تَعْظِيمُ السُّنَّةِ , وَأَحْوَالُ الْمُسْتَهْزِئِين 14 رجب 1434ه

محمد بن مبارك الشرافي
1434/07/12 - 2013/05/22 14:10PM
تَعْظِيمُ السُّنَّةِ , وَأَحْوَالُ الْمُسْتَهْزِئِين 14 رجب 1434ه
الْحَمْدُ للهِ الذِي تَقَدَّسَ وَقَهَر ، واصْطَفَى مَنْ شَاءَ بِعَمِيمِ الْخَصَائِصِ الْغُرَر ، وَجَمِيلِ الشَّمَائِلِ ما اسْتَكَنَّ مِنْهَا وَمَا ظَهَر ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَوَعَّدَ مَنْ حَادَّ أَنْبِيَاءَهُ وَآذَى أَصْفِيَاءَهُ بِسَقَر ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ الْخِيَر ، الْمُبَرَّأُ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُرَر ، وَنُشْهِدُ اللهَ الذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ أَنَّا نُفَدِّيهِ بِالطَّارِفِ وَالتَّالِدِ وَالْبِدَر ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَخِرَ مِنْهُ وَغَدَر ، وَصَلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ بُكُوْرٌ وَسَحَر ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ , وَقَدْ خَتَمَ عَزَّ وَجَلَّ الرِّسَالاتِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَعَلَ رِسَالَتَهُ عَامَّةً لِجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ , مُسْتَمِرَّةً إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا , قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) . مَدَحَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ وَأَثْنىَ عَلَيْهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدَاً , قَالَ تَعَالَى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) . وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِيزَانَاً لِصِدْقِ مَحَبَّةِ اللهِ , فَقَالَ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) . وَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَلامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيَهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ , فَقَالَ (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
فَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَاتِّبَاعُهُ فَرْضٌ , وَمَحَبَّتُهُ لِزَام , عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَقَدْ أَخَذَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَسَارُوا عَلَيْهِ , فَكَانُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِعِينَ وَلَهُ مُحِبِّينَ , وَكَانَتْ سُنَّتُهُ وَقَوْلُهُ وَهَدْيُهُ عِنْدَهُمْ مُقَدِّمَاً عَلَى كُلِّ شَيْءٍ , فَكَلامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الأَوَّلُ , وَهَدْيُهُ هُوَ الْمُتَّبَعُ , وَشَرْعُهُ هُوَ الْمُطَاعُ ! فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ : إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ , وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
ثُمَّ جَاءَ التَّابِعُونَ فَسَارُوا عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابِةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ , وَحَذُوا حَذْوَهُمْ فَأَفْلَحُوا وَنَجَوْا , وَهَكَذَا فَعَلَ تَابِعُ التَّابِعِينَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَاً رَحمَةُ اللهِ وَرِضْوَانُهُ !
ثُمَّ تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَطَالَ الزَّمَانُ وَكَثُرَ الْجَهْلُ , وَاخْتَلَطَ النَّاسُ بِالرُّومِ وَالْفُرْسِ , وَتُرِكَ الْعِلْمُ وَنُسِيَت السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ واَسْتُهِينَ بِهَا ، إِمَّا جَهْلاً بِهَا أَوْ إِعْرَاضَاً عَنْهَا أَوْ غَفْلَةً عَنْ فَضْلِهَا وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِا ! حَتَى جَاءَ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يُعَارِضُ هَدْيَ رَسُولِهِ وَيُجَادِلُ فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , احْتِجَاجاً بِالْعَقْلِ الفَاسِدِ أَوِ اتِّبَاعاً لِلْغَربِ الْمَاجِن , وَلَا نَقُولُ إِلَّا : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , اللَّهُمَّ لَا تُهْلِكْنَا (بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا) .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللهُ يُنَافِحُونَ عَنِ السُّنَّةِ وَيُدَافِعُونَ عَنِ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ كُلَّمَا رَأَوْا مِنَ النَّاسِ تَهَاوُنَاً بِهِ .
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ عَارَضَ السُّنَّةَ فَيَقُولُ : يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ , أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَقُولُونَ ؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر !
قَالَ هَذَا فِي حَقِّ الصِّدِّيقَينِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , مَعَ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَهَذَا الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ : عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عَرَفُوا الإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِ سُفْيَانَ , وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ (فَلْيَحْذَرِ الَّذيِنَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أَتَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ؟ الْفِتْنَةُ الشِّرْكُ , لَعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْضَ قَوْلِهِ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْغِ فَيَهْلِكَ . وَقَالَ أَيْضَاً : مَنْ رَدَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَقَدْ كَانَ مَوْقِفُ سَلَفِ الأُمَّةِ مِمَّنْ عَارَضَ السُّنَّةَ شَدِيدَاً رَادِعَاً لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ , وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ .
فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي رَهْطٍ مِنَّا , وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ , فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ , فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّه) فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ : إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكَيِنَةً وَوَقَارَاً للهِ , وَمِنْهُ ضَعْفٌ !
قَالَ : فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ ! وَقَالَ : أَلَا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَارَضُ فِيهِ . متفق عليه .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعُهَا)
فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ !
قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ , فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا , مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ , وَقَالَ : أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ؟ متفق عليه .
وَعَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ : ذَكَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ . فَقَالَ فُلَانٌ : مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا , يَدًا بِيَدٍ ! فَقَالَ عُبَادَةُ : أَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ : لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا ، وَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي وَإِيَّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا . أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ كَالْبَغَوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) الآيَة ، قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُقَالَ لَهُ بِشْرٌ , خَاصَمَ يَهُودِيَاً , فَدَعَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَعَاهُ الْمُنَافِقُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، ثُمَّ احْتَكَمَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَضَى لِليْهُودِيِّ فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِقُ ، وَقَالَ : تَعَالَ نَتَحَاكَمُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَجَاءَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : قَضَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْضَ هَذَا بِقَضَائِهِ , فَقَالَ لِلْمُنَافِقِ أَكَذَلِكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ، فَقَالَ عُمَرُ : مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا ، فَدَخَلَ عُمَرُ فَاسْتَلَّ سَيْفَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ فَضَرَبَ عَنُقَ الْمُنَافِقِ حَتَى بَرَدَ ، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ بَعْضُ الآثَارِ عَنْ سَلَفِ الأُمَّةِ وَصَالِحِيهَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ عَارَضَ السُّنَّةَ أَوْ رَدَّهَا أَوْ تَهَاوَنَ بِهَا .
قاَلَ ابْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي الإِبَانَةِ : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ !!! فَشَتَّانَ بَيْنَ هَؤُلاءِ الْعُقَلاءِ السَّادَةِ الأَبْرَارِ الأَخْيَارِ الذِينَ مُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْرَةِ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَالشُّحِّ عَلَى أَدْيَانِهِمْ , وَبَيْنَ زَمَانٍ أَصْبَحْنَا فِيهِ وَنَاسٌ نَحْنُ مِنْهُمْ وَبَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ .
فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِهِمْ يَقْطَعُ رَحِمَهُ وَيَهْجُرُ حَمِيمَهُ حِينَ عَارَضَهُ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَلَفَ أَيْضَاً عَلَى قَطِيعَتِهِ وَهُجْرَانِهِ , وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِي صِلَةِ الأَقْرَبِينَ وَقَطِيعَةِ الأَهْلِين .
وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَبْعُدُونَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ , وَيَنْتَقِلُونَ عَنْ بُلْدَانِهِمْ , وَيُظْهِرُونَ الْهُجْرَانَ لِإِخْوَانِهِمْ , لِأَجْلِ مَنْ عَارَضَ حَدِيَثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَقَّفَ عَنِ اسْتِمَاعِ سُنَّتِهِ . فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالُنَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجلَّ وَنَحْنُ نَلْقَى أَهْلَ الزَّيْغِ فِي صَبَاحِنَا وَالْمَسَاءُ يَسْتَهِزِئُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيُعَانِدُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , صَادِّينَ عَنْهَا وَمُلْحِدِينَ فِيهَا ، سَلَّمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّيْغِ وَالزَّلَلِ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاحْذَرُوا التَّهَاوُنَ بِالسُّنَّةِ , وَنَاصِحُوا مَنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُ ذَلِكَ فَالدِّينُ النَّصِيحَةُ , لِأَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْجَهْلُ وَالانْغِمَاسُ فِي الْمَلَذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ حَتَّى جَهِلُوا حَقَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يُعَظِّمِ السُّنَّةَ أَوْ تَهَاوَنَ بِهَا : فَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ(كُلْ بِيَمِينكَ) قَالَ : لا أَسْتَطِيعُ . قَالَ (لاَ اسْتَطَعْتَ) مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ , فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .أَيْ أَنَّ يَدَهُ اليُمْنَى أَصَابَهَا الشَّلَلُ فِي الْحَالِ .
وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللهُ : كُنَّا فِي مَجْلِسِ عِلْمٍ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ , فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَطَالَبَ بِالدَّلِيلِ , فَاسْتُدِلَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْوَارِدِ فِيهَا . فَقَالَ -وَكَانَ حَنَفِيًّا- : أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْحَدِيثِ ! فَمَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌّ عَظِيمَةٌ مِنْ سَقْفِ الْجَامِعِ , فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا , وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ فَقِيلَ لَهُ : تُبْ تُبْ ، فَقَالَ : تُبْتُ , فَغاَبَتِ الْحَيَّةُ فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ . قَالَ الذَّهَبِيُّ : إِسْنَادُهَا أَئِمَةٌ .
فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ نَحْذَرَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ أَوِ التَّهَاوُنَ بِهَا , وَلْنَعْلَمَ أَنَّ فَلاحَنَا وَنَجَاتَنَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لا يَكُونُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً .
أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَدُنْيَانَا وأَنْ يُفَقِّهَنَا فِيهِ , اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا وَزِدْنَا عِلْمًا , اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا , وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا , وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ , وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان , اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ , والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات

تَعْظِيمُ السُّنَّةِ , وَأَحْوَالِ الْمُسْتَهْزِئِين 14 رجب 1434هـ ‫‬.doc

تَعْظِيمُ السُّنَّةِ , وَأَحْوَالِ الْمُسْتَهْزِئِين 14 رجب 1434هـ ‫‬.doc

المشاهدات 3159 | التعليقات 4

طرحٌ متينٌ ورائع ، و هذا الموضوع من ركائز الخطابة المسجديّة ، السنّة النبوية المطهّرة مع القرآن الكريم صمّامُ الأمان والعصمة ، هذا الصّمّام يبني عقيدَتنا و قِيَمَنا وأخلاقنا ، ومنه نستقي الآداب و الأحكام ، غير أنَّ كثيرًا من المسلمين سلّمُوا للقرآن و تركوا سُنّة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ، وكذبُوا ؛ إذ لو سلّموا للقرآن لأخذُوا بالسُّنّة وعظّموها و أوقعوها من أنفسِهم موقِعَ السّمع والطاعة و الرّضا والتسليم .
هذا واجبنا في كلّ وقتٍ وحين ، وخاصّةً في هذه المرحلة العصيبة مرحلةِ التمايُزِ العقديّ والمنهجِي ! .


جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


جزيت خيرا اخي


وفقك الله ياشيخ .وسدد على الخير خطاك.ونفع بك وبعلمك