ثبات العقيدة في مواجهة التحديات - الليبرالية أنموذجا-
مريزيق بن فليح السواط
1433/04/02 - 2012/02/24 01:18AM
الحمد لله الذي جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وانزل عليها كتابه خير منهج ونبراس، واصطفاها من بين الأمم، وأفاض عليها ما شاء من النعم، ودفع عنها كل شر وباس، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له رب الجِنِّة والناس، واشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه، ومن سار على نهجهم ما ترددت في الصدور الأنفاس،
أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، وراقبوه في سركم وعلانيتكم، واتقوه في جميع أعمالكم وما مَنَّ به عليكم من الحواس.
عباد الله:
إن الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، فكان أعظم ما جاء به صلوات ربي وسلامه عليه، توحيد الله بالنية والقول والعمل، فأخلص الدين لله من كل شائبة تُدَاخِلُه، أو شانئة تُلاحقه، كما قال تعالى: "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرتُ لأن أكونَ أولَ المسلمين. قل إني أخافُ أن عصيتُ ربي عذاب يوم عظيم" وقال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" لقد فتح الله ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم أعيناً عُميا، وأذانا صما، وقلوبا غلفا، وبدد بدعوته ظلمات الجهل والضلالة، وأسقط أغلال الشرك والتبعية، حتى أمسى شرك الجاهلية وضلالها إفكا قديما، وأصبحت عبادة الأصنام ضلالا بعيدا "من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" ولم يقبض صلوات الله وسلامه عليه، ألا بعد أن قرت عينه بدعوته، وانتشرت في جزيرته، وربى رجالا يقومون بها، ويدعون إلى سبيلها، ويسعون في نشرها، حتى طبق الإسلام المعمورة كلها، وانتشر انتشارا عظيما، لم يُعهد له نظير في سَالف الدهر ولا لاحقه لأي دعوة من الدعوات، وبسرعة عجيبة، فدخل في الإسلام شعوبٌ مختلفة الأفكار والعادات، والأجناس واللغات، لها أديان وحضارات، فاعتاضوا عن ذلك كله بدين الإسلام، الذي تشربته قلوبهم، وسعدت به أرواحهم وعقولهم .
عندها ثارت ثائرة اليهودية الماكرة، والمجوسية الحاقدة، بغيا وحسدا، وامتلأت قلوبهم على الإسلام وأهله بغضا وحقدا، وعصفت أعاصير الخوارج، فكان من أمرهم ما هو معروف في التاريخ، ونجم في مُقابِلَتهم قرن الشيطان، التشيع البغيض، ثم استفحل إلى الرفض والغلو المفرط، ثم ظهرت القدرية المنتقصة لله، ثم كان الإرجاء، والتجهم، والاعتزال، ثم جاءت الأشعرية المُلتوية المُتخبطة، بتأويلاتها وتحريفاتها ومتناقضاتها، حلقات، متصلة العرى في حرب العقيدة، وفي البعد عن الهدي النبوي، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقه، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقه، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقه، كلها في النار إلا واحدة" قيل من هم يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" لقد بدأت بذور الشر، ومكائد اليهود والمجوس، تظهر بُغضا للإسلام وحملته، ومن جاهد لنشره، من الصحابة والتابعين، لأنهم أطفأوا نار المجوسية إلى الأبد، وأدخلوا إيران في نطاق دولة الإسلامية، وأقاموا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل المزعوم، هذا هو الذنب الذي ارتكبه نحو المجوسية واليهودية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي لن ينساه الحاقدون عليهم من اليهود والمجوس، فعملوا على تقويض دعائم الإسلام، والكيد له، وتدبير المؤامرات، ومحاربة العقيدة، وبث الشبه المضللة، ونشر الأفكار الخبيثة، وتأسيس الفرق الفاسدة، والنحل الباطلة، والمذاهب والحركات الهدامة، لضرب العقيدة وزعزعت بنائها، وإضلال أبنائها، فكانت الباطنية والقرامطة والإسماعيلية والنصيرية والفاطمية، التي أبتلي الإسلام بها، وأصبحت غُصّة في حلق الدعوة، وشوكة في خاصرة المسلمين، منذ ظهور أمر الإسلام وإلى وقتنا الحاضر، إذا تمكنوا ساموا المسلمين سوء العذاب، قتلا وتجويعا، وظلما واضطهادا، وما يحصل في سوريا الآن، مثال واضح، لشدة حقدهم، وسوء فعلهم، وإذا وجدوا حكومات قوية، وشعوب مدركة، وقوة تردعهم لجئوا إلى التقية والنفاق، وإخفاء مخططاتهم، والعمل في الخلايا النائمة، وإحاكة الدسائس والمؤامرات البغيضة، لتقويض دولة الإسلام وإضعافها.
