ثلاثون سببا ونيف للخشوع في الصلاة-بتصرف للشيخ محمد المنجد.

محمد بن سامر
1434/09/11 - 2013/07/19 03:30AM
[align=justify]الحمد لله رب العالمين، الذي قال في كتابه المبين: /font]وقوموا لله قانتين[/b][b، وقال عن الصلاة: /b][b]وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين[/b][b والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد الخاشعين محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية، والخشوع فيها من المطالب الشرعية، ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم، وقال: /b][b]ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم[/b][b صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل، والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة وإضاعة أجرهم وثوابهم، ولما كان الخشوع أول ما يرفع من الأرض ونحن في آخر الزمان، انطبق فينا قول حذيفة-رضي الله عنه-: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مصلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعًا. (المدارج 1/521).
ومما يلمسه المرء من نفسه ويسمعه من كثرة المشتكين من حوله بشأن قضية الوساوس في الصلاة وفقدان الخشوع؛ تتبين الحاجة إلى الحديث عن هذا الموضوع، وفيما يلي تذكرة لنفسي ولإخواني المسلمين أسأل الله أن ينفع بها:
فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: /b][b]قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون[/b][b.
أي خائفون ساكنون و"الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته". (تفسير ابن كثير ط. دار الشعب 6/414)والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل. (المدارج 1/520)
ويروى عن مجاهد قال: (قوموا لله قانتين): "فمن القنوت: الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من رهبة الله -عز وجل-". (تعظيم قدر الصلاة 1/188).
ومحل الخشوع في القلب وثمرته على الجوارح.
والأعضاء تابعة للقلب، فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح؛ فإن القلب ملك الأعضاء، والأعضاء جنود له؛ فبه يأتمرون وعن أمره يصدرون، فإذا عُزل الملك وتعطّل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرعية وهي الأعضاء.
والتظاهر بالخشوع ممقوت مكروه، ومن علامات الإخلاص:
إخفاء الخشوع:
كان حذيفة-رضي الله عنه-يقول: "إياكم وخشوعَ النفاق!" فقيل له: وما خشوعُ النفاق قال: "أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع". وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله تعالى-: "كان يُكره أن يُريَ الرجل من الخشوع أكثرَ مما في قلبه". ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن فقال: يا فلان، الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره، لا ها هنا وأشار إلى منكبيه. (المدارج 1/521).
وقال ابن القيم-رحمه الله تعالى-مبيّنًا الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق: "خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء، و شهود نعم الله وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح. وأما خشوع النفاق فيبدو على الجوارح تصنعًا وتكلفًا والقلب غير خاشع، و كان بعض الصحابة-رضي الله عنهم-يقول: "أعوذ بالله من خشوع النفاق"، قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: "أن يُرى الجسدُ خاشعًا والقلبُ غيرَ خاشع". فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته، وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر وأشرق فيه نور العظمة" فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حشي به، وخمدت الجوارح، وتوقر القلب واطمأن إلى الله وذكرِه، بالسكينة التي نزلت عليه من ربه، فصار مخبتا له، والمخبت المطمئن، فإن الخبت من الأرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء، فكذلك القلب المخبت، قد خشع واطمأن كالبقعة المطمئنة من الأرض، التي يجري إليها الماء فيستقر فيها، وعلامته أن يسجد بين يدي ربه، إجلالا له وذلا وانكسارا، سجدة لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه. فهذا خشوع الإيمان، وأما القلب المتكبر فإنه قد اهتز بتكبره وربا، فهو كبقعة رابية من الأرض لا يستقر عليها الماء.
وأما التماوت وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعًا ومراءاة، ونفسه في الباطن شابة طرية، ذات شهوات وإرادات، فهو يتخشع في الظاهر، وحية الوادي وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة". (كتاب الروح ص:314 ط. دار الفكر-الأردن).
"والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "...وجعلت قرة عيني في الصلاة" (تفسير ابن كثير 5/456 والحديث في مسند أحمد 3/128 وهو في صحيح الجامع 3124)
وقد ذكر الله الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار، وأخبر أنه أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما (سورة الأحزاب 35).
