ثَـنـَاءٌ وافْتـِقَارٌ للهِ
راشد بن عبد الرحمن البداح
ثناء لله وافتقار ( راشد البداح - 20 ذو القعدة 1444)
الحمدُ للهِ الذي لَم يَزِلْ بِنعُوتِ الجلاَلِ والجَمال متصفاً، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، مُقِرَّاً بِأُلُوهِيَّتِهِ ومُعْترِفاً، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُه، الماحِيْ العاقبُ المصطفَى، صلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ ومَنْ لِهَدْيِهِ اقتفَى، أما بعدُ:
ففي هذا المقامِ القصيرِ لنمدحْ ربَنا ولنُثنِ عليهِ بآلائهِ، ولنفتقرْ إليهِ.
فأَحضِروُا قلوبَكم واستحضِروا عظمةَ ربِكم حامِدينَ مادِحِينَ:
فَلَكَ الحمدُ ربَنا بما هديتَنا ولكَ الحمدُ بما علمتَنا ولكَ الحمدُ على حلمِك علينا. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}[النمل73]
بعثتَ فينا أفضلَ رسلِك بأفضلِ كتبِكَ وفضَّلتَنا على الأممِ.
نحمدُكَ اللهم على آلائِكَ كما نحمدُكَ على بلائكَ، شرُنا إليكَ صاعدٌ، وخيرُكَ إلينا نازلٌ. {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا}[الإسراء87]
ليسَ في الكونِ إلهٌ سواهُ يُقصَدُ ويُعبَدُ.
{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء171]
في الكونِ سطوتُهُ وفي الجبالِ عظمتُهُ وفي الدينِ حكمتُهُ.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الفتح4]
خلقَ السماءَ بلا عمدٍ، والنجومَ بلا عددٍ، وهذهِ الأرضُ إذا انقضَى الدهرُيرجُها رَجاً، ويدُكها دَكاً، وينسِفُ الجبالَ نسفًا، والخلقُ بنفخةٍ واحدةٍ في الصورِ يَفزعونَ، وبأخرى فيُصعقونَ، وبثالثةٍ فيقومونَ.
حيٌ لا يموتُ، وقيومٌ لا ينامُ، علا في دُنُوِهِ ودنا في عُلوِهِ.
سبحانَه يَشفِي السقيمَ ويعفوْ عن الذنبِ العظيمِ ويُعطِي العطاءَالعميمَ.
يُجيبُ الدعواتِ، فلا تشتبهُ عليه الأصواتُ واللغاتُ، ولا يمَلُ من سؤالِذوي الحاجاتِ. {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[هود61]
مَنِ الذي دعاهُ فخيّبَه، ومَنِ الذي سألَهُ فمنَعَه، {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء20]
مَن أقبلَ إليهِ تلقاهُ مِن بعيدٍ، ومَن أعرضَ عنه ناداهُ مِن قريبٍ، ومَن تركَلأجلِه أعطاهُ فوقَ المزيدِ. {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود90]
إليكَ وإلا لا تُشَدُ الركائبُ ... ومنكَ وإلا فالمؤمِّلُ خائبُ
يسمعُ كلَّ أصواتِ المخلوقينَ وهو مستوٍ على عرشهِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، إِنَّ الْمَرْأَةَ المُجَادِلَةَ لَتُنَاجِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأَسْمَعُ بَعْضَ كِلَامِهَا، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضٌ، إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}[المجادلة1]
إِذَا تَكَلَّمَ بالوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ، وَصَعِقَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ. تواضَعَ كلُ شيءٍ لعظمتهِ وذلَ كلُ شيءٍ لسطوتهِ.
فسبحانَك ربَنا ما أعظمَك، وعلى مَن عصاكَ ما أحلمَك، سبحانَك ما قدرنَاك حقَ قدرِك.
الحمدُ للهِ الذي خلقَنا فسوَّانا، ومَنَّ علينا فهدَانا، وأطعمَنا وسقانا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدَى دعانَا، أما بعدُ:
فيا عبدَ اللهِ: إذا دعوتَ اللهَ، فقدِّمْ بين يدَيْ دعائِكَ أمرينِ:
الأولُ: أثّْنِ على اللهِ بما هوَ أهلُه وامدحْهُ؛ فإن ربَك يحبُ المدحَ.
الثانيْ: اعترفْ بذنبِك وتقصيرِك، واستشعِرْ شدةَ فاقتِك وفقرِك لربِك.{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}[محمد38]
لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ...وَلَا يُهِيـضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ()
فلنَسألْ أنفُسَنا كلما رفعْنَا أيديَنا للدعاءِ: هلِ استشعرْنا شدةَ فاقَتِنا إلى ربِّنا؟!
{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}[إبراهيم39] فنشكوُ إلى اللهِ ذنوبًا أثقلتْنَا، وهمومًا لازمتْنَا، وقلوبًا ضعُفَ خشوعُها، وعيونًا قلَّتْدموعُها.
أيُها العبدُ الفقيرُ لمولاهُ: إذا أرادَ اللهُ بعَبْدِهِ خَيراً فَتَحَ لَهُ هَذا البَابَ الذُّلَّ وَالِانْكِسَارَ والافْتِقَارَ للهِ، فَيَعْمَلُ الذَّنْبَ فَلا يَزَالُ وَجِلاً مفتقِرًا، مُعْتَرفًا بِذُنُوبِهِ وعُيُوبِهِ، حتى يقولَ عدُوُّ اللهِ: يا لَيْتَنِي تَرَكْتُهُ ولَمْأُوْقِعْهُ. ويَفْعَلُ الحَسَنةَ فلا يَزَالُ مُتَذَلِلاً لمَوْلَاهُ أنْ يَقْبَلَها، وحَامِدًا لهُ أنْ وَفَّقَهُ لها. وَيَبْتَلِيْهِ بِبَلايَا يَكْسِرُه بِها، ليَجْبُرَهُ بِها().
فيامَنْ أذنبَ وعصَى، أقبِلْ على اللهِ فلعلَّ وعسَى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}[الكهف58] تُبْ مهما بلغتْ ذنوبُك، فإن اللهَ -تعالَى- لا يتعاظمُه ذنبٌ أن يغفرَه {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد6].
لا تيأسْ ولا تقنطْ فأنتْ تتعاملُ مع الذي يتوبُ على المنافقينَ والكافرينَ إذا تابُوا، فإِذا وَقَعْتَ بِذَنْبٍ أوِ ابْتُلِيْتَ بِبَلِيَّةٍ أوْ حَزَبَكَ أَمْرٌ فانْطَرِحَ بَيْنَ يَدِيْ الذِيْ هُوَ أَرْحَمُ بِكَ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا. وادْعُهُ بَاكِيًا نَادِمًا. ولْنَدْعُ الآنَ بِافتِقارٍ قائِلِينَ:
• رَبَّنا، رَبَّنا، رَبَّنا: ارْحَمْ مَنْ لَا رَاحِمَ لَهُ سِوَاكَ، وَلَا مُؤْوِيَ لَهُ سِوَاكَ، وَلَا مُغِيثَ لَهُ سِوَاكَ. نَسْأَلُكَ بِغِنَاكَ وَفَقْرِنا، وبِعِزِّكَ وَذُلِّنَا إِلَّا رَحِمْتَنَا، هَذِهِ نَواصِينَا الْكَاذِبَةُ الْخَاطِئَةُ بَيْنَ يَدَيْكَ، عَبِيدُكَ سِوَانا كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لَناسَيِّدٌ سِوَاكَ، نَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَنَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ.
• اللهم إِنَّكَ قُلْتَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
• اللهم أعطيتَنا بفضلِكَ الإسلامَ ونحنُ لم نسألْكَ، فأعطِنا برحمتِكَالفردوسَ ونحنُ نسألُكَ.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.
• اللهم ارحمْنَا ولا تحرِمْنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
• اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ.
• اللهم تبْ علينا واكشفْ همومَنا وأسعدْ قلوبَنا
• اللهم احفظْ علينا دينَنا ودنيانا وأمنَنا وبلادَنا، وسددْ إمامَنا ووليَعهدِهِ، وارزقهما بطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
• اللهم صلِ وسلِمْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
المرفقات
1686236592_ثناء لله وافتقار.pdf
1686236596_ثناء لله وافتقار.docx