تعظيم الله في القلوب 14-7-1442

محمد آل مداوي
1442/07/13 - 2021/02/25 15:51PM

الحمدُ للهِ الكبيرِ المُتعال، ذي العظَمةِ والجَلال، يَسْجُدُ له مَنْ في السماواتِ والأرضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهم بالغُدوِّ والآصَال، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا نِدَّ له ولا مِثال، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله، خيرُ مَنْ تقرَّبَ إلى الله بالإعظامِ والإجْلال، صلى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى أصحابه والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،  أما بعد:

فإنَّ خيرَ الوصايا: الوصيةُ بتقوى الله، فاتقوا الله وأصلِحوا العمل؛ (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)

 

أيها المسلمون: "أصلُ الدِّينِ مبنيٌّ على تعظيمِ اللهِ تعالى، وتعظيمِ ما عَظَّمَهُ اللهُ" وقد أَمَرَ سبحانه بتعظيمِه: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)

وكلُ مُعَظَّمٍ في الدُنيا إنما يُعَظَّمُ لحالٍ دُونَ حال، وفي زمانٍ دونَ زمان، ولمعنىً دونَ معنى، فمنهم من يُعَظَّمُ لجاهٍ أوسلطان،ومنهم مَنْ يُعَظَّمُ لعلمٍ أو مال،

 

وربُّنَا-تقدَّسَتْ أسماؤُه- يُعَظَّمُ في كُلِّ الأحوال، وليسَ بين عظَمَتِه جلَّ في عُلاه وبين أحدٍ من خَلْقِه نسبة،
عقولُ البَشَرِ قاصرةٌ عن إدراكِ عظَمَتِه (ولا يُحِيطُونَ بهِ عِلْمًا) فهو سبحانه العَظِيمٌ في كُلِّ شيء، عَظِيمٌ في ذاتِه، وفي أسمائِه وصفاتِه، عَظِيمٌ في جَلالِه وكِبْريائِه، عَظِيمٌ في قُوَّتِهِ وقُدْرَتِه، عَظِيمٌ في حِلمِهِ وعَفْوِه، عَظِيمٌ في حِكْمَتِه وعطائِهِ، ولُطفِهِ وإحسانِه، عَظيمٌ في عِزَّتِهِ وعدلِهِ، فهو العظيمُ سُبحانه؛ لا أحدٌ يساويه، ولا عظيمٌ يُدَانيه.. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).

 

سبَّحَتْ له الأفلاك، وخَضَعَتْ له الأملاك، (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

وهو سبحانَهُ العظيمُ في رَحْمَتِه؛ (الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ * الرَّحمَنِ الرَّحيم) وَسِعَتْ رَحْمَتُه كلَّ شيء، وأنزَلَ في الأرضِ مِنْ رَحمَتِه جُزءًا واحِدًا، منه يَتَراحَمُ الخَلائق، وهو سبحانه أرحَمُ بعَبدِه مِنَ الوالدةِ بولَدِها.

 

سبحانه وبحمدِه؛ كيف لا يَستولي حُبُّه على القلوبِ وكلُّ خيرٍ منه، وكلُّ فضلٍ إليه، فمنه سبحانه العَطاءُ والمنع، والابتلاءُ والمُعافاة، والقبضُ والبَسْط، واللُّطف والبِرّ، والسِّترُ والعَفو، والعدلُ والرحمة.. يُجِيبُ الدَّعوَات، ويُقِيلُ العثَرَات، ويَغْفِرُ الخَطِيئات، ويَكْشِفُ الكُرُبات؛ فهو أَحَقُّ مَنْ ذُكِر، وأحَقُّ مَنْ شُكِر، وأحَقُّ مَنْ عُبِد وحُمِد.. أرأَفُ مَنْ مَلَك، وأجْوَد مَنْ سُئِل، وأوسَعُ مَنْ أعطى، وأرْحَمُ مَنِ استُرحِم.

