقنا وأياكم لكل خير وأن يدفع عنا وعنكم كل سوء والحمد الله رب العالمين
[1]- البخاري 2/464
[2] – البخاري 5/2001
[3] البخاري 1/56
[4] – مسند البزار 2/189
[5] – سنن ابن ماجة 2/1334
[6] – البخاري 5/321
رابط الخطبة : http://almaqtari.net/?p=314
تعديل التعليق