أيها المسلمون:
حرب العقيدة قائمة، ومادة الشر باقية، وشياطين الإنس والجن مستمرون في نشر باطلهم، والترويج لضلالهم، يروجونه بكل لسان، ويزخرفونه بكل بنان، قال تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبيًٍّ عدوا شياطينَ الإنسِ والجن يوحي بعضُهُم إلى بغض زُخْرُفَ القول غُرو را" إن الحروب بين الإسلام وأعدائه، لم تهدأ منذ ظهوره، وقد جرب أعدائه كل أسلوب لمحاربته، أمنيتهم التي يحلمون بها، هي القضاء عليهم نهائيا، وقد تمكنوا من بعض ما يريدون، وأوجدوا من أبناء المسلمين أفضلُ مُعين لهم، على هدم أصول الإسلام، فبواسطتهم روجوا مبادئ الكفر والضلال، وأسسوا في قلب ديار المسلمين نحلا جديدة، كان من أعظم تلك الأنظمة والفلسفات التي خدعت ببريقها كثير من المسلمين، وأسرت بشعاراتها ومصطلحاتها عقول أبنائهم، واستحوذت على أفكارهم، "الليبرالية" التي تسربت إلى مجتمعاتنا، وسلبت لُبَّ كثير من شبابنا، فقبلوها وفتحوا صدورهم لها، واللبرالية في حقيقتها أكبر نقيض لعقيدتنا.
فالليبرالية تعني الحرية المطلقة، التي لا تحدها الحدود، ولا تمنعها السدود، إلا ما كان فيه تجاوز لحريات الآخرين، فهي تعتبر الحرية الشخصية، وتحقيق الفرد لذاته، الهدف والغاية من الوجود، قال ابن تيمية يرحمه الله: إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما : فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية، ليصبح لا محالة في عبودية لغير الله، وكل عبودية لغير الله - كبرت أو صغرت - هي في نهايتها عباده للشيطان. قال تعالى: "ألم أعهد إليكم يا بني أدم ألا تبعدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبُدُوني هذا صراط مستقيم" فالليبرالية فكر غربي بَشَرَ بها الغرب بعد سقوط الشيوعية، كخيار وحيد للإنسانية، تنعم به، وتعيش في ظله، ووظفوا من أجل نشرها في العالم، طاقاتهم الفكرية والإعلامية، وجهودهم السياسية والاقتصادية، فوصلت لنا هذه النبتة الخبيثة، وهذه الثمرة الفاسدة فكانت خُدَاج، مُعوقةُ الأطراف، خاويةُ الروح، مناقضةٌ للإسلام من جذوره وأصوله، حتى لو حاول دعاتها تزويقها وبهرجتها، فالمعاناة التي تعانيها بلاد الإسلام، اكبر شاهد لفضح حقيقتها، وبيان سوءها، فلأجلها نُحيت الشريعة، واستبدلت بالقوانين الوضعية، "أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يبغونَ ومن أحسنُ من الله حُكما لقوم يوقنون" ولأجلها فشا الإلحاد، وانتشر الفساد، وعُبدَ الجنس من دون الله، قال تعالى: "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" فأصبحت المرآة تختلط بالرجال دون نكير، وتلبس ما تشاء من الضيق والقصير، فحريتها الشخصية تُعطيها الحق، في الاختلاط بالرجال، والسفر بدون محرم، والعري والتبرج، والتصرف في شئونها كما تريد، إمعانا في رد ما جاء به الشرع الحكيم "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" ولأجلها قامت سوق المعاملات