تعرف إلى الله في الرخاء - مختصرة ومشكولة - PDF + DOC

عبدالله اليابس
1444/12/24 - 2023/07/12 17:32PM

تعرَّف إلى الله في الرخاء              الجمعة 26/12/1444هـ

الحَمْدُ للهِ إِقْرَارًا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى سَوَابِغِ نَعْمَتِهِ، مَنَّ عَلَى العَاصِي بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَمَدَّ لِلْمُسْلِمِ عَمَلاً صَالِحًا بِوَصِيَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الـمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ بَرِيَّتِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الـمَدِيْنَةِ، يَرْكَبُ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَابَّةٍ، وَيَرْكَبُ خَلْفَهُ اِبْنُ عَمِّهِ الصَّغِيْرُ: عَبْدُاللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَفَجْأَةْ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الفَتَى وَيَقُولُ: (يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ.. أَلَا أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟) فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اِحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاِسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ فَاِسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيهِ، وَاِعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا).

هَذَا الحَدِيْثُ العَظِيْمُ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اِبْنُ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " تَدَبَّرْتُ هَذَا الحَدِيْثَ، فَأَدْهَشَنِي وَكِدْتُ أَطِيشُ، فَوَا أَسَفَى مِنَ الجَهْلِ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَقِلَّةِ التَفَهُّمِ لِمَعْنَاهُ".

وَفِي خُطْبَةِ هَذَا اليَوْم بِإِذْنِ اللهِ.. سَنَتَوَقَّفُ مَعَ عِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذَا الحَدِيْثِ، وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ).

نَعَمْ.. تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ.. تَعَرَّفْ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي وَقْتِ رَخَائِكَ وَصِحَّتِكَ وَعَافِيَتِكَ، تَجِدْهُ أَمَامَكُ مُنْجِدًا لَكَ وَقْتَ الشِّدَّةِ.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَاصِمِ الأَنْطَاكِيُّ: "أُحِبُّ أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أَعْرِفَ مَوْلَاي".

قَالَ اِبنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا اتَّقَى اللَّهَ، وَحَفِظَ حُدُودَهُ، وَرَاعَى حُقُوقَهُ فِي حَالِ رَخَائِهِ، فَقَدْ تَعَرَّفَ بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، وَصَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مَعْرِفَةٌ خَاصَّةٌ، فَعَرَفَهُ رَبُّهُ فِي الشِّدَّةِ، وَرَعَى لَهُ تَعَرُّفَهُ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، فَنَجَّاهُ مِنَ الشَّدَائِدِ بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ، وَهَذِهِ مَعْرِفَةٌ خَاصَّةٌ تَقْتَضِي قُرْبَ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَمَحَبَّتَهُ لَهُ، وَإِجَابَتَهُ لِدُعَائِهِ.

فَمَعْرِفَةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَعْرِفَةُ الْعَامَّةُ، وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْإِقْرَارِ بِهِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ، وَهَذِهِ عَامَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَالثَّانِي: مَعْرِفَةٌ خَاصَّةٌ تَقْتَضِي مَيْلَ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالِانْقِطَاعَ إِلَيْهِ، وَالْأُنْسَ بِهِ، وَالطُّمَأْنِينَةَ بِذِكْرِهِ، وَالْحَيَاءَ مِنْهُ، وَالْهَيْبَةَ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ الْخَاصَّةُ هِيَ الَّتِي يَدُورُ حَوْلَهَا الْعَارِفُونَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا، خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا، قِيلَ لَهُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".

لَقَدْ فَقِهَ مَنْ قَبْلَنَا هَذَا الـمَعْنَى، وَعَرَفُوا اللهَ فِي سَاَعَةِ رَخَائِهِمْ.. فَوَجَدُوا مَعُونَتَهُ سَاَعَةَ شِدَّتِهِمْ.

هَذَا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.. كَانَ دَائِمَ التَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ فِي الرَّخَاءِ، وَفِي يَوْمٍ يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُلْقَى مِنَ السَّفِيْنَةِ.. فَيَفْتَحُ الحُوتُ فَمَهُ فَيَلْتَقِمُهُ حَتَّى اِسْتَقَرَّ فِيْ بَطْنِ الحُوتِ، لَجَأَ يُونُسُ الـمُسَبِّحُ ِإِلَى اللهِ وَحْدَهُ فِي تِلْكَ الظُلُمَاتِ، ظُلْمَةِ بَطْنِ الحُوتِ، وَظُلْمَةِ أَعْمَاقِ البَحْرِ، وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ، ثُمَّ نَادَى رَبَّهُ فَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.. سُبْحَانَكَ.. إِنِّ كُنْتُ مِنَ الظَّالـِمِيْنَ".

رَوَى أَنَسٌ يَرْفَعُهُ: "أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا دَعَا فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: يَا رَبِّ، أَفَلَا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنْجِيَهِ مِنَ الْبَلَاءِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَمَرَ اللَّهُ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بِالْعَرَاءِ".

قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللهُ: "اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ، يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ، إِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، فَلَمَّا وَقَعَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ - لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ طَاغِيًا نَاسِيًا لِذِكْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ، قَالَ: آمَنْتُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}".

وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِذَا كَانَ الرَّجُلُ دَعَّاءً فِي السَّرَّاءِ، فَنَزَلَتْ بِهِ ضَرَّاءُ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ فَشَفَعُوا لَهُ، وَإِذَا كَانَ لَيْسَ بِدَعَّاءٍ فِي السَّرَّاءِ، فَنَزَلَتْ بِهِ ضَرَّاءُ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، فَلَا يَشْفَعُونَ لَهُ".

يَشْتَكِي الكَثِيْرُ مِنْ تَأَخُّرِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، رَوَى الحَاكِمُ فِيْ مُسْتَدْرَكِهِ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهَ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَن سَرَّهُ أن يستجيبَ اللهُ له عندَ الشدائدِ؛ فلْيُكْثِرِ الدعاءَ في الرَّخاءِ).

هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الغَارِ الثَّلَاثَةِ الذِيْنَ اِنْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ، كَانَتْ لَهُمْ مَوَاقِفُ حَسَنَةٌ وَقْتَ رَخَائِهِمْ عَرَفُوا بِهَا رَبَّهُمْ، فَلَمَّا سُدَّ عَلَيهِمُ الغَارُ، لَمْ يَنْفَعْهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ تَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى بِجَمِيلَ أَعْمَالِهِمْ وَقْتَ الرَّخَاءِ، فَاِنْجَلَتِ كُرْبَتُهُمْ، وَاِنْقَشَعَتْ شِدَّتُهُمْ، فَخَرَجُوا مِنَ الغَارِ سَالِمِينَ.

وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِذَا لَمْ تَكُنْ بِهَا *** تَقِيًّا سَلِيمَ القَلْبِ لله تَعْمَلُ

وَمَنْ لَا يَخَافُ اللهَ فِي الجَهْرِ وَالخَفَا *** فَقَدْ خَسِرَ الدَّارَينِ وَاللهُ يُمْهِلُ

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُم وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَإِخْوَانِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاِقْتَفَى أثَرَهُ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. إِنَّ أَعْظَمُ الشَّدَائِدِ الَّتِي تَنْزِلُ بِالْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَصِيرُ الْعَبْدِ إِلَى خَيْرٍ، وَمَنْ عَرَفَ اللهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَفَقَّهُ سُبْحَانَهُ لِحُسْنِ الخَاتِمَةِ وَمَا بَعْدَهَا،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، قَالَ: "مِنَ الْكَرْبِ عِنْدَ الْمَوْتِ".

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "يُنْجِيهِ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".

 وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ رَحِمَهُ اللهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}، قَالَ: "يُبَشَّرُ بِذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَفِي قَبْرِهِ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ، فَإِنَّهُ لَفِي الْجَنَّةِ، وَمَا ذَهَبَتْ فَرْحَةُ الْبِشَارَةِ مِنْ قَلْبِهِ".

وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ حَيْثُ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنْ قَبْرِهِ، وَيَتَلَقَّاهُ مَلَكَاهُ اللَّذَانِ كَانَا مَعَهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ، فَيُؤَمِّنُ اللَّهُ خَوْفَهُ، وَيُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَهُ، فَمَا مِنْ عَظِيمَةٍ تَغْشَى النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ لِلْمُؤْمِنِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِمَا هَدَاهُ اللَّهُ، وَلِمَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا".

أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. هَذَا الطَرِيْقُ الـمُسْتَقِيْمُ.. بَيَّنَهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ.. عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الأَمِيْنِ.. وَمَنْ عَرَفَ اللهَ فَمَاذَا فَقَد؟ وَمَنْ فَقَدَ اللهَ فَمَاذَا وَجَدَ؟

اللّهُمَّ دُلَّنَا بِكَ عَلَيْكَ، وَارحَمْ ذُلَّنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَاِجْعَلْ رَغْبَتَنَا فِيمَا لَدَيكَ، وَلَا تَحْرِمْنَا بِذُنُوبِنَا، وَلَا تَطْرُدْنَا بِعُيُوبِنَا،  يَا سَمِيْعُ يَا قَرِيْبُ يَا مُجِيْبُ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاَةِ عَلَى نَبِيهِ مُحَمٍّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ لِلصَّلَاَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَالْإكْثَارَ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأيَّامِ، فَاللهَمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِهِ أَجَمْعَيْن.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِرْكَ والـمُشْرِكِيْنَ، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاِجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِيِنَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاِجْعَلْ وَلَايَتَناَ فِي مَنْ خَافَكَ وَاِتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِميْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ، وَالـمُؤْمِنيْنَ والـمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدَعَواتِ.

 عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمَرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وإيتاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ وَالْبَغِيِّ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاِذكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذكُركُمْ، وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكرُ اللهُ أكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1689172320_تعرف إلى الله في الرخاء 26-12-1444.docx

1689172320_تعرف إلى الله في الرخاء 26-12-1444.pdf

المشاهدات 916 | التعليقات 0