توزيع الأرزاق-15-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/11/15 - 2024/05/23 18:37PM

توزيع الأرزاق-15-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

كَانَ ابنُ ‌الرَّاوَنْديِّ من أذكى الناسِ وأعلمِهم، فَجَلَسَ يَومًا عَلَى الجِسرِ وَقَدْ أَوجَعَهُ الجُوعُ، فَمَرَّتْ خَيلٌ مُزَيَّنةٌ بِالحَريرِ والدِّيباجِ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقَالوا: لِعَليِّ بنِ بَلتَقٍ خادمِ الخَليفَةِ، ثُمَّ مَرَّتْ جارياتٌ جميلاتٌ، فَقَالَ: لِمَنْ هَؤلاءِ؟ فَقَالوا: لِعَليِّ بنِ بَلتَقٍ خادمِ الخَليفَةِ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ رَجلٌ، فَرآهُ وَعَليهِ أَثرُ الضُّرِّ والفقرِ والجوعِ، فَرَمَى إليهِ رَغِيفينِ، فَأخَذَهُما وَرَمَى بِهِمَا، وَقَالَ-معترضًا على اللهِ-: هَذا لِعَليِّ بنِ بَلتَقٍ خادمِ الخَليفَةِ، وَهَذانِ لي.

فَكَانتِ بِدَايتُهُ الاعتِرَاضَ عَلى حالِهِ وتقديرِ اللهِ، ونهايتُهُ إلى الإلحَادِ والضَّلالِ والكفرِ باللهِ، وتَأليفِ الكُتُبِ في سبِ القُرآنِ والأنبيَاءِ والإسلامِ-عياذًا باللهِ-، فلَعَنَ اللهُ الذَّكَاءَ بِلَا إِيْمَانٍ، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ البَلَادَةِ مَعَ التَّقْوَى.

إخواني: هُنَاكَ أَسرَارٌ وحِكَمٌ عَظيمَةٌ في تَوزِيعِ الأرزَاقِ، وهُنَاكَ ابتِلاءٌ كَبيرٌ يَظهَرُ فِيهِ الإيمَانُ والنِّفَاقُ، ولا يَنجو مِنهُ العَبدُ حَتى يُسلِّمَ لِحِكمَةِ العَليمِ الخَلاقِ، قالَ-تَعَالَى-: (أَهُمْ ‌يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

أَولًا: لا بُدَّ أَن نَعلَمَ: أَنَّ عَطَاءَ اللهِ-تَعَالى-الدنيويَ للإنسانِ لَيسَ دَليلَ مَحبَّةٍ وكَرَامةٍ، ولَيسَ مَنعُهُ مِنهُ دَليلَ بُغضٍ وإهَانَةٍ، قالَ-تَعَالَى-: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي ‌أَهَانَنِ*كَلَّا)، فَكَم مِن مَسكينٍ مَعدومٍ مِنَ الفُقَراءِ، هُو خَيرٌ وأَكرَمُ عِندَ اللهِ مِن كَثيرٍ مِن الأَغنياءِ، مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-، فَقالَ لِـمَنْ عِنْدَهُ: مَا ترونَ في هَذَا؟ فَقالُوا: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ-جديرٌ-إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ-يُزَوَّجَ-، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قالَ أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخرُ من عامةِ الناسِ، فَقالَ لِـمَنْ عِنْدَهُ: مَا ترونَ في هَذَا؟ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ-جديرٌ-إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ-يُزَوَّجَ-، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: هَذَا-يعني الفَقِيرَ-‌‌خَيْرٌ مِنْ ‌مِلْءِ ‌الأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا-يعني الغَنِيَ-".  

ثَانيًّا: أَنَّ الابتِلاءَ بِالمَالِ ابتِلاءٌ ثَقِيلٌ، لا يَثبِتُ فِيهِ إلا أَقلُّ القَليلِ، وَكَمْ مِن مُتَمَنٍّ لِلمَالِ أَصبَحَ مِنَ الحَامِدينَ، عِندَمَا رَأى عُقُوبَةَ اللهِ-تَعالى-لِلجَاحِدينَ، فَهَا هُو قَارونُ يَخرُجُ عَلى قَومِهِ فِي زِينَتِهِ، (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ*فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ*وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)، فَعَرفَوا أَنَّ مَنعَ الرِّزقِ-أَحيَانًا-يَكُونُ مِنَّةً، تَحتَاجُ الشُّكرَ عَلى هَذِهِ النِّعمَةِ.

ثَالِثًا: قَد يَتَمنَّى الإنسَانُ المَالَ لأَجلِ فِعلِ الخَيرِ والصَّلاحِ، ويَقُولُ: سَأنفِقُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ طَاعةٌ وقُربةٌ وفَلاحٌ، ولَكِن مَا يُدريكَ إذا أُعطِيتَ المَلايينُ، أَن تَقُولَ قَولَ الَأولينَ، (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ*فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ*فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، وأَعظَمُ النِّفَاقِ أَن تُخلِفَ وَعدَكَ مَع اللهِ-تَعالى-، فَعلِيكَ بِالرِّضَا بِمَا كَتبَ اللهُ وقَضى.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

ففي زَمنِ الانفِتَاحِ الإعلاميِّ الكَبيرِ، وظُهُورِ كَثيرٍ مِن أَهلِ التَّرفِ، في مَقَاطِعِ المُباهاةِ والسَّرَفِ، اسمَعوا إلى هَذا العِلاجِ النَّبويِّ الكريمِ، يَقولُ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا-تحتقروا-نِعْمَةَ اللهِ"، فَلِمَاذا نتابعُ هَؤلاءِ؟ ولِمَاذا نقرأُ أَخبارَ هؤلاءِ؟ قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ-رحمَهُ اللهُ-تعالى-: "صَحِبْتُ الأَغْنِيَاءَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَكْثَرَ هَمًّا مِنِّي، أَرَى دَابَّةً خَيْرًا مِنْ دَابَّتِي، وَثَوْبًا خَيْرًا مِنْ ثَوْبِي، وَصَحِبْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ"، وسُبحَانَ اللهِ الحَكيمِ: (لَهُ ‌مَقَالِيدُ ‌السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

فَاللهُ سُبحَانَهُ أعلمُ وأَحكَمُ في تَوزيعِ الرِّزقِ، فَيُعطي بِقَدَرٍ حَتى لا يُهلِكَ الخَلقُ، قَالَ-تَعالى-: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ ‌لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، فَما كَتَبَهُ اللهُ لَكَ فَلَنْ يَمنَعَهُ مَانعٌ، وَلَنْ يَدفَعَهُ دَافِعٌ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنَّ جِبريلَ نَفَثَ في رُوعِي-أوحى إليَّ-: إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا، فاتَّقُوا اللهَ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه". 

وأَخيرًا: انظروا إلى مَا عِندَكُم مِنَ النِّعَمِ والإحسَانِ، فإنَّكُم سَتَجِدونَ مَا لا يُقَدَّرُ بِالأثمَانِ، فَالرِّزقُ لَيسَ المَالَ فَقَط، قَالَ رَجلٌ لِصَاحبِهِ وَهوَ يَتَأمَلُ في القُصورِ: أَينَ نَحنُ حِينَ قُسِمَتْ هَذهِ الأَموالُ؟ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ لِلمُستَشفَى وَقَالَ لَهُ: وَأَينَ نَحنُ حِينَ قُسِمَتْ هَذهِ الأَمراضُ؟ فَكَمْ غَفلنَا عَن النِّعَمِ التي نَحنُ فِيها غَارِقونَ، بِسَببِ النَّظرِ إلى مَا يَتَبَاهى بِهِ المُترَفُونَ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1716561530_توزيع الأرزاق-15-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1716561531_توزيع الأرزاق-15-11-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 852 | التعليقات 0