تَفَاءَلُوا بِالعَامِ الجَدِيدِ 2/1/1442هـ

خالد محمد القرعاوي
1441/12/29 - 2020/08/19 07:01AM

تَفَاءَلُوا بِالعَامِ الجَدِيدِ 2/1/1442هـ
الحمدُ للهِ وَسِعَتْ رَحمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَعَمَّ إحسَانُهُ كُلَّ حَيٍّ، أَشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وهُو على كلِّ شيءٍ قَديرٌ, وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَاَ مُحمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, أرْسَلَهُ ربُّهُ بالهدى ودينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المُشركونَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وَبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ. أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، تَكُونوا خَيرَ العِبَادِ عليهِ وأَقرَبَهم إليهِ، واذكُروا وُقُوفـَكُم يَومَ العَرْضِ عليه!
عبادَ اللهِ: في مَطلَعِ عامٍ هجريٍّ تَزدَادُ تَعظيماً لِما عَظَّمه اللهُ سبحانَهُ وحرَّمهُ! فقد أضافَ الرَّبُّ الشَّهرَ الْمُحرَّم إلى نفسِهِ تَشريفًا وتكريمًا، فهو أوَّلُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ التي قالَ اللهُ عنها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ . عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ قالَ:( السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ). ولَمَّا ذكَّرَ اللهُ بعِظَم هذهِ الشُّهور عقَّبَها بتَحرِيمِ الظُّلمِ فيها فَقَالَ: :(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). وَالسِّرُّ في ذلِكَ أنَّ الظُّلمَ سببُ كلِّ شرّ, فَمَتى فشا في أُمَّةٍ آذنَ اللهُ بِأُفُولِها, وفي الحديثِ القُدسيِّ:(يا عِبَادِي, إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسِي, وَجَعَلْتُـهُ بَينَكُم مُحرمًا, فَلا تَظَالَمُوا).وفي الصحيحين أنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
أيُّها المؤمنِونَ: والظُّلْمٌ عَافَانَا اللهُ وَإيَّاكُمْ أَنْوَاعٌ أَعْظَمُهُ ظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللهُ لِمَنْ مَاتَ عليهِ أَبَدًا، ألا وهو الإِشرَاكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، كَدُعَاءِ غَيرِهِ, أو نَبْذِ شَرْعِهِ, أو التَّحَاكُمِ إلى مَا سِوَاهُ:(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًاً). وَظُلمٌ لا يَترُكُهُ اللهُ أبَدًا, وَهُوَ ظُلمُ الغَيرِ, فَلا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الحَقِّ وَلو بَعدَ حينٍ, وَفِي الحَديثِ القُدسِيِّ: (وَعِزَّتَي، لأَنْصُرَنَّكِ وَلَو بَعدَ حِينٍ). أَلَا يُوجَدُ بَينَنا مَنْ يَظلِمُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِليهِ؟ يُخَاصِمُهُما وَيَهْجُرهُما! ألا يُوجَدُ ظُلْمٌ لِلزَّوجَاتِ والأَولادِ؟ أَلا يُوجَدُ فِينَا مَنْ يَظلِمُ خَدَمَهُ وعُمَّالَهُ؟ أَلَا يُوجَدُ مِنَ العَمَالَةِ مَنْ يَظلِمُ كَافِلَهُ سَرِقَة ًوَهُرُوبَا, وَنَصْبَاً واحتِيَالاً!
فَيا عِبادَ اللهِ: تَدَارَكُوا الأَمْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ, فَقَدْ قَالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ).رَواهُ البُخارِيُّ. أَمَّا ثَالِثُ أَنْوَاع ِالظُّلمِ: فَهُوَ ظُلمُ العَبْدِ نَفْسَهُ بِالمَعَاصِي والسَّيِّئَاتِ, فَالبَصَرُ نِعمَةٌ سَخَّرَهَا بَعْضُنَا فِيما حَرَّمَ اللهُ، والسَّمعُ نِعمَةٌ، والنُّطْقُ نِعمَةٌ استَخْدَمَها بَعضُنا فِي قَالَةِ السُّوءِ والكَذِبِ والبُهتَانِ! واللهُ تَعَالى يَقُولُ: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). فالَّلهُمَّ اجعَلْ مُستَقبَلَنَا خَيرا مِنْ مَاضِينا. واغْفِر لَنا وَلِوَالِدينَا والمُسلِمِينَ أجمَعِينَ. أَقولُ مَا سَمِعْتُمْ وأَستَغفِرُ اللهَ ليِ وَلَكُم وَلِلمُسلِمينَ مِن كلِّ ذَنْبٍّ وَخَطيئةٍ فَاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية: الحَمدُ للهِ الهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ، أَشهَدُ أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شَريك لَه العَظِيمُ الجَلِيلُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ، الَّلهمَّ صلِّ وسَلِّم وبارِكْ عليهِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ تَفُوزوا بِمَرضَاتِهِ وَتَحوزوا على خَيرَاتِهِ.
عِبادَ اللهِ: هَنِيئاً لَنَا بِشَهرِ اللهِ المُحرَّمِ هَنِيئَاً لَنَا بِفَضَائِلِهِ وَخَيْرَاتِهِ! فَصِيَامُهُ أَفْضَلُ الأيَّامِ بَعْدَ رَمَضَانَ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ). قَالَ الإِمَامُ النَّوويُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهورِ لِلصَّومِ. فَاجْتَهِد أخي فِي اللهِ على الصِّيَامِ فِيه وَلَو أنْ تُحافِظَ على أَيَّامِ الاثْنَينِ والخَمِيسِ وَأَيَّامِ البِيضِ فيهِ: فَقَدْ قَاَل رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله بَاعَدَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». كيفَ وَقَد كَانَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى فِيهِ صِيَامَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ! فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ). بَلْ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ! فَلَمَّا «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهَا البُخَارِيُّ.
وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن فَضْلِهِ قَالَ:(صَومُ يَومِ عَاشُورَاءَ إنِّي أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ المَاضِيَةَ). وَمِن مُخَالَفةِ اليهَودِ أَخَذَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على نَفْسِهِ العَهدَ فَقَالَ: (لَئِنْ عِشْتُ إلى قَاِبٍلٍ إنْ شَاءَ اللهُ لأُصُومَنَّ التَّاسِعَ).قالَ العُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ: وَعَلى هَذَا فَصِيامُ عَاشُورَاءَ عَلى مَرَاتِبَ: أَدْنَاهَا أنْ يُصَامَ وَحْدَهُ، وَفَوقَهُ أنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ، وَأفضَلُهُ أنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ والحَادِيَ عَشَرَ، فَكُلَّمَا كَثُرَ الصِّيامُ فِي الْمُحَرَّمِ كَانَ أَكثَرَ أجْرَا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ وسلِّم تسليماً مزيداً وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ الله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المشاهدات 2493 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا