تعظيم الله في النفوس

محمد بن خالد الخضير
1434/04/04 - 2013/02/14 12:17PM
الخطبة الأولى

الحمد لله.. الحمد لله الذي لا يحيط بحمده حامد ولا توفي قدره بليغ المحامد، سبحانه فلا يعبده حق عبادته عابد ولو قضى عمره قانتاً لله وهو راكعٌ أو ساجد.. الحمد لله عظيم الشان واسع السلطان مدبر الأكوان.. في ملكه تسبح الأفلاك وحول عرشه تسبح الأملاك: {وَإِن
مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} لوجهه سبحات الجلال، وهو الجميل الذي له كل الجمال.. والله لو كان البحر محابر والسموات السبع والأرضون دفاتر فلن تفي في تدوين فضله وأفضاله ولن تبلغ في بيان عظمته وبديع فعاله.. الله.. كريم الاسم عليُّ الوصف.. سبحت له السموات والأرض ومن فيهن.. .أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. أصدق كلمة فاهت بها الشفاه وخير جملةٍ نطقت بها الأفواه.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله العارف بالله حقاً والمتوكل عليه صدقاً.. المتذلل له تعبداً ورقاً، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد أيها المسلمون:
فتقوى الله - تعالى - خير وصيةٍ وخير لباسٍ وأكرم سجية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
أيّها المسلمون، تعظيمُ الله في القلوب وإجلالُه في النفوس والتعرّف على آلائه وأفضالِه وقدرُه حقَّ قدره هو والله زادُ العابدين وقوّة المؤمنين وسلوَى الصابرين، وهو سياج المتَّقين.
من الذي عرف الله فاستهان بأمره أو تهاون بنهيه؟! ومن الّذي عظّمه فقدّم عليه هواه؟! وما قدَره ما غدَا عنه لاه، فالله سبحانه يُعبد ويُحمَد ويُحَبّ لأنه أهلٌ لذلك ومستحقُّه، بل ما يستحقّه سبحانه لا تناله قدرَة العباد ولا تتصوّره عقولُهم؛ لذلك قال أعرف الخلق بربِّه كما في الحديثِ الصحيح: ((لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك))، وفي الصحيحين: ((ولا أحدَ أحبّ إليه المدح من الله؛ ولذلك مدح نفسه)).
أيها المسلمون، ربُّكم الذي تعبدون وله تصلّون وتصومون وإليه تسعون وتحفِدون ربٌّ عظيم، له من صفاتِ الكمال والجلالِ ما يفوق الوصفَ والخيال، وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا[الإسراء: 111].


لا إله إلا الله العظيم، سبّحت له الأفلاك، وخضعت له الأملاك، سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[الحديد 1-3].
سبحانه وبحمدِه، كيف لا يستولي حبُّه على القلوب وكلّ خيرٍ منه نازل وكلّ فضلٍ إليه، فمنه سبحانه العطاء والمنع، والابتلاء والمعافاة، والقبضُ والبسط، والعدلُ والرحمة، واللُّطف والبرّ، والفضل والإحسان، والسِّتر والعَفو، والحِلم والصّبر، وإجابة الدعاء وكشف الكربة وإغاثةُ اللهفة، بل مطالبُ الخلق كلِّهم جميعًا لديه، وهو أكرم الأكرمين، وقد أعطى عبدَه فوقَ ما يؤمِّله قبلَ أن يسألَه، يشكُر القليلَ من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلَل ويمحوه؛ فكيف لا تحبّ القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو؟! يجيب الدعوات، ويقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكربات؛ فهو أحقّ من ذُكر، وأحق من شُكر، وأحقّ من عُبد وحُمد، وأنصرُ من ابتُغِي، وأرأَف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استُرحِم، وأكرم من قصِد، وأعزّ من الُتجئ إليه، وأكفَى من تُوكِّل عليه، أرحمُ بعبده من الوالدة بولَدِها، وأشدّ فرَحًا بتوبةِ التائب من فرَح من وجد ناقتَه بعد فقدِها وعليها طعامه وشرابه في أرض مهلكة.

