تنقية النفس وتطهيرها وترويضها قبل رمضان
أبو المثنى
الحمد لله الذي خلق النفس وسواها فألهمها فجورها وتقواها ، فأفلح من زكاها ونقاها وخاب من دنسها ودساها ، وأشهد ألا إله إلا الله العليم الحكيم وأشهد أن محمدا عبده وخاتم رسله المصطَفين صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا إلى يوم الدين.
أما بعد
فأوصيكم ونفسي أيها المؤمنون بالتقوى ، وعليكم بذُروتها ، فما من الأعمال شيء إلا وفيه درجات ، فعليكم بالدرجات العلى من التقوى فإن لم يكن فقاربوها ، وإن من طرائق الوصول بالنفس إلى الكمال في التقوى ، الحرصُ على النقاء ، فمن حرص على نقاء قلبه وطهارة جوارحه وأتى بما يجب عليه ، فقد بلغ منزلة عالية في التقوى ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فعليكم بطهارة النفس وتزكيتها وتنقيتها ما استطعتم ، وسبيل ذلك يسير على من يسره الله عليه ، فما بينك وبين الله سدد فيه وقارب وسد الخلل بالتوبة والنوافل ، وأما ما بينك وبين الخلق فكن فيه على حذر شديد وملاك أمرك فيه أن يسلم الناس من لسانك ويدك ، فإن طاشت يدك بظلم وعبث لسانك بعرض فلا تلومنّ إلا نفسك ، فقد كانت نفسك في سلامة وأنت أوردتها المهالك ، وارتقب يوما يكون القضاء فيه بالحسنات والسيئات ، ولذلك «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ". قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ النَّقِيُّ، التَّقِيُّ، لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»"
فمن أراد السلامة أيها المؤمنون ، فعليه بنقاء قلبه ونقاء جوارحه وكثرة التوبة وكف الأذى عن الخلق فيا لخيبة من فرط في حق الله ولم يسلم منه الخلق ، ويا لسعادة من تنقى واتقى وأحسن "فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"
ثم اعلموا رحمكم الله
أن من أوجب ما يجب على المسلم أن يؤدي حق الله جل وعلا ، ومن حق اللهِ الذي ينبغي للمؤمن أن لا يفرط فيه أبدا ما كان من أركان الإسلام ومبانيه العِظام ، ومنها صيام رمضان ، فمن كان عليه أيام من رمضانات خلت وهو صحيح مقيم فعليه أن يبادر لقضائها ، فإن الأيام والليالي تجري سراعا ، وما كنا نعده بالأشهر بتنا نعده بالأيام والليالي ، فما بيننا وبين شهر الخير ، إلا شهر وأيام ، وستمضي كلمح البصر ، فليبادر من كان عليه قضاء ، وليؤدي حق الله ، ومن برئت ذمته من الصيام فليحمد الله على أداء حق الله ، وليتقرب إلى ربه بكثرة النوافل ومنها الصيام ، وليكثر منه إن استطاع في شهر شعبان فإن الإكثار من الصيام في شهر شعبانَ كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "وَمَا رَأَيْتُهُ -أي النبي- أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"
وكثرة الصيام مندوب في حق من لا يَضعف عما هو أولى من حقوق الله أو حقوق عباده ، وأما من كان يُضعفه صوم النوافل عن القيام بحق الله أو حقوق الخلق فلا يصم. قال ابن رجب رحمه الله: "فأفضل الصيام أن لا يَضْعُف البدن حتى يعجزَ عما هو أفضل منه من القيام بحقوق الله تعالى ، فإن أضعف عن شيء من ذلك مما هو أفضل منه كان تركه أفضل" وكذلك إن كان يضعفه عن حقوق العباد اللازمة "مثل أن يُضعِفه الصيام عن الكسب للعيال أو القيام بحقوق الزوجات فيكون تركه أفضل" وما تقدم من كلام الإمام ابن رجب هو في صوم النوافل وهو الصوم المستحب وأما صوم رمضانَ فواجبٌ لا يتركه المسلم إلا بعذر شرعي.
فتخيروا أيها المؤمنون من الأعمال ما تزكوا به النفوس وتتطهر به الجوارح ، وربوا النفس وروضوها قبل شهر الخير فرمضان مضمارٌ للسباق "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على خير الورى ، وإمام الهدى وعلى آله ومن بهديه اقتدى وسلم تسليما كثيرا مزيدا إلى يوم الدين. أما بعد
فاتقوا الله أيها المؤمنون حق التقوى وأدوا ما لله وما لخلقه من الحقوق ولا تفرطوا فيها ، فإن من أدى الحقوق فقد اتقى
واعلموا رحمكم الله ، أن للأنفس إقبال وإدبار ، ولها فطام واسترسال ، فهي كالبَهم الراعية إن تركتها ترتع في العشب أكلت حتى أهلك نفسها ، وكذلكم النفس لابد من فطامها وسياستها وترويضها ، وها أنتم ترون أهل الدنيا واللهو يكِدّون أنفسهم كدا ليحصلوا على شيء من لعاعة الدنيا ، فحري بأهل الإيمان والتقوى أن يكونوا أحرص على سياسة أنفسهم وترويضها طلبا لرضى الله ، فمن روض نفسه قبل رمضان انساقت له في شهر مضان وطاعته ولم تعانده ، ومن تركها ترعى في أوديتها أحجمت عنه في شهر الخير وعاندته وفاته من الأجر شيء كثير
فعليكم بالطاعات وتخففوا مما سواها من المحرمات والملهيات ما استطعتم ، وعليكم من الأعمال ما تطيقون وتكلفون ، كركعتان في هزيع الليل وبعض صفحات من كتاب الله ، والتزام بالنوافل الراتبة ، وركعتان في الضحى ومحافظة على أذكار اليوم والليلة ، وصلاة الوتر ولو ركعة وجلوس في مجالس الذكر وكف عن المحرمات ، وهذه الأعمال وغيرها هي أسباب لرحمة الله ودخول الجنة وإلا فالأعمال لا تنجي أحدا كما قال صلى الله عليه وسلم: "«لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا»
فالغدو السير أول النهار والرواح نصفه والدلجة آخرُ الليل فحري بالمؤمن أن يكون له سير إلى الله في هذه الأوقات بما ييسره الله له ، والقصد القصد تبلغوا ، واعلموا رحمكم الله أن الله إذا أراد بعبدٍ خيرا يسره لليسرى كما قال جل وعلا " ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان" فمن حُبب إليه الإيمان وكُرّه إلى العصيان فهذا فضل من الله ونعمة والله عليم حكيم.
ثم صلوا وسلموا أيها المؤمنون على الهادي البشير والسراج المنير فمن صلى عليه صلاة واحده صلى الله عليه بها عشرا ، اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين واخذل أعداءك أعداء الدين ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ،واجعلنا اللهم من الراشدين ، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أن خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم هيء لنا من أمرنا رشدا ، وبلغنا شهر رمضان ونحن في صحة وعافية وأعنا فيه على الصيام والقيام يا رب العالمين
اللهم اشف مريضنا وعاف وبتلانا وارحم ميتنا واقض ديوننا ورد كيد أعدائنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.