تَعْظِيمُ الصَّلَاةِ، وَأَخْذُ الزِّينَةِ لَهَا
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ: فَتَعْلَمُونَ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ وَأَعْظَمُ أَرْكَانِهِ بَعْدَ الشَّهَادَتِينِ.
هِيَ مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ وَهِيَ نُورٌ لِأَصْحَابِهَا؛ بِهَا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ، وَتَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ، وَتُرْفَعُ دَرَجَاتُهُمْ، وَتُمْحَى خَطِيئَاتُهُمْ.
المُحَافَظَةُ عَلَيهَا وَتَعْظِيمُهَا؛ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَضْيِيعُهَا وَالتَّكَاسُلُ عَنْهَا وَالتَّهَاوُنُ بِهَا؛ صِفَةٌ لِلْمُنَافِقِينَ.
وَقَدْ جَاءَ تَعْظِيمُ الصَّلَاةِ فِي الشَّرْعِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَحَدِيثُ اليَومِ عَنْ تَعْظِيمِهَا بِالطَّهَارَةِ لَهَا، وَالتَّجَمُّلِ وَأَخْذِ الزِّينَةِ.
فَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ؛ وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ).
وتَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالوُضُوءِ مِنَ الحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَبِالغُسْلِ مِنَ الحَدَثِ الأَكْبَرِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ المَاءُ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ ضَرَرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ؛ شُرِعَ التَّيَمُّمُ.
ثُمَّ إِنَّ لِلطَّهَارَةِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ؛ وَلِلْمُتَطَهِّرِينَ مَنَاقِبُ وَأُجُورٌ عَظِيمَةٌ؛ فَاللهُ جَلَّ وَعَلَا يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ.
وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
وَأَخْبَرَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ ) [ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ تَعْظِيمِ الصَّلَاةِ: أَخْذُ الزِّينَةِ لَهَا؛ وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ؛ فَقَالَ: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }[الأعراف 31] قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ السُّنَّةِ؛ يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَلَا سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْعِيدِ، وَالطِّيبُ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ... الخ
وَقَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: اُسْتُرُوا عَوْرَاتِكُمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا، فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، فَإِنَّ سَتْرَهَا زِينَةٌ لِلْبَدَنِ، كَمَا أَنَّ كَشْفَهَا يَدَعُ البَدَنَ قَبِيحًا مُشَوَّهًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ المُرَادَ بِالزِّينَةِ هُنَا مَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ اللِّبَاسِ النَّظِيفِ الحَسَنِ، فَفِي هَذَا الأَمْرُ بِسَتْرِ العَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبِاسْتِعْمَالِ التَّجْمِيلِ فِيهَا وَنَظَافَةِ السُّتْرَةِ مِنَ الأَدْنَاسِ وَالأَنْجَاسِ. اهـ
فَلَا بُدَّ أَوَّلًا: أَنْ يَكُونَ اللِّبَاسُ سَاتِرًا لِلْعَورَةِ؛ فَسَتْرُهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ.
وَعَلَى هَذَا فَلْيَنْتَبِهْ مَنْ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ القَصِيرَةَ الَّتِي تُسَمَّى ( الشُّورْت ) وَيُصَلِّي بِهَا مَكْشُوفَ الفَخِذِ؛ فَإِنَّ الفَخِذَ عَورَةٌ.
وَهَكَذَا لِيَنْتَبِهْ وَلْيُنَبَّهْ؛ مَنْ يَلْبَسُ البِنْطَالَ مَعَ قَمِيصٍ قَصِيرٍ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ يَنْحَسِرُ قَمِيصُهُ إِلَى الأَعْلَى وَبِنْطَالُهُ إِلَى الأَسْفَلِ؛ وَتَنْكَشِفُ عَورَتُهُ.
جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنْ يُعَظِّمُ الصَّلَاةَ، وَسَائِرَ شَعَائِرِ اللهِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ) [ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ] وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ ) [ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]
عِبَادَ اللهِ: إِذَا عَلِمَ المُصَلِّي أَنَّهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُنَاجِي رَبِّهُ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ؛ إِذَا عَلِمَ هَذَا وَاسْتَشْعَرَهُ
فَسَيُقْبِلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي أَحْسَنِ هَيئَةٍ؛ وَبِأَجْمَلِ لِبَاسٍ وَأَطْيَبِ رَائِحَةٍ.
يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَإِنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنَ الْأَدَبِ وَالْوُضُوءَ وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ مِنَ الْأَدَبِ، وَالتَّطَهُّرَ مِنَ الْخُبْثِ مِنَ الْأَدَبِ؛ حَتَّى يَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ طَاهِرًا، وَلِهَذَا كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَجَمَّلَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ... وَكَانَ لِبَعْضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ بِمَبْلَغٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ وَكَانَ يَلْبَسُهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ؛ وَيَقُولُ: رَبِّي أَحَقُّ مَنْ تَجَمَّلْتُ لَهُ فِي صَلَاتِي... الخ
وَيَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ كَانَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ حُلَّةٌ اِشْتَرَاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، يَقُومُ بِهَا اللَّيلَ.
فَلَيْتَهُ يَعِي هَذَا مَنْ جَعَلَ لِلْمُنَاسَبَاتِ أَجْمَلَ لِبَاسِهِ؛ بَينَمَا يَأْتِي إِلَى الصَّلَاةِ بِقَمِيصِ النَّومِ، أَوْ بِمَلَابِسِ الرِّيَاضَةِ، أَوْ بِثِيَابِ مِهْنَتِهِ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهَا.
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيهِ: تَجَنُّبُ الرَّوَائِحِ الكَرِيهَةِ؛ سَوَاءً كَانَتْ رَوَائِحَ الجِسْمِ، أَوِ المَلَابِسِ، أَوْ شَيئًا مِنَ الأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ؛ كَالثُّومِ وَالبَصَلِ، وَكَالدُّخَّانِ وَالشِيْشَةِ وَغَيرِهَا.
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (... مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] وَيَقُولُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
أَلَا فَلْنُعَظِّمْ - رَحِمَكُمُ اللهُ - صَلَاتَنَا، وَلْنَتَوَاصَ بِتَعْظِيمِهَا وَلْنُرَبِّ أَوْلَادَنَا وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا عَلَى تَعْظِيمِهَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56 ]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق