تعظيم قدر الصحابة
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ {يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا؛ فَلَوْلَاهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا؛ فَكُلُّ خَيْرٍ هُوَ مَانِحُهُ؛ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النَّحْلِ: 53] وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَاهِرَةُ فِي أَمْرِهِ، وَلَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وَلَكِنَّهُ ابْتَلَاهُمْ بِالدِّينِ، فَانْقَسَمُوا إِلَى أَهْلِ جُحُودٍ، وَأَهْلِ يَقِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اصْطَفَاهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْعَالَمِينَ، وَفَضَّلَهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَحَمَّلَهُ أَثْقَالَ الْوَحْيِ وَالدِّينِ، فَبَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَأَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، وَحَذَّرَ مِنْ سُبُلِ الْغَاوِينَ، فَمَنْ تَبِعَهُ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَاسْتَحَقَّ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، وَمَنْ تَنَكَّبَ طَرِيقَهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا قُلُوبَكُمْ بِحُبِّهِ وَرَجَائِهِ وَخَشْيَتِهِ، وَاعْقِدُوهَا عَلَى الْوَلَاءِ لَهُ وَلِدِينِهِ، فَوَالُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَأَحِبُّوا فِيهِ، وَأَبْغِضُوا فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَحَظِيَ بِوِلَايَةِ الرَّحْمَنِ؛ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [الْمَائِدَةِ: 55، 56].
أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ أَنْ يُرْزَقَ إِخْوَانَ صِدْقٍ يَبْذُلُونَ النُّصْحَ لَهُ، وَيُخْلِصُونَ فِي مُعَامَلَتِهِ، فَيَأْنَسُ بِهِمْ فِي رَخَائِهِ، وَيُعِينُونَه فِي شِدَّتِهِ، وَيَقِفُونَ مَعَهُ فِي مِحْنَتِهِ، فَلَا يَجِدُ وَحْشَةً بِهِمْ، وَلَا يَذُوقُ خِيَانَةً مِنْهُمْ، وَكُلَّمَا عَلَتْ مَنْزِلَةُ الْإِنْسَانِ، وَعَظُمَتْ مُهِمَّتُهُ، وَكَبُرَتْ وَظِيفَتُهُ؛ كَانَ أَشَدَّ حَاجَةً إِلَى الصَّادِقِينَ النَّاصِحِينَ الْمُخْلِصِينَ.
وَالرِّسَالَةُ أَعْظَمُ مُهِمَّةٍ، وَتَبْلِيغُهَا أَعْلَى وَظِيفَةٍ؛ لِأَنَّهَا مِنَ اللهِ -تَعَالَى- إِلَى الْبَشَرِ، يَحْمِلُهَا إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلِلرُّسُلِ أَصْفِيَاءُ يَصْطَفُونَهُمْ، وَأَصْحَابٌ يُشَارِكُونَهُمْ بَلَاغَهُمْ، وَيُضَحُّونَ بِكُلِّ غَالٍ فِي سَبِيلِ دَعْوَتِهِمْ، وَكَمَا فِي الرِّسَالَةِ اصْطِفَاءٌ، فَفِي أَصْحَابِ الرُّسُلِ اصْطِفَاءٌ، وَكَمَا فُضِّلَ الرُّسُلُ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ فُضِّلَ أَصْحَابُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَصْحَابِ؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ؛ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ؛ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ"؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
وَلَا يُنْكِرُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ الْمَعْقُولَةَ فِي الِاصْطِفَاءِ إِلَّا مَنِ انْحَرَفَ عَنِ الْجَادَّةِ، بِسَبَبِ الْجَهْلِ أَوِ الْهَوَى، فَظَنَّ أَنَّ أَصْحَابَ الرُّسُلِ لَا يَكُونُونَ خِيَارَ الْأُمَمِ، وَجَعَلَهُمْ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ مَا عَظَّمُوا اللهَ تَعَالَى وَلَا وَقَّرُوا رُسُلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلَمْ يَعْرِفُوا أَقْدَارَ النَّاسِ، فَظَنُّوا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَخْذُلُ أَنْبِيَاءَهُ، فَيَخْتَارُ لَهُمْ خَوَنَةً كَذَّابِينَ مُنَافِقِينَ، وَبِئْسَ مَا ظَنُّوا، وَظَنُّوا أَنَّ الرُّسُلَ جَهَلَةٌ مُغَفَّلُونَ حَظِيَ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ، وَالزُّلْفَى لَدَيْهِمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّونَ، وَزَعَمُوا أَنَّ خِيَارَ النَّاسِ بَعْدَ الرُّسُلِ هُمْ شِرَارُ النَّاسِ، فَتَوْقِيرُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فِيهِ تَعْظِيمٌ للهِ -تَعَالَى- وَتَعْظِيمُهُ -جَلَّ وَعَلَا- حَقٌّ عَلَى الْخَلْقِ، وَتَوْقِيرٌ لِلنَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَوْقِيرُهُ حَقٌّ عَلَى أُمَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الصَّحَابَةَ؛ فَقَدْ بَخَسَ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حَقَّهُ.
لَقَدْ عَلِمَ اللهُ -تَعَالَى- مِقْدَارَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَحَبَاهُمْ مَنَازِلَهُمُ اللَّائِقَةَ بِهِمْ، وَنَظَرَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ فَعَلِمَ صَلَاحَهَا وَصِدْقَهَا وَإِخْلَاصَهَا وَطَهَارَتَهَا، فَاخْتَصَّهُمْ بِأَفْضَلِ رُسُلِهِ، وَجَعَلَهُمْ أَصْحَابَهُ وَأَنْصَارَهُ، وَحَمَلَةَ دِينِهِ، وَمُبَلِّغِي شَرِيعَتِهِ، وَأَوَّلَ غَرْسٍ لِلْإِيمَانِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ فَكُلُّ أَنْوَارِ الْوَحْيِ الَّتِي نَهْتَدِي بِهَا إِنَّمَا جَاءَتْ مِنْهُمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَمَلُوهَا وَبَلَّغُوهَا، وَتَحَمَّلُوا الْمَكَارِهَ فِي تَبْلِيغِهَا، وَهَجَرُوا الرَّاحَةَ لِأَجْلِنَا، وَلَوْلَاهُمْ لَمَا عَرَفْنَا اللهَ -تَعَالَى- حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَلَوْلَاهُمْ لَمَا عَرَفْنَا نَبِيَّنَا وَدِينَنَا، وَلَوْلَاهُمْ لَمَا عَبَدْنَا اللهَ تَعَالَى عَلَى بَصِيرَةٍ.
خَاطَبَهُمُ اللهُ -تَعَالَى- فَبَيَّنَ امْتِلَاءَ قُلُوبِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَكَرَاهِيَّتَهَا لِلْعِصْيَانِ، وَأَنَّهُمْ عَلَى طَرِيقِ الرُّشْدِ سَائِرُونَ حَتَّى لَقُوا اللهَ -تَعَالَى-: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الْحُجُرَاتِ: 7]. وَلَيْسَتِ الشَّهَادَةُ بِالْإِيمَانِ فَحَسْبُ، بَلْ أَكَّدَهُ بِالْإِيمَانِ الْحَقِّ؛ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74]؛ أَيْ: مُحَقِّقُونَ لِإِيمَانِهِمْ بِأَنْ عَضَدُوهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَإِخْوَانُهُمْ آوَوْهُمْ وَنَصَرُوهُمْ، وَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ الصَّحَابَةُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَبَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُمْ خَيْرُ النَّاسِ؛ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ: 110]، وَكَانُوا هُمُ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ، فَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا.
وَنَفَى اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُمُ الْكُفْرَ وَاسْتَبْعَدَهُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَسْتَبْعِدْهُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ، سِوَى الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 101]، فَسُحْقًا لِمَنْ كَفَّرَهُمْ أَوْ فَسَّقَهُمْ أَوْ طَعَنَ فِيهِمْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ.
لَقَدْ عَلِمَ -سُبْحَانَهُ- مَا فِيهِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ؛ فَأَثَابَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ مَكْنُونَ الْقُلُوبِ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ؛ {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الْفَتْحِ: 18]، وَبِسَكِينَةِ اللهِ -تَعَالَى- ازْدَادُوا إِيمَانًا وَيَقِينًا؛ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الْفَتْحِ: 4]، وَكَانُوا هُمُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْبَرَ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَأَخْبَرَ -سُبْحَانَهُ- بِاسْتِجَابَتِهِمْ لِأَمْرِهِ حَتَّى فِي الشَّدَائِدِ الَّتِي تَمِيدُ بِالْقُلُوبِ؛ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آلِ عِمْرَانَ: 172]، وَأَخْبَرَ عَنْ زِيَادَةِ إِيمَانِهِمْ بِهَذَا الثَّبَاتِ؛ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آلِ عِمْرَانَ: 173].
لَقَدْ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُمْ أَنْصَارُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَلَّ النَّصِيرُ، وَأَنَّهُمْ رُكْنُهُ وَسَنَدُهُ حِينَ تَخَلَّى الْقَرِيبُ، وَأَنَّهُمْ حُمَاتُهُ حِينَ تَسَلَّطَ الْعَدُوُّ؛ {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْفَالِ: 62]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ- فِي وَصْفِهِمْ: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحَشْرِ: 8]، فَأَثْبَتَ -سُبْحَانَهُ- صِدْقَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُصْرَتَهُمْ لَهُ.
وَأَثْبَتَ -سُبْحَانَهُ- لَهُمُ التَّقْوَى وَالْفَوْزَ وَالْفَلَاحَ وَالثَّبَاتَ، فَفِي التَّقْوَى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الْفَتْحِ: 26]، وَفِي الْفَوْزِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التَّوْبَةِ: 20]، وَفِي الْفَلَاحِ: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التَّوْبَةِ: 88]، وَفِي تَصْدِيقِهِمْ لِلرَّسُولِ فِي أَشَدِّ السَّاعَاتِ وَثَبَاتِهِمْ عَلَى الدِّينِ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الْأَحْزَابِ:22، 23 ].
وَقَوْمٌ هَذَا شَأْنُهُمْ، وَتِلْكَ أَوْصَافُهُمْ، وَهَذِهِ أَفْعَالُهُمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْظَوْا بِرِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى؛ {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التَّوْبَةِ: 100]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الْفَتْحِ: 18].
وَعَشَرَاتُ الْآيَاتِ، بَلْ مِئَاتُ الْآيَاتِ فِي تَزْكِيَةِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ فِي الْقُرْآنِ مُدِحَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَالصَّحَابَةُ أَوْلَى بِهِ، وَكُلُّ صِفَاتٍ أَثْنَى اللهُ -تَعَالَى- عَلَى مَنْ اتَصَفَ بِهَا من الْمُؤْمِنِينَ، فَالصَّحَابَةُ هُمْ أَوَّلُ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا، وَكُلُّ فِعْلٍ مَدَحَ اللهُ -تَعَالَى- فَاعِلَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَالصَّحَابَةُ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ، فَهُمْ أَوْلَى بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ.
وَكَانَ حَقِيقًا فِيهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَمَهْمَا أَنْفَقَ الْمُنْفِقُونَ مِنْ قَنَاطِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ، فَلَنْ يَبْلُغُوا نَفَقَةَ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ أَنْفَقَ مُدَّ طَعَامٍ أَوْ نِصْفَ مُدٍّ، وَالْمُدُّ: ثَلَاثُ حَثَيَاتٍ بِالْيَدَيْنِ، فَيَا لَعَظِيمِ فَضْلِهِمْ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى- وَعِنْدَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبُعْدًا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِمْ، أَوْ أَزْرَى بِهِمْ، أَوْ حَطَّ مِنْ قَدْرِهِمْ، أَوْ وَضَعَ مَكَانَتَهُمْ، فَهُوَ الْوَضِيعُ وَلَا كَرَامَةَ.