لن يُطَاعَ إلا بإذنِه، ولن يُعصَى إلا بعلمِه، يُطَاعُ فيَشْكُر، ويُعصَى فيغفِر؛ أقربُ شهيد، وأجَلُّ حفيظ، وأعدَلُ قائمٍ بالقِسْط.. عَنَتِ الوجوهُ لنورِ وجهِه، وعَجزتِ العقولُ عن إدراكِ كُنْهِه، أشرقَتْ لنورِ وجههِ الظُلمات، واستنارَتْ له الأرضُ والسماوات، وصَلُحَتْ عليه جميعُ المخلوقات.

 

(يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) يَغفِرُ ذنبًا، ويَكشِفُ كربًا، ويجبرُ كسيرًا، ويَنصرُ ضعيفًا، ويُغني فقيرًا، يُحيي ويُميت، ويُسعِدُ ويُشقِي، يُعِزُّ أقوامًا ويُذِلُّ آخرين، وهو سبحانه فوقَ سماواتِه لا تخفى عليه خافية، لا تَشْتَبِه عليه الأصواتُ معَ اختلافِ اللغاتِ وتنوُّعِ الحاجات، ولا تتحرَّك ذرّةٌ في الكونِ إلا بإذنه..

 

  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).

 

بارك الله لنا في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، واستغفروا الله يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.. أما بعد:

أيها المسلمون: أَحْيُوا تعظيمَ اللهِ في قُلُوبِكُم، واعْمُروا به جوَارِحَكُم، واغرِسُوه في نفوسِ أبنائكم وبناتِكُم، بِتَعَلُّمِ آياتِه في كتابِه، وتأمُّلِ آياتِه في مَلَكوتِه: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاواتِ والأرضَ ولا يَؤدُهُ حِفْظُهُما وهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ)

ويكون تعظيمُ اللهِ في نفوسِ الأبناءِ والبناتِ بوسائلَ وأسبابٍ؛ منها: الحديث عن عظَمَةِ الله، وأهميةِ إفرادِه بالعبادة، ولمَّا نصَحَ لقمانُ الحكيمُ ابنَهُ ابتدأ بالتوحيد، ثم التعظيم، ثم الفرائض، ثم الأخلاق: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وهذا هو التوحيد.

ثم قال له: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) وهذا هو التعظيم.. ثم ذكرَ الفرائض، وأتى على الأخلاق.

 

عبادَ الله: وإنَّ مِنْ تعظيمِ الله: تعظيمَ رسُولِ اللهِ r بالأدَبِ معه، والثناءِ عليه، وكثرَةِ الصلاةِ والسلام عليه، والإكثارِ مِنْ ذِكْرِه، والشوقِ إلى رؤيته، وتوقيرِ سُنَّتِه، والدفاعِ عنه؛ واتّباعِه وطاعته، والاهتداءِ بهديه، والتحاكُمِ إلى سُنَّتِه.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم واحمِ حوزةَ الدين.. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضَى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، ومتّعهم بالصحة والعافية، وارزُقهم البطانَة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهمَّ اُنصُرِ المُرابطينَ على حُدُودِ بلادِنا، اللهم اِرْبِطْ على قُلُوبِـهِم، وثبِّتْ أقدامَهُمْ، وانصُرْهُمْ على القومِ الظَّالِمِينَ وَاخْلُفْهُمْ في أَهْلِيهِمْ بخيرٍ يا رب العالمين.

اللهم إنّا نعوذ بك من الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، ما ظهر منها وما بطن.. اللَّهُمَّ ارْفَعِ الْوَبَاءَ عَنْ بِلَادِنَا وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِين.

اللهم وفِّقنا لمراضِيك، وباعِد بينَنا وبين معاصِيك، واجعَلنا ممن يخشَاك ويتَّقِيك يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار... سبحانَ ربِّك ربِّ العزَّة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

المرفقات

1614268273_تعظيم الله في القلوب 14-7-1442.docx

المشاهدات 2179 | التعليقات 1

الله يجزاكم خيرا يافضيلة الشيخ ع هذه الخطبة 

 

مؤثرة