تنبيهات وإرشادات مهمة عند حلول الأمراض المُلمَّة
الفريق العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
ففي ظل تسارع انتشار مرض الكورونا أو ما يسمى ( كوفيد COVID-19 ) وتوسع رقعته الجغرافية، مع تصاعد موجة الخوف والهلع بين الناس كونه من الأمراض المعدية – بإذن الله؛ يصبح من المتحتم علينا التذكير ببعض التوجيهات والإرشادات المهمة النافعة عموما، وفي مثل هذه الظروف بوجه خاص، بما يساهم بوضع الأمور في نصابها، وعدم التهويل والتخويف والتضخيم للأمور، وإعطائها حجماً ومساحة فوق حجمها الطبيعي، فأقول مستعيناً بالله جل وعلا:
1- أهمية الإيمان بالقدر خيره وشره وأنه ركن من أركان الإيمان، وأنه سر الله في خلقه، والرضا بقضاء الله وعدم التسخط والتشكي والجزع، وأن كل ما أصاب العباد من جوائح وأمراض وكوارث ومصائب فبقضاء الله وقدره، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن:11].
قال الحسن – رحمه الله-: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقًا فَخَلَقَهُمْ بِقَدَرٍ، وَقَسَمَ الْآجَالَ بِقَدَرٍ، وَقَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ بِقَدَرٍ، وَالْبَلَاءُ وَالْعَافِيَةُ بِقَدَرٍ.
2- ضرورة الإيمان الكامل واليقين الراسخ بأن الله سبحانه وتعالى؛ هو الضارّ النافع المعطي المانع الكافي الشافي الواقي الحافظ الحفيظ، قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}[الأنعام:17]، وقال سبحانه على لسان إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:80].
3- حسن الإلتجاء إلى الله والتوكل والاعتماد عليه في جميع شؤونك، والتبرؤ من حولك وقوتك والإلتجاء لحول الله وقوته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب:3]، وقال سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[إبراهيم:12].
4- على العلماء والمصلحين والدعاة وطلاب العلم والعقلاء، رفع المعنويات والتعامل بإيجابية مع الحدث، وطمأنة الناس والتخفيف عنهم وعدم تخويفهم والمبالغة في توصيف الوضع مما يثير الذعر والهلع والقلق، قال سبحانه على لسان نبيه - عليه الصلاة والسلام - في ظرف صعب للغاية: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:40]، وقال سبحانه على لسان الرجل الصالح لما قص عليه موسى – عليه السلام- قصته: { لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[القصص:25]، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ)). متفق عليه.
5- الاعتقاد والإيمان أن الأمراض لا تعدي بقوتها ونفسها بل بأمر الله وقدره، مع الأخذ بالأسباب المادية الصحية والوقائية بالابتعاد عن مسببات الأمراض والأماكن الموبوءة وأخذ الحيطة والحذر، لقوله عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: ((لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ)).
6- الحذر من الشائعات وتناقل الأخبار دون توثق وتثبت، وخصوصاً تلك التي تنشر الخوف والفزع والذعر بين الناس، والابتعاد عن التصريحات والتحليلات وتناقلها من غير المختصين، وأن لا تؤخذ المعلومة إلا من مصادرها الرسمية والمعنية، يقول سبحانه في معرض ذكر صفات المنافقين: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83].
7- الاعتصام بالله وتقوية الصلة به وسرعة الاستجابة والانقياد لأوامره، وكثرة الاستغفار والإنابة والتوبة إليه، واجتناب الذنوب والمعاصي والخطايا وحسن الظن بالله عز وجل، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، قال سبحانه: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم:41].
8- الأمراض الوبائية عذاب معجل من الله - سبحانه وتعالى - يبعثه على الكفار والعصاة والمجرمين، وهو رحمةٌ للمؤمنين الطائعين لرفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم، ولما سألت عائشةُ - رضي الله عنها - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم – عن الطاعون قال: ((أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ)). صحيح البخاري.
9- خطورة وحرمة الاحتكار والغش، وارتفاع الأسعار والتلاعب بأقوات الناس وكل سلعة يحتاج إليها المسلمون، واستغلال حاجاتهم الضرورية في الأزمات، فهذا من أكل المال بالباطل والخيانة وتضييع الأمانة، ودناءة نفس المحتكر وسوء خلقه وقلة إيمانه، قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: ((لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ))، والخاطئ هو العاصي الآثم، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ))، أخرجه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة برقم 3362.
10- على المسلم الاتعاظ والاعتبار بما ينزل من أمراض ومصائب وابتلاءات وآفات، والسعي الحثيث لرفعها ببذل الأسباب الشرعية ابتداءً، ومن أظهرها الإقلاع عن الفاحشة والحد من انتشارها وترك البغي والظلم.
أخرج ابن ماجه في سننه وصححه الألباني أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا معشرَ المُهاجِرينَ خمسٌ إذا ابتُليتُمْ بِهِنَّ وأعوذُ باللَّهِ أن تدرِكوهنَّ، لم تَظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بِها، إلَّا فَشا فيهمُ الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تَكُن مَضت في أسلافِهِمُ الَّذينَ مَضوا)).
أخرج ابن عبد البر في التمهيد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: مَا ظَهَرَ الْبَغْيُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الْمَوَتَانِ.
والموتان: هو الموت كثير الوقوع.
11- الاستجابة والامتثال لتوجيهات وتعليمات الجهات المعنية، بمختلف التخصصات الأمنية والصحية والإدارية والتعليمية وغيرها، وتحمل أعلى درجات المسؤولية وتقديم المصلحة المجتمعية العامة على المصالح الفردية الضيقة، والتعاون مع الجميع بما يضمن الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها وتجاوز المحنة، قال سبحانه: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2].
اللهم احفظ بلاد المسلمين من الأمراض والوباء، وارزقنا الأمن والأمان والإيمان والاطمئنان والاستقرار، وشافي مرضى المسلمين وعافي مبتلاهم، واصرف عنا السوء وجميع الأسقام.
2 رجب 1441هـ
26 فبراير 2020م