تعظيم النص النبوي

إبراهيم بن صالح العجلان
1434/07/13 - 2013/05/23 19:20PM
(تعظيم النص النبوي)

حق من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ولازم من لوازم محبته، إذا استقر في القلب أثمر الانقياد والطاعة.
به يتمايز أهل الإيمان عن أرباب النفاق، هو مؤشر على تجذر التقوى وبرهان على بشاشة الإيمان في القلوب ، ويبقى هو الأمر المتفق عليه عند حصول الاختلافات ، وتعدد الرؤى والاتجاهات .
إنه تعظيم النص النبوي فلا يسع كل مسلم رضي بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا ورسولاً إلا التوقير والإجلال والتسليم لنبيه صلى الله عليه وسلم .
إن تعظيم النص النبوي هو في الحقيقة تعظيم لمن صدر عنه هذا القول (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ).
هذا النص النبوي والخبر المحمدي كيف يتلقاه المؤمن ؟
يتلقاه .... بالحفاوة فلا يستهان به، وبالامتثال فلا يعرض عنه، وبالحب فلا يكره المؤمن شيئا مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويتلقاه أيضاً بالتحاكم إليه والرضا به واعتقاد أنه الأكمل والأهدى
فلا يعارض النص النبوي بتعليلات عقلية ، ولا تأويلات تعسفية ، ولا إيرادات فلسفية ، بل يعظم الخبر المحمدي باستشعار أنه وحي من السماء (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
وبقدر إيمان العبد وحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله تكون حفاوته وتعظيمه لجنابه ولكلامه.
وحين نقترب من سير سلفنا وصالحي أمتنا نرى صورا براقة ولوحات وضاءة في تعظيم النص النبوي ، لقد كان هذا الجيل الفريد أتم الأمة حفاوة وأدباً مع النص النبوي ،كانوا ـ رحمة الله عليهم ـ لهم تميز في ذلك، وأخبارهم يعز نظيرها وتكرارها.
فلم يكن الواحد يتلقى القول النبوي على أنه كمٌّ معرفي أو تكديس ثقافي، أو ذوق أدبي ، ولكن كان يتلقاه باستشعار أنه نور ، فلا تسل بعد ذلك عن عمله وتشبثه بهذا النور.
كانت نفوسهم تتشوف وتتشوق للكلمات النبوية، وتتحينها بشغف ونَهَمٍ ، فكانت فيهم خصلة سرعة الاستجابة والامتثال.
ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي كلمات مختصرات فيقول: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تجرأون إلى الله)، نعم هي عبارات معدودات ، ولكنها لم تكن مجرد كلمات تذهب في الهواء ،فكيف كان وقع هذه الجملة القصيرة على نفوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
لقد غطوا رؤوسهم ولهم خنين من البكاء
هذه القلوب التي امتلأت تعظيما وطاعة استجابة للنص النبوي هي التي أثرت بعد أن تأثرت ، وربَّت بعد أن تربت ، وأصبح خبرهم سلفا ومثلا لمن بعدهم .
ومع مدرسة عبد الله بن عمر في الاقتفاء والتأسي،وما أروع الحديث عن ابن عمر.
سمع ابن عمر رضي الله عنه ذلك الشاب اليافع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى باب من أبواب المسجد فيقول : ( لو تركنا هذا الباب للنساء).
إنه مجرد عرض واقتراح وليس أمراً ملزماً، فكيف استجاب عبدالله بن عمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو تركنا هذا الباب للنساء"؟
كانت استجابته كالتالي : لم يدخل عبدالله بن عمر من هذا الباب حتى مات رضي الله عنه.
ومع ابن عمر رضي الله عنه أيضا : يصله خبر حبيبه صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه : (نعم الرجل عبدالله لو كان يقوم من الليل) ، وإذا بهذه الكلمة المختصرة تغير مجرى حياة ابن عمر ، فكان ابن عمر بعدها لا ينام من الليل إلا قليلا.
ومع ابن عمر أيضا ولن نملَّ من سيرة ابن عمر ، اعتق ابن عمر رضي الله عنه جارية له ، لم تكن هذه الجارية من فضول مال ابن عمر ولم تكن جارية ملتها نفسه أو قلاها قلبه.. كلا ، لقد كانت جارية أحبها ابن عمر حبا شديداً بلغ من حبه لها أن كان يقبل أولادها بعد أن اعتقها ويقول لشدة حبه لها : (إني لأجد فيهم ريح فلانة)
فلماذا أعتقها إذن؟ أعتقها ..... لأنه طرق سمعَه عرضٌ قرأني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول هذا العرض : (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) فنظر ابن عمر فإذا أحب ماله إليه هذه الجارية فإذا به يخرجها من قلبه على أن ينال هذا البر.
وهذا عبد الله بن رواحه أحد شهداء غزوة مؤتة تجره رجلاه نحو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا به يسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على منبره يخاطب الناس (اجلسوا) ، وابن رواحة لم يدخل المسجد فما كان منه رضي الله عنه إلا أن جلس خارج المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته فبلغه ما فعل ابن رواحة فقال له : ( زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله ).
أما الوعيد النبوي والنهي المحمدي فقد كان يقع على قلوبهم موقعاً عظيماً وإن كان في أمر يستصغره كثيرٌ من الناس.
ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف على صحابته ، وإذا به يرى في يد أحدهم خاتماً من ذهب ، فيأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يده ثم يرمي به ، ويقول : ( يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده ) .
وينظر الرجل إلى خاتمه يلقى ، ينظر إلى ماله يلقى بعيدا عنه ، فماذا صنع الرجل ؟ انفض المجلس ، فقال بعضهم له : (لو أخذت خاتمك فانتفعت به).
لأن الرسول إنما نهاه أن يضعه في يده، فقال الرجل : لا والله ، لا أخذه وقد ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا عبدالله بن مغفل رضي الله عنه يرى ابن أخ له يخذف بالحصي، فنهاه، وقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، وقال: (إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا،ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) فعاد ابن أخيه يخذف بالحصى ، فغضب منه عبدالله غضبا شديداً وقال : (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنها ثم تعود إليها لا أكلمك أبداً).
حدَّث عمران بن حصين في مجلس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحياء خير كله) فقال له أحد الجالسين: إنا نجد في الحكمة أن من الحياء وقاراً ومن الحياء ضعفاً -أي ليس كله خير- وإذا بحماليق عيني عمران بن حصين تدور في محاجرها من الغضب وجعل يقول "أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن كتبك " !!
هكذا كان حال الصحابة مع النص النبوي وهكذا كان تعظيمهم لأمر نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فجاء التابعون ومن بعدهم فتعلموا منهم هذا الحب والاحترام والإجلال.
ها هو عالم المدينة ابن أبي ذئب يحدث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: أتأخذ بهذا ؟ قال الراوي : فضرب ابن أبي ذئب في صدر ذلك الرجل،وصاح به :أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقول أتأخذ به! نعم أخذ به،وذلك الفرض علي ، وعلى من سمعه ، ثم انطلق ابن أبي ذئب في خطاب شديد اللهجة ، حتى تمنى ذلكم الرجل أنه لو سكت عن سؤاله .
وفي مجلس هارون الرشيد يحدث أبو معاوية الضرير بحديث عن أبي هريرة : (احتج آدم وموسى ..الحديث) ، فقال أحد الحاضرين معترضا كيف هذا وبين أدم وموسى ما بينهما؟ فغضب الخليفة الرشيد وقال : يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارض بكيف ؟ فما زال يوبخه ويعنفه حتى هدأه من كان بمجلسه .
وهذا الفقيه العبقري محمد بن ادريس الشافعي يسأله أحد تلاميذه عن مسألة فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول له: وأنت يا أبا عبد الله ماذا تقول؟ ووقعت الكلمة على الشافعي موقعا شديدا ,فقال له بحدة: أترى في وسطي زنارا ,أترى على رقبتي صليبا, أترى علي مسوح اليهود والنصارى؟, أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقول:بم تقول يا أبا عبد عبد الله؟
تلك عباد الله إلماحات من سير سلفنا في إجلالهم للنصوص المحمدية، وشذرات من خبرهم مع الأخبار النبوية ، أخذوا أحاديث نبيهم تأسياً وتسليماً ، بلا حرج في النفوس، أو تنطع في البحث عن الحكمة ، مع الغضب حين الجرأة عليها ، والإمساك عما لايعلم من دلالتها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية

أما بعد فيا إخوة الإيمان ، هكذا كان شأن علماء السنة والصحابة وحملة الأثر مع النص النبوي فما خبرنا معه.
ما خبرنا نحن ، ونحن تطرق مسامعنا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره وزواجره ونواهيه ، فما أسهل على كثير منا أن يلقيه خلف ظهره ,ثم يمشي هو خلف هواه (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ).
هل عظم النص النبوي من استهزأ بدينه,واستخف بسنته؟
ما عظم النص النبوي من قدم عقله أو ذوقه أو هواه على قول محمد صلى الله عليه وسلم؟
أكلة الربا: أين تعظيمكم للنص النبوي ؟ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه.
أكلة الرشا: أما فَرَقَ قلوبَكم وعيدُ النبي صلى الله عليه وسلم :لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي.
يا من نام عن فجره ، وخف مقام الصلاة في قلبه ، أين تعظيمك لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم : (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر).
يا من أرسل طرفه لمتابعة المحرمات والتلصص على العورات أين تعظيمك للنص المحمدي : (لا تتبعوا عورات المسلمين).
يا من ، ويا من هان عليه نهي نبيه صلى الله عليه وسلم استشعر واستعظم حجم الإثم في مخالفة النص النبوي الذي قال الله فيه(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
عباد الله :إن تعظيم النص واحترامه لهو أقوى سياج للحفاظ على الهوية الإسلامية في المجتمعات ، وتعزيز التدين في النفوس ،وتقوية الصلة بالسنة النبوية .
إن إحياء مبدأ تعظيم النص النبوي وإجلاله ليتأكد في زماننا هذا الذي كثرت فيه الانحرافات وأصبح لأهل الزيغ صوت مسموع ، وإعلام مرفوع، وتغريدات تطير في الآفاق.
فواجب على مجتمعات المسلمين قادة وعلماء وأهل فكر ورأي وغيرة أن يقفوا صفاً واحداً ، ضد كل زائغ ، وكل من تشرب قلبه من الشبهات.
فإلا الوحي المحمدي ، فمقام وكلام رسولنا فوق مقام كل وزير ، وأعلى من حديث كل أمير ، فالاعتراض عليه نفاق واستفزاز ، ورد حديثه الصحيح الثابت جرأة على الدين، فإذا لم نغر على ديننا فعلى أيِّ شيء نغار ؟
فالواجب إعلان صوت النكير على هؤلاء العابثين المستخفين ، ونصحهم ، والقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً، فإن لم يرتدعوا فالقضاء يقول كلمته فيهم ، فبلدنا دستورها القرآن والسنة ، وليست هي علمانية يقول فيها من شاء كيف شاء حتى ولو تسخَّط على شريعة السماء.
وأخيراً يا أهل الإيمان ... ليعلم أن نصوص الوحيين لا يمكن أن تعارض العقل البشري، فالعقل السليم يشهد بصحة الشريعة جملة وتفصيلاً ، وإذا وجد ما يوهم التعارض بين العقل والنقل ، فالنقص ولا شك في عقول البشر.
وإذا صحَّ الحديث أيضاً فلا يتوقف في قبوله أن يعرض على البحوث والدراسات المعاصرة ، فهذا الحديث قد جاءنا مختوماً بشهادة (وما ينطق عن الهوى)،وإن كان الوقوف على تلك الدراسات مما يزيد الطمأنينة في النفوس.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم صلِّ على محمد ....
المشاهدات 3778 | التعليقات 4

بارك الله فيك


أبو مها ... بارك الله فيك ، وشاكر لك


بالمناسبة كان في الخطبة أخطاء يسيرة ، وقد تم تصويبها

فأعتذر على تأخر التعديل


خطبة متينةٌ جليلة ، أراها من عيون الخطابة المسجديّة ، ومن ركائز الجهود الدّعويّة ، لأنَّ تعظيمَ النص من جهةٍ مع تحرير العقل بعد ذلك من جهةٍ أخرى هو واللهِ عمادُ الحضارة الإسلاميّة الراقية . بارك الله فيك شيخنا ابراهيم و حيّاكَ اللهُ كما أحييتَ فقهَ السنّة ! .


شكر الله لك يا شيخ رشيد
ومتَّعك الله بالعافية ، وجعلك مباركاً مسدداً