تعلّم من قصةِ أمِ زرع
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ، من اتَّقاهُ وقاهُ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ولا ربَّ لنا سواُه، وأشهدُ أنّ نبيَنا محمّداً عبدُ اللهِ ورسولُه، بالرسالةِ اصطفاهُ، صلّى اللهُ وسلّمَ عليهِ، خيرَ صلاةٍ وسلامٍ وأوفاهُ. أما بعدُ: فإليكمْ قصةً طريفةًلطيفةً، سمِعَها النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من زوجهِ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُعنها- فلنسمعْها نحنُ أيضًا. إنها قصةُ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، تَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَلاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. و(مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُهُنَّ غَالِبًا فِي الرِّجَالِ)() سِتٌ منهنَ سَبَبْنَ أزواجَهُنَ،وخمسٌ مَدَحْنَ أزواجَهُنَ.
1. قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ، لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ. تَسُبُّهُ أنه ثقيلُ الطباعِ،بخيلٌ متكبرٌ.
2. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. من كثرةِ عيوبهِ سكتتْ وما ذكرتْ.
3. قَالَتِ الثَّالِثَةُ:زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. تسبُّه أنه مُفْرِطُ الطولِ، لا يقبلُ الحوارَ، لأدنى سببٍيُطلقُها، أو يَقهرُها فيُعلقُها.
4. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ، وَلاَ مَخَافَةَ وَلاَ سَآمَةَ.
تمدحُه أنه هادئُ الطباعِ، لطيفٌ غيرُ عنيفٍ.
5. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. تسبُه أنه كثيرُ النومِ، ويتمظهرُ أمامَ الناسِبأحسنِ الصفاتِ، ولا يتفقدُ حوائجَ بيتهِ.
6. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. تسبُه أنه كثيرُالأكلِ، ولا يُراعيْ زوجتَه على فراشِها، ولا مشاعرَها إن مرِضَتْ أو حزِنَتْ.
7. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي عَيَايَاءُ، طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ. تسبُه بالغباءِ، وبِقِلّةِ شهوتهِ للنساءِ،وأنه يضرُبها ضربًا يُضِرُّ بها.
8. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ.
تمدحُه برقتِه، وطيبِ رائحتِه، وتأنقِه بملبسِه.
9. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ. تمدحُه بفخامةِ بيتهِ، وبسيادتهِ في قومهِ، وبكثرةِ ضيوفهِ، ولكنها سكتَتْ عن علاقتِه بها.
10. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ.
تمدحُه بشجاعتِه، وتنميتِه لتجارتِه، وبالجزالةِ لضيوفِه.
11. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ، وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ.
مدحَتْ زوجَها بأنه يكرمُها بالألبسةِ والحليِ وبالطعامِ اللذيذِ، وأنه عوضَها عن فقرِ أهلِها وضيقِ معيشتِها بالغِنى والسعةِ.
• أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ.
زوجُها بارٌ بأمهِ؛ وسعَ عليها بملابسِها وبيتِها().
• ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. أبناؤُها فُرشُهم مرتبةٌ لطيفةٌ،ومآكلُهم محببةٌ خفيفةٌ.
• بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا. بنتُها بارةٌ أنيقةٌ في شكلِها ولُبْسِها وحديثِها
• جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا.
خادمتُهم لبِقةٌ نظيفةٌ، فلا تُفشِي أسرارَ البيتِ، وتهتمُ بنظافتِه.
• قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا ولَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجلاً سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ. قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ.
برغمِ أنه طلقَها وتزوجَ بأخرَى، وبرغمِ أن زوجَها الثانيَ أكرمَها غايةَالإكرامِ، إلا أنها جعلتْ إكرامَه لا يساويْ شيئًا أمامَ أبي زرعٍ الذي سرحَها بإحسانٍ، فتمدحُه برغمِ فراقِهِما (لأَنْ الْحُبَّ يَسْتُرُ الْإِسَاءَةَ)().
انتهتْ قصةُ عائشةَ، فبماذا علَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!
• قَالَ: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ(). (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ إِلَيَّ مِنْ أَبِي زَرْعٍ)().
الحمدُ للهِ الذي هدَى ووَقَى وكفَى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ=بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ إِلَيَّ مِنْ أَبِي زَرْعٍ!
يا لَروعة الختام! يا لَجَمال العبارتين! من أيهما تعجب؟! من لطفه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، أم نباهة زوجه وحسن ردِّها؟! إنه الرقيُ الزوجيُ الرومانسِيُ. و(حُسْنُ عِشْرَةِ الْمَرْءِ أَهْلَهُ بِالتَّأْنِيسِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ وُجُودِ مَا طُبِعْنَ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِ الْإِحْسَانِ)(). والكلمةُ التي لا يَمَلُّها الزوجانِ هيَ كلمةُ: أحبُك.
• فاللهم ارزقْنا التأسيَ برسولِنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كلِ ما نأتيْونذَرُ.
• اللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ. اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
• اللهم وأيد بالحقِ إمامَنا، ووليَّ عهدِه، وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
• اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وديانٍ وشِعاب. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
• اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَأَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا سَكَنَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
• اللهم صلِّ وس
المرفقات
1676537665_تعلم من قصة أم زرع.docx
1676537677_تعلم من قصة أم زرع.pdf