تَفْريجُ الكُرُبَاتِ وَشَرْحِ الصَّدْرِ وَالنَّفَحَاتِ 13 رَبِيع الأَوَّل 1439هـ
محمد بن مبارك الشرافي
تَفْريجُ الكُرُبَاتِ وَشَرْحِ الصَّدْرِ وَالنَّفَحَاتِ 13 رَبِيع الأَوَّل 1439هـ
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ، وَأَعْظَمِ الْقُرَبِ، وَأَنْفَعِ الطَّاعَاتِ الصَّدَقَةَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ، وَالْإِنْفَاقَ عَلَى مُحْتَاجِيهِمْ، وَاْلبَذْلَ عَلَى مَنْ أَصَابَتْهُمُ الْأَمْرَاضُ وَالْعَاهَاتُ فَأَقْعَدَتْهُمْ عَنِ التَّكَسُّبِ وَالْعَمَلِ، وَالْإِعَانَةَ لِمَنْ خَنَقَتْهُمُ الدُّيُونُ أَوْ حَبَسَتْهُمْ فِي السُّجُونِ, وَإِنَّ الصَّدَقَةَ سُمِّيَتْ بِهَذَا الاسْمِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِ صَاحِبِهَا وَيَقِينِهِ بِوَعْدِ اللهِ وَثَوَابِهِ, وَخَلَفِهِ الْعَاجِلِ وَالآجِلِ, قَالَ تَعَالَى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فَتَأَمَّلْ يَا مُسْلِمُ كَيْفَ يَتَضَاعَفُ مَالُكَ إِذَا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى قَدْ يَصِلُ إِلَى سَبْعِمَائَةِ مَرَّةٍ, وَاللهُ يُضَاعِفُ أَكْثَرَ, وَهَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ بِحَسَبِ إِخْلَاصِكَ فِي عَمَلِكَ وَبِحَسَبِ اتِّبَاعَكِ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ تَعَالَى {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} اللهُ أَكْبَرُ انْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا جَعَلَنَا اللهُ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهَا, ثُمَّ إِذَا أَنْفَقْنَاهَا فِي الْخَيْرِ فَقَدْ وَعَدَنَا اللهُ أَجْرَاً كَبِيرَاً, فَأَيْنَ الْمُنْفِقُونَ؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُضَاعِفُ اللهُ لَهُ صَدَقَتَهُ, وَيَجِدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا تَكُون, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ مَالِكَ وَنَمَائِهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إِنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُحْسِنٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ), وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ اللَّهُ : أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. إِنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُتَسَبِّبٌ فِي بَسْطِ رِزْقِهِ، وَزِيَادَةِ مَالِهِ، وَحُلُولِ الْبَرَكَةِ فِيهِ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) . إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ مَالِكَ وَدُخُولِهِ مَعَكَ فِي قَبْرَكِ ,عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِم.
إِنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يُنْقِصُ مَالَكَ بَلْ يَزِيدُهُ, فَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ذَلِكَ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ) رَوَاهُ مُسْلِم.
إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ أَسْبَابِ مَحْوِ خَطَايَاكَ, عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِيءُ الْمَاءُ النَّارَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطِيبِ النَّفْسِ, وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسُ, قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ النَّاسِ صَدَقَةً بِمَا مَلَكَتْ يَدُهُ، وَكَانَ لا يَسْتَكْثِرُ شَيْئًا أَعْطَاهُ للهِ تَعَالَى وَلا يَسْتَقِلُّهُ، وَكَانَ لا يَسْأَلُهُ أَحْدٌ شَيْئًا عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لا يَخْافُ الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ وَكَانَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيه أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ يَمِينُهُ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ... وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَحَ الْخَلْقِ صَدْرًا وَأَطْيبَهُمْ نَفْسًا وَأَنْعَمَهُمْ قَلْبًا، فَإِنَّ لِلصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي شَرْحِ الصَّدْرِ.
وَقَالَ : فَإِنَّ لِلصَّدَقة تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي دَفْعِ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَاجِرٍ أَوْ مِنْ ظَالِمٍ بَلْ مِنْ كَافِرٍ, فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُ أَنْوَاعًا مِنَ الْبَلَاءِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ خَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهمُ مُقِرُّونَ بِهِ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوهُ. انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ أَوْجُهَ الصَّدَقَةِ وَأَبْوَابَهَا كَثِيرَةٌ وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ, وَالْمُوَفَّقُ مَنْ يَسُاهِمُ فِي كُلِّ بَابٍ بِمَا يَسْتَطِيعُ, فَمِنْ ذَلِكَ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ, بَلْ حَتَّى عَلَى نَفْسِكَ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (تَصَدَّقُوا) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ) قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ) قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ) قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ (أَنْتَ أَبْصَرُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ. أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمْ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الرَّسُولِ الْمُلْهَم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَلِمَنْ هُدَاهُ تَعَلَّم.
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التِي تُنْفِقُ فِيهَا مَالَكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَفْرِيجٌ لِكُرْبَةِ مُسْلِمٍ , وَرَفْعٌ لِمُعَانَاتِهِ وَمُعَانَاةِ أُسْرَتِهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...) رَوَاهُ مُسْلِم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مِنْ إِخْوَانِنَا الضُّعَفَاءِ مَنْ قَدْ حَبَسَهُ الدَّيْنُ وَأَثْقَلَ كَاهِلَهُ حَقُّ النَّاسِ, وَقَضَى الشُّهُورَ بَلْ رُبَّمَا السَّنَوَاتِ خَلْفَ قُضْبَانِ السُّجُونِ وَحُرِمَتْ مُنْهُ أُسْرَتُهُ, وَفَقَدَهُ أَبْنَاؤُهُ وَبُنَيَّاتُهُ, وَزَوْجَتُهُ وَوَالِدَاه, بِسَبَبِ الدُّيُونِ التِي قَدْ تَحَمَّلَهَا إِمَّا بِخَسَارَةٍ فِي تِجَارَةٍ أَوْ بِصَرْفِهَا فِي عِلَاجٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَهْلِهِ, أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ, ثُمَّ تَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ الدُّيُونُ وَزَادَتْ, فَهَذَا الْبَابُ مِمَّا يُرَغَّبِ فِيهِ وَيُبَذْلُ الْمَالُ مِنْ أَجْلِهِ, وَإِنَّ الْمُسَاهَمَةَ فِي رَفْعِ مُعَانَاةِ هَؤُلاءِ قُرْبَةٌ تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ, بَلْ إِنَّ هَذَا الصِّنْفَ مِنَ النَّاسِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُ نَصِيبَاً فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ , وَأَحَلَّ اللهُ لَهُ السُّؤَالَ وَاسْتِعْطَافَ النَّاسِ لَهُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ), وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا) ثُمَّ قَالَ (يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ, وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ). فَأَيْنَ مَنْ يُسَاهِمُ فِي الْخَيْرَاتِ, وَيَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ الْكُرَبَاتِ ؟ وَيُنَفِّسُ عَنِ الْأُسَرِ الْفَقِيرَةِ الْمُعَانَاةَ ؟ (1)
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى الْمُسَاهَمَةِ فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ, وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنَ الشَّيْطَانِ الذِي يُخِذِّلُنَا عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقُرُبَاتِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ), اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا, وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا, اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمورِنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وعبادَكَ الصالحينَ, اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ, اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ , اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَا وجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَن, اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
- من كان في محافظة وادي الدواسر أو ما حولها فيقرأ في هذه الموضع التالي :
أيها المسلمون : يقام في محافظة وادي الدواسر وما حولها حملة لإعانة المسجونين المعسرين بسبب ديونهم, وهي حملة رسمية تتبناها أمارة منطقة الرياض وبحضور محافظ وادي الدواسر. وسيكون المكان في قصر الفضاء يوم الاثنين 16 ربيع الأول بإذن الله تعالى.
ونهيب بكم الحضور وتشجيع غيركم على ذلك, والدال على الخير كفاعله. والدعوة موجهة للجميع من (اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم, وأسرهم بمحافظة وادي الدواسر)
علما : بأن دفع الزكاة في هذا المشروع جائز وصحيح كما سمعنا الأدلة في أثناء الخطبة.
المرفقات
الكُرُبَاتِ-وَشَرْحِ-الصَّدْرِ-وَال
الكُرُبَاتِ-وَشَرْحِ-الصَّدْرِ-وَال
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق