توجيهات مع استقبال العام الدراسي الجديد

توجيهات مع استقبال العام الدراسي الجديد

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شُرور أنْفُسِنا وسيئاتِ أعْمالِنا ، منَ يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ، ومنْ يُضللْ فلا هاديَ لهُ ، وأشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأشْهَدُ أنّ مُـحَمّداً عبدُهُ ورسُولُهُ ، صلّى اللهُ عليْهِ وعلى آلهِ وَصَحْبِهِ وسلّم تسْليماً كَثِيراً . أمّا بَعْدُ :-

 فأوصِيكم ونفْسِي بِتقْوى اللهِ تعالَى ، فإن من اتقى الله وقاه وأسعده في دنيا وأخراه .

عباد الله : إننا جميعًا نستقبل بعد غد بداية عامٍ دراسي جديد ، يتوافد فيه جموعُ الطلاب كِبارًا وصغارًا إلى المدارس ، من أجل الحصول على هدف وغاية عظمى ألا وهو التعليم ، أسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا العام الذي نستقبله عامَ خير وبركة وأمن وأمان . وأن يوفق أبناءنا وبناتنا في جميع مراحلهم لكل خير وفضيلة ، وعلم وغنيمة ،  وأن يحفظهم من الأفكار والحزبيات والجماعات المنحرفة ، وأن يجعلهم بكتابه عاملين وبسنة نبيه متمسكين وعلى فهم السلف سائرين .

عباد الله : العلم أمر يحبه الله ، وأمَرَ عباده به ، ورغّبهم فيه ، وهو طاعة لله جلّ وعلا ، والطاعة يجب أن تُؤسَّس على الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة ، إخلاصا لله ، ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم  ، وَالْعِلْمُ هُوَ أَيْسَرُ الطُّرُقِ وَأَحْسَنُهَا وَأوْضَحُهَا لِلْوُصُولِ إِلَى رِضْوانِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ " ، وبيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ فَضْلَ الْعِلْمِ وأَهْلِهِ ، حَيثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، وإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ والتِّرْمِذِيُّ . ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ رَبُّنَا جَلَّ وعَلا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ التَّزَوُّدِ مِنْ شَيءْ إِلَّا مِنَ الْعِلْمِ ، فَقَالَ لَهُ آمِرًا ، ولِغَيْرِهِ مُرْشِدًا : ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ .

 

ولهذا يقول الإمام أحمد رحمه الله : " العلم لا يعدله شيء إذا صَلُحت النية " . فلابد أن يُصلِح كل واحد منا نيته بينه وبين الله ، يتعلَّمُ أحكام الدين ، ويتعلم أوامر الله ، ويتفقّه في دينه تبارك وتعالى ، ويتعلم من أمور الدنيا ما يكون له عونًا على الدين وعلى طاعة الله جلّ وعلا ، فيدخل المدرسة بنية صادقة ، وقصد عظيم ، وهدف نبيل ، وهو ابتغاء رضا الله تبارك وتعالى ، فيبدأ الإنسان دراسته وعامه المبارك بإخلاص لله . كما ينبغي على كل طالب وطالبة أن يحترم كل منهم معلميه ، وأن يحترم المدرسة التي يتعلّم فيها ، وأن يحرص أن يكون طالبًا مبارَكًا ، طالب خير وفضيلة ، طالب علم وإيمان ، يدخل مدرسته بالأدب والاحترام والتوقير والتقدير ، ويدخل بهمة عالية ، وعزيمة صادقة ، ورغبة أكيدة .

وكذلك الحال بالنسبة للمعلمين والمعلمات ينبغي عليهم احتساب الأجر ، تعليم الطلاب والطالبات أمر دينهم ودنياهم ابتغاء وجه الله عز وجل ، ويعلمونهم الأدب والأخلاق قبل العلم ، فإن الأدب قبل العلم .

أيها المعلمون أنتم أصحاب رسالة سامية ، ومهنة شريفة ، أنتم ورثة الأنبياء في تعليم الأجيال وتربيتهم ، وعلى قدر عطائكم يكون مستقبل البلاد والعباد .

فاجتهدوا أيها المعلمون في رعاية الأمانة والقيام بالواجب ، كونوا قدوات في أنفسكم ، وراقبوا الله في كل كلمة تقولونها أو تكتبونها ، فالأمانة عظيمة والمسئولية كبيرة وأنتم أهل لها بحول الله وقوته .

فالواجب على كل معلم أن يكون قدوة في الخير ، مربيًا للنشء ، حريصًا على تأديبهم وتعليمهم طاعة الله عز وجلّ ، وتحذيرهم من الشر والفساد ، وأن يكون هو قدوةً لهم في كل خير ، ناصحًا لهم ومؤدِّبًا ، يدلهم على كل فضيلة ، وينشر بينهم الخير ، ويتقنّص الفرص والمناسبات لينصح لأبنائه ويوجه تلاميذه . أسأل الله جلّ وعلا أن يبارك في مدارسنا كلها ، وأن يجعلها منارات للخير ، وأن يبارك في المعلمين والمعلمات ، والطلاب والطالبات ، وأن يجعل عامنا هذا عامًا مباركًا ، وأن يوفقنا فيه لكل خير ، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل .. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد :-

فيا أيها الآباءُ والأولياءُ : مهمةُ التربيةِ والتعليم ، ليست قصراً على المدرسةِ ، إنما لكم فيها النصيبُ الأكبرُ، والحظُ الأوفرُ ، ولنْ تمنعَكَ مشاغلُك ، وكثرةُ وظائفِكَ وارتباطاتِكَ ، وأعمالِكَ ونشاطاتِكَ ، من الإهتمامِ بأولادِكَ فهم الشغلُ الأشغلُ ، والهمُّ الأثقلُ ، ولانلقي بالمسؤوليةِ كاملةً ، على كاهلِ المدرسةِ ، الوالدُ هو المربي الأفضلُ  والمدرّس الأولُ ، دع أبناءَكَ يشعرونَ بقربِكَ منهم ، وسؤالِكَ عنهم ، فإن وقوفِكَ عليهم ، وزيارتِكَ لمدارسِهم ، وعلاقتِكَ بمعلمِيهِم ، يُسهمُ في سدِّ الفجواتِ ، وحلِّ المشكلاتِ ، ويبعثُ فيهم الثقةَ ، وينمي لديهم الرجولةَ ، ويحدوهم للتفوق والنجاحِ .

أيها الوليُّ الكريمُ ، إن وسائلَ الهدمِ كثيرةٌ ، لولا اللهُ سبحانه وتعالى ثمَّ هذه المباديءِ الراسخةِ ، والثوابتِ الشامخةِ ، فالفضائياتُ من ناحيةٍ ، ووسائلُ التواصُلِ من جانبٍ ، ومواقعُ الإنترنتِ المنحرفةِ الحارفةِ من جهةٍ ، والشارعُ وصحبةُ السوءِ ، وكثيرٌ مما لا يخفى على كريمِ عقولِكم ، فاللهَ اللهَ بهذهِ الأمانةِ التي في أعناقِكم ، قال عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الحديثِ المتفقِ عليهِ : ( كلُّكم راعٍ وكلُكم مسؤولٌ عن رعيته ) .

ولْنَحْذَرْ جَمِيعًا مِنْ أَنْ نَكُونَ قُدْوةً سَيئةً أَمَامَ أَوْلادِنَا وَطُلاَّبِنَا ، فَإِنَّ أَعْيُنَهُمْ إلينا أَسْبَقُ من آذَانِهِمْ ، وَبِئْسَ الرَّجُلُ رَجُلٌ قَالَ بِلِسَانِهِ الْخَيْرَ ثُمَّ فَعَلَ بِجَوارِحِهِ الشَرَّ ، فإِنَّ عَلَيْهِ وِزْرَ مَا فَعَلَ ، وَأَوْزَارَ مَنِ اقْتَدَى بِهِ مِنَ النَّاسِ .

أيها الآباء : أكرموا المعلمين والمعلمات ، واغرسوا في قلوب الآبناء والبنات حبهم وتوقيرهم وإجلالهم واحترامِهم ، طلبًا لمرضاةِ اللهِ سبحانهُ وتعالى يكن لكم في ذلك خير كثير ، علّموهم الأدبَ قبل أن يجلسوا في مجالسِ العلمِ والطلبِ ، علّموهم الأدبَ مع الكبارِ والعطفَ على الصغارِ ، علموهم الهدوءَ واحترامَ المساجدِ ودورَ العلمِ والعبادةِ ، علموهم احترام الآخرينَ ، وتوقيرَ المسلمينَ .

 ثم علينا كأولياء أمور أن نحترم المعلم ، وأن نقدر جهده ، فالمعلم هو سبب لنهضة هذه الأمة بما يقدمه من تشجيع وأدب وعلم وأخلاق ، حتى تخرج على يده الموظف والمدير والعسكري والمهندس والطبيب والطيار والقاضي ، وغيرهم .

عباد الله :  علينا أن نكون على صلة بالله تبارك وتعالى ، نسأله الهداية ، ونلتمس منه السداد ، ونرجوه تبارك وتعالى الفلاح ، وكلما كان العبد على صلة بالله تبارك وتعالى ، يُقبل على الله عز وجلّ إقبالاً صادقًا ، ويرجو ربه تبارك وتعالى ويطمع فيما عنده سبحانه ، فإنه يُسدَّد ويُوَفَّق ويُعانُ على كل خير في الدنيا والآخرة ، ونسأل الله جلّ وعلا أن يهدينا وإياكم ، وأن يسدد خطانا وخطاكم ، وأن يوفقنا جميعًا لكل خير ، وأن يهدينا سواء السبيل .. هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وقدوة المعلمين والمربين محمد بن عبد الله كما أمركم الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبارك عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ ، وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين . اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، وأذلّ الشرك والمشركين ، ودمّر أعداء الدين ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفِّقْ إمامَنا ووليَّ عَهدِه لما تحبُّ وترضى وخُذ بنواصيهم للبِرِّ والتقوى ، اللهم ارزقْهمُ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُّهم على الخيرِ وتُعينهم عليه ، اللهم وأصلح قلوبهم وأعمالهم وسددهم في أقوالهم وأفعالهم وآراءهم . اللهم احفظ جنودنا عامة والمرابطين منهم خاصة ، اللهم اصرف عنا وعن جميع المسلمين شر ما قضيت ، اللهم اغفر لنا  ولوالدينا ، ولجميع المسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحةً لنا من كل شر  " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .

عباد الله : اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .

 

( خطبة الجمعة 12/2/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب : (  0504750883  ) .

المرفقات

1723647678_توجيهات مع استقبال العام الدراسي الجديد.docx

المشاهدات 585 | التعليقات 0