ترك تلمُّس الزلات

احمد ابوبكر
1434/03/23 - 2013/02/04 14:57PM
ترك تلمُّس الزلات

د.عبد الله العنقري


عن حسان بن عطية قال: "كان شداد ابن أوس في سفر فنزل منزلاً فقال لغلامه: ائتنا بالشفرة نعبث بها فأنكرتُ عليه فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمُّها إلا كلمتي هذي فلا تحفظوها علي, واحفظوا مني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ..."الحديث(1)

تأمل وفقك الله كيف نبه شداد ابن أوس رضي الله عنه من سمعوا كلمته التي زل بها لسانه إلى أن لا يحفظوها عليه, لأنها بدرت منه دون أن يخطمها ويضبطها كعادته.
وزلة في لفظ لم يضبطه المؤمن , أو تصرف غير موفق حمله عليه غضب أومزاح أو غفلة عن مآلات فعله, هذا مما لا يسلم منه أحد, فإن العصمة للرسل عليهم الصلاة والسلام فيما يبلغون عن الله تعالى, ولهذا قال هذا الصحابي الجليل: "فلا تحفظوها علي"

والفرق كبير بين تلمس الزلة من أخ على أخيه وبين الرد على الباطل وأهله, فهنا الرد مما يتقرب به المؤمن إلى ربه محتسباً الأجر عند الله, وسواء أكان الرد على أهل الباطل من الفرق الضالة أو كان على مروّجي المذاهب المعاصرة الحديثة وأفكارها العفنة التي مبناها على الكفر والإلحاد, أو كان الرد على ذوي الشذوذ في فتاواهم المخالفة للنصوص, ممن يحدوهم صرف وجوه الناس إليهم, ليكونوا حديث مجالسهم واستضافة وسائل إعلامهم, فزلزلوا بفتاواهم الباطلة أموراً راسخة ثابتة في الناس, لا يشك أهل العلم أنها هي الحق الذي لا مرية فيه .

فكل هؤلاء ـ وإن تفاوتت درجاتهم في السوء ـ يجتمعون في أنهم ينشرون الباطل المفسد لأمور المسلمين في اعتقادهم أو عباداتهم ومعاملاتهم .
أما الزلة التي يقع فيها مَن هو على السنة, وفي مسألة قد تخفى, إما لدقتها أو لتوهُّم المرء صحة دليل, وهو في النفس الأمر ليس بصحيح, أو نحو ذلك مما يقع له نظائر حتى عند علماء السنة المتقدمين, فهذا لا يعالج بين أهل الحق كما يعالج الباطل الذي تقدم ذكر أهله, لاختلاف منهج أولئك المبطلين عن منهج مَن هو على السنة جملة وتفصيلا . والزلة التي تقع ممن هو على السنة من السهل بتوفيق الله أن يُنبَّه إليها ويراجع فيها, ليكون تصحيح زلته منه هو, فيبدأ الخطأ منه, ثم يزول برجوعه عنه, كنار أشعلها المرء ثم أطفأها بنفسه, فهذه أحسن الطرق لحل هذا النوع من الزلات .

فإن أبى أخونا أن يرجع وادعى صحة ما ذهب إليه فإن الواجب أن لا يجامل, لأن الحق لا يجامَل فيه أحد, فيردُّ عليه في زلته, ويوضح للناس وجه الحق , حتى لا يتبعوه في غلطته, وإن كان أخاً لنا على السُّنَّة, ويظن به أنه إنما يلتمس الحق بمقولته, فذلك لا يعني ترك خطئه يشيع في الناس , ولكن (قد جعل الله لكل شيء قدرا) فلا ينبغي معاملة أخ كهذا معاملة أهل الباطل الذين أسسوا بنيانهم على الضلال .

وقد قال معاذ رضي الله عنه : "اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات وفي لفظ [المشبَّهات] التي يقال: ماهذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه " وفي لفظ [ولا ينئينك ذلك عنه] فإنه لعله أن يراجِع(2)

وبه نعلم أن تلمس الزلة, بل الفرح بوقوعها من قبل بعض الإخوان على أخيهم, لحزازات ومنافسات بينهم ليس من الخلق النبيل.
ولعل من المعايير المعينة لنا على فحص هذا الخلق فينا أن نلاحظ أول ما تنعقد عليه قلوبنا ساعة علمنا بزلة أخينا , فإن كان القلب يسعد بوقوع الأخ في زلته فهذه علامة سيئة جدّا على نية مدخوله, وإن كان الموقف أول ورود الزلة هو الأسى على ظهور هذه الزلة في مجتمع أهل السنة , وتمني القلب أن الواقع في زلته لم يقع ابتداء , فهذه علامة على حسن القصد بعون الله .

وأحسب أن هذا الصنف من الأخيار هو من ينبغي أن يرد على ذلك الذي زل, لأنه قد قصد الرد على الزلة ابتغاء وجه الله , أما الصنف الأول فمهما بلغ رده في الحسن فإن الباعث على رده لا يخلو من قصد مدخول ساءت به نيته, فحريّ به أن يسوء به رده, والله المستعان
ومعلوم أن الحسن وابن سيرين رحمهما الله كانا من علماء الأمة المبّرزين, وكان أحدهما قد ينتقد على الآخر بعض ما يراه فيه على غير صواب, ولكن تأمل هذا الخبر.

فقد روى ثابت البناني أن الحسن كان متواريا من الحَجّاج بن يوسف , فماتت بنت للحسن فبادر ثابت إليه فأخبره , رجاء أن يأمره بالصلاة عليها, فبكى الحسن وارتفع نحيبه ثم قال: اذهب إلى ابن سيرين فقل له ليصلّ عليها, فعُرف حين جاءت الحقائق أنه لا يعدل بابن سيرين أحداً(3)
فمع عتب الحسن على ابن سيرين في بعض الأمور فإن مقام ابن سيرين لم يكن بالذي يتضعضع عنده, لأنهما بكل سهولة (من أهل السنة الصافية) ثبتنا الله على هذه السنة, وهدانا لأحسن الأقوال والأعمال .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد 4/123
(2) رواه أبو داود (4611)
(3) الحلية 2/268ـ269
المشاهدات 1485 | التعليقات 1

لقد كان الأصل بين المسلمين وبالأخص طلبة العلم والدعاة منهم المخلصين الذين عرفوا بالسنة والخير والتقوى أن يوسعوا دائرة حسن الظن فيما بينهم ويتأولوا لهم في زلاتهم..كما قيل احتمل لأخيك سبعين عذرا .. وأما سواهم ممن لم يعرفوا بالصلاح والتقوى والسنة أن يضيقوا دائرة حسن الظن وأما الأعداء فهم من باب أولى.