ومن فوائد الخشوع أنه يخفف أمر الصلاة على العبد قال سبحانه وتعالى-: /b][b]واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين[/b][b والمعنى: أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين. (تفسير ابن كثير 1/ 125).
والخشوع أمر عظيم شأنه، سريع فقده، نادر وجوده خصوصا في زماننا وهو من آخر الزمان، قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعا". (قال الهيثمي في المجمع 2/136: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن وهو في صحيح الترغيب رقم 543 وقال: صحيح).
"قال بعض السلف: الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك، فما الظن بمن يُهدي إليه جاريةً شلاّء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرّجل، أو مريضة أو دميمة أو قبيحة، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح!.. فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى؟ والله طيب لا يقبل إلا طيبا وليس من العمل الطيب: صلاة لا روح فيها. كما أنّه ليس من العتقِ الطيبِ عتقُ عبدٍ لا روح فيه". (المدارج 1/526)
حكم الخشوع:
والراجح في حكم الخشوع أنه واجب. قال شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى-: قال الله -سبحانه وتعالى-: /b][b]واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين[/b][b وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين..، والذم لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرّم، وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع..، ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قولُه -سبحانه وتعالى-: /b][b]قد أفلح المؤمنون[/b][b]*[/b][b]الذين هم في صلاتهم خاشعون[/b][b]*[/b][b-إلى قوله-[أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون]. أخبر-سبحانه وتعالى-:أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم.. وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا، وهو المتضمن للسكون والخضوع، فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده، وكذلك من لم يرفع رأسه في الركوع ويستقر قبل أن ينخفض لم يسكن؛ لأن السكون هو الطمأنينة بعينها، فمن لم يطمئن لم يسكن، ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده، ومن لم يخشع كان آثما عاصيا،.. ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء فإن حركته ورفعه هو ضد حال الخاشع.. (مجموع الفتاوى 22/553-558).
وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه". (رواه أبو داود رقم 425 وهو في صحيح الجامع 3242).
وقال-صلى الله عليه وآله وسلم-في فضل الخشوع أيضا: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه"-وفي رواية: "لا يحدّث فيهما نفسه"-غفر له ما تقدّم من ذنبه-وفي رواية إلا وجبت له الجنة-" (البخاري ط. البغا رقم 158 والنسائي 1/95 وهو في صحيح الجامع 6166).
وعند البحث في أسباب الخشوع في الصلاة يتبين أنها تنقسم إلى قسمين:
الأول: جلب ما يوجد الخشوع ويقويه. والثاني دفع ما يزيل الخشوع ويضعفه. وهو ما عبّر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في بيانه لما يعين على الخشوع فقال:
"والذي يعين على ذلك شيئان: قوة المقتضى و ضعف الشاغل.
أما الأول: قوة المقتضى:
فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله و ما يفعله، ويتدبر القراءة والذكر والدعاء، ويستحضر أنه مناجٍ لله-سبحانه وتعالى-كأنه يراه. فإن المصلي إذا كان قائما فإنما يناجي ربه.
و"الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان.
والأسباب المقوية للإيمان كثيرة، ولهذا كان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-يقول: "حبب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وفي حديث آخر قال: "أرحنا بالصلاة يا بلال" ولم يقل: أرحنا منها.
أما الثاني: زوال العارض:
فهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه، و تدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة، وهذا في كل عبد بحسبه، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات، وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها. (مجموع الفتاوى 22/606-607).
وبناء على هذا التقسيم نستعرض فيما يلي طائفة من أسباب الخشوع في الصلاة تذكر إجمالا ثم يفصل القول فيها قليلا بعد وهي:
(1)الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها، (2)الطمأنينة في الصلاة، (3)تذكر الموت في الصلاة، (4)تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها، (5)أن يقطّع قراءته آيةً آيةً، (6)ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها، (7)أن يعلم أن الله يُجيبه ويكلمه في صلاته، (8)الصلاة إلى سترة والدنو منها، (9)وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر، (10)النظر إلى موضع السجود، (11)تحريك السبابة، (12)التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة، (13)أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه، (14)الاستعاذة بالله من الشيطان، (15)التأمل في حال السلف في صلاتهم، (16)معرفة مزايا الخشوع في الصلاة، (17)الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصًا في السجود، (18)الأذكار الواردة بعد الصلاة، (19)إزالة ما يشغل المصلي من المكان، (20)ألا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي، (21) ألا يصلي وهو حاقن أو حاقب، (22)ألا يصلي وقد غلبه النّعاس، (23)أن لا يصلي خلف المتحدث أو (النائم)، (24)عدم الانشغال بتسوية الحصى، (25)عدم التشويش بالقراءة على الآخرين، (26)ترك الالتفات في الصلاة، (27)عدم رفع البصر إلى السماء، (28)أن لا يبصق أمامه في الصلاة، (29)مجاهدة التثاؤب في الصلاة، (30)عدم الاختصار في الصلاة، (31)ترك السدل في الصلاة، (32)ترك التشبه بالبهائم.
أولا: الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه.
وهذا يكون بأمور منها:
(1)الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها:
ويحصل ذلك بأمور منها: الترديد مع المؤذن، والإتيان بالدعاء المشروع بعده: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته"، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"، "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". والاعتناء بالسواك، وهو تنظيف وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل، لحديث النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "طهروا أفواهكم للقرآن".(رواه البزار وقال: لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد كشف الأستار 1/242 وقال الهيثمي: رجاله ثقات 2/99 وقال الألباني إسناده جيد: الصحيحة 1213). وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف، قال الله-سبحانه وتعالى-: /b][b]يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد[/b][b والله عز وجل أحقّ من تُزيِّن له، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة، يعطي صاحبه راحة نفسية، بخلاف ثوب النوم والمهنة(العمل). وكذلك الاستعداد بستر العورة وطهارة البقعة والتبكير وانتظار الصلاة، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها لأن الشياطين تتخلل الفُرَج بين الصفوف.
(2)الطمأنينة في الصلاة:
"كان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه" (صحح إسناده في صفة الصلاة ص: 134 ط.11 وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح 2/308)، وأمر بذلك المسيء صلاته وقال له : "لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك" (رواه أبو داود 1/ 536 رقم 858).
عن أبي قتادة-رضي الله عنه-قال: قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قال يا رسول الله: كيف يسرق صلاته، قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها". (رواه أحمد والحاكم 1/ 229 وهو في صحيح الجامع 997).
وعن أبي عبد الله الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "مثل الذي لا يتمّ ركوعه، وينقر في سجوده، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين، لا يغنيان عنه شيئا". (رواه الطبراني في الكبير 4/115 وقال في صحيح الجامع: حسن).
والذي لا يطمئن في صلاته لا يمكن أن يخشع؛ لأن السرعة تذهب بالخشوع، ونقر الغراب يَذهَبُ بالثواب.
(3)تذكر الموت في الصلاة:
لقوله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها". (السلسلة الصحيحة للألباني-رحمه الله تعالى-1421ونقل عن السيوطي-رحمه الله تعالى-تحسين الحافظ ابن حجر-رحمه الله تعالى-لهذا الحديث).
وفي هذا المعنى أيضا وصية النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي أيوب-رضي الله عنه-لما قال له: "إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودِّع". (رواه أحمد 5/412 وهو في صحيح الجامع رقم 742)، يعني صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها وإذا كان المصلي سيموت ولابد، فإن هناك صلاةً مّا هي آخر صلاة له، فليخشع في الصلاة التي هو فيها؛ فإنه لا يدري لعلها تكون هذه هي.