الربوية، وظهرت الرأسمالية بوجهها الوقح، فتكدست الثروة في يد طبقة من الناس، وانتشر الفقر والعوز عند الأكثرية، وأُخذت الأموال بكل طريقة من الغش والسرقة والاحتيال "يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" وحصل التفنن في احتكار السلع الضرورية، - فالقمح يلقى في البحر حتى يحافظ على سعره - ويجوع البشر ويموت من يموت باسم الحرية الاقتصادية ولأجلها راجت مذاهب الكفر والضلال -حرية الفكر- فانتشرت القومية، والاشتراكية، والروحية، وبيعت كتب الإلحاد والزندقة، وراجت والروايات الجنسية، وفتحت لها أبواب الإعلام، وقنوات التلفزة ذراعيها، وقدم أصحابها على أنهم أهل الثقافة والفن والأدب. "يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافةً ولا تتبعوا خُطُوات الشيطانِِ إنه لكم عدوٌ مبين".
الحمد لله على إحسانه.....
الليبرالية بدأت في الغرب، وولِدت في بلادهم، وترعرعت في أحضانهم، وشبت على قيمهم وأخلاقهم، ومحاولةُ إستنساخها في بلاد الإسلام، والترويجُ لها كذب وغرور، وضحك لا ينطلي ألا على ضعاف العقول، فالليبرالية في حقيقتها مصادمة لعقيدة التوحيد، ومناقضة له، حتى وإن حاول دعاتها التلبيس والتدليس كعادتهم، فالمنافقون من علمانيين، وحداثيين، وليبراليين، دأبوا على التلبيس والتمويه، وعدم إظهار عداوتهم للإسلام، ومحاولة خداع أكبر عدد من المسلمين بالشعارات البراقة، والرايات الزائفة، والتلبيس على العامة، واستعمال الكذب، والفجور في الخصومة، - يصرح أو يكتب في وسيلة اعلامية او على الشبكة العنكبوتية بكلام في سب لله او انتقاص من رسوله صلى الله عليه وسلم او سخرية بالملائكة عليهم السلام او استهزاء بشعائر الدين او دعوة للانحلال والتفسخ فاذا واجهه أحد بكلامه أنكر وحلف بالله ما قال وصدق الله "يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا"-.
إن محنة الإسلام التي تحيط به اليوم بلا شك هي اخطر محنة ألمت به في تاريخه المليء بالمحن والمؤامرات، ذلك لأن أبطالها ليسوا كما كانوا قبل غرباء عنا تفضحهم ألوان بشرتهم، واختلاف ألسنتهم، ومظاهِرُهُم، وصريح عداوتهم، لكنهم اليوم من أبناء جلدتنا، ممن يحملون أسماءنا، وينتسبون إلينا، ويتكلمون بألسنتنا، وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءانا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دَخَن"، قال قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر" فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم دعاة على أبوب جهنم من أجابهم قذفوه فيها" فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" إنهم من جلدتنا نعرف أصلهم ونسبهم ولكنهم ورثوا عن أولئك ثقافاتهم وأساليبهم، فالاسم عربي، والفكر غربي، أجسادهم عندنا، وعقولهم هناك -لذلك تجد شعارات منتدياتهم وشبكاتهم لا تخرج عن أبواب البيت الأبيض وبرج إيفل- خرج المستعمر بدباباته، وتركهم بعده ذوي المصلحة في