ثلاث أشجار عجيبة

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/03/09 - 2024/09/12 05:52AM

الحمدُ للهِ الذي غرسَ شجرةَ الإيمانِ في قلوبِ مَنِ اختارَهم لعبوديتهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين لهم بإحسانٍ، أما بعدُ:

فاتقُوا اللهَ وتفكرُوا في عجائبِ مخلوقاتهِ، ومن تلكَ العجائبِ هذه الأشجارُ التى نتفيؤُ ظلالها، ونجني ثمارَها، ونرى فيها: (المنظرَ البهيجَالذي يَشُوقُ الناظرينَ، ونعتبرُ بخِلقتِها البديعةِ، الشاهدةِ لفاطرِها ومبدِعها)().

وقد ذُكر في القرآنِ أسماءُ أشجارٍ كثيرةٍ، لكنَّ أعظمَهنَ ثلاثُ أشجارٍ، اثنتانِ هن من شجرِ الآخرةِ. والثالثةُ تكونُ في الدنيا وفي الآخرةِ.

فأما الشجرةُ الأولى: فشجرةٌ في الجنةِ، قالَ عَنْها النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا(). قالَ أَبو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}. إنها أضخمُ شجرِ الجنةِ، إنها شجرةُ طوبى، التيتَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا ثِيَابُ أَهْل الجَنَّةِ().

وليسَ للعابدينَ مُستراحٌ إلا تحتَ شجرةِ طوبى، فمثِّل لقلبِكَالاستراحةَ تحتَ طوبى يَهُنْ عليكَ النَّصَبُ().

وشجرُ الجنةِ كلُه مثمرٌ.. وإذا نُزعتْ ثمرةٌ منها عادت مكانَها أخرى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} من انقطاعِها ومضرتِها. {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32)لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} فلا تكونُ في وقتٍ دون وقتٍ، ولا تُمنعُ ممن أرادَها.

{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}: قالَ البراءُ بنُ عازبٍ رضيَاللهُ عنه: إنَّ أهلَ الجنةِ يأكلونَ من ثمارِ الجنةِ قيامًا وقعودًا ومضطجِعينَ(). رواهُ البيهقيُ وحسنهُ المنذريُ.

فأما الشجرةُ الثانيةُ العجيبةُ: فشجرةٌ تنبتُ في وسطِ نارِ الجحيمِ، إنها تلكمُ التي قالَ اللهُ عنها: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ().

ولما أنزلَ اللهُ تعالى قولَه: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ؟! هَاتُوا تَمْراً وَزُبْدًا فَتَزَقَّمُوا!!. فأنزلَاللهُ عزَ وجلَ متوعداً كلَ مستهزِئٍ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} خلَقَها من النارِ، لكنها لا تحترقُ. فيا للهِ العجبُ!().

قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟ رواهُ الترمذيُ وصححهُ().

ولنعلم أن الشركَ والكذبَ والرياءَ شجرةٌ في القلب، ثمرُها في الدنيا الخوفُ وظُلمةُ القلبِ، وثمرُها في الآخرةِ الزقّومُ والعذابُ المقيمُ().

فما أعظمَ الفرقَ بينَ شجرتينِ؟ شجرةِ المشركِ شجرةِ الزقومِ، فالحلوقُالسليمةُ لا تبلَعُها. وشجرةِ الموحدِ طوبى يسيرُ الراكبُ في ظلِها مئةَعامٍ لا يقطعُها.

فيا عبدَ اللهِ: كلما بهرَكَ جمالُ غابةٍ من الأشجارِ، أو منظرٌ خلابٌ في القفارِ، فقلْ: ما عندَ اللهِ خيرٌ للأبرارِ.

الحمدُ للهِ وحدَه، وصلى اللهُ وسلمَ على مَن لا نبيَ بعدَه، أما بعدُ:

فأما الشجرةُ الثالثةُ: فهي شجرةٌ تكونُ في الدنيا وتكونُ في الجنةِ، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}. قالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: نخلُالجنةِ ثمرُها أمثالُ القِلالِ والدِلاءِ، أشدُ بياضًا من اللبنِ، وأحلى من العسلِ، وألينُ من الزُّبدِ، ليسَ فيها عَجَمٌ().

إنها تلكمُ الشَجَرَةُ الطَيِّبَةُ التي مدَحَها خالقُها: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) تَطعَمُها في الصيفِ رُطَباً جنيًا، وفي الشتاءِ طَلعًا هَنيًا.

قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: (وَالتّمْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ.. وَهُوَ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَشَرَابٌ وَحَلْوَى.. وفِي التّمْرِ وَالْمَاءِ مِنْ الْخَاصّيّةِ الّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلّا أَطِبّاءُ الْقُلُوبِ)().

وقد كانَ أجدادُنا؛ إنما قوتُهم التمرُ، ونجاهمُ اللهُ من الموتِ والجوعِ بهذا التمرِ، أما الآنَ فنحنُ نأكلُه تفكُهًا، لا عن ضرورةٍ. فلنحذرْ منَ البَطَرِ بالنِعَمِ، وإهانةِ التمورِ المأكولةِ، بإلقائِها مع طعامِ الحيوانِ، أو رميِها بقارعةِ الطريقِ، وأقبحُ منهُ وضعُها مع القمامةِ.

فيا عبادَ اللهِ: إن من نعمِ اللهِ علينا ما نعيشُه في هذهِ الأيامِ من موسمِقطفِ الرُّطبِ واجتناءِ التمرِ، فاتقوا ربَكم واشكروُه، وأدُّوا ما أوجبَ اللهُفيها من الزكاةِ؛ (ومَن عندَه نخلٌ في استراحتهِ أو بيتهِ.. وثمرتُها تبلغُالنصابَ، قد لا يَعلمونَ أن فيها زكاةً، ويظنونَ أن الزكاةَ في المزارعِفقط.. ومقدارُ النصابِ ستُ مئةٍ واثنا عشرَ كيلواً فأكثرَ. وتُخرَجُ الزكاةُمن قيمتهِ فلوساً إن شاءَ؛ لأنه أسهلُ على المالكِ وأنفعُ للمحتاجِ، ومقدارُها خمسةٌ بالمئةِ)().

• فاللهم اجعلنا من الذين إذا أعطيتَهم شكرُوا وإذا ذكَّرتَهم ذَكرُوا.
• اللهم لا تخيبْنا ونحنُ نرجوكَ، ولا تعذِبْنا ونحنُ ندعوكَ.
• اللهم إنا نسألُكَ برحمتِك الفردوسَ ووالدِينا وأهلِينا.
• اللهمّ أعطيتَنا الإسلامَ من غير ِأن نسألَكَ، فلا تَحرِمْنا الجنّةَ ونحنُ نَسألُكَ.
• اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.
• اَللَّهُمَّ وَفّقْ إمامَنا ووَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ.
• اللَّهُمُّ اِحْفَظْ جنودَنا وحدودَنا، وبِلَادَنَا وبلادَ المسلمينَ، وطهرِ المسجدَ الأقصَى وجنباتِهِ من رجسِ يهودَ، وافرُجْ كَرْبَ أهلِ غزةَ.
• اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدا

المرفقات

1726109546_‎⁨ثلاث أشجار عجيبة⁩.pdf

1726109546_‎⁨ثلاث أشجار عجيبة⁩.doc

المشاهدات 1006 | التعليقات 0