تقبل اللهُ حَجَّكم

محمد ابراهيم السبر
1444/12/15 - 2023/07/03 02:14AM

تقبل اللهُ حَجَّكم

الحمد لله، يوالي على عباده مواسم الخيرات، أحمده على نعمه وآلائه السابغات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أول سابق إلى الخيرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واغتنموا أعماركم بالأعمال الصالحة فإنها تنقضي سريعة، فها هي أوقات الفضائل ومواسم الخيرات والنفحات تمر بكم، فالسعيد من اغتنمها، والشقي من غفل عنها وضيع نفسه، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

وهاهم حُجاج بيت الله الحرام أتموا حجهم، بعد أن قضوا تفَثَهم ووفوا نذورهم، وأدوا الشعائر رَغَباً ورَهَبا، وكلهم يرجو أن يكون قد غُفِر ذنبه ورجع من حجه نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه، فهنيئاً لكم معشر الحجاج، وبارك الله لكم فيما منحكم من توفيق وهدى، وأخلف نفقتكم وغفر ذنوبكم، وبشراكم فضل الحج المبرور، والسرور والحبور بعظيم الأجور، فإن نبيكم ﷺ قال: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وقال: «الحج يهدم ما كان قبله». فموسم الحج محطة من محطات التغيير الإيمانية، وفرصة من فرص التوبة والإنابة؛ قال الحسن البصري رحمه الله: الحج المبرور؛ أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغبا في الآخرة، فهنيئاً لمن وفق للعمل الصالح فصام وصلى وحج وضحى، فقد قال النبي ﷺ: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».

هذي ضيوفُـك يا إلهي تبتغي عفواً *** ‏وتـرجو سابغَ البركاتِ

‏فاقْبَلْ إلـهَ العرشِ كل ضَراعَةٍ ***‏وامْحُ الذنوب... وكَفِّرِ الزلاتِ

إن الحاجَّ قد عاهد ربه على الإنابة إليه، والوقوف عند محارمه وحدوده، حينما كرر التلبية قائلاً: «لبيك اللهم لبيك»، أي أقمتُ على طاعتك إقامة بعد إقامة، وحيث كانت نيته سليمة مؤكدة على هذه التوبة؛ فإنه سبحانه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، وقد وعد سبحانه في غير ما آية بقبول توبة التائبين، كقوله سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾؛ لأنه سبحانه يريد من عباده أن يتوبوا حتى يتوب عليهم؛ فهو غني عن عذابهم، لا يريد أن يعذبهم إذا أقبلوا عليه وأنابوا إليه، وذلك ما أراده الحُجاج من حجهم، ولذلك كان الحج خامس أركان الإسلام، وواجب العمر على التمام، حتى يختم المسلم عمره بهذه التوبة الصادقة، فكان على من تشرف بأداء هذا النسك العظيم، ووقف موقف الغِبطة بعبادة أدنته من مشاهد الآخرة، وأَنْسته فوارق البشرية، وأشعرته بضعفه وحاجته لمولاه، وألَّفت بينه وبين إخوانه المؤمنين؛ عليه أن يفي بما عاهد الله عليه حتى يكون من الأوفياء المستجيبين لأمر ربه سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾. والوفاء من العبد التزام، ومن الرب عطاء وكرم، وما أحوج العبد إلى عطاء ربه وكرمه الذي لا ينفد، ولا يدخل تحت حصر وعدّ.

عباد الله : إن ركن الحج جمع كل معاني العبودية لله تعالى، فهو عبادة قلبية وبدنية ومالية وتزكيةٌ خُلُقية وروحية، فكان فضله عظيماً، وأثره كبيراً، يستوجب أن يستشعر المرء هذه الكرامة التي نالها، فكان لزاماً على العبد إذا انقلب من حجه أن يكون مثالياً في التزامه بما عاهد الله عليه، فلا يُغيِّر حالاً  كان عليه في الحج إلا إلى الأفضل والأكمل، لأن ذلك هو برهان قبول حجه ونيل بِر الحج العظيم، كما قيل: ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها، وهو معنى الاستقامة التي أمر الله تعالى بها عباده، وأثابهم عليها ثواباً عظيماً، فإن لم يفعل ذلك فإنه يكون كمن نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، وذلك أعظم الحُمق، ويكون نظر الناس إليه نظر المستخف، وهذا ما لا يريده المرء لنفسه، بل يأنف من ذلك، فكان الوفاء بالعهد والاستمرار على الاستقامة هو غاية الشرف الذي يحرص الموفقون له، وما من أحدٍ إلا وهو يريد أن يكون موفقاً للخيرات، ومن هنا كان لزاماً على الموفق ألا يستجيب لصوارف الوفاء وقُطَّاع طرق الاستقامة، بل يجاهد نفسه على الثبات حتى الممات، حريصاً على ما ينفعه، مداوماً على الطاعة والإحسان سائلاً الله القبول والغفران.

نسأل الله القبول والاستقامة، والبعد عن مواقف الخزي والندامة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد فاتقوا الله حق التقوى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾، فحققوا توحيدكم، وحافظوا على أعمالكم، واحذروا من محبطات الأعمال ومنقصات الأجور، ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى ووفقهما لكل خير.

اللهم اصرف عنا شر ما قضيت، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 471 | التعليقات 0