وَالصَّحَابَةُ أَمَانُ الْأُمَّةِ مِنَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالْأَهْوَاءِ، وَظُهُورِ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَعُلُوِّ أَهْلِ الْكُفْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ: «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَوَقَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفِتَنَ عَظُمَتْ وَاسْتَشْرَتْ بَعْدَ مَوْتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَظَهَرَتِ الْبِدَعُ وَفَشَتْ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ وَانْتَشَرَ، وَتَسَلَّطَ الْكُفَّارُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ كَانُوا أَذِلَّةً فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؛ فَعِزُّ الْأُمَّةِ فِي خِلَافَةِ الصَّحَابَةِ لَيْسَ كَعِزِّهَا فِي خِلَافَةِ غَيْرِهِمْ، وَاجْتِمَاعُهَا فِي وَقْتِهِمْ لَيْسَ كَاجْتِمَاعِهَا بَعْدَهُمْ، وَدِيَانَتُهَا فِي قَرْنِهِمْ لَيْسَتْ كَدِيَانَتِهَا فِي الْقُرُونِ الَّتِي تَلَتْهُمْ، وَقَدْ قَالَ الْمَعْصُومُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، جَعَلَنَا اللهُ -تَعَالَى- مِنْ أَحْبَابِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ، وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ، وَكَبَتَ أَعْدَاءَهُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 281].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَكْفِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَفًا أَنَّهُمْ مَذْكُورُونَ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ، فَذُكِرُوا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِأَجَلِّ وَصْفٍ، وَأَرْفَعِ ذِكْرٍ، ذُكِرُوا فِي آخِرِ سُورَةِ الْفَتْحِ، وَهُمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَهْلُ الْفَتْحِ؛ إِذْ فَتَحَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِمْ قُلُوبَ الْخَلْقِ لِلْإِيمَانِ وَالْهُدَى، وَفَتَحَ بِهِمُ الْأَمْصَارَ وَالْبُلْدَانَ فَحُكِمَتْ بِشَرِيعَةِ اللهِ -تَعَالَى-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الْفَتْحِ: 29]، لَقَدْ مُثِّلُوا فِي الْإِنْجِيلِ بِالزَّرْعِ الْمُنْتَشِرِ الْقَوِيِّ، وَتَأَمَّلُوا نَفْعَ الزَّرْعِ لِلْأَرْضِ وَلِلْحَيَوَانِ وَلِلْبَشَرِ تَعْرِفُوا نَفْعَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا.
لَقَدْ وَقَعَ فِي الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- طَائِفَتَانِ مِنَ النَّاسِ:
أَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَالْفِرَقُ الْبَاطِنِيَّةُ الَّتِي أَسَّسَهَا الْيَهُودُ وَالْفُرْسُ حِينَ قَوَّضَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مَشْرُوعَاتِهِمْ فِي التَّسَلُّطِ عَلَى الْبَشَرِ وَاسْتِعْبَادِهِمْ، وَتَعْبِيدِهِمْ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، فَغَلَتْ مَرَاجِلُهُمْ بِالْأَحْقَادِ، فَاتَّهَمُوا الصَّحَابَةَ بِالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالرِّدَّةِ وَالنِّفَاقِ، وَهُمْ أَوْلَى بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَوَرِثَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فَكَانُوا أَعْدَاءً لِأَوْلِيَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَتَلَامِذَةُ الْمُسْتَشْرِقِينَ، وَذُيُولُ الْغَرْبِيِّينَ، مِمَّنْ بَهَرَتْهُمُ الْحَضَارَةُ الْغَرْبِيَّةُ فَبَذَلُوا لَهَا دِينَهُمْ وَكَرَامَتَهُمْ وَمُرُوءَتَهُمْ، وَكَانُوا كَالنَّعْلِ لِلْغَرْبِيِّينَ، يُحَاكِمُونَ الصَّحَابَةَ وَمَا أَقَامُوهُ مِنْ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ إِلَى شَرَائِعِ الطَّاغُوتِ الْغَرْبِيَّةِ، وَيَتَّهِمُونَهُمْ بِالْجَهْلِ، وَضِيقِ الْعَطَنِ، وَقِصَرِ النَّظَرِ.
أَلَا قَاتَلَ اللهُ الْجَهْلَ وَأَهْلَهُ، حِينَ يَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّهُ أَصْبَحَ عَلِيمًا، فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ أَعْظَمَ الْعِلْمِ الْعِلْمُ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَوِ اجْتَمَعَ الْبَشَرُ كُلُّهُمْ مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، بَلْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجُمِعَتْ عُلُومُهُمْ بِاللهِ تَعَالَى، لَمَا بَلَغَتْ مِعْشَارَ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَمَا عُلُومُ الْبَشَرِ الدُّنْيَوِيَّةُ الَّتِي بَهَرَتِ الْجَهَلَةَ مِنْ أَذْنَابِ الْغَرْبِيِّينَ إِلَّا جُزْءٌ يَسِيرٌ مِنْ عِلْمِ اللهِ -تَعَالَى-: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الْإِسْرَاءِ: 85]، وَهِيَ مِنْ تَعْلِيمِ اللهِ -تَعَالَى- لَهُمْ؛ {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 239]، فَمَنْ حَازَ الْعِلْمَ بِاللهِ -تَعَالَى- حَازَ رَأْسَ الْعِلْمِ وَأَسَاسَهُ وَأَشْرَفَهُ وَأَفْضَلَهُ، وَكَانَتْ كُلُّ الْعُلُومِ الْأُخْرَى تَحْتَهُ وَدُونَهُ وَأَقَلَّ مِنْهُ، وَعِلْمُ الصَّحَابَةِ بِاللهِ -تَعَالَى- لَا يُدَانِيهِ عِلْمُ غَيْرِهِمْ بِهِ سِوَى عِلْمِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ وَلَوْ لَقُوا اللهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ".
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…
المرفقات
تعظيم قدر الصحابة مشكولة.doc
تعظيم قدر الصحابة مشكولة.doc
تعظيم قدر الصحابة.doc
تعظيم قدر الصحابة.doc
المشاهدات 4214 | التعليقات 7
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم ،،
إذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم .. لا نملك إلا أن تقف نفوسنا إجلالا وإكبارا لهم والله ..
جزاهم الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خير ونفع بعلمك
خطبة طيبة
نفع الله بكم فضيلة الشيخ
بخصوص مقدار (المد) لعل الصحيح أنه ملىء الكفين
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخانا إبراهيم خطبة رائعة جدا عقدت لواء تأصيل مسألة التوقير للصحب الكرام رضي الله عنهم خصوصا مع المدّ الشيعي اليهودي الخبيث المتصاعد في الأمة فلابد من تحصين الأمة منه يقول الشيخ سعود الشريم حفظه الله في كتابه الماتع فقه الخطيب و الخطبة :
" على الخطيب أن يحرص جاهداً حينما يشعر أن هناك ثمة أموراً يخشى من وقوعها في المجتمع ، أو من زيادة خطرها بعد الوقوع ، أن يطرحها في خطبة قبل تفاقمها ، وأن يحذر من مغبة الوقوع فيها ، وهذه المبادرة تعد أمراً مهماً مبنياً على قاعدة فقهية مشهورة وهي " أن الدافع أولى من الرفع " لأن مدافعة الشيء قبل وقوعه تكون من حيث السهولة وقلة المؤنة وضآلة المفسدة ما لا تكون بعد وقوع الشيء ورجحان مفسدته ، ولقد أحسن الشاعر حين قال :
إذا لم يغبر حائط في وقوعه 000 فليس له بعد الوقوع غبار
وهكذا هي الأشياء تكون في بداية الأمر صغيرة الحجم يقل الاكتراث بها فلا تزال تزداد وتتفاقم حتى تعظم على الناس فيصعب التخلص منها .
يقول أبو حامد الغزالي : " إذا حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة فلفقت لها شبهٌ وثُبِّت لها كلامٌ مؤلفٌ صار ذلك المحظور بحكم الضرورة مأذوناً فيه ( (205) انظر : إحياء علوم الدين ( 1 / 22 ) . 205) " .
قلت : نص كلام الغزالي هنا يدل على أن حال الأمور تبدو أول وهلة مستحقرة لا يلتفت إليها حتى تستفحل فتكون كالمسلمات ومما لا يمكن درؤه إلا بعد لأي وشدائد . ثم إن مثل هذه الأمور إذا لم يسارع الخطباء في بيانها والتحذير منها إن كانت خطراً ، أو الدعوة إليها إن كانت واجباً ؛ فإن أثر هذا التأخير سيتفاقم حتى يصعب رفعه ، فحينئذ يتسع الخرق على الراتق .
وفي مثل هذا يقول الأوزاعي : " لقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدعة حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة بعدما ردَّها عليه علماؤهم وفقهاؤهم " ( (206) انظر : الحجة في بيان المحجة للأصبهاني ( 1 / 102 ) . 206) . اهـ .
السلام عليكم أخي محمد أبشركم أن خطبتكم جعلتها نواة خطبتي اليوم في سلسلة بيان معتقد أهل السنة فأبشر بالخير و الأجر الجزيل فستسمع خطبتكم اليوم ان شاء الله في مسجدي
أستأذنكم في ذلك .
أحمد السويلم
نفع الله بكم فضيلة الشيخ
بخصوص مقدار (المد) لعل الصحيح أنه ملىء الكفين
وفقكم الله
المد الموجود بالسند المتصل مقداره أزيد من ذلك بكثير، حسبما أفادني به أصحاب السند .
تعديل التعليق