(4)تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها:
القرآن نزل للتدبر /b][b]كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكّر أولوا الألباب[/b][b ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ، فيستطيع التفكّر، فينتج الدمع والتأثر، قال الله-سبحانه وتعالى-: /b][b]والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا[/b][b وهنا يتبين أهمية الاعتناء بالتفسير قال ابن جرير-رحمه الله-: "إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله(أي: تفسيره) كيف يلتذ بقراءته". (مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10)، ولذلك فمن المهم لقارئ القرآن أن ينظر في تفسير ولو مختصر مع التلاوة مثل: كتاب زبدة التفسير للأشقر، المختصر من تفسير الشوكاني، وتفسير العلامة ابن سعدي المسمى(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)، -رحمهم الله تعالى-وإن لم يكن فكتاب في شرح الكلمات الغريبة مثل: (المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءاته) للعلامة اللغوي: أحمد مختار عمر-رحمه الله تعالى-.
ومما يُعين على التدّبر كثيرا ترديد الآيات؛ لأنه يعين على التفكّر ومعاودة النظر في المعنى، وكان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-يفعل ذلك فقد جاء أنه-صلى الله عليه وآله وسلم-: "قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي: /b][b]إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم[/b][b". (رواه ابن خزيمة 1/271 وأحمد 5/149 وهو في صفة الصلاة ص: 102)
وكذلك فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات كما روى حذيفة -رضي الله عنه-قال: "صليت مع رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- ذات ليلة.. يقرأ مسترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، و إذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". (رواه مسلم رقم 772)، وفي رواية: "صليت مع رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-ليلة، فكان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح". (تعظيم قدر الصلاة 1/327) وقد جاء هذا في قيام الليل.
وقام أحد الصحابة-وهو قتادة بن النعمان رضي الله عنه-الليل لا يقرأ إلا (قل هو الله أحد)، يرددها لا يزيد عليها. (البخاري: الفتح 9/59 وأحمد 3/43).
وقال سعيد بن عبيد الطائي-رحمه الله تعالى-: "سمعت سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الآية /b][b]فسوف يعلمون[/b][b]*[/b][b]إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحبون[/b][b]*[/b][b]في الحميم ثم في النار يُسجرون[/b][b]*][/b][b]"، وقال القاسم-رحمه الله تعالى-: "رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي فقرأ [/b][b][[/b][b]واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت[/b][b فرددها بضعا وعشرين مرة"، وقال رجل من قيس يُكنى أبا عبد الله: "بتنا ذات ليلة عند الحسن-رحمه الله تعالى-فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الآية حتى السّحر: /b][b]وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها[/b][bفلما أصبح قلنا: يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل، قال: أرى فيها معتبرا، ما أرفع طرفا ولا أردّه إلا وقد وقع على نعمة، وما لا يُعلم من نعم الله أكثر". (التذكار للقرطبي ص: 125).
وكان هارون بن رباب الأسيدي-رحمه الله تعالى-يقوم من الليل للتهجد، فربما ردد هذه الآية حتى يُصبح: [قالوا يا ليتنا نُردّ ولا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين] ويبكي حتى يُصبح.
ومما يعين على التدبر أيضا حفظ القرآن والأذكار المتنوعة في الأركان المختلفة ليتلوها ويذكرها ليتفكّر فيها.
ولا شك أن هذا العمل-من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل-من أعظم ما يزيد الخشوع كما قال الله -سبحانه وتعالى-: /b][b]ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا[/b][b.
وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره وخشوعه-صلى الله عليه وآله وسلم-مع بيان وجوب التفكر في الآيات: عن عطاء-رحمه الله تعالى-قال: "دخلت أنا و عبيدُ بنُ عمير على عائشة-رضي الله عنها-فقال ابن عمير: حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-، فبكت وقالت: قام ليلة من الليالي فقال: يا عائشة ذريني أتعبّد لربي، قالت: قلت: والله إني لأحبّ قربك، وأحب ما يسرّك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكّر ما فيها: [إن في خلق السموات والأرض...]الآية". (رواه ابن حبّان وقال في السلسلة الصحيحة رقم 68: وهذا إسناد جيد).
