تعجلوا إلى الحج ..

عبدالله اليابس
1438/10/19 - 2017/07/13 13:23PM

تعجلوا إلى الحج                                           الجمعة  20/10/1438هـ

تعجلوا إلى الحج                 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ .. فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدرِي ما يَعرِضُ لَهُ .. حديث صححه الشيخ الألباني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

أمر عظيم .. من رسول كريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ .. يتعلق بركن جسيم .. من أركان هذا الدين ..

بني الإسلام على خمس .. أولها توحيد الله .. وآخرها حج بيت الله..

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

يتحرج الكثير من الأخيار من تأخير الصلاة عن وقتها .. أو تأخير الزكاة عن وقت إخراجها الشرعي .. لكن الكثير يتساهل في تأخير الحج عن وقت وجوبه ..

لو أمر السيد عبده بأمر فتأخر فعاقبه فلن يلومه أحد ..

يا مؤخر الحج مع الاستطاعة .. تذكر أن الحج ركن وطاعة .. يا صحيح البدن .. لا تأمن تقلبات الزمن .. يا واجد المال .. لا تأمن تحول الحال ..

يا من أنعم الله عليك بالعافية والقدرة ولم يسبق لك الحج.. اعلم أن الحج واجب عليك هذا العام .. الحج واجب على الفور عند جمهور أهل العلم ..

روى أحمد رحمه الله في مسنده بسند حسن: "من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرَض المريض وتضِّل الضَّالَّة وتعرِض الحاجة".

أيام قليلة بإذن الله ويفتح باب التقديم على الحج .. سيفتح باب التسجيل في حملات الحج عبر موقع وزارة الحج والعمرة الالكتروني في الأول من ذي القعدة بإذن الله .. فماذا تنتظر؟

ألم يتحرك قلبك شوقًا للتعرض لنفحات رحمة ربك ؟ ألم تهيضك مناظر الحجيج كل عام وهم يسألون الله ويدعونه على صعيد عرفات؟

يا عاذلي في حب مكة والهدى  ***  قلبي تعلق بالمشاعر ما اصطبر

وتعلقت كل النفوس بحبها ***    شُغِفَ الفؤاد بها فليس بمنتهر

ياليتني قد كنتُ بعض تُرابها ***   فيدوسني حُجاجها والمعتمر

أو كنتُ بعض صخورها وجبالهِا ***  ياليتني أبقى بها طول العمر

أما علمت ــ أيها الحبيب ــ أن الحج فرصة لإلقاء الذنوب عن كاهلك .. وعودتك من الحج طاهرًا نقياً أبيض الصحيفة؟

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجع كيَومِ ولدتهُ أمُّه".

أتريد الطهارة والنقاء والصفاء .. أتريد تبديل السيئات بحسنات .. اسكب دموعك على أبواب الكعبة وناج ربك:

يا مَنْ أتاه الناسُ كي يتطهروا ‍** وأتيتُ فيهم كي أعودَ مُطَهَّرا

لكنني دون العبادِ جَميعِهِم ‍** ذنبي عظيمٌ قد يَنُوءُ به الورى

فَطَمِعتُ فيكَ وجئتُ بيتك ضارعًا ‍** مُتضرعًا والعيبُ مني قد جرى

ناديتُ يا أللهُ فاقبل توبتي ‍** هَذِيْ صحيفةُ مَنْ تَجَنَّى وافترى

لبيك يا ألله فاقبلها إذًا ‍** مِنْ عائبٍ قد عابَ ثم استغفرا

وخطوتُ نحو البيتِ يسبقني فمي ‍** لِيُقَبِّلَ الحَجرَ العتيقَ الأَنْورا

فلثمتُه وشفعتُها وأعدتُّها ‍** وكتبتُ في سِفر المحبة أسْطُرا

وبدأتُ أسعى حوله متثاقلاً ‍** فمعي ذنوبُ المشرقين وما ورا

فإذا رَمَلْتُ . أقضًّ ذنبي كاهلي ‍** وإذا مشيتُ . فَمَنْ سِوايَ مُقَصِّرا

وأنختُ رحلي عند أحجار الصفا ** والرَّحلُ فيه من المعاصي ما ترى

وهناك ألقيتُ الذنوبَ على الحصى ‍** فإذا ذنوبي تعتليه وأكثرا

فسعيتُ نحو الْمَرْوِ أبكي حالتي ‍** والكل يَسعى ضاحكًا مُسْتَبْشِرا

فقضيتُ سبعًا ، والرجاءُ بخالقي ** أن يستر الذنبَ العظيمَ ويغفرا

أيها الحبيب المقصر .. وكلنا كذلك .. أما علمت أن الله تعالى يدنو عشية عرفة فيباهي الملائكة بأهل عرفة؟ أما علمت أنه ما رؤي الشيطان يومًا هو فيه أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ منه يوم عرفة, وما ذاك إلا مما يرى من تنزيل الرحمة وتجاوز الله من الذنوب, إلا ما رأى يوم بدر؟ أما علمت أن الرحمات تتنزل في عرفات؟ أما علمت أن يوم عرفة يوم مغفرة الذنوب والخطيئات؟

وازحفْ مع الجمع العظيم ملبيًا ‍** واجمعْ من العرفاتِ خيرًا وافرا

وانزلْ بأرضٍ دَبَّ فيها المصطفى ‍** واحْلُلْ على وادٍ رآه وعَاصَرا

واسألْ صُخُورًا ها هنا عن رِفْقَةٍ ‍** حَجَّتْ مع المختارِ نُورًا أنورا

يا صَخْرَ نَمِرَةَ هل سَمِعْتَ خِطَابَهُ؟ ‍** أَسَمِعْتَ مَنْ رُزِقَ البَيَانَ فَعَبَّرَا

أَسَمِعْتَ (اللهم فاشهد) حُجَّةً ‍** أرأيتَ و(القَصْواءُ) كانت مِنْبَرا

عرفاتُ يا جبلَ الدعاءِ تحيةً ‍** من عاشقٍ لكَ في هواه تَحَيَّرَا

قد جاء يدعو ربَّهُ في ذِلَّةٍ ‍** والله يَقْبَلُ مَنْ يشاء وينصرا

يهواك ، يشهدُ دَمْعُه وأنينُه ‍** وَلْتَشْهَدِ الأحجارُ عندك والثَّرَى

يا ربُّ ، إني قد أتيتكُ بارئًا ‍** مِنْ كُلِّ نِدٍّ للعبادِ مُزَوَّرَا

فارحم عُبَيْدك يا رحيمُ برحمةٍ ‍** واجعله في عِلْمِ الشريعة مُبْصِرا

يا ربُّ ، إني قد رفعتُ يدي هنا ‍** فاقْبَلْ ، ولا تُرْجِعْ عُبَيْدَك خَاسِرا

واغفر لإخواني جميعًا ذنبَهم ‍** واستر عليهم يا حليم وَكَثِّرَا

عرفاتُ ، قد حان الوداعُ وقارَبَتْ ‍** ساعَاتُه والقلبُ فيكَ مُصَوَّرا

قد شاء ربُّ العالمين فراقَنا ‍** بعد الغروبِ لكي أعود القهقرى

أيام الرحمات أمامك .. وعرفات تتزين لطلاب المغفرة؟ فأين المشمرون؟

إن كنت قد حججت قبلُ فاحمد الله .. واستكثر من الحج: روى الترمذي وابن حبان وغيرهما وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "تابِعوا بين الحجِّ والعمرةِ فإنَّهما ينفيان الفقرَ ويزيدان في العمرِ والرِّزقِ كما ينفي كيرُ الحدَّادِ خبثَ الحديدِ", وإن كنت ممن لم يحج بعدُ فبادر إلى الحج .. فإنك لا تضمن البقاء إلى العام القادم ..

وأعد لسؤال الله لك غدًا .. إذ أصحَّ لك بدنك .. ورزقك المال والقدرة .. فلم لم تحج؟

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. أخرج الترمذي وغيره من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر" صححه الشيخ الألباني رحمه الله.

أيام قلائل تفصلنا عن نهاية شهر شوال, أيام قلائل تفصلنا عن فوات موعد العمل لبلوغ الأجر العظيم: "فكأنما صام الدهر", ستة أيام مع أيام رمضان تعدل صيام عام كامل .. فكيف نفوت هذا الأجر العظيم؟

ألم نصم في رمضان ثلاثين يومًا متصلة؟ فكيف بستة أيام فقط؟

إن من علامات قبول عملك الصالح في رمضان استمرارك في الطاعات بعده ..

فكيف حالك الآن مع الصيام؟ كيف حالك الآن مع القيام؟ كيف حالك الآن مع قراءة كتاب الملك العلام؟

   هل ما زلت محافظًا على صلاة الوتر كل ليلة روى ابن خزيمة وغيره وصححه الألباني من حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل القرآن أوتروا ، فإن الله وتر يحب الوتر".

كيف حالك مع القرآن؟ هل أنت تقرأ في ختمة جديدة؟ أم أن آخر عهدك بالقرآن آخر رمضان؟

لنكن أيها الإخوة ربانيين .. لا رمضانيين ..

سابقوا للخيرات .. سارعوا للطاعات .. بادروا بالأعمال الصالحات قبل الممات.. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.


المرفقات

على-الحج-2

على-الحج-2

المشاهدات 818 | التعليقات 0