تنصَّف الشهر وانهدَم

سعود المغيص
1444/09/15 - 2023/04/06 15:21PM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمَّا بعدُ عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تعالى واعْلَمُوا أَنَّه قد مضَى من رمضان صَدرُه، وانقضَى منه شطرُه، واكتملَ منه بدرُه، فاغتنِموا فرصةً تمرُّ مرَّ السَّحاب، ولِجُوا قبلَ أن يُغلَق الباب، اجتهدوا في الطاعة قبل انقضائِه، وأسْرِعوا بالمتابِ قبل انتهائِه.

هذا هو رمضان يا أهلَ رمضان، واعجبًا له ، واعجبًا لأيَّامه ، واعجبًا لساعاته، شمس تغرُب، وشمس تُشرِق، ساعاته تَذْهب، وأوقاته تُنهَب، وزمانه يُطلَب.

تنصَّف الشهر وانهدَم، وفاز مَن بحبْلِ الله اعتصَم، واغتنَم الشهرَ خيرَ مُغتَنم.

وهنا وقفات لاغتنام رمضان قبل رحيله ، فيا سامعي، إنَّها وقفاتُ محبٍّ لإخوانه، مريدٍ لنفسِه ولهم اغتنام رمضان قبل حِرْمانه:

الوقفة الأولى حتى لا نُصاب بالفُتور في رمضان:

نعم، مُشاهَدٌ أنَّ الناسَ في العادة يَنشَطُون في أيام رمضان الأولى في العبادة، لكن إنْ هي إلا أيَّام ليُصبحَ رمضان عندَ كثيرين رتيبًا، وهكذا النفْس: عجول ملول كسول.

فدونك شيئًا مِن دواء فتورها، وعلاج دائها :

أولاً : استحضر النية أثناء صومك، فأنت تصوم فيجوع بطنُك وتظمأُ كبِدك لله واستجابةً لله، وتلبيةً لأمر الله.

تذكَّر فجْرَ الأجْر، فمَن تذكَّر فجْرَ الأجْر، هان عليه ليلُ التكليف، إنَّ أجْرك : « مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذَنْبِه»، إيمانًا واحتسابًا في كلِّ الشهر، وليس في أوَّله أو آخِره فقط.

تذكَّر أنَّ باب الريان في الجنة ينتظرك، أفلا تحبُّ الدخول منه، جعَلَنا الله وإياكم ممَّن يزاحم على بابه، يقول صلى الله عليه وسلم في باب الجنة : « ما بين مِصْراعيه مسيرةُ أربعين سَنَة، وليأتينَّ عليه يومٌ وإنَّه لكظيظٌ بالزحامِ » جعلنا الله ووالدينا وذرياتنا من أهلها .

إذا ما ضَعُفتْ نفسك عن القِيام في هذه الليالي أو استثقلته، فتذكَّر خبرَ نبيِّك صلَّى الله عليه وسلَّم: « وللهِ عُتقاءُ من النار في كلِّ ليلة ».

فأرِ اللهَ مِن قيامك خيرًا ؛ علَّك تكون عتيقَه الليلةَ أو التي بعدَها.

ثانياً : نوِّع العبادةَ في أيام هذا الشهر: صيام، قيام، تلاوة قرآن، إطعام، إنفاق، بِرّ، صِلة، وأبواب الخير كثيرة.

ثالثاً : حاسِب نفْسَك على مُضيِّ هذه الأيَّام والليالي، وتفقَّد أمْرَك في تلك الساعات الغوالي، وانظرْ ما قدَّمتَ في أيامها الخوالي.

رابعاً :  تذكَّر أنَّ رمضان إذا ارْتَحل، فلن يعودَ إلا بعدَ أحدَ عشرَ شهرًا، وهل يعود عليك وأنت فوقَ الأرض حيًّا أو في باطنها ميتًا؟ وهل يعود عليك صحيحًا أو مريضًا؟ فالفُرصةُ الآن بساحتِك فلا تضيِّعها.

الوقفة الثانية: ربُّك يُريد منك قرْضًا:

نعم، يستقرضُك وهو غنيٌّ عنك؛ قال سبحانه: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} إنها الظِّلُّ في يومِ الكروب والشدائد؛ صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم: «كلُّ امرئ في ظلِّ صدَقتِه يومَ القيامة حتى يُقضَى بين الناس».

إنها عاريةُ الله أعارَك إيَّاها؛ لينظرَ شأنَك فيها :

عرَف ذلك السلف حقًّا، فبَذَلوا إيمانًا وصِدقًا ، أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يَبْعث لها ابنُ الزبير -رضي الله عنه- بثمانين ومائة ألْف دِرهم، فتَقسِمها في يومٍ واحد وهي صائمةٌ، نسيتْ نفسها، فما تركتْ منها شيئًا تُفطِر به.

وهذا أنس بن سِيرين -رحمه الله تعالى- يُفطِّر كلَّ ليلة في رمضان خمسَمائة نفْس.

هذا شهرُ الجُود يا أهلَ الجود، اكفِلْ يتيمًا، احفِر بئرًا، فطِّر صائمًا، أطعِم جائعًا، اكسُ عاريًا، تلمَّس فقيرًا، إيَّاك وأنت تجِدُ سعةً أن تكون مِن ذلك محرومًا؛ {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} .

رَبَّنا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ،

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ. أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

الوقفة الثالثة : ساعةُ استجابةٍ ضائعة :

إيْ واللهِ ضائعةٌ عندَ كثيرٍ من الناس، ألاَ وهي ساعةُ السَّحَر، ساعة النُّزول الإلهي العظيم إلى السماءِ الدنيا؛ لينادي العباد: «هل مِن سائِل فأعطيَه؟ هل من داعٍ فأستجيبَ له؟ هل مِن مستغْفِرٍ فأغفرَ له؟».. إنها ساعة الاستغفار {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} .

والسُّحور سُنَّة ترَكها بعضُ الناس اليومَ، أو قدَّموها قبلَ الفجْر بساعات، ويسمُّونه سحورًا، وهو ليس بذلك؛ فسُنَّة المصطفَى صلى الله عليه وسلم في السُّحور هو ما كان قُبَيلَ أذان الفجْر، وقد أوْصى صلى الله عليه وسلم بأكْلَة السَّحَر بألاَّ ندعَها؛ فـ«إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على المتسحِّرين».

اللهم تقبل منا الصيام والقيام، ووفقنا فيما بقي من الليالي والأيام، وتجاوز عن التقصير والآثام يا ذا الجلال والإكرام،

اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار يا أرحم الراحمين، 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)

سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

المشاهدات 1393 | التعليقات 0