ومن التفاعل مع الآيات التأمين بعد الفاتحة، وفيه أجر عظيم، قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُهُ تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه". (رواه البخاري رقم 747)، وهكذا التفاعل مع الإمام في قوله: سمع الله لمن حمده فيقول المأموم: ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم؛ فعن رفاعة بن رافع قال: "كنا يوما نصلي وراء النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم، قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملَكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أولُ". (رواه البخاري الفتح 2/284).
(5)أن يقطّع قراءته آيةً آيةً:
وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-كما ذكرت أم سلمة-رضي الله عنها-قراءة رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "/b][b]بسم الله الرحمن الرحيم][/b][b]-وفي رواية: ثم يقف-ثم يقول: [/b][b][[/b][b]الحمد لله رب العالمين[/b][b-وفي رواية: ثم يقف-ثم يقول: /b][b]الرحمن الرحيم[/b][b-وفي رواية: ثم يقف-ثم يقول: /b][b]ملك يوم الدين[/b][b يقطّع قراءته آيةً آيةً". (رواه أبو داود رقم 4001 وصححه الألباني في الإرواء وذكر طرقه 2/60).
والوقوف عند رؤوس الآي سنّة وإن تعلّقت في المعنى بما بعدها.
(6)ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها:
كما قال الله-عز وجل-: /b][b]ورتل القرآن ترتيلا[/b][b وكانت قراءته-صلى الله عليه وآله وسلم-"مفسرة حرفاً حرفًا".(مسند أحمد 6/294 بسند صحيح صفة الصلاة : ص: 105)، "وكان-صلى الله عليه وآله وسلم-يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها". (رواه مسلم رقم 733).
وهذا الترتيل والترسل أدعى للتفكر والخشوع بخلاف الإسراع والعجلة، ومما يعين على الخشوع أيضا تحسين الصوت بالتلاوة وفي ذلك وصايا نبوية منها قوله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا". (أخرجه الحاكم 1/575 و هو في صحيح الجامع رقم 3581).
وليس المقصود بتحسين الصوت: التمطيط والقراءة على ألحان أهل الفسق، وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن، كما قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله". (رواه ابن ماجه 1/1339 و هو في صحيح الجامع رقم 2202).
(7)أن يعلم أن الله يُجيبه ويكلمه في صلاته:
قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: /b][b]الحمد لله رب العالمين[/b][b قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: /b][b]الرحمن الرحيم[/b][b، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: /b][b]مالك يوم الدين[/b][b، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: /b][b]إياك نعبد وإياك نستعين[/b][b، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: /b][b]اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين[/b][b قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". (صحيح مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة).
وهذا حديث عظيم جليل، لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له خشوع بالغ، ولوجد للفاتحة أثرًا عظيمًا، كيف لا وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ويكلمه، ثم يعطيه سؤله.
وينبغي إجلالُ هذه المخاطبة وقدرُها حقَّ قدرها، قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه". (مستدرك الحاكم 1/236 و هو في صحيح الجامع رقم 1538).
(8)الصلاة إلى سترة والدنو منها:
والسترة كل شيء مرتفع يجعله المصلى أمامه لئلا تقطع صلاته من: عمود أو عصا أو جدار أو شجرة أو حجر و مثلِ ذلك.
و من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها فإن ذلك أقصر لنظر المصلي وأحفظ له من الشيطان وأبعد له عن مرور الناس بين يديه فإنه يشوّش ويُنقص أجر المصلي.
قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة و ليدن منها". (رواه أبو داود رقم 695 1/446 و هو في صحيح الجامع رقم 651).
وللدنو من السترة فائدة عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته". (رواه أبو داود رقم 695 1/446 و هو في صحيح الجامع رقم 650). والسنّة في الدنوّ من السترة أن يكون بينه وبين السترة ثلاثة أذرع وبينها وبين موضع سجوده ممرّ شاة(من عشرين إلى ثلاثين سم)كما ورد في الأحاديث الصحيحة. (البخاري انظر الفتح 1/574، 579).
وأوصى النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-المصلي بأن لا يسمح لأحد أن يمرّ بينه وبين سترته فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، و ليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين". (رواه مسلم 1/260 و هو في صحيح الجامع رقم 755).
قال النووي-رحمه الله تعالى-: "والحكمة في السترة كفُّ البصر عما وراءه، ومنع من يجتاز بقربه...، وتمنع الشيطان المرور والتعرض لإفساد صلاته". (شرح صحيح مسلم 4/216).
(9)وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر:
كان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-إذا قام في الصلاة "وضع يده اليمنى على اليسرى". (مسلم رقم 401) و "كان يضعهما على الصدر" (أبو داود رقم 759 وانظر إرواء الغليل 2/71) وقال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إنا معشر الأنبياء أُمِرْنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة". (رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 11485 قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح؛ المجمع 3/155).
وسئل الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-عن المراد بوضع اليدين إحداهما على الأخرى حال القيام فقال: "هو ذلّ بين يدي العزيز". (الخشوع في الصلاة ابن رجب ص:21).
قال ابن حجر-رحمه الله تعالى-: "قال العلماء: الحكمة في هذه الهيأة؛ أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع". (فتح الباري 2/224).
(10)النظر إلى موضع السجود:
لما ورد عن عائشة-رضي الله عنها-: "كان رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض". (رواه الحاكم ا/479 وقال صحيح على شرط الشيخين و وافقه الألباني صفة الصلاة ص 89).
"و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج عنها". (رواه الحاكم في المستدرك 1 /479 وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، قال الألباني وهو كما قالا؛ إرواء الغليل 2/73).
أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أُصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه-صلى الله عليه وآله وسلم-أنه كان إذا جلس للتشهد "يشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة ويرمي ببصره إليها) رواه ابن خزيمة 1/355 رقم 719 وقال المحقق: إسناده صحيح وانظر صفة الصلاة ص: 139). وفي رواية: "وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته". (رواه أحمد 4/3 وأبو داود رقم 990).
مسألة:
وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو: ما حكم إغماض العينين في الصلاة خصوصًا وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك؟
والجواب: أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-كما تقدّم قبل قليل كما أن الإغماض يفوّت سنة النظر إلى موضع السجود وإلى الأصبع، ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة، فلندع الميدان للفارس، ولنفسح المكان للعلامة أبي عبد الله ابن القيم يبين الأمر ويجلّيه، قال-رحمه الله تعالى-: "ولم يكن من هديه -صلى الله عليه وآله وسلم-تغميض عينيه في الصلاة، وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومِئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يُجاوز بصره إشارته...
وقد يدلّ على ذلك: مدّ يده في صلاة الكسوف ليتناولَ العنقود لما رأى الجنة، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها، وصاحب المحجن، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه، وردّه الغلام والجارية، وحجزه بين الجاريتين، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه وهو في الصلاة، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين. فهذه الأحاديث وغيرها يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة.
وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرهه الإمام أحمد وغيره وقالوا: "هو فعل اليهود"، وأباحه جماعة ولم يكرهوه...والصواب أن يُقال: إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع ما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره، مما يشوّش عليه قلبه فهنالك لا يُكره التغميض قطعا، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم". (زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة).
وبهذا يتبين أن السنة عدم الإغماض إلا إذا دعت الحاجة لتلافي أمر يضرّ بالخشوع.
(11)تحريك السبابة:
وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضلا عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع.
قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "لهي أشد على الشيطان من الحديد". (رواه الإمام أحمد 2/119 بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 159). أي أن الإشارة بالسبابة عند التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد؛ لأنها تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه". (الفتح الرباني للساعاتي 4/15).
ولأجل هذه الفائدة العظيمة كان الصحابة-رضي الله عنهم- يتواصون بذلك ويحرصون عليه ويتعاهدون أنفسهم في هذا الأمر الذي يقابله كثير من الناس في هذا الزمان بالاستخفاف والإهمال، فقد جاء في الأثر ما يلي: "كان أصحاب النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-يأخذ بعضهم على بعض. يعني: الإشارة بالأصبع في الدعاء". (رواه ابن أبي شيبة بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 141، وفي المطبوع من أبي شيبة [بأصبع] انظر المصنف رقم 9732 ج10 ص: 381 ط. الدار السلفية-الهند)
والسنة في الإشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد.
(12)التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة:
وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني، والانتقال بين المضامين المتعددة للآيات والأذكار، وهذا ما يفتقده الذي لا يحفظ إلا عددًا محدودًا من السور (وخصوصا قصارها) والأذكار، فالتنويع من السنّة وأكملُ في الخشوع.
وإذا تأملنا ما كان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-يتلوه ويذكره في صلاته فإننا نجد هذا التنوع.
ففي أدعية الاستفتاح مثلا نجد نصوصًا مثل:
"اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد".
"وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمِرتُ وأنا أول المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت"
"سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك".
وغير ذلك من الأدعية والأذكار والمصلي يأتي بهذا مرة وبهذا مرة وهكذا اتباعا للسنة.
وفي السور التي كان-صلى الله عليه وآله وسلم-يقرؤها في صلاة الفجر نجد عددًا كثيرًا مباركًا مثل: (طوال المفصّل كـ(الواقعة) و(الطور) و(ق)، وقصار المفصّل مثل: (إذا الشمس كورت) و(الزلزلة) و(المعوذتين)، وورد أنه قرأ: (الروم) و(يس) و(الصافات) وكان يقرأ في فجر الجمعة بـ (السجدة) و(الإنسان).
وفي صلاة الظهر ورد أنه كان يقرأ في كلّ من الركعتين قدر ثلاثين آية، وقرأ بـ(الطارق) و(البروج) و(الليل إذا يغشى).
وفي صلاة العصر يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ويقرأ بالسور التي سبقت في صلاة الظهر.
وفي صلاة المغرب يقرأ بقصار المفصّل كـ(التين والزيتون) وقرأ بسورة (محمد) و(الطور) و(المرسلات) وغيرها.
وفي العشاء كان يقرأ من وسط المفصّل كـ(الشمس وضحاها) و(إذا السماء انشقت) وأمر معاذًا أن يقرأ بـ (الأعلى) و(القلم) و(الليل إذا يغشى).
وفي قيام الليل كان يقرأ بطوال السور وورد في سنته-صلى الله عليه وآله وسلم-قراءة مئتي آية، ومئة وخمسين آية وكان أحيانا يقصّر القراءة.
وأذكار ركوعه-صلى الله عليه وآله وسلم-متنوعة فبالإضافة إلى "سبحان ربي العظيم" و"سبحان ربي العظيم وبحمده" يقول: "سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والروح"، ويقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، ويقول: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" ويقول: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري، ودمي ولحمي، ومخي وعظمي، وعصبي، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين".
وفي الرفع من الركوع يقول بعد (سمع الله لمن حمده): "ربنا ولك الحمد" وأحيانا "ربنا لك الحمد"، وأحيانا "اللهم ربنا و لك الحمد" وأحيانا "اللهم ربنا لك الحمد" "حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى"، وكان يضيف أحيانا "ملء السموات وملءُ الأرض وملءَ ما شئت من شيء بعد" ويضيف تارة "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ".
وفي السجود بالإضافة إلى "سبحان ربي الأعلى" و"سبحان ربي الأعلى وبحمده" يقول أيضا: "سُبّوح قدوس رب الملائكة والروح" و "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" و "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره فأحسن صوره، وشقّ سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين) وغيرَ ذلك.
وفي الجلسة بين السجدتين بالإضافة إلى "رب اغفر لي رب اغفر لي" يقول: "اللهم-أو رب-اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني".
وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي...الخ" وكذلك ورد "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي...الخ" وورد "التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي...الخ".
فيأتي المصلي مرة بهذا ومرة بهذا اتباعًا للسنة.
وفي الصلاة على النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-عدّة صيغ منها: "اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
وورد أيضا "اللهم صلّ على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
وورد (اللهم صلّ على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد".
ووردت صيغ أخرى كذلك، والسنة أن ينوّع بينها كما تقدّم، ولا يمنع أن يواظب على بعضها أكثرَ من بعض، لقوة ثبوتِها، أو اشتهارها في كتب الحديث الصحيحة، أو لأن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-علّمها أصحابه لمّا سألوه عن الكيفية بخلاف غيرها وهكذا. وجميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلاة النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله تعالى-الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث.
