تعظيم الأشهر الحرم والتذكير بالاستعداد للحج

فيصل التميمي
1435/11/03 - 2014/08/29 04:57AM
تعظيم الأشهر الحرم والتذكير بالاستعداد للحج 3-11-1435هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أمّا بعدُ: فأوصيكم ـ أيُّها الناسُ ـ ونفسِـي بتقوَى الله عز وجل ، فإنَّ في طاعتهِ وتقواهُ جلَّ جلاله النجاة والفوز ، قالَ تعالَى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )
عباد الله.. أقف وإياكم مع آية كريمة من آيات الله، مع قوله جل وعلا : (إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) الآية [التوبة:36].
ففي هذه الآية العظيمة يخبرنا الله تعالى أنه منذ خلق السموات والأرضَ ، قد جعل عدة الشهور عنده اثنا عشر شهراً، وحكمها باقٍ على ما كانت عليه إلى أن يقضي الله ما شاء أن يقضي جل جلاله.
وهذه الآيةُ تدلّ على أن الواجب تعليق الأحكام من الصيام والحج والنذور والعِددِ وسائر الأحكام الشرعية بهذه الأشهر القمرية لا بغيرها (يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ)
وقوله تعالى: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) في هذا بيان لها وهي ذو القِعدةِ وذو الحِجةِ والمحرّمُ ورجبُ ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حَجّة الوداع: ((أيها النَّاس إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ ، وَذو الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرُّ الَّذِي‌ بَيْنَ جُمَادَي‌ وَشَعْبَانَ)).
فاقتضت حكمة الله سبحانه أن يُفضِّلَ هذه الأشهرَ الأربعةَ ويجعلها حُرُماً, والله سبحانه و تعالى يفعل ما يشاء ويختار لا معقب لحكمه, ويخص بفضله من يشاء لا راد أحدٌ لفضله، وقد تظهر لنا الحكمة في ذلك وقد تخفى وهو الحكيم الخبير.
قال قتادة رحمه الله: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله.. ".
وقوله تعالى: (ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ) أي ذلك الشرعُ المستقيم.
(فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) : أي لا تظلموا فيهِنَّ أنفسكم بالقتال, ولا تظلموا فيهنّ أنفسكم بارتكاب الذنوب والمعاصي والآثام، لأن الله سبحانه عظّم هذه الشهورَ وجعل لها حرمتها، فيُضاعِفُ فيها العقابَ على العملِ السيّء كما يُضاعِفُ الثوابَ فيهل بالعمل الصالح أكثر مما يضاعفه في غيرها من الشهور.
وقد بيّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمَ بيانٍ في حجة الوداع، فقرر حرمة الزمان وحرمة المكان، وحرمة الدماء والأموال والأعراض، قال صلى الله عليه وسلم في معرض خطبته الطويلة: "إنَّ دماءكُم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومِكُم هذا، في شهرِكُم هذا، في بَلدِكُم هذا، وستلقونَ ربَّكُم فيسالُكم عن أعمالِكُم، ألا لا ترجِعوا بعدي ضُلاّلاً يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ، ألا هل بلّغتُ؟ ألا ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ منكم، فلعلّ منَ يَبْلُغه يكونُ أوعى له من بعضِ من يسمعه" رواه أحمد والبخاري ومسلم.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي نبيه الكريم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه انه هو التواب الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا رحمكم الله ، أنه ما سُميت هذه الأشهرُ الأربعةُ حرماً إلا لعِظمِ حرمتها وحُرمةِ الذنب فيها، يقول ابن عباس – رضي الله عنهما –: اختص الله تعالى أربعة أشهر جعلهن حرماً وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم) .
معاشر المسلمين.. ولئن كان المسلم مطالبٌ بتعظيم حرمات الله على الدوام، فهي في هذه الأشهر الحرم تتأكد أكثر، قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل زمان".
وقال قتادة رحمه الله: (إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة وزورًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء".
فاتقوا الله عباد الله ولا تظلموا فيهن أنفسكم وعظموا ما عظمه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
معاشر المسلمين. مع اقتراب موسم الحج يحسن تذكير كل مسلم مستطيع لم يؤدِ هذه الفريضةَ، أنْ يبادر ويعزم على أدائها ، فإنّهاَ شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ومما فرضه الله تعالى على عباده وجعلها ركناً من أركان دينه ؛ التي لا تبرأ ذمةُ مسلم مستطيعِ إلا بالإتيانِ بها, قال تعالى: (وللهِ على الناس حِجُّ البيتِ من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنَّ الله غنيٌّ عن العالمين)
فالواجب على المسلم المستطيعِ أن يبادر إلى حجِّ بيت الله الحرام، ليقضيَ ما فرضه الله عليه, ولئن كان المرء اليومَ آمناً صحيحاً مستطيعاً ، فإنه لا يدري ما سيحدث له في مستقبل أيامه, ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام : «تعجلواّ إلى الحج- يعني الفريضة- فإنَّ أحدكم لا يدري ما يعرض له »
ومما ينبغي لمن عزم على الحجِ ، أن يبادر بالتفقه في صفته ومعرفة أحكامه ، وإعداد النفقة الطيبة لحجه ، والحرص على الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه.
هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال -جل من قائل عليم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللّهمّ صلّ وسلّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمّد ، وعلى آله وصحبه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين...
المشاهدات 3577 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


حفظك الله شيخ فيصل ونفع بك وزادك الله من فضله.