تعجلوا بالحج .. التصريح بالحج .. الحذر من شركات الحج الوهمية

الحمد لله الذي فرض على عبادِه الحجَّ إلى بيته الحرام، وجعلَه أحدَ أركانِ الإسلامِ و دعائمِه العظام ]لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ[ وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، الملكُ القدوسُ السلام. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وخليلُه ومجتباه مِن الأنام، وخيرُ مَن تعبَّدَ وصلَّى خلفَ المقام. صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه السادةِ البررةِ الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقب الجديدان.

إخوة الإيمان والعقيدة .. اتقوا اللهَ حق التقوى، واستبقوا الخيرات، واغتنموا الفرصَ قبل الفوات، وبادروا بالحجِّ إلى بيتِ الله العتيق ]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ[

معاشر المسلمين .. الحُجَّاجُ والعُمَّارُ وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وأناخوا ببابِه وسألوه، وسبَّحوا بحمدِه واستغفروه، ففتح عليهم مِن خزائنِ رحمتِه وفضلِه فوقَ ما أمَّلوه، وأخلفَ عليهم ما بذلوا مِن أجْله وأنفقوه، فأكرِم بها مِن وفادة! وأعظِم بها مِن زيارة لِـمَن عنده ثوابُ الدنيا والآخرة.

إنها الغنيمةُ التي لا تشبهها الغنائم، والمنحةُ التي لا تضاهيها العطايا والدراهم، فطوبى لأهل الـجِدِّ وأربابِ العزائم، لقد غنموا بتكميلِ إسلامِهم ، وسترِ عيوبِهم ومحوِ آثامِهم. قال ﷺ (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) وقال ﷺ (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةَ).

وعن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رضي الله عنها أنها قالت: يا رسولَ اللهِ، نرى الجهادَ أفضلَ العملِ، أفلا نُجاهِد؟ قال (لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ).

معاشر المسلمين .. تعجَّلوا إلى الحجِّ، فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له، فكلُّ مَن استطاعَ السبيلَ إلى الحجِّ وجَبَ عليه أداءُه على الفور، ولا يجوزُ له تأخيرُه بلا عذرٍ شرعيٍّ، وبهذا قال أئمةُ الإسلامِ رحمة الله على الجميع.

لما نزلَ فرْضُ الحجِّ بادرَ رسولُ الله ﷺ إلى الحجِّ مِن غيرِ تأخير. ولمَّا عزمَ رسولُ الله ﷺ على الحجِّ أعلَمَ الناسَ أنه حاجّ، فتجهَّزوا للخروجِ معه، وسمِع ذلك مَن حول المدينة، فَقَدِمُوا يُريدون الحجَّ مع رسولِ الله ﷺ ووافاه في الطريقِ خلائقُ لا يُحصَون، فكانُوا مِن بين يديه، ومِن خلفِه، وعن يمينِه، وعن شمالِه مدَّ البصر.

قال جابرُ بنُ عبدِالله t: فخرَجْنا معه ﷺ حتى أتيْنا ذا الحُليْفةِ، فولدتْ أسماءُ بنتُ عُميسٍ محمدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسلَتْ إلى رسولِ اللهِ ﷺ: كيف أصنعُ؟ قال (اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي).

الله أكبر، الله أكبر يا أُمَّة الإسلام، تأمّلوا في حال تلكم المرأة الصالحة، خرجت حاجَّةً مع رسولِ الله ﷺ فور فرضية الحج، خرجت وهي حُبلى في أيامِها الأخيرة، فما ظنكم؟، ولعلَّها كانت أحسَّت بمُقدِّمات الوضعِ وهي في بيتِها في المدينة، لكنها خرجت رضي الله عنها فما أنْ بلغتْ ميقاتَ أهلِ المدينة حتى وضعَت حمْلَها، فأمرها النبيُّ ﷺ أن تغتسلَ وتُحرِم، ففعلَتْ ومضتْ معهم رضي الله عنها.

فأين ما يتعلَّلُ الكثيرون به اليوم مِن الأعذارِ الواهيةِ؟ أين هُم مِن حال تلك المرأة الحبلى؟ وما تبِعَ وضعَها مِن ضعْفِها، ووهَنِها، وما لحقَها مِن عناءِ الطريقِ ووعثاءِ السفرِ وبُعْدِ الشُّقة، رضي الله عنها.

إنَّ الفرصَ إذا أُتِيحت للإنسانِ فأضاعَها حريٌّ أنْ يُعاقَبَ بالحرمانِ منها في المستقبلِ، ويُحَالُ بينه وبينها ]جَزَاءً وِفَاقًا[ ]وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً[ إنَّ كثيرًا مِن الأعذارِ التي يتعذَّرُ بها كثيرٌ مِن القاعدين اليوم هي أعذارٌ واهيةٌ، لا قيمةَ لها، ولا يَعبأَ الله بها.

فعلى كلِّ مستطيعٍ ببدنِه ومالِه أن يبادرَ لإكمالِ إسلامِه، فإنَّ الإسلامَ لا يتمُّ إلا بالحج، قال ﷺ (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ – وذكر منها -وَحَجِّ الْبَيْتِ).

ومَن أنكرَ فرضيةَ الحجِّ فقد كفَرَ، ومَن تركَه تهاونًا وكسلًا فهو على خطر ]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[ أَبَعْدَ هذا يتباطأُ المستطيعون، ويتساهلُ القادرون؟ قال ﷺ (لَقد همَمْتُ أنَّ أبعثَ رجالًا إلى هذه الأمصارِ؛ فيَنظروا كلَّ مَن كان له جِدَةٌ فلَمْ يحجَّ، فيضرِبوا عليهم الجزية، ما هم بمُسلِمين، ما هم بمُسلِمين) وهذا زجْرٌ شديدٌ، وتوبيخٌ ووعيدٌ ]لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ وقال عمرُ بنُ الخطَّاب t: مَن أطاقَ الحجَّ فَلم يحُجَّ، فسواءٌ عليهِ يهوديًّا ماتَ أو نصرانيًّا.

فتَرْكُ الحجِّ مع القدرةِ عليه كبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوب، ومَن استطاعَ الحجَّ فلم يحجَّ حتى مات فإنَّه يموتُ عاصيًا، ويُحجُّ عنه مِن رأسِ مالِه قبل توزيعِ تُراثِه.

إنَّ امرأةً مِن جُهيْنةَ جاءتْ إلى النَّبيِّ ﷺ فقالت: إنَّ أمِّي نذرتْ أنْ تحُجَّ، فلَمْ تحجَّ حتى ماتتْ، أفأحجُّ عنها؟ قال (نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ! اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ). 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ[.

بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم. أقولُ ما تسمعون، واستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم

 

الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وإخوانِه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين وسلَّم تسليمًا.

معاشر المؤمنين .. اعلموا أن حكومة بلادنا المملكة العربية السعودية -حفظها الله- نظمت شؤون الحج، ووضعت الأنظمة والإجراءات لتنظيم الحج من أجل مصلحة الحجاج وسلامتهم، ومن ذلك أنها ألزمت باستخراج تصريح للحج؛ وقد صدر بيان هيئة كبار العلماء، بأن الالتزام باستخراج تصريح الحج مستند إلى ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير ‏على العباد في القيام بعباداتهم وشعائرهم، ورفع الحرج عنهم. قال الله تعالى ]يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[ والإلزام باستخراج تصريح الحج إنما جاء بقصد تنظيم عدد الحجاج بما يُمَكِّنْ هذه الجموع الكبيرة من أداء هذه الشعيرة بسكينة وسلام.

فالتزام مريدي الحج بالتصريح يحقق مصالح كثيرة للحجاج في أمنهم وسلامتهم وسكنهم وإعاشتهم، ويدفع مفاسد عظيمة من الافتراش في الطرقات الذي يعيق تنقلاتهم وتفويجهم، وتقليل مخاطر الازدحام والتدافع المؤدية إلى التهلكة.

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[ وقال رسول الله ﷺ (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني).

وذكرت هيئة كبار العلماء أنه بناء على ما سبق إيضاحه: فإنه لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح، ويأثم فاعله لما فيه من مخالفة ولي الأمر، ولما في ذلك من الإضرار بعموم الحجاج، وإن كان الحج فريضة ولم يتمكن المكلف من استخراج التصريح؛ فإنه في حكم عدم المستطيع؛ فإن الله يقول ]فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[ ويقول ]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[.

واحذروا – يا عباد الله – من الإعلانات المضللة التي يسعى أصحابها إلى النصب والاحتيال، فما أن يقترب موسم الحج، إلا ظهرت النفوس الضعيفة بشركات ومحلات وهمية، والحمد لله الذي وفق حكومتنا بالقبض وملاحقة هؤلاء.

فعمليات النصب، سواء بالإعلانات المضللة أو بالشركات الوهمية لم تقتصر على الداخل، بل نشطت كذلك في الخارج، حيث استغل محتالون موسم الحج مكثفين جهودهم لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الراغبين بأداء الفريضة ليجعلوا منهم ضحايا لهم.

بادرت وزارة الحج والعمرة إلى نشر تحذير شديد اللهجة، منبهة الراغبين في أداء مناسك الحج إلى عدم الوقوع ضحية لحملات الحج الوهمية، خاصة تلك الحملات التي تعلن عن خدماتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الدول. وبادرت الوزارة إلى التوضيح أن القدوم لأداء فريضة الحج لا يكون إلا من خلال الحصول على تأشيرة حج صادرة من الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية، وبالتنسيق مع الدول عبر مكاتب شؤون الحج فيها، أو عبر منصة نسك حج للدول التي ليس لديها مكاتب رسمية خاصة بالحج.

وصلى الله على نبينا محمد

المرفقات

1715913571_تعجلوا بالحج.pdf

1715913580_تعجلوا بالحج.docx

المشاهدات 642 | التعليقات 0