الحكم والسلطان، فبطشوا وكان بطشهم أعتى وأمر، لأنهم أدرى بعورات قومهم، وكان من الطبيعي أن يستهدفوا في بطشهم مكامن القوة التي زعزعت أسلافهم، وهي كما يعلمون العقيد، العقيدة التي تستعصي على الإغراء، وتستعذب التضحية والفداء، انها المؤامرة القديمة على الإسلام، تحاربنا اليوم بما ابتكرته أفكار أساطينها، وبما أنتجته مدارسها ومصانعها، وبما أفسدته ثقافتها ومُجونها، وإعلامها وصحافتها، غير انه كان فيما مضى يدير المؤامرات فريق من الناس، او دولة من الدول وبإمكانيات محدودة، أما ما يواجهه الإسلام اليوم فهو مؤامرة تختلف عن ما سبقها تمويلا وتخطيطا، ودراسة وتنفيذا، وكما وكيفا، فهي أشد ضرواة، وأبعد خطرا، وأعظم من كل ما سبقها من حيث التعميم والتصميم، وبُعدُ أهدافها وغايتاها، وكثرة مؤيديها والمشتركين فيها، فقد تعاونت قوى الشر، وأعداء الإسلام في الشرق والغرب، وكل ضال وملحد ممن ينتمي إلى الإسلام، مستهدفين سحق المسلمين أين ما كانوا، ومحو الإسلام من الوجود إن استطاعوا، ولولا أن بناء الاسلام بناء قوي لتضعضعت أركانه، وانهد بنيانه، ولولا صلابة العقيد لما تحملت بعض الضربات التي أنزلت بها، ولا تزال تتعاقب عليها دون هوادة ولا رحمة، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتم نوره ولو كره الكافرون . هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".
أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، وراقبوه في سركم وعلانيتكم، واتقوه في جميع أعمالكم وما مَنَّ به عليكم من الحواس.
عباد الله:
إن الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، فكان أعظم ما جاء به صلوات ربي وسلامه عليه، توحيد الله بالنية والقول والعمل، فأخلص الدين لله من كل شائبة تُدَاخِلُه، أو شانئة تُلاحقه، كما قال تعالى: "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرتُ لأن أكونَ أولَ المسلمين. قل إني أخافُ أن عصيتُ ربي عذاب يوم عظيم" وقال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" لقد فتح الله ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم أعيناً عُميا، وأذانا صما، وقلوبا غلفا، وبدد بدعوته ظلمات الجهل والضلالة، وأسقط أغلال الشرك والتبعية، حتى أمسى شرك الجاهلية وضلالها إفكا قديما، وأصبحت عبادة الأصنام ضلالا بعيدا "من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" ولم يقبض صلوات الله وسلامه عليه، ألا بعد أن قرت عينه بدعوته، وانتشرت في جزيرته، وربى رجالا يقومون بها، ويدعون إلى سبيلها، ويسعون في نشرها، حتى طبق الإسلام المعمورة كلها، وانتشر انتشارا عظيما، لم يُعهد له نظير في سَالف الدهر ولا لاحقه لأي دعوة من الدعوات، وبسرعة عجيبة، فدخل في الإسلام شعوبٌ مختلفة الأفكار والعادات، والأجناس واللغات، لها أديان وحضارات، فاعتاضوا عن ذلك كله بدين الإسلام، الذي تشربته قلوبهم، وسعدت به أرواحهم وعقولهم .
