تنبيه المسلميــــــن بخطر الابتداع بالديـــــن
محمد بن سليمان المهوس
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَيْقَظَ الْغَافِلِينَ، وَنَفَعَ بِالتَّذْكِرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ عَرَفُوا حَقَّ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَحَقَّ رَسُولِهِ الأَمِينِ، وَتَمَسَّكُوا بِمَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ زَادٍ، وَأَعْظَمُ وَصِيَّةٍ لِلْعِبَادِ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلاَ صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يقولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، ويقولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَيَقْرُنُ بيْنَ إصْبَعَيْهِ: السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، ويقولُ: أَمَّا بَعْدُ؛ فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ – وفي رواية: خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ- وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُخْبِرُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- بِمَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ؛ وَأَنَّهُ إِذَا خَطَبَ فِي النَّاسِ، وَذَكَّرَهُمْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ اشْتَدَّتْ حُمْرَةُ عَيْنَيْهِ وَعَلاَ صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، أَيْ: مَنْ يُرَاقِبُ الْعَدُوَّ، وَيُخْبِرُ النَّاسَ بِأَحْوَالِهِ وَأَنَّهُ آتٍ إِلَيْهِمْ صَبَاحًا أَوْ مَسَاءً لِيَسْتَعِدُّوا، وَذَلِكَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى إِيصَالِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ، وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: تَحْذِيرُهُمْ مِنَ الاِبْتِدَاعِ فِي الدِّينِ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا أُحْدِثَ فِي دِينِ اللهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِهِ، وَيُبْتَغَى الأَجْرُ وَالثَّوَابُ مِنْهُ؛ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » [متفق عليه]، وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْبِدَعِ؛ لأَنَّهَا أُمُّ الشُّرُورِ وَيَنْبُوعُهُ، وَهِيَ بَرِيدُ الْكُفْرِ وَمَعِينُهُ! لأَنَّهَا مُضْعِفَةٌ لِلتَّوْحِيدِ، جَالِبَةٌ لِغَضَبِ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ؛ إِذْ إِنَّ خَطَرَهَا أَعْظَمُ مِنْ خَطَرِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ، وَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّرَ عَلَى أَصْحَابِهِ؛ «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ» وَذَلِكَ لِتَرْسَخَ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي النُّفُوسِ!
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لَوَازِمَ وَمَحَاذِيرَ يَقَعُ فِيهَا كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللهِ، مِنْهَا:
اتِّهَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْخِيَانَةِ؛ أَيْ إِنَّهُ لَمْ يُبَلِّغِ الْبَلاَغَ الْمُبِينَ!
وَالْمُسْلِمُ النَّاصِحُ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا رَحَلَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَّا وَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ إِلاَّ وَهُوَ يَذْكُرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ إِلاَّ وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ».
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «مَنِ ابْتَدَع فِي الإِسْلاَمِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خَانَ الرِّسَالَةَ؛ اقْرَؤُوا قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ وَلاَ يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلاَّ بِمَا صَلَحَ أَوَّلُهَا، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا لاَ يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا» [ المائدة : 3 ]
وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْمُبْتَدِعُ: اتِّهَامُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَهْلِ فِي دِينِ اللهِ، وَأَنَّ هَذَا الْمُبْتَدِعَ أَعْلَمُ بِدِينِ اللهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا» [رواه البخاري] فَكَيْفَ يُظَنُّ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -أَنَّ ثَمَّ خَيْرًا أَوْ مُعْتَقَدًا جَهِلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْمُبْتَدِعُ : تَنْزِيلُهُ لِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْمُشَرِّعِ الَّذِي يُضَاهِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيَانِ الدِّينِ؛ وَاللهُ يَقُولُ: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21].
تَمَسَّكْ بحَبْلِ اللهِ وَاتَّبِعِ الهُدَى
وَلاَ تَكُ بِدْعِيًّا لَعلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ الَّتِي
أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَنْجُ وَتَرْبَحُ
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَمَسُّكًا بِكِتَابِكَ، وَاتِّبَاعًا لِهَدْيِ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوُا أَنَّ حَقِيقَةَ كُلِّ بِدْعَةٍ هُوَ: اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى؛ لأَنَّهُ لَيْسَ أَمَامَ الْمَرْءِ إِلاَّ اتِّبَاعُ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوِ اتِّبَاعُ الْهَوَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 50]، فَالْهَوَى يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي الضَّلاَلِ، وَالضَّلاَلُ يَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: « وَكُلُّ بدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِيِ النَّارِ» فَعَلَى الْمُسْلِمِ الْبُعْدُ عَنِ الْبِدَعِ ، وَلَوْ تَعَلَّقَ هَوَاهُ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا؛ كَاحْتِفَالٍ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ صَلاَةٍ أَوْ ذِكْرٍ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: الاِقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الاِجْتِهَادِ فِي الْبِدْعَةِ.
هَذَا وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
المرفقات
1664904393_تنبيه المسلمين بخطر الابتداع في الدين.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق