تَعْظِيمُ أَمْرِ التَّوْحِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ 29 صَفَر 1437هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1437/02/27 - 2015/12/09 18:23PM
تَعْظِيمُ أَمْرِ التَّوْحِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ 29 صَفَر 1437هـ
الْحَمْدُ للهِ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ، وَبِالْإِلِهَيَّةِ يُفْرِدُوه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الإِلَهُ الْحَقُّ الْمُبِين ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُوَحِّدِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ , وَأَنَّ أَعْظَمَ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ وَهُوَ دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنَا لِنَعْبُدَهُ وَنَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) , فَإِذَا عَرَفْنَا ذَلِكَ فَلْنَعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لا تُسَمَّى صَلاةً إِلَّا مَعَ الطَّهَارَةِ, فَإِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ فَسَدَتْ ، كَالْحَدَثِ إِذَا دَخَلَ فِي الطَّهَارَةِ . وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَنِيَ أَشَدَّ الْعِنَايَةِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ لِنَتَّبِعَهُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ الشِّرْكَ لِنَجْتَنِبَهُ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللهِ : رُبَّمَا يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّنَا نَعْرِفُ التَّوْحِيدَ فَلَا حَاجَةَ أَنْ يُكَرَّرَ عَلَيْنَا , وَهَا نَحْنُ نُصَلِّي وَنَصُومُ وَنَقُومُ بِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَلا نَحْتَاجُ لِتَعْلِيمِ التَّوْحِيدِ ؟ وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ ظَهَرَتْ فِيهِمَا الْعِنَايَةُ بِالتَّوْحِيدِ ظُهُوراً كَبِيراً مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ وَتَكْرَارِ ذَلِكَ حَتَّى يَرْسَخَ وَلِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الشِّرْكُ .
فَمَنْ ذَلِكَ : أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْحِكْمَةَ مِنَ الْخَلْقِ هِيَ عِبَادَتَهُ وَمِنْ أَجْلِهَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
وَأَيْضَاً : أّنَّ أَوَّلَ فِعْلٍ نَجِدُهُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ أَمْرٌ بِإِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ , وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي الفَاتِحَةِ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أَيْ نَعْبُدُكَ لا نَعْبُدُ غَيْرَكَ , وَأَيْضَاً : فَإِنَّ أَوَّلَ نِدَاءٍ فِي الْقُرْآنِ دَعْوَةٌ لِلتَّوْحِيدِ , فَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يَقُولُ سُبْحَانَهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
وَأَيْضَاً : فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ وَنَهَتْ عَنِ الشِّرْكِ , فَفِيهَا تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ .
وَأَيْضَاً : فَإِنَّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي التَّوْحِيدِ , قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
وَأَيْضَاً : فَإِنَّ سُورَةَ الصَّمَدِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ, قَالَ سُبْحَانَهُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَالسِّيرَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ فَإِنَّهَا زَاخِرَةٌ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى تَعْظِيمِ شَأْنِ التَّوْحِيدِ , فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ فِي مَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةً سَنَّةً قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ , وَالْعَشْرَ سِنِينَ الْأُولَى جَعَلَهَا كُلَّهَا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ , فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى مَجَامَعِ النَّاسِ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ , وَاسْتَمَرَّ عَلَى هَذَا حَتَّى أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَعْدَهَا فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ , وَبَقِيَ فِي مَكَّةَ ثَلاثَ سِنِينَ , فَكَانَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِلَى الصَّلَاةِ مَعَهُ , ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ اسْتَقَرَّ فِيهَا عَشْرَ سِنِينَ , فَكَانَ يَدْعُو فِيهَا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةِ وَبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ , فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ ثَلاثَاً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهِيَ جَمِيعُ مُدَّةِ دَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ نَتْرُكُ تَعَلُّمَ التَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهِ ؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَقَبْلَ أَنْ نَسْتَمِرَّ فِي بَيَانِ عَظِيمٍ مَنْزِلَةِ التَّوْحِيدِ وَأَهَمِّيَّتِهِ اسْمَعُوا هَذِهِ الِقِصَّةِ : رُوِيَ عَنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ يُدَرِّسُ طُلَّابَهُ التَّوْحِيدَ , فَكَأَنَّهُمْ اسْتَكْثَرُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : لَقَدْ فَهِمْنَا التَّوْحِيدَ وَدَرَسْنَاهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ, فَنُرِيدُ أَنْ تُغَيِّرَ لَنَا الدَّرْسَ إِلَى بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْأُخْرَى , فَقَالَ لَهُمْ الشَّيْخُ : سَنَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ .
وَمِنَ الْغَدِ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ طَلَبَتِهِ وَوَجَدُوهُ مَهْمُومَاً يُفَكِّرُ فَقَالُوا : مَا بَالُكَ يَا شَيْخَنَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ : لَقْدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ فِي إِحْدَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ قَامَ رَجُلٌ بِذَبْحِ دِيكٍ لِلْجِنِّ ، وَلَقَدْ أَرْسَلْتُ مَنْ يَتَثَبَّتُ لِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ .
فَقَالَ الطَّلَبَةُ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ . وَمَضَوْا فِي طَرِيقِهِمْ .
وَمِنَ الْغَدِ قاَبَلُوا الشَّيْخَ فَسَأَلُوهُ عَنْ حَادِثَةِ ذَبْحِ الدِّيكِ هَلْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ لَهُمُ الشَّيْخُ : لا , لَقَدْ وَجَدْنَا الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ , فَالرَّجُلُ لَمْ يَذْبَحْ دِيكَاً وَلَكِنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ , فَثَارَ الطَّلَبَةُ وَانْفَعَلُوا وَقَالُوا : لا بُدَّ مِنْ أَنْ نُنْكِرَ هَذَا الْأَمْرَ ! كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُذْلَانِ !
فَقَالَ لَهُمُ الشَّيْخُ : عَجِيبٌ أَمْرُكُمْ وَاللهِ ! تَثُورُونَ مِنْ أَجْلِ كَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلا تَثُورُونَ لِأَمْرِ الشِّرْكِ بِاللهِ ؟ مَعَ أَنَّ الشِّرْكَ لا يَعْدِلُهُ ذَنْبٌ, فَأَيْنَ غَيْرَتُكُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ إِذَنْ ؟ هَاتُوا كَتَابَ التَّوْحِيدِ نَقْرَأُ مِنْهُ , يَعْنِي : أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الْمُوَاصَلَةِ فِي دِرَاسَةِ التَّوْحِيدِ وَتَذَكُّرِ مَسَائِلِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : كَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ النَّاسَ مِنَ الشِّرْكِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدُوهُ , وَذَلِكَ حِمَايَةً لِلتَّوْحِيدِ , فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدَّاً ؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. فَتَأَمَّلُوا الحَدِيثَ : فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى الرَّجُلِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ مِنْ مَقْصَدِهِ , لِأَنَّهُ مَهْمَا كَانَ فَلَفْظُهُ غَلَطٌ وَلا يَجُوزُ وَلَوْ حَسُنَ مَقْصِدُهُ , فَهَكَذا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُنْكِرَ الْأَلْفَاظَ الشِّرْكِيَّةَ وَلا نَنْظُرْ إِلَى مَقْصِدِ صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ بِكُلِّ حَالٍ.
فَمِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ - وَخَاصَّةً فِي نَجْدٍ – مَنْ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ : إِيْ بِالْعُون , والعُوْنُ صَنَمٌ كَانَ يُعْبَدُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِذَا رَأَى أَحَدَاً فِي مُشْكِلَةٍ أَوْ حَصَلَ لَهُ حَادِثٌ : يَا عُوِيْنَه ! وَهَذَا شِرْكٌ , لِأَنَّهُ نِدَاءٌ لِلعُونِ (الصَّنَمِ الذِي يُعْبَدُ) وَإِنَّمَا صَغَّرُوا اسْمَهُ مِنْ بَابِ التَّمْلِيحِ , وَمِنَ النَّاسِ أَيْضَاً مَنْ يَقُولُ عِنْدَ الْإِشْكَالاتِ أَوِ التَّضَجُّرِ مِنْ أَحَدٍ : يَا عِزِّتِي لِنَا مِنْك , أَوْ يَا عَزَّاه أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَهَذَا نِدَاءٌ لِلْعُزَّى فِي الْوَاقِعِ , لَكِنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ , وَرُبَّمَا قَالُوا : لا نَقْصِدُ ! فَنَقُولُ : هَذَا اللَّفْظُ شِرْكٌ بِكُلِّ حَالٍ , لَكِنَّنَا لا نُكَفِّرُكُمْ لِجَهْلِكُمْ , وَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ تَجَنُّبُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الشِّرْكِيَّةِ وَالْحَذَرُ مِنْهَا .