عندها ثارت ثائرة اليهودية الماكرة، والمجوسية الحاقدة، بغيا وحسدا، وامتلأت قلوبهم على الإسلام وأهله بغضا وحقدا، وعصفت أعاصير الخوارج، فكان من أمرهم ما هو معروف في التاريخ، ونجم في مُقابِلَتهم قرن الشيطان، التشيع البغيض، ثم استفحل إلى الرفض والغلو المفرط، ثم ظهرت القدرية المنتقصة لله، ثم كان الإرجاء، والتجهم، والاعتزال، ثم جاءت الأشعرية المُلتوية المُتخبطة، بتأويلاتها وتحريفاتها ومتناقضاتها، حلقات، متصلة العرى في حرب العقيدة، وفي البعد عن الهدي النبوي، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقه، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقه، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقه، كلها في النار إلا واحدة" قيل من هم يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" لقد بدأت بذور الشر، ومكائد اليهود والمجوس، تظهر بُغضا للإسلام وحملته، ومن جاهد لنشره، من الصحابة والتابعين، لأنهم أطفأوا نار المجوسية إلى الأبد، وأدخلوا إيران في نطاق دولة الإسلامية، وأقاموا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل المزعوم، هذا هو الذنب الذي ارتكبه نحو المجوسية واليهودية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي لن ينساه الحاقدون عليهم من اليهود والمجوس، فعملوا على تقويض دعائم الإسلام، والكيد له، وتدبير المؤامرات، ومحاربة العقيدة، وبث الشبه المضللة، ونشر الأفكار الخبيثة، وتأسيس الفرق الفاسدة، والنحل الباطلة، والمذاهب والحركات الهدامة، لضرب العقيدة وزعزعت بنائها، وإضلال أبنائها، فكانت الباطنية والقرامطة والإسماعيلية والنصيرية والفاطمية، التي أبتلي الإسلام بها، وأصبحت غُصّة في حلق الدعوة، وشوكة في خاصرة المسلمين، منذ ظهور أمر الإسلام وإلى وقتنا الحاضر، إذا تمكنوا ساموا المسلمين سوء العذاب، قتلا وتجويعا، وظلما واضطهادا، وما يحصل في سوريا الآن، مثال واضح، لشدة حقدهم، وسوء فعلهم، وإذا وجدوا حكومات قوية، وشعوب مدركة، وقوة تردعهم لجئوا إلى التقية والنفاق، وإخفاء مخططاتهم، والعمل في الخلايا النائمة، وإحاكة الدسائس والمؤامرات البغيضة، لتقويض دولة الإسلام وإضعافها.
أيها المسلمون:
حرب العقيدة قائمة، ومادة الشر باقية، وشياطين الإنس والجن مستمرون في نشر باطلهم، والترويج لضلالهم، يروجونه بكل لسان، ويزخرفونه بكل بنان، قال تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبيًٍّ عدوا شياطينَ الإنسِ والجن يوحي بعضُهُم إلى بغض زُخْرُفَ القول غُرو را" إن الحروب بين الإسلام وأعدائه، لم تهدأ منذ ظهوره، وقد جرب أعدائه كل أسلوب لمحاربته، أمنيتهم التي يحلمون بها، هي القضاء عليهم نهائيا، وقد تمكنوا من بعض ما يريدون، وأوجدوا من أبناء المسلمين أفضلُ مُعين لهم، على هدم أصول الإسلام، فبواسطتهم روجوا مبادئ الكفر والضلال، وأسسوا في قلب ديار المسلمين نحلا جديدة، كان من أعظم تلك الأنظمة والفلسفات التي خدعت ببريقها كثير من المسلمين، وأسرت بشعاراتها ومصطلحاتها عقول أبنائهم، واستحوذت على أفكارهم، "الليبرالية" التي تسربت إلى مجتمعاتنا، وسلبت لُبَّ كثير من شبابنا، فقبلوها وفتحوا صدورهم لها، واللبرالية في حقيقتها أكبر نقيض لعقيدتنا.
