تفكر البائس (مضاف لها تنبيه الوزارة)

عبدالرحمن القحطاني
1443/11/28 - 2022/06/27 12:15PM

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا ۝ يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الأيام المباركة يجتمع فيه فضلان، فضل زمان يكون العمل فيه أفضل منه في غيره وهو عشر ذي الحجة، وفضل عمل هو في نفسه أفضل من غيره كما أخبر النبي ﷺ في الحديث الذي رواه أبو الدرداء حيث قال: (ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى. قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى).

ولقد اخترت لكم اليوم من أحاديث الأذكار حديثٌ عظيم، رواه البيهقي وصححه الألباني رحمهما الله تعالى،
قال أنس رضي الله عنه: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال:
يا رسول الله علمني خيرا
فأخذ النبي ﷺ بيده فقال: قلْ: سبحان اللهِ، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. فعقد الأعرابيُّ على يدِه، ومضى وتفكَّر ثم رجع، فتبسَّم النبيُّ ﷺ؛ وقال: تفكَّرَ البائسُ. فجاء فقال: يا رسولَ اللهِ! سبحان اللهِ، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ؛ هذا لله، فما لي؟ فقال له النَّبيُّ ﷺ: يا أعرابيُّ! إذا قلتَ: سبحان اللهِ؛ قال اللهُ: صدقتَ، وإذا قلتَ: الحمدُ لله؛ قال اللهُ: صدَقْتَ، وإذا قلتَ: لا إلهَ إلا اللهُ؛ قال اللهُ: صدَقْت، وإذا قلتَ: اللهُ أكبرُ؛ قال اللهُ: صدقْت. وإذا قلتَ: اللهمَّ! اغفِرْ لي؛ قال اللهُ: قد فعلتُ، وإذا قلتَ: اللهمَّ! ارْحمني؛ قال اللهُ: [قد] فعلتُ، وإذا قلتَ: اللهمَّ! ارزُقْني؛ قال اللهُ: قد فعلتُ. فعقد الأعرابيُّ على سبعٍ في يدِه، ثم ولَّى.

إخوة الإيمان:
هذا حديث عظيم، علم النبيُ ﷺ فيه الأعرابيَ سبع كلمات، أربعة أذكار وثلاث دعوات، لو تفكرنا فيها لوجدنا أنها شاملة وكافية وفيها من الخير العظيم ما الله به عليم،

فأما الأذكار فهن أحب الكلام إلى الله تبارك وتعالى كما أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) رواه مسلم.

وهن غراس الجنة التي أخبرنا عنها إبراهيم عليه السلام، يقول ﷺ: (لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ: يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ).

وهن الباقيات الصالحات التي أمرنا النبي ﷺ بالاستكثار منها بقوله: (استَكثِروا منَ الباقياتِ الصَّالحاتِ قيلَ وما هُنَّ يا رسولَ اللَّهِ قالَ التَّسبيحُ والتحميدُ والتَّكبيرُ والتَّهليلُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ).

وأما الدعوات (رب اغفرلي، رب ارحمني، رب ارزقني) فإن مطالبنا لا تخرج عنها أبداً، فإما زرق نطلبه من الله تعالى في الدنيا، وإما ذنب نرجو أن يغفره الله جل وعلا، وإما رحمة يدخلنا الله بها الجنة فإنا لن ندخل الجنة بأعمالنا مهما بلغت وإنما بفضل الله ورحمته فقد جاء عند البخاري ومسلم أنه ﷺ قال: (لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ).

عباد الله:
أحاديث الأذكار كثيرة، وفضائل الأعمال كثيرة، بل تكاد لا تحصى، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وهذا الحديث الذي ذكرنا
فيه أفضل الأذكار وفيه دعاء واستغفار، وهو والله جدير بالتكرار، وقد حثنا نبينا ﷺ على الاستكثار، فاستكثروا من الأعمال اليسيرة في هذه الأيام المفضله فإنها معدودة.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

عباد الله:
هذه الأيام المباركة فيها يومين عظيمين، يوم عرفة الذي أكمل الله تعالى لنا فيه الدين وأتم علينا النعمة يقول جل وعلا: ﴿اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينًا﴾ [المائدة: ٣]، يقول عمر رضي الله عنه نزلت على رسول الله ﷺ يوم عرفة، وصيام عرفة لغير الحاج يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده كما صح عن النبي ﷺ ، وصح عنه أيضا أنه قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وفي فجر يوم عرفة يبدأ التكبير المقيد الذي يكون في أدبار الصلوات الخمس المكتوبة ويستمر حتى غروب شمس ثالث أيام التشريق، فيوم عرفة إذن يوم صيام ودعاء وذكر لله تعالى وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة كما صح أيضا عن رسول الله ﷺ ،
وأما اليوم الثاني فهو يوم النحر يوم الحج الأكبر أفضل أيام الدنيا عند الله تعالى، هو يوم عيد الأضحى المبارك، وفيه يذبح المسلمون أضحياتهم ويكمل الحجاج حجهم ويذبحون هديهم، وأجد هذه مناسبة لتنبيه الإخوة الذاهبون للحج بتوخي الحذر من ضربات الشمس فنحن في أيام شديدة الحر وقد أمرنا ربنا تبارك وتعالى بحفظ النفس، كما أذكرهم بقول رسول الله ﷺ (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم ويعينهم عليه ويوفق الجميع للعمل الصالح المبرور في هذه الأيام المباركة إنه ولي ذلك والقادر عليه،،،،

ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليماً ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله أجمعين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ..
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خادم الحرمين الشريفين، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وارزُقه البطانةَ الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.
اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والوباء، والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،
عباد الله:
أنَّ الله يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغْي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نِعَمِه يزدْكم، ولَذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.

المرفقات

1656332122_تفكرالبائس.docx

1656589734_تفكرالبائس.pdf

1656589767_تفكرالبائس.pdf

المشاهدات 1871 | التعليقات 0