وَلَوْ تَأَمَّلَ كُلُّ أَحَدٍ فِي أَهْلِ بَلَدِهِ لَوَجَدَ عِنْدَهُمْ أَلْفَاظَاً شِرْكِيَّةً قَدْ شَبَّ عَلَيْهَا الصَّغِيرُ وَهَرِمَ عَلَيْهَا الْكَبِيرُ وَهُمْ يَقُولُونَهَا , فَالْوَاجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا وَالابْتِعَادُ عَنْهَا لِئَلَّا يَتَدَرَّجَ بِنَا الشَّيْطَانُ حَتَّى يُوقِعَنَا فِي الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الوَاجِبَ عَلْيَنَا فِي كُلِّ أَحْوالِنَا اللُّجُوءُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ الذِيْ بِيَدِهِ قَضَاءُ الحَاجَاتِ وَتَفْرِيجُ الكُرُبَاتِ , رَوَى الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ أَنْسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ فِي سَنَةٍ مِنَ السَّنَوَاتِ أَصَابَ النَّاسَ جَدْبٌ وَقَحْطٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ : فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَتَقَدَّمَ حَتَّى تَوَسّطَ فِي الْمَسْجِدِ أَمَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا ، قَالَ أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ (اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا) ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي خُطْبَتِهِ , يَقُولُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حِينَ دَعَا النَبِّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنَّا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَاً بِالْمَرَّةِ , وَلا حَتَّى الْقَزْعَةَ , وَهِيَ قِطْعَةُ السَّحَابِ الصَّغِيرَةِ , يَقُولُ : ثُمَّ ثَارَتْ بَعْدَ هَذَا الدُّعَاءِ سَحَابَةٌ صَغِيرَةٌ كَأَنَّهَا التُّرْسُ وَهُوَ مَا يُشْبِهُ الصَّحْنَ الصَّغِيرَ , يَقُولَ : فَصَارَتْ تَتَقَدَّمُ نَحْوَ وَسْطِ السَّمَاءِ , فَلَمَّا صَارَتْ فَوْقَنَا تَمَدَّدَتْ وَكَبُرَتْ حَتَّى غَطَّتِ السَّمَاءُ ثُمَّ رَأْيَنَا الْبَرْقَ وَسَمِعْنَا قَصْفَ الرَّعْدِ , فَوَاللهِ مَا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ مِنَ الْمِنْبَرِ حَتَّى كَانَ الْمَطَرُ يَنْهَمِرُ بِغَزَارَةٍ , وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْمَطَرُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا أُسْبُوعَاً كَامِلَاً , وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا أَخْبَرَ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فِي كُلِّ مَكَانٍ , حَتَّى إِنَّ وَادياً بِالْمَدِينَةِ عَظِيماً اسْمُهُ وَادِي قَنَاةَ ساَل لِمُدَّةِ شَهْرٍ كَامِلٍ , مِنْ كَثْرَةِ مَا نَزَلَ مِنَ الْأَمْطَارِ بَبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , انْتَهَتِ الْقِصَّةُ , وَهِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وُمُسْلِمٍ .
وَقَدْ رَأَيْنَا فِيهَا شَيْئَاً مِنْ قُدْرَةِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ , فَبَيْنَمَا الْأَرْضُ مُجْدِبَةٌ وَالسَّمَاءُ صَافِيَةٌ , إِذَا بِجِبَالِ السَّحَابِ تَعْلُو السَّمَاءَ وَإِذَا الْأَمْطَارُ تَنْهَمِرُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَنَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَنَا تَعْظِيمَهُ وَصِدْقَ اللُّجُوءِ إِلَيْهِ وَالْيَقِينَ بِوَعْدِهِ وَالتَّصْدِيقَ بِخَبَرِهِ , وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا .
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَارًا فَأَرْسِلِ السماءَ عَلينا مِدْرَارا , اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا غَدَقاً مُجَلِّلاً عَامًا سَحًّا طَبَقًا , اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغيثَ ولا تجعلْنَا مِنَ القَانطِيِن , اللَّهُمَّ سُقْيَا رحمةٍ لَا سُقْيَا عذابٍ ولا بَلاءٍ ولا هَدْمٍ ولا غَرَق , اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْع ، وأَدِرَّ لَنَا الضَّرْع واسْقِنَا مِنْ بركاتِ السماءِ ، وأَنْزِلْ علينَا مِنْ بَرِكاتِك , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .
المرفقات

تَعْظِيمُ أَمْرِ التَّوْحِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ 29 صفر 1437هـ.doc

تَعْظِيمُ أَمْرِ التَّوْحِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ 29 صفر 1437هـ.doc

المشاهدات 1670 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك