تنقص العلماء: مظاهره ،وخطورته
سعيد المفضلي
1437/11/22 - 2016/08/25 20:09PM
تنقص العلماء: مظاهره ،وخطورته
"الحمد لله الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، ويتحقق العدل بين المخلوقين، وجعل لهم خلفاء يخلفونهم في أممهم علماً وعملاً، ليكونوا قدوة للعاملين، ومناراً للسالكين، وشهداء على العالمين، أعني بهم العلماء الربانيين، الذين اكتسبوا العلم ابتغاء وجه ربهم، وربوا به الأمة علماً وعملاً، فكانوا هداة مهتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين، وإمام المتقين، فليس بعده نبي، وإنما هم العلماء كالأنبياء في هداية العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :"فإن فضل العلم والعلماء أمر متفق عليه بين عقلاء البشر، لا ينازع في ذلك إلا من سُلِبَ عقلُه، أو فَقَدَ لبَّه، والأدلة النقلية والعقلية على ذلك أكثر من أن تحصر، وفي محكم التنـزيل: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟"، والجواب مسكوت عنه للعلم به، ولو لم يكن في العلم فضل وفخر إلا أن كلَّ أحد يحب أن ينسب إليه ولو لم يكن من أهله، ولو لم يكن في الجهل شؤمٌ إلا أن أهلَه يتبرءون منه.
عباد الله: وإذا ذكر فضل العلم والعلماء، فإن تاجَهم، وذروةَ سنامهم، وشامَةَ جبينهم، هم علماء الشريعة، العاملون بعلمهم، الناصحون لعباد الله، المتبعون لسنة رسول الله قولاً وعملاً وظاهرا وباطناً، الذين يبلغون رسالات الله، ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، الذين إذا سمع المرءُ بهم أو لقيَهم وجدهم مشفقين وجلين، وعن الدنيا معرضين، وفي حطامها زاهدين. وإن كانوا على تحصيلها قادرين، تُرى عليهم السكينة والوقار، مكثرون من ذكر العزيز الغفار، أبعدُ الناس عن طلب الشهرة والرياسة، وأقربُ الناس لقبول الحق، وقلوب الخلق.
أيها الأحبة في الله: إن الإشارة إلى صفات هؤلاء العلماء الربانيين، فيها تمييزُ لهم عمن يدعي أو يُدّعى أنه منهم؛ فقد كثُرَ في زماننا ابتذالُ هذا اللقب الشريف، ووُصِفَ به غيرُ أهله، حتى أصبح كلُّ متحدث عن الإسلام عالماً، فإن كان كثيرَ الكلام، كثير الجدل، فهذا عند بعض الناس أعلم من غيره، ولو لم يثنِ ركبته يوماً عند عالم، أو يعرفْ بسعة اطلاعه، أما سمته فلا هو سمت العلماء، ولا وقاره كوقارهم ، وأما بضاعته العلمية فمزجاه، وغاية ما يستحقه أن يكون مثقفاً ثقافة إسلامية، وما كثير من شيوخ الفضائيات عن هذا الوصف ببعيد، وما علم أولئك المساكين أن أكابر الصحابة وعلماءهم كأبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود كانوا أقلَّ كلاماً ممن جاء بعدهم من علماء التابعين، ومع ذلك لم يكن التابعون ـ رحمهم الله ـ أعلمَ منهم، فليس العلم بكثرة الكلام والجدل الذي فتن به كثير من الناس اليوم، ولكنه نور يقذفه الله في قلب العبد، يفهم به الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بكلمات وجيزة محصلة للمقاصد.
إذا علم هذا ـ أيها المسلمون ـ فحري بنا أن نعرف من هم العلماء، وأن نحفظ حقوقهم علينا، وأن نحذر من الوقيعةِ بهم أو تنقصِهم، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثر فيه المساسُ بحرمتهم، والتنقصُ منهم ـ والعياذ بالله ـ والذي أخذ مظاهر شتى، يُذكرُ بعضُها لنحذر من الانسياق وراء أولئك المروجين لها إما خبثاً أو جهلاً بخطورة الوقيعة فيهم، الذين لم يعلموا أنهم بفعلهم هذا ينفذون ـ وبدون مقابل ـ مخططاً من مخططات اليهود الذين نصوا في أحد بروتوكولاتهم على ما يلي: "وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين في أعين الناس (ويعنون برجال الدين: العلماء من غير اليهود) وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤوداً في طريقنا، وإن نفوذ رجال الدين على الناس ليتضاءل يوماً فيوماً "، وللأسف الشديد أقول: لقد حققوا كثيراً من مقصدهم هذه، فصرتَ لا تستغرب أن ترى العالم َ في بعض وسائل الإعلام العالمية بصورة الرجل الساذج المغفل، إما بملابسه، أو كلامه، أو تصويره بما يسمى بالكاريكاتير بصورة تدعو للسخرية، وفي مقابل ذلك: فإن للعالمِ وأوامرِه عند بعض اليهود قدسيةً تصل إلى حد أوامر الرب، حيث يقول بعضهم :" إن كلّ قرار سيتخذه أمرنا العالي، سيقابل بالإجلال والطاعة، دون قيد أو شرط ".
إذا تقرر هذا، فإن من مظاهر تنقص العلماء:
1- رميهم بالجهل وعدم علمهم بالواقع وفقههم به: والعجيب أن هذه الفرية أصولها عن أهل البدع القدماء، فهذا أحد رؤوس البدعة في زمانه ـ وهو عمرو بن عبيد ـ يقول عن الحسن البصري وابن سيرين، وهما من أئمة التابعين: ألا تسمعون؟ ما كلامُ الحسن وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيض ملقاة، وهاهم اليوم، أذناب هؤلاء يقولون: علماؤنا علماء حيض ونفاس، وبئس القدوة هم، وما الغرض من ذلك والله، إلا إسقاط قيمتهم عند الأمة حتى لا تنتفع بعلمهم وتوجيههم، هذا فضلاً عن الواقع يكذب ما يقولون، ففي الأمة من يعلم من أمور الواقع وفقهها أكثر من بعض أولئك الذين أفنوا أعمارهم في دراستها تخصصاً في إحدى الجامعات .
2- محاكاة أصواتهم، أو هيئاتهم الخلْقية أو الخُلُقية بغرض السخرية والاستهزاء، وغيبتهم والطعن فيهم: وهذا ـ عياذاً بالله ـ من الكبائر العظيمة، والتي قد تصل إلى حد الكفر كما وقع للمنافقين الذين قالوا عن علماء الصحابة: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ـ أي علمائنا ـ أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء.
وإذا كانت الغيبة والسخرية بآحاد الناس محرمة، فما بالك بالعلماء ؟! ويخشى على فاعل ذلك من العقوبة الدنيوية والأخروية ، يقول ابن عساكر رحمه الله: (اعلم ـ وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وقَلَّ من اشتغل في العلماء بالثلب، إلا عوقب قبل موته بموت القلب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
3- تتبع أخطائهم وزلاتهم، ونشرها في كل مجلس، وعند كل أحد: إننا ـ معاشر الإخوة ـ لا ندعي العصمة لأحد غير الأنبياء، ولكن لا يجوز أن يُعاملَ ورثة الأنبياء بمثل هذا، وليس كل أحد يتكلم عليهم ويرد عليهم، بل الرد عليهم يكون من أهل العلم، وبالعدل والعلم لا بالظلم والجهل، اللذان هما سبب ضياع الأمانة التي حملها الإنسان، على أن العالم إذا اجتهد واتقى الله ما استطاع فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجرٌ واحد .
وليت أحدنا إذا بلغه عن أحد من العلماء ما يستغربه أن يتصل به، أو يراسله، ليستوضح الأمر، فقد يكون كذباً من أصله وما أكثر هذا، أو يكون للعالم عذره الشرعي عند الله، أو يكون في الأمر تفاصيل خفيت أثرت على فهم الموضوع .
4- ومن مظاهر تنقصهم: الجرأة على تخطئة فتاواهم عند سماعها أو قراءتها: ويتضح ذلك إن كانت الفتوى تخالف شهوة أو شبهة في نفس المتكلم !! والعجب أن هؤلاء المخطئين ليسوا ممن عرف بطلب العلم عند أهله، بل لو فتشت في علم أولئك لوجدتهم يجهلون أحكاماً لا تبرأ الذمة بجهلها، مع أنها مما يتقنه صبيان المدارس! وأعجب من ذلك: أن أولئك لو أراد أحدُهم أن يبني بيتاً له، أو يصلح سيارته لسارع إلى أهل الخبرة في ذلك الشأن، أما في أمور دينه فيجعل كلام أهل العلم معروضا على ما تهواه نفسه، أو ترضاه شهوته، إن هذا لشيء عجاب !!! .