(13)أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه:
من آداب التلاوة السجود عند المرور بالسجدة وقد وصف الله في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم: "إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجّدا وبكيا" قال ابن كثير-رحمه الله تعالى: "أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم". (تفسير القرآن العظيم 5/238 ط. دار الشعب).
وسجود التلاوة في الصلاة عظيم وهو مما يزيد الخشوع قال الله-عز وجل-: "ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا" وقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-"أنه سجد بسورة النجم في صلاته" وروى البخاري -رحمه الله-في صحيحه (عن أبي رافع قال: "صليت مع أبي هريرة-رضي الله عنه-العتمة [العشاء] فقرأ: (إذا السماء انشقت) فسجد فقلت له، قال: سجدت خلف أبي القاسم-صلى الله عليه وآله وسلم-فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه". (صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب الجهر بالعشاء). فينبغي المحافظة على سجود التلاوة في الصلاة، خصوصًا وأن سجود التلاوة فيه ترغيم للشيطان، وتبكيت له، وذلك مما يضعف كيده للمصلي. عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إذا قرأ ابن آدم السجدة، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، أُمر بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمرتُ بالسجود فعصيت، فلي النار". (رواه الإمام مسلم في صحيحه رقم 133)، ولو ترك سجود التلاوة-أحيانًا-اتباعا للسنة فحسن لأن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-تركه أحيانًا.
(14)الاستعاذة بالله من الشيطان:
الشيطان عدو لنا، ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي؛ كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته.
"والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره، لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، و يلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان /b][b]إن كيد الشيطان كان ضعيفا[/b][b.
وكلما أراد العبد توجها إلى الله-سبحانه وتعالى-بقلبه جاء من الوسوسة أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله-سبحانه وتعالى-أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: "إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس قال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب". (مجموع الفتاوى 22 / 608).
"وقد مثل ذلك بمثال حسن، وهو ثلاثة بيوت: بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره، وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وجواهره، وليس جواهر الملك وذخائره، وبيت خال صفر لا شيء فيه، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن أيها يسرق؟ (الوابل الصيب ص: 43)
"والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظمِ مقامٍ وأقربِه وأغيظِه للشيطان، وأشدِه عليه فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل ما يزال به يعده ويمنّيه وينسيه، ويُجْلِبُ عليه بخيله ورجله حتى يهوّنَ عليه شأن الصلاة، فيتهاونَ بها فيتركها، فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله-سبحانه وتعالى-حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها، فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله-عز وجل-فيقوم فيها بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله-سبحانه وتعالى-وكرامته وقربه، ما يناله المقبل على ربه-عز وجل-الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تُخفَفْ عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله-تعالى-بقلبه وقالبه". (الوابل الصيب ص: 36).
ولمواجهة كيد الشيطان وإذهاب وسوسته أرشدنا النبي-صلى الله عليه وآله وسلم إلى العلاج التالي:
عن أبي العاص-رضي الله عنه-قال: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليّ، فقال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "ذاك شيطان يُقال له خِنْزَبُ، فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا". قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني". (رواه مسلم رقم : 2203).
ومن كيد الشيطان للمصلي ما أخبرنا عنه-صلى الله عليه وآله وسلم-وعن علاجه فقال: "إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه-يعني خلط عليه صلاته وشككه فيها-حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس". (رواه البخاري، كتاب السهو، باب السهو في الفرض والتطوع).
ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-بقوله: "إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث، فأشكل عليه، فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". (رواه مسلم رقم 389).
بل إن كيده ليبلغُ مبلغًا عجيبًا كما يوضحه هذا الحديث: عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-سئل عن الرجل يخيّل إليه في صلاته أنه أحدث ولم يُحدِث، فقال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الشيطانَ يأتي أحدَكم وهو في صلاته حتى يفتحَ
المشاهدات 3312 | التعليقات 0