تقبَّل اللهُ منَّا وَمنكُم

سعود المغيص
1444/12/17 - 2023/07/05 22:37PM

الخطبة الأولى:

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا،

اَلْخُطْبَة اَلْأُولَى :

إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسَنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مِنْ يَهُدُّهُ اَللَّهُ فَلَا مُضِل لَهُ ، وَمِنْ يُضَلِّلُ فَلَا هَادِي لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ،

أُمًّا بَعْدَ عِبَادِ اَللَّهِ :

اِتَّقَوْا اَللَّهُ تَعَالَى وَاعْلَمُوا ، أَنَّ عِبَادَةَ اَلْعَبْدِ لِرَبِّهِ ، هِيَ رَمْزُ خُضُوعِهِ ، وَدَلِيلَ صِدْقِهِ ، وَعُنْوَانَ اِنْقِيَادِهِ ، فَالْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دَوَّنَ زَمَانٌ ، وَلَا بِمَكَانٍ دَوَّنَ مَكَانُ اَلْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ : هِيَ أَشْرَفَ اَلْمَقَامَاتِ ، وَأَسْمَى اَلْغَايَاتِ ، مِنْ نَالَهَا فَقْدٌ نَالَ أَعْلَى اَلْمَرَاتِبِ وَأَرْفَعُ اَلدَّرَجَاتِ .

عِبَادُ اَللَّهِ : فِي اَلْأَيَّامِ اَلْفَائِتَةِ ، قَضَى اَلْحُجَّاجُ عِبَادَةً مِنْ أَعْظَمِ اَلْعِبَادَاتِ ، وَقُرْبُهُ مِنْ أَجْلِ اَلْقُرُبَاتِ ، تَجَرَّدُوا لِلَّهِ فِيهَا مِنْ اَلْمَخِيطِ عِنْدَ اَلْمِيقَاتِ ، وَهَلَّتْ دُمُوعُ اَلتَّوْبَةِ مِنْهُمْ فِي صَعِيدِ عَرَفَات ، خَجَلاً مِنْهُمْ وَوَجِلَا مِنْ اَلْهَفَوَاتِ وَالْعَثَرَاتِ ، وَضَجَّتْ بِالِافْتِقَارِ إِلَى اَللَّهِ كُلَّ اَلْأَصْوَاتِ ، بِجَمِيعِ اَللُّغَاتِ ، فِي رِحْلَةٍ إِيمَانِيَّةٍ مِنْ أَرْوَعِ اَلرِّحْلَاتِ ، فَهَنِيئًا لِلْحُجَّاجِ حَجَّهُمْ ، وَهَنِيئًا أَيْضًا لِمَنْ صَامَ مِنْكُمْ وَقَامَ ، وَأَطْعَمَ اَلطَّعَامُ ، وَاشْتَغَلَ بِالذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ فِي خَيْرِ اَلْأَيَّامِ . .

هَنِيئًا لِلْجَمِيعِ عِبَادَتِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ ، هَنِيئًا لَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اَلْهُدَى صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهُ عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا : ( إِذَا تَقَرَّبَ اَلْعَبْدُ إِلَى شِبْرًا تَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبَتْ مِنْهُ بَاعَا ، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) فَهَلَّا اِسْتَشْعَرْتُ يَا عَبْدُ اَللَّهْ ، كَمْ اِقْتَرَبَتْ مِنْ رَبِّكَ فِي اَلْأَيَّامِ اَلْخَالِيَةِ وَبِضَعْفِهِ قَدْ اِقْتَرَبَ اَللَّهُ مِنْكَ بِفَضْلِهِ وَعَطَائِهِ . . وَكَرَمُهُ وَنُوَالِهُ .

فَيَا مِنْ اِجْتَهَدَ بِالْعِبَادَةِ فِي اَلْعَشْرِ اَلْعِظَامِ : اُشْكُرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا أَوْلَاكُمْ ، وَاحْمَدُوهُ عَلَى مَا حَبَاكُمْ وَأَعْطَاكُمْ ، فَقَدَ تُتَابِعُ عَلَيْكُمْ بَرُّهُ ، وَاتَّصَلَ بِكُمْ خَيْرُهُ ، وَعَمَّ بِكُمْ عَطَاؤُهُ ، فَمًا تَقَرَّبْتُمْ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَفَضْلِهِ ، وَلَا عَبَدْتُمْ اَللَّهُ إِلَّا بِاصْطِفَائِهِ ، وَلَا حَجَّ مِنْ حَجِّ إِلَّا بِتَيْسِيرٍ مِنْ اَللَّهِ وَاخْتِيَارِهِ ، فَالْفَضْلُ كُلُّهُ لِلَّهِ أَوْلِهِ وَمُنْتَهَاهُ ، ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةِ فَمِنْ الِلَّهِ ) فَسُبْحَانَهُ مِنْ مُتَفَضِّلٍ كَرِيمٍ ، يَهْدِيكَ لِعِبَادَتِهِ ، ثُمَّ يُثِيبُكَ عَلَيْهَا ، فَالْفَضْلُ لَهُ فِي اَلْهِدَايَةِ ، وَالْفَضْلُ لَهُ فِي اَلثَّوَابِ             ( وَقَالُوا اَلْحَمْدَ لِلَّهِ اَلَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اَللَّهُ ) فَيَا مِنْ تَقَرَّبَتْ فِي اَلْأَيَّامِ اَلْخَالِيَةِ ، بَيْنَ ذِكْرِ وَصِيَامْ وَقِيَامٍ وَرِفَادَةٍ ، اِلْزَمْ طَرِيقَ اَلْخَيْرِ وَالِاسْتِقَامَةِ ، وَاحْذَرْ مِنْ اَلْعَوْدَةِ إِلَى اَلتَّلَوُّثِ بِالْمُحَرَّمَاتِ ، وَالتَّلْفِعْ بِالسَّيِّئَاتِ ، وَالتَّحَافْ اَلْخَطِيئَاتُ , وَدَاوَمَ اَلْعَمَلُ ، فَلَسْتُ بِدَار إِقَامَةٍ ، وَلَنْ يَمَلَّ مُوَفَّقٌ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ ، حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ اَلْجَنَّةُ ، وَاحْذَرْ اَلْعَجَبَ وَالرِّيَاءَ ، فَرُبَّ عَمَل صَغِيرٍ تُعْظِمُهُ اَلنِّيَّةُ ، وَرَبَّ عَمَلٍ كَبِيرٍ تَصْغُرُهُ اَلنِّيَّةُ .

وَمَهْمَا فَعَلَتْ مِنْ اَلْخَيْرِ ، فَإِنَّ حَقَّ اَللَّهِ عَلَيْكَ أَعْظَمَ ، وَإِنْ قَضَيْتُ عُمْرُكَ كُلُّهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ، حَتَّى تَقْبِضَ ، وَلَنْ تَدْخُلَ اَلْجَنَّةُ بِعَمَلِكَ ، إِلَّا أَنْ يَتَوَلَّاكَ اَللَّهُ بِرَحْمَتِهِ ، فَاحَقْرْ عَمَلُكَ فِي جَنْبِ اَللَّهِ ، وَلَا تُدْلِي بِهِ عَلَى اَللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اَلْفَضْلَ كُلَّهُ لِلَّهِ ، وَلَوْ شَكَرَهُ اَلْعَبْدُ لَيْلاً وَنَهَارًا مَا أَوْفَاهُ ، اَللَّهُمَّ اِرْحَمْنَا جَمِيعًا بِرَحْمَتِكَ اَلَّتِي وَسَّعَتْ كُلَّ شَيْءِ يَا رَحْمَنْ اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . .

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا . .

اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدْ اَلصَّابِرِينَ اَلشَّاكِرِينَ ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرهُ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرهُ ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى خَيَّرَتْهُ مِنْ خُلُقِهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَمِنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاهْتَدَى بِهَدْيهِ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ .

أَمَّا بَعْدَ عِبَادِ اَللَّهِ :

إِنَّ فَاتَتْ أَيَّامُ اَلْعَشْرِ اَلْمُبَارَكَةِ ، فَإِنَّ بَيَّنَ أَيْدِيكُمْ عَلَى مَدَى أَيَّامِ اَلْعَامِ ، أَعْمَالاً جَلِيلَةً ، وَأُجُورُهَا عِنْدَ اَللَّهِ عَظِيمَةً وَكَبِيرَةً ، وَإِنْ مِنْ أَجْلِهَا وَأَعْظَمَهَا ، اَلصَّلَوَاتُ اَلْخَمْسُ ، تِلْكُمْ اَلْمَحَطَّاتِ اَلْإِيمَانِيَّةِ اَلْعَامِرَةِ ، وَالْبِحَارُ اَلتَّرْبَوِيَّةُ اَلزَّاخِرَةُ ، اَلَّتِي تُمْحَى بِهَا اَلذُّنُوبُ وَالسَّيِّئَاتُ ، وَتُزَادَ بِهَا اَلْحَسَنَاتُ ، وَتَرْفَعَ بِهَا اَلدَّرَجَاتُ ، وَتُطَهِّرَ بِهَا اَلْقُلُوبُ ، وَتَزَكَّى اَلنُّفُوسَ ، قَالَ - سُبْحَانَهُ : ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى “

عِبَادُ اَللَّهِ : إِنَّ أَبْوَابَ اَلْخَيْرِ عَدِيدَةً ، وَالْحَسَنَاتُ مُضَاعَفَةً ، وَرَبُّنَا - سُبْحَانَهُ - جَوَادٌ كَرِيمٌ ، يُعْطِي اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلْأَجْرِ ، عَلَى اَلْقَلِيلِ مِنْ اَلْعَمَلِ ، فَأَقْبَلُوا عَلَى رَبِّكُمْ بِحُسْنِ اَلْعَمَلِ ، فَالدُّنْيَا زَائِلَةٌ ، فَلِيُحَذَّر اَلْعَبْد مِنْ اَلتَّمَادِي فِي اِغْتِرَارِهِ ، وَلْيَجْتَنِب اَلْمَعَاصِي وَالْمُوبِقَاتِ ، وَلِيُبَادِرَ بِالتَّوْبَةِ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى رَبِّ اَلْبَرِيَّاتِ ، وَالتَّائِبَ مِنْ اَلذَّنْبِ ، كَمَنَ لَا ذَنْبَ لَهُ ، وَمِنْ يَعْتَصِمُ بِاَللَّهِ ، فَقَدَ هُدًى إِلَى صِرَاطْ مُسْتَقِيمٍ .

اَللَّهُمَّ أَعَزّ اَلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذَلَّ اَلشِّرْكُ وَالْمُشْرِكِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ اَلدِّينِ ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ،

اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ أَنَّ تَحَفُّظَنَا بِحِفْظِكَ ، وَأَنَّ تَكْلَأنَا بِرِعَايَتِكَ ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا اَلْغَلَاءُ وَالْوَبَاءُ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلُ وَالْمِحَنُ وَسُوءُ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنُ يَا رَبُّ اَلْعَالَمَيْنِ .

اَللَّهُمَّ اِشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى اَلْمُسْلِمِينَ ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى اَلْمُسْلِمِينَ .

اَللَّهُمَّ وَفْق خَادِمِ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ ، وَهَيَّأَ لَهُ اَلْبِطَانَةُ اَلصَّالِحَةُ ، اَللَّهُمَّ وَفِقْه وَوَلِيِّ عَهْدِهِ وَسَدَّدَهُمَا وَأَعِنْهُمَا ، وَاجْعَلْهُمَا مُبَارَكِينَ مُوَفَّقِينَ لِكُلِّ خَيْرِ وَصَلَاحْ يَارْبْ اَلْعَالَمَيْنِ

اَللَّهُمَّ اُنْصُرْ جُنُودَنَا اَلْمُرَابِطِينَ عَلَى اَلْحُدُودِ ، اَللَّهُمَّ أَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَثَبَتَ أَقْدَامَهُمْ ، وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كَيْدِ اَلْأَعْدَاءِ .

اَللَّهُمَّ صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدْ وَآلُهُ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

المشاهدات 544 | التعليقات 0