فالليبرالية تعني الحرية المطلقة، التي لا تحدها الحدود، ولا تمنعها السدود، إلا ما كان فيه تجاوز لحريات الآخرين، فهي تعتبر الحرية الشخصية، وتحقيق الفرد لذاته، الهدف والغاية من الوجود، قال ابن تيمية يرحمه الله: إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما : فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية، ليصبح لا محالة في عبودية لغير الله، وكل عبودية لغير الله - كبرت أو صغرت - هي في نهايتها عباده للشيطان. قال تعالى: "ألم أعهد إليكم يا بني أدم ألا تبعدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبُدُوني هذا صراط مستقيم" فالليبرالية فكر غربي بَشَرَ بها الغرب بعد سقوط الشيوعية، كخيار وحيد للإنسانية، تنعم به، وتعيش في ظله، ووظفوا من أجل نشرها في العالم، طاقاتهم الفكرية والإعلامية، وجهودهم السياسية والاقتصادية، فوصلت لنا هذه النبتة الخبيثة، وهذه الثمرة الفاسدة فكانت خُدَاج، مُعوقةُ الأطراف، خاويةُ الروح، مناقضةٌ للإسلام من جذوره وأصوله، حتى لو حاول دعاتها تزويقها وبهرجتها، فالمعاناة التي تعانيها بلاد الإسلام، اكبر شاهد لفضح حقيقتها، وبيان سوءها، فلأجلها نُحيت الشريعة، واستبدلت بالقوانين الوضعية، "أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يبغونَ ومن أحسنُ من الله حُكما لقوم يوقنون" ولأجلها فشا الإلحاد، وانتشر الفساد، وعُبدَ الجنس من دون الله، قال تعالى: "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" فأصبحت المرآة تختلط بالرجال دون نكير، وتلبس ما تشاء من الضيق والقصير، فحريتها الشخصية تُعطيها الحق، في الاختلاط بالرجال، والسفر بدون محرم، والعري والتبرج، والتصرف في شئونها كما تريد، إمعانا في رد ما جاء به الشرع الحكيم "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" ولأجلها قامت سوق المعاملات الربوية، وظهرت الرأسمالية بوجهها الوقح، فتكدست الثروة في يد طبقة من الناس، وانتشر الفقر والعوز عند الأكثرية، وأُخذت الأموال بكل طريقة من الغش والسرقة والاحتيال "يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" وحصل التفنن في احتكار السلع الضرورية، - فالقمح يلقى في البحر حتى يحافظ على سعره - ويجوع البشر ويموت من يموت باسم الحرية الاقتصادية ولأجلها راجت مذاهب الكفر والضلال -حرية الفكر- فانتشرت القومية، والاشتراكية، والروحية، وبيعت كتب الإلحاد والزندقة، وراجت والروايات الجنسية، وفتحت لها أبواب الإعلام، وقنوات التلفزة ذراعيها، وقدم أصحابها على أنهم أهل الثقافة والفن والأدب. "يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافةً ولا تتبعوا خُطُوات الشيطانِِ إنه لكم عدوٌ مبين".
الحمد لله على إحسانه.....
الليبرالية بدأت في الغرب، وولِدت في بلادهم، وترعرعت في أحضانهم، وشبت على قيمهم وأخلاقهم، ومحاولةُ إستنساخها في بلاد الإسلام، والترويجُ لها كذب وغرور، وضحك لا ينطلي ألا على ضعاف العقول، فالليبرالية في حقيقتها مصادمة لعقيدة التوحيد، ومناقضة له، حتى وإن حاول دعاتها التلبيس والتدليس كعادتهم، فالمنافقون من علمانيين، وحداثيين، وليبراليين، دأبوا على التلبيس والتمويه، وعدم إظهار عداوتهم للإسلام، ومحاولة خداع أكبر عدد من المسلمين بالشعارات البراقة، والرايات الزائفة، والتلبيس على العامة، واستعمال الكذب، والفجور في الخصومة، - يصرح أو يكتب في وسيلة اعلامية او على الشبكة العنكبوتية بكلام في سب لله او انتقاص من رسوله صلى الله عليه وسلم او سخرية بالملائكة عليهم السلام او استهزاء بشعائر الدين او دعوة للانحلال والتفسخ فاذا واجهه أحد بكلامه أنكر وحلف بالله ما قال وصدق الله "يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا"-.
