تقرير: هكذا تكسب "جبهة النصرة" القلوب

احمد ابوبكر
1434/04/10 - 2013/02/20 06:22AM
تقرير: هكذا تكسب "جبهة النصرة" القلوب

وسط حالة التشرذم العسكري والفوضى المدنية التي يحاول لواء التوحيد استدراكها وإن متأخراً، تبدو «جبهة النصرة» منقذاً محترفاً يعمل بهدوء وإتقان. فبعكس مقاتلي الجيش الحر المسيطرين على المشهد العام بسلاحهم و«قبضاتهم» (هواتف اللاسلكي) والسلوكيات المرافقة لها، ينكب عناصر جبهة النصرة على مهماتهم بصمت وسرية مستفيدين من خبراتهم في العراق واليمن.
ولا تقتصر تلك الخبرات على المعارف القتالية فحسب، وإنما تتعداها إلى العمل الخدماتي الذي يجعلهم يكسبون العقول والقلوب وينسجون علاقات وطيدة مع المجتمع المحلي. ففي حين يشتكي القائد العسكري للواء التوحيد «أبو توفيق» من قلة السلاح والمال، ويتذمر العقيد الركن «أبو بلال» من غياب انضباط المدنيين من الشباب وعدم التزامهم بالأوامر العسكرية خصوصاً إن أطول فترة تدريب لا تتجاوز 20 يوماً، يخضع عناصر النصرة لاختبارات كثيرة قبل قبولهم في صفوفها. ويتدرجون فيها ضمن هيكلية واضحة تقوم على «أمير» لكل منطقة يكون مسؤولاً عنها ويعمل بالتنسيق مع أمراء المناطق الأخرى ومقاتلين وعاملين مدنيين. الهيكلية الداخلية واضحة ومحكمة وليس من مكان فيها للارتجال أو التعسف. فالقرار موحد ومهمة تنفيذه توكل إلى مجموعات يحاسب قادتها على أدائها. هذا ويعيش المقاتلون في معسكرات خاصة خارج القرى، ويعملون في مراكز توزيع إغاثة تنتشر بين الأحياء السكنية لكنها تتفادى الاندماج الكلي فيها. فهذه مهمة جهادية متكاملة تبدأ بتوزيع رغيف خبز وتنتهي بالشهادة. هكذا سيطرت النصرة على مرافق حيوية مثل الأفران ومصفاة نفط ومعبر مع الحدود التركية وتعمل عبر شبكة أمان اجتماعي. ففي خراج إحدى بلدات الريف، وسط السهل، أقام عناصر النصرة مصفاة صغيرة يستخرجون منها المازوت. صحيح إنه غير نقي بما يكفي لتشغيل محرك السيارة لكنه على الأقل قادر على تشغيل المدافئ في البيوت، في غياب تام للكهرباء. وإلى ذلك راحوا يؤمنون قوارير الغاز بنصف سعرها ومؤناً ومواد استهلاكية تحمل كلها «لوغو» «جبهة النصرة». وإذ وضعت النصرة يدها على غالبية الأفران في المدينة، منعت اصطفاف المواطنين أمامها بما يعيق العمل وجعل المكان هدفاً سهلاً لقصف الطائرات. تحولت الأفران إلى العمل السري كمنشآت تحظى بحماية خاصة. وعلى مدخل أحد الأفران في حي طريق الباب في حلب، وقف «قبضاي» يمنع المتطفلين. ذاك إنه تم تعيين مسؤول عن كل فرن يراقب العمل ويشرف على تسلم الطحين وتسليم الكميات اللازمة لمندوبين في الأحياء. وهؤلاء المندوبون هم من أبناء الحي تعينهم الجبهة ويملكون جداول بأسماء العائلات وعدد أفرادها في القطاع الخاضع لهم. ولا يحق للشخص الواحد بأكثر من 3 أرغفة توزع بشكل دوري وفق توافر المواد. ويباع كيلو الخبز بـ 24 ليرة بينما كان بلغ خلال الأزمة 250 ليرة ولا يزال يباع في المناطق الخاضعة للنظام بـ 150 ليرة سورية. وصحيح أن أصحاب الأفران فقدوا سيطرتهم على مهن توارثوها أباً عن جد، لكنهم في المقابل ضمنوا تشغيل مصالحهم بعدما كانوا مضطرين لشراء المحروقات والطحين بأنفسهم، وبيع الخبز وسط المخاطر.