وللحديث بقية، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ما اتصلت الدنيا بالأخرى، أما بعد: فمن مظاهر تنقص العلماء: الفرح والاستبشار بمرضهم، وتمني موتهم، بل والدعاء عليهم بذلك: عياذاً بالله من ذلك .
إن المسلم إذا سمع عن مرض أخيه المسلم أو وفاته لهج بالدعاء له، فكيف إذا كان المريض أو الميت عالماً من علماء أهل السنة ؟ أين هؤلاء من قول أيوب السختياني رحمه الله ـ وهو أحد أئمة التابعين: "إني أُخْبرُ بموت الرجل من أهل السنة، فكأني أفقد بعض أعضائي " ؟ فإذا كان هذا شعوره عند موت الرجل العادي فما ظنك بشعوره عند موت العالم ؟! ولهذا قال أيوب نفسه : "إن الذين يتمنون موت أهل السنة، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم " .
ويقول شيخنا ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : " إن فقد العالم ليس فقداً لشخصيته فحسب، ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة، جزء كبير بحسب ما قام به هذا العالم المفقود من التحقيق، فوالله إن فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار، بل فقده مصيبة على الإسلام والمسلمين، لا يعوض عنه إلا أن ييسر الله من يخلفه بين العالمين، فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد، ونصرة الحق، وإن فقد العلماء في مثل هذا الزمان ـ وما زال الكلام له رحمه الله. لتتضاعف به المصيبة؛ لأن العلماء العاملين أصبحوا ندرة قليلة بين الناس، وكثر الجهل والتشكيك والإلباس، ولكننا لن نيأس من روح الله، ولن نقط من رحمته، فلقد أخبر الصادق المصدوق محمد : أنه لن تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك "ا هـ كلامه رحمه الله.
إذا تبين هذا ـ يا عباد الله ـ فإن مما يندى له الجبين، أن يسمع في بعض المجالس أو يقرأ الإنسان في بعض الصحف أو التغريدات: اللمز والطعن على أمثال هؤلاء العلماء، ليس في حياتهم فحسب، بل وبعد وفاتهم! وإذا كان سب الواحد من المسلمين الذي ثبت عليه الخطأ منهياً عنه، كما في البخاري من حديث عائشة أن النبي قال :"لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا "، إذا كان هذا في حق من ثبت خطؤه، فما بالك بالعالم الذي هو بين الأجر والأجرين، لا ريب أن سبه أقبح وأعظم، وجدير بالمصرين على مثل هذا الخلق القبيح أن يهجروا إن كانوا أشخاصاً، وأن يقاطعوا إن كانوا صحفاً أو قنواتٍ فضائية، لأن في ذلك قطعاً لدابر هذه الفتنة العظيمة، الذي يتعدى ضررها على الأمة كلها، وحدثوني بالله عليكم، أي قيمة للأمة إذا لم يحترم علماءها؟!وممن يأتي النقد؟! يأتي من أناس حدثاء الأسنان، لا يعرفون بعلم، ولم تشهد لهم الأمة بجهاد أو بلاء، ولهؤلاء يقال :
متى كنتم أهلاً لكل فضيلة ـــ متى كنتم حرباً لمن حاد أو كفر
متى دستمُ رأس العدو بفيلق ـــ وقنبلةٍ أو مدفعٍ يقطع الأثر
تعيبون أشياخاً كراماً أعزةً ـــ جهابذةً نور البصيرة والبصر
فهم بركات للبلاد وأهلها ـــ بهم يدفع الله البلاء عن البشر
اللهم احفظ علماء السنة في كل مكان، اللهم أعل مكانتهم، وارفع درجتهم، اللهم من أراد علماء السنة بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم ارحم من مات منهم، وبارك في الأحياء وأعنهم على القيام بما أوجبته عليهم من البلاغ والنصيحة، اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير، واجعلهم مفاتيح خير، ومن مغاليق الشر، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اعز الإسلام والمسلمين …،اللهم انصر المجاهدين …،اللهم عليك بأعداء….
المرفقات
تنقص العلماء مظاهره ، وخطورته.docx
تنقص العلماء مظاهره ، وخطورته.docx