إن محنة الإسلام التي تحيط به اليوم بلا شك هي اخطر محنة ألمت به في تاريخه المليء بالمحن والمؤامرات، ذلك لأن أبطالها ليسوا كما كانوا قبل غرباء عنا تفضحهم ألوان بشرتهم، واختلاف ألسنتهم، ومظاهِرُهُم، وصريح عداوتهم، لكنهم اليوم من أبناء جلدتنا، ممن يحملون أسماءنا، وينتسبون إلينا، ويتكلمون بألسنتنا، وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءانا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دَخَن"، قال قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر" فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم دعاة على أبوب جهنم من أجابهم قذفوه فيها" فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" إنهم من جلدتنا نعرف أصلهم ونسبهم ولكنهم ورثوا عن أولئك ثقافاتهم وأساليبهم، فالاسم عربي، والفكر غربي، أجسادهم عندنا، وعقولهم هناك -لذلك تجد شعارات منتدياتهم وشبكاتهم لا تخرج عن أبواب البيت الأبيض وبرج إيفل- خرج المستعمر بدباباته، وتركهم بعده ذوي المصلحة في الحكم والسلطان، فبطشوا وكان بطشهم أعتى وأمر، لأنهم أدرى بعورات قومهم، وكان من الطبيعي أن يستهدفوا في بطشهم مكامن القوة التي زعزعت أسلافهم، وهي كما يعلمون العقيد، العقيدة التي تستعصي على الإغراء، وتستعذب التضحية والفداء، انها المؤامرة القديمة على الإسلام، تحاربنا اليوم بما ابتكرته أفكار أساطينها، وبما أنتجته مدارسها ومصانعها، وبما أفسدته ثقافتها ومُجونها، وإعلامها وصحافتها، غير انه كان فيما مضى يدير المؤامرات فريق من الناس، او دولة من الدول وبإمكانيات محدودة، أما ما يواجهه الإسلام اليوم فهو مؤامرة تختلف عن ما سبقها تمويلا وتخطيطا، ودراسة وتنفيذا، وكما وكيفا، فهي أشد ضرواة، وأبعد خطرا، وأعظم من كل ما سبقها من حيث التعميم والتصميم، وبُعدُ أهدافها وغايتاها، وكثرة مؤيديها والمشتركين فيها، فقد تعاونت قوى الشر، وأعداء الإسلام في الشرق والغرب، وكل ضال وملحد ممن ينتمي إلى الإسلام، مستهدفين سحق المسلمين أين ما كانوا، ومحو الإسلام من الوجود إن استطاعوا، ولولا أن بناء الاسلام بناء قوي لتضعضعت أركانه، وانهد بنيانه، ولولا صلابة العقيد لما تحملت بعض الضربات التي أنزلت بها، ولا تزال تتعاقب عليها دون هوادة ولا رحمة، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتم نوره ولو كره الكافرون . هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".
مريزيق بن فليح السواط
تعرية الفكر الليبرالي واجب المرحلة، وهذه الخطبة على قصور فيها إسهام مني في فضح الليبرالية، وبيان فسادها أمام المجتمع، فكثير ما ترد أسئلة من بعض الاحية والاصدقاء ماهي الليبرالية؟؟ وما هي أفكارها؟؟ فاحببت المشاركة بهذه الخطبة نفعا لنفسي وأاخواني الخطباء، وإجابة لمثل هذه الاسئلة، فاقبلوها على علاتها.
أسفت كثيرا لقلة المراجع عن هذه النبتة الخبيثة، وقلة كلام العلماء عنها رغم تمكنها في مجتمعاتنا، وخطرها على أمتنا، قياسا بغيرها من الافكار والنحل، مع اعترافي بالتقصير وضعف الجهد في البحث والتحصيل.
أتمنى من قدواتي ومشايخي الخطباء في هذه الشبكة المباركة الإسهام في الحديث عن هذا الموضوع فهو بحاجة، والفرصة مواتية لتعريته وفضحه امام الناس الذين ربما انخدع بعضهم به، او حاول اصحابه استمالت قلوب الناس اليهم تحت دعوى الاصلاح والوطنية، واستغلال احداث الارهاب في رمي التهم على مخالفيهم ، وتنفير الناس عنهم.
وبالله التوفيق
تعديل التعليق