فسبحانَ الله وبحمده، هو الملك لا شريكَ له، والفرد لا ندَّ له، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ[القصص: 88]، لن يطاعَ إلا بإذنِه، ولن يعصَى إلا بعلمِه، يطاع فيشكر، ويُعصى فيعفو ويغفِر؛ فهو أقربُ شهيد وأجلّ حفيظ وأوفى بالعهد وأعدلُ قائمٍ بالقِسط، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال؛ فالقلوب له مفضية، والسِّرّ عنده علانية، والغيبُ لديه مكشوف، وكلّ أحدٍ إليه ملهوف، عنتِ الوجوه لنور وجهه، وعجزتِ العقول عن إدراكِ كُنهِه، أشرقَت لنور وجههِ الظلمات، واستنارت له الأرضُ والسماوات، وصلَحَت عليه جميع المخلوقات. أزمَّة الأمور كلّها بيده، ومَرادُّها إليه، مستَوٍ على سريرِ مُلكِه، لا تخفى عليه خافيةٌ في أقطار مملكتِه، تصعَد إليه شؤون العباد وحاجاتهم وأعمالهم، فيأمر سبحانه بما شاء، فينفُذُ أمره، ويغلب قهره، يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[الرحمن: 29]، يغفر ذنبًا، ويكشف كربًا، ويفكّ عانيًا، ويجبر كسيرًا، وينصر ضعيفًا، ويغني فقيرًا، يحيي ويميت، ويُسعِد ويشقِي، ويُضلّ ويهدِي، ويُنعم على قوم ويَسلب نعمتَه عن آخرين، ويعزّ أقوامًا ويذلّ آخرين، هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ[الحشر: 22، 23].

له القدرةُ المطلقَة والإرادَة التامّة، كلَّم موسى تَكليمًا، وتجلَّى للجبل فجعله دكًّا هشيمًا، وهو سبحانه فوق سمواته لا تخفى عليه خافية، يسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرةِ الصّماء في الليلةِ الظلماء، لا تشتبِه عليه الأصوات مع اختلافِ اللغات وتنوّع الحاجات، ولا تتحرَّك ذرّةٌ في الكون إلا بإذنه، وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ[الأنعام: 59]، اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ[البقرة: 256].

حجابه النور، لو كشَفه لأحرقَت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره، فإذا كانت سبحاتُ وجهه الأعلى لا يقوم لها شَيءٌ من خلقه فما الظنّ بجلال ذلك الوجهِ الكريم وجمالِه وبهائه وعظمَته وكبريائه؟! لذا كان أعظم نعيمِ أهل الجنة التلذُّذ بالنّظر إلى وجهِ الكريم جلّ جلاله، وهو موقفٌ عظيمٌ يتجلّى فيه كبرياء الله وعظمته وجماله وجلاله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
أيّها المسلمون، والله أعظم شأنًا وأعزّ سلطانًا، ولكنّ الذنوبَ التي رانت على القلوب حجبَت تعظيمَ الربّ في النفوس وأضعفَت وقارَه في القلوب، ولو تمكّن وقارُ الله وعظَمتُه في قلبِ العبد لما تجرّأ على معاصيه أبدًا، فإنّ عظمة الله تعالى وجلالَه في القلب تقتضِي تعظيمَ حرماته والاستسلامَ لحكمه وأمرِه ونهيه، وهذا التعظيمُ يحول بينَك وبين الذّنوب.
والمتجرِّئون على معاصِي الله ما قدَروا الله حقَّ قدره، وكفَى من عقوبات الذنوبِ أن تضعِف هذا التعظيم في القلب حتى يستمرِئ المخذولُ المعاصيَ، فيهون على الله، فيرفع الله مهابتَه من قلوب الخلق، ويستخفُّون به كما استخفَّ بأمر الله، وقد ذكر الله تعالى أنه غطّى على قلوبِ المصرِّين على الذنوبِ وطبَع عليها، وأنه نسِيَهم كما نسوه وأهانهم وضيعَّهم كما ضيَّعوا أمره؛ لهذا قال سبحانه في آية سجود المخلوقاتِ له: وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ[الحج: 18].
فعلى قدر خوفِك من الله يهابُك الخلق، وعلى قدرِ تعظيمِك لله يعظمِّك الخلق، وعلى قدرِ محبَّتك لله يحبّك الخلق. وإنما يُستَدفَع البلاء بالتوبة والاستغفار والاستسلامِ لأمر الله الواحد القهار، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31].

هذا وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله النبيّ الأمّيّ.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحيناللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفث كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي سُورْيَا، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا، وَافْتَحْ لَهُمْ فَتْحًا مُبِينًا، وَكُنْ لَهُمْ ظَهِيرًا وَمُعِينًا، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التوابالرحيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .
المشاهدات 3382 | التعليقات 1

جزاك ربي كل خير