ومن الدروس المستقاة من العراق، تلك التي تجعل النصرة في بلاد الشام تتفادى التكفير العلني، وتتحاشى تنصيب أمراء أو قادة ميدانيين من المقاتلين الأجانب، ولا تلجأ إلى العمليات الانتحارية إلا في حال الضرورة القصوى. فهي ووفق مصادر محلية، لا تعد أكثر من 3 آلاف مقاتل في كامل سورية يشكل الأجانب بينهم أقل من 10 في المئة وتتلقى التمويل والسلاح بشكل مباشر ومن دون مشاركة مع أحد. واكتسبت الجبهة «سمعة طيبة» في المعارك لأن شبانها يقاتلون حتى الرمق الأخير وإن ضحوا بأنفسهم، فهم لا يهابون الموت لأنه طريق أقرب إلى الشهادة. وتعتمد الجبهة على الالتزام المطلق من عناصرها الذين تختارهم بعناية وتدربهم تدريباً صارماً وتعمل منفردة وإن بتقارب «فكري» مع بعض الكتائب مثل أحرار الشام، و«تنسيق» عملي في الخطوط العامة مع لواء التوحيد. تنسيق يبقى أقرب إلى التبليغ منه إلى الاستشارة الفعلية. لكن قادة التوحيد لا يبدو عليهم الامتعاض أو التنافس العسكري مع النصرة بل يرددون إن إنجازاتها تصب في مصلحتهم وتقربهم من تحقيق هدفهم، أي إسقاط النظام، مؤجلين خلافهم العقائدي معها إلى حين. وإذ يؤكد «أبو رامي»، قائد لواء النصر المحسوب على «العلمانيين» إن وجهة المقاتلين غالباً هي وسطية ومعتدلة، لا يجد ضيراً في انضمام لوائه إلى «جبهة تحرير سورية الإسلامية»، معتبراً إن الكلام في السياسة يأتي لاحقاً. أما «أبو توفيق» الذي حارب الأميركيين في العراق ضمن الأفواج الأولى التي خرجت للقتال، فيغازل «النصرة» حيناً ويجافيها حيناً آخر.

وما لم ينتبه إليه هؤلاء القادة إن جبهة النصرة وضعتهم بطريقة غير مباشرة في سباق معها على التدين وسبل تظهيره. فبالإضافة إلى كون ذلك باباً أساسياً لمصادر التمويل، فهو أيضاً تأشيرة سريعة إلى البيئات الحاضنة للثورة. هكذا، انطبعت الكتائب تدريجياً بطابع ديني، وأضفت على عملها مظهراً شرعياً عبر مشايخ تبنوها ومنحوها مباركتهم. فكثف لواء التوحيد عمله الإغاثي وإن بإمكانات محدودة، واعتمد «قائداً ميدانياً» هو رئيس «هيئة الأمر بالمعروف ونصرة المظلوم» الحاج أبو سليمان. ومن مهمات الحاج الذي يلف رأسه بعمامة سوداء ويحمل ماجستير إدارة أعمال من جامعة في ولاية تكساس الأميركية، توجيه المقاتلين دينياً في المعركة، وتعليمهم كيفية التعامل مع المناطق التي يستولون عليها لجهة حفظ أمن المدنيين والحفاظ على أملاكهم وفق الأصول الشرعية. وذلك عبر جلسات تلقينية وكتيبات توزع على المقاتلين تدعو إلى الجهاد وتعدد فوائده. كما ويشرف «الحاجي أبو سليمان» على توزيع المنازل المصادرة على «الأسر المنكوبة»، وتلك بلغت 860 شقة موزعة بين أحياء هنانو والحيدرية والباب!

وفيا تبدو «جبهة النصرة» كإحدى مدارس النخبة التي تفخر الأسر بانتماء أبنائها إليها، لا يجد قادة لواء التوحيد حرجاً في أن يقودوا كتائب بكاملها، فيما أبناؤهم الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عاماً ينتسبون إلى النصرة. هكذا يفتخر «أبو بكري» الذي يلتهم السجائر أكثر من تدخينها، بأن ابنه بكري «يتعلم هناك القتال الحقيقي، والأخلاق الحميدة كما أقلع كلياً عن التدخين... وهذه مهمة نعجز عنها كآباء وقادة عسكريين». أما عن احتمال أن ينقلب الأمر عليهم ويعود أبناؤهم لتكفيرهم لاحقاً فليس وارداً عندهم. «نحن مسلمون أيضاً ومن يكفرني أخلع رقبته ولو كان ابني» يقول «الأصلي» ضاحكاً.


المصدر : المختصر
المشاهدات 1241 | التعليقات 0