تفاءلوا بعاشوراء

HAMZAH HAMZAH
1441/01/13 - 2019/09/12 22:23PM
 تفاءلوا بعاشوراء...!
١٤٤١/١/٦هـ
د/ حمزة بن فايع الفتحي- جامع الفهد بمحايل عسير

الحمد لله ‏هدانا أنوارَ السعادات وبلّغنا ربيعَ الأمنيات، وشرح صدورنا للبينات، نحمده ونشكره ومن كل ذنب نستغفره.....
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.... أما بعد

أيها الناس : هل مر عليكم شخص دائم التفاؤل، مشرق الوجه، محب الحياة، لا يضيق بمشكلاتها وأحزانها ...!
قد توكل على ربه، ومضى على صراطه، وعاش على بيناته، ومدرك أن الحياة لا تستحق الحزن والتضجر، فرسولنا الكريم كان دائم التفاؤل ،منشرح الخاطر، ويردد الناس : تفاءلوا بالخير تجدوه....
فكن أنت ذلك المتفائل ، ولا تقم للحزن وزنا، ولا للغم بالا، وامض متوكلا على ربك، ساعيا في رزقك، خادما لدينك
ها هو صلى الله عليه وسلم في أُتون محنة الطائف يقول ( لعل الله أن يُخرجَ من أصلابهم، من يعبد الله وحده لا يشركُ به شيئا ).
ويوم الأحزاب لما انصرفوا ( الآن نغزوهم ولا يَغزونَنا ، نحن نَسير إليهم )
وهديه الدائم ( ويُعجبني الفأل ) الكلمة الطيبة ..
فطِيبوا كلامكم ، وحسّنوا فعالكم، واستحضروا أن دين الله غالب، وأن أمره نافذ، وأن جنده هم الغالبون..!
وفِي ذكرى عاشوراء مدرسة للتفاؤل وبناء الأمل ، وموعظة للمتقين،،، ولا تجعلوا الأحزان تطغى عليكم، أو المآسي تشكل حياتكم ....!
فها هي الحياة فيها أشياء جميلة، والإسلام ينتشر، والخير في كل المعمورة، وتمددت الحسنات في الافاق ...!
أيُّهـذا  الشاكي ومـا بك داءٌ..
كيف تغدو إذا غـدوتَ عليـلا؟!
إن شـر الجناة في الأرض نفـسٌ
تتوقى قبـل الرحيـل الرحيـلا..
وتـرى الشوكَ في الورود وتعمى..
أن تـرى فـوقَها الندى إكليـلا
هـــو عبءٌ على الحياة ثقيـل..
مَـن يظـن الحيـاة عبئاً ثقيـلا
والــذي نفسُـه بغيـر جمـال
لا يرى في الحــياة شيئا جميـلا...!

وهذا موسى عليه السلام يُبتلى من آل فرعون، ويلاقي قومه بني إسرائيل المَلاقي، ويَصطلُون بالنكبات ، وتخالطهم كل مواد العنف والشدة،،،( يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ).
ويقيّض الله لهم موسى عليه السلام فيستنقذهم، ويخرج بهم في القصة المشهورة، حتى يصل ساحل البحر، فيتبعه المجرمون، يبغون النيل منهم، فينجيهمُ الله ويغرق آل فرعون...!

( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معيَ ربي سيَهدين ) سورة الشعراء.
هداه الله، وذلّل له طريقه، وجعل له البحر يبَساً يمشي بلا خوف ولا تردد، ثم أطبقه على القوم المعتدين
( إن في ذلك لآية وما كان أكثرُهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم ).
فتفاءلوا ولا تيأسوا من رَوح الله، واجعلوا من موسم عاشوراء، مصدرا للنصر والسرور والانشراح، وأن اسوداد الحياة لن يطول، والبغي قصير، والكذب زائل، والمكر والخديعة في النار ، وما ربك بغافل عما يعملون ...!
ولذاك كان من حق هذا اليوم المحيد أن صامه موسى ، وصامه صلى الله عليه وسلم تخليدا لتلك الذكرى ، فقد صح في الحديث أنه لما وصل المدينة، وجد اليهود تصوم عاشوراء وتعظّمه فسألهم فقالوا: ذاك يوم نجّى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه ، فَصَامَهُ مُوسَى ؛ شُكْرًا ؛ فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ) . فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
والسنة أن يصام يوم قبله أو بعده، مخالفةً لليهود .

ومن أعظم دروس القصة: أن نعيش متفائلين منشرحين، فقدرة الله غالبة، ودينه منصور، ورسالته الخالدة،
وذكراه تصنع ذلك، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا .

وكون المسلم يصومه كل سنة، فهو يجدّد عنده الإيمان، ويبعث الأمل، ويشرح الفؤاد، وأن الحق سينتصر ، مهما كانت الظروف. قال عز وجل( إنا لننصرُ رسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقومُ الاشهاد )
والتفاؤل منهج نبوي معهود،
يمر عليه الصلاة والسلام على آل ياسر، وهم في شدائد المحنة والتنكيل فيصبّرهم: ( صبرا آل ياسر فإن موعدَكم الجنة ) .
والتفاؤل شعاع إيجابي يسري في الروح، فيجعلها سعيدة ، فتنشط للتحرك والانطلاق .
ولكن هذ التفاؤل، يسبقه إيمان بقطعيات الكتَاب والسنة، وعقيدة راسخة تستعصي على الذوبان والانهيار من عوادي الدهر .( فما وهَنوا لما أصابهم في سبيل الله..).

وفِي رحلة الهجرة، يهمس في أذن أبي بكر رضي الله عنه بعد الحالة التخوفية الحزينة التي اعترته  ( لا تحزن إن الله معنا ) .  وفِي الحديث المشهور ( ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما ).
لا تحزن اليومَ فالرحمنُ ناصرنا .. ومظهر الحق، رغم الهون والتعبِ
تلك البصائرُ أنوارٌ نُرتلها ...إن تنصروا الله ينصرْكم بلا عجَبِ

اللهم آتِ نفوسنا تقواها ،......
أقول قولي هذا وأستغفر الله.....
———
الثانية :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد....

أيها الإخوة الفضلاء : تفاءلوا بالخير تجدوه، واستحضروا البِر تدركوه، وقولوا بالإحسان تبلغوه، فالمؤمن مبارك فعال ، منشرح مقدام، لا تخيفه الحوادث، ولا ترهبه الرزايا .
وحاذروا المواقف السلبية، والكلمات المثبطة، التي تعزلكم عن الحياة..!

فالعبارات التشاؤمية قاتلة، وذات إيحاءات سلبية، توهِن الطاقات، وتحطم الجهود، وتحكم بالفشل والهزيمة .
وبعض الناس، تفكيره سلبي ظلامي إحباطي، لا يرى إلا السوء والسواد، فيقبّح ويتشاءم من كل شيء...! ومن أحسن الردود عليه قوله تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدُهم شيئا ) سورة آل عمران. وقوله ( والله غالب على أمره ).
‏وقوله تعالى ( وفي السماء يرزقكم وما توعدون). وما ضاقت أبواب إلا فتح الله من الخير أضعافا...
ثقوا بالله ووعده، واستعصموا بدينه، واذكروه على الدوام، واستعيذوا به من الهم والحزن، والعجز والكسل، واعمروا بالحياة الحب والأدب ومكارم الاخلاق.....( ادفع بالتي هي أحسن) .
وذروا عنكم الغضب والاشمئزاز وكثرة التشكي والضجر، فالرزق مكتوب ،والأجل محدود، والحياة هيّنة ، والآخرة هي الحقيقة المرتقبة ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون). سورة العنكبوت .
وقد تبلغها بذكر طيب، أو عمل صالح أو إحسان رطيب( وكل معروف صدقة). قال صلى الله عليه وسلم:( من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة). وفي حديث عظيم جميل يقول عليه الصلاة والسلام قال تعالى :( يا ابن آدم صلِ أربعاً أول النهار أَكفِك آخره). فاللهم اكفنا شر البلاء والأنكاد والأحزان، وأملا قلوبنا بالتفاؤل والإيمان....
وصلوا وسلموا يا خيار على الرحمة المهداة، والنعمة المسداه نبينا محمد......
المشاهدات 529 | التعليقات 0