ترتيل الآيات في الخطبة
مرور الكرام
حكم التغني بالآيات القرآنية في الخطبة .
هناك أمر يلفت انتباهي كثيرا عند سماع خطب يوم الجمعة في أماكن متفرقة ألا وهو : ما يفعله بعض الخطباء حين استشهادهم في خطبهم ببعض الآيات حيث يقومون بالتغني بها وترتيلها ولو كانت آيتين فأقل ، بل إن بعضهم لا يكاد يمرُّ بآية إلا ويتغنى بها ، ومحط السؤال هنا هو : هل لهذا الفعل أصل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو فعل الصحابة أم لا ؟
والواقع أنني لم أجد حسب بحثي القاصر ما يدل على هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الصحابة، بل إنني وجدت أحاديث كثيرة يستشهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ولم يأت فيها ما يدل على أنه كان يتغنى بها ،كما جاء عن الشيخين في صحيحيهما عن عبدالله بن مسعود قال : لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } سورة الأنعام ، آية ( 82 ) . شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: " أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليس بذلك ، ألا تسمع إلى قول لقمان :{ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}سورة لقمان ، آية ( 13 ) . قلت : فأنت ترى في هذا الحديث أنه لم يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تغني بهذا الآية ولا ابن مسعود كذلك . ومثل هذا كثير في السنة ولو فعله صلى الله عليه وسلم لنقل إلينا . بل إنه قد جاءت أحاديث تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ شيئا من القرآن في خطبته، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر قول الله تعالى : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ وهو على المنبر سورة (ص) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة (ق) على المنبر ، كما مرَّ معنا سابقاً في مبحث مستقل بهذا الخصوص . ومع ذلك فإن كل من رووا هذا الأحاديث لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم تغنى بتلك الآيات التي قرأها على المنبر ، ما عدا سورة (ق) فإنها لا تدخل ضمن هذا المسألة في نظري ، لأنه لم يأت بها على وجه الاستشهاد ، وإنما قرأها قراءة كاملة متصلة ، ومثل هذا يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قد رتلها وتغنى بها.
ومع ذلك فإنني لازلت أبحث جاهدا للوصول إلى نتيجة مقنعة تؤكد ما يذكره البعض من أن فعل هذا في الخطب بدعة ، إلا أن صعوبة التبديع تجعلني أتقاصر عن هذا البحث ، ولكنني أقول : إن هذا خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم المعروفة عنه بالاستقراء سواء كانت في أثناء الخطبة أو في أثناء حديثه للصحابة رضي الله عنهم ، ولا أعلم بعد التتبع ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتغنى بالآية الواحدة أو الآيتين في الاستشهاد. والعلم عند الله تعالى .
تنبيه :
قد يقول قائل : إن الله أمر نبيه بقوله {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} سورة المزمل ، آية (4) ولم يقيد ذلك بأكثر من آيتين أو نحوهما ؟.
فالجواب : أن يقال : هناك فرق بين الترتيل والتغني ، فأنا أقول : لا بأس للخطيب إذا استشهد بآية أو آيتين أن يرتل ، لكنه لا يتغنى ؛ لأن هناك فرقا بينهما ، وهو أن التغني كما قال في النهاية : ترتيل القراءة : التأني فيها والتمهل وتبيين الحروف والحركات . اهـ.
وأما التغني فقد جاء ما يدل عليه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيِّ يتغنى بالقرآن يجهر به))
قال الشافعي : معناه تحسين القراءة وترقيقها . اهـ .
وقال ابن كثير عن قوله تعالى { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} أي: اقرأه على تمهل . اهـ
وبهذا يتضح الفرق بين التغني والترتيل ، وأن التأني لا بأس به في الخطب بخلاف التغني ، فأنني لم أقف على ما يدل عليه من فعله صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
فائدة :
قال الشيخ بكر أبو زيد : مما أحدثه الوعاظ ، وبعض الخطباء في عصرنا ، مغايرة الصوت عند تلاوة الآيات من القرآن لنسق صوته في وعظه أو الخطابة . وهذا لم يعرف عن السالفين ، ولا الأئمة المتبوعين ، ولا تجده لدى أجلاء العلماء في عصرنا ، بل يتنكبونه ، وكثير من السامعين لا يرتضونه ، والأمزجة مختلفة ، ولا عبرة بالفاسد منها ، كما أنه لا عبرة بالمخالف لطريقة صدر هذه الأمة وسلفها ، والله أعلم .
المشاهدات 10941 | التعليقات 11
جزاك الله خيرا
مبحث جميل، جزى الله الشيخ سعود خير الجزاء ،
وحقيقة هذا الكتاب من الأفضل أن يقرأهـُ كل خطيب ،
فهو مفيدٌ جداً، وهذا المبحث من أحد فوائدهـ .
بارك الله فيك ونفع بك .
شكر الله لك ونفع بعلمك
أصبت الداء وقدمت الدواء
تلاوة الآية عند الاستدلال بها في الخطبة تلقى كما تلقى الخطبة استشهاداً بها، وأماقراءة آية الحج فلا مانع منها ، وليست هي من الآيات التي تقرأ في خطبة الحاجة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمدوآله وصحبه وسلم .
بكر أبو زيد
صالح الفوزان
عبدالله بن غديان
عبدالعزيز آل الشيخ
عبد العزيز بنعبد الله بن باز .
ج: أُمرنا بترتيل القرآن، والقرآن سواءكانت قراءته بقصد التلاوة لذاتها من المصحف، أو من حفظ، أو مرت هي قرآن، خلال خطبة مثلا هي قرآن، فهي مما أمر بترتيله، وإذا كان صوتا لخطيب بالقرآن مؤثرا، فكونه يعظ الناس بالقرآن أولى من وعظهم بكلام البشر.
وقد أُمرنا بتحسن الصوت، وأمرنا بتزيين القرآن بالصوت، وجاء مدح داود -عليه السلام- وأبي موسى الأشعري لتحسين صوتهما بالقرآن، فنحن مأمورون بتزيين القرآن.
ولا شك أن الناس يتأثرون بقراءة القرآن بالصوت الحسن،وقد يُشكِل فهم هذا على بعض الناس، قد يقول قائل: نسمع الآية، أو نسمع السورة من شخص فنتأثر، ونسمعها من آخر فلا نتأثر، إذًا التأثير للصوت وليس التأثيرللقرآن.
قد يقولقائل: الذي يقرأ القرآن لا على الوجه المأمور به هل هو محروم من الأجر؟ نقول: لا،له أجر ما رتب على الحروف، ولو كان هذا، كما جاء في المسند والدارمي أنه,يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، كما كنت تقرأ في الدنيا-هذه الرواية بإسناد حسن، هذا كان أو ترتيلا، وهو في المسند والدارمي، فالذي يقرأالقرآن لتحصيل الأجر المرتب على الحروف يحصل له ذلك، ولا يخفى عليكم أن في القرآن أكثر من ثلاثمائة آلاف حرف، و ثلاثمائة آلاف حرف في عشرة -الحد الأدنى للمضاعفة- ثلاث ملايين حسنة، والمحروم من حرم، المؤسف أن يوجد بين طلاب العلم من يسمع النصوص الواردة في فضل القرآن وتعلم القرآن وتعليم القرآن ولا يتصدى لذلك، نجد من ينتسب إلى العلم من كبار وصغار يقرئون جميع العلوم إلا القرآن.
يعني هل سمعتم بأن شيخ كبير من الكبار المعروفين بالعلم أو أستاذ جامعة من الجامعات جلس يقرئ الناس القرآن؟ لا، يتركون هذا لغيرهم، ويدرسون الحديث والفقه والتوحيد، ولا يقصد بذلك شخص بعينه، ذكر لي اثنان من الأساتذة في الأحساء لديهم شهادات عليا، ويقرئون الناس القرآن في المسجد، فشكرت لهم ذلك، فمن كانت لديه أهلية تعليم القرآن على الوجه المأمور به -مهما كان موقعه- هذا أشرف العلوم،,خيركم من تعلم القرآن وعلمه-فالمسألة تحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بالقرآن، ومايخدم القرآن من علوم، ما أعطي القرآن حظه من العناية، حتى ولا التفسير -رغم أهميته- ما أعطي حظه، تجد اهتمام الناس بالأحكام، تجدهم بالعقائد، هذا كله مطلوب، لكن يبقى أن كلام الله أهم المهمات، وأولى ما تصرف فيه الأوقات، والله المستعان.
جزاكم الله خيرا جميعا على تفاعلكم مع هذا الموضوع الذي اجتهد فيه أخوكم بنقل كلام الشيخ سعود الشريم حفظه الله ...
وعسى أن يجد فيه إخواننا فائدة في هذه النقطة فهي مما يدور فعلا في أوساط الخطباء لكنك تجدها مع بعضهم حلوة كالعسل مثل ما تجدها مثلا مع الشيخ عبدالله الحماد وتجدها مع آخرين نشازا تؤذي الأذن ...
لكن الشيخ الحماد مثلا يكثر من الآيات الوعظية وصوته وهو يلقي الخطبة مقارب للترتيل أصلا ولهذا لا يستنكر ترتيله للآيات ..
أما بعض الخطباء فيكون إلقاؤه خطابيا بعيدا عن الترتيل ثم يرتل فيقطع على المستمع حبل أفكاره فعلا .
وعلى هذا فيمكن أن نقول استفادة من كلام سماحة الإمام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وفضيلة الشيخ عبدالكريم الخضير أن الأمر في هذا راجع إلى التأثير ... فمن كان ترتيله مؤثرا وسلسا مع إلقائه فليفعل ومن لا فلا .
هذا اجتهاد مني والعلم عند الله ...
وبمناسبة ما ذكره الشيخ عبدالكريم الخضير من إن كون الخطيب يعظ الناس بالقرآن هو أولى من وعظهم بكلامه هو فأقول :
لا فض فوه ... كلام يكتب بماء الذهب حقا .. ولا يحزنك شيء مثل ما تجد خطبة طويلة تبلغ صفحات عديدة ثم لا تجد فيها من كلام رب العالمين وكلام رسوله إلا قليلا ... فسبحان الله !! ما هذا الإعراض عن البحث في كتاب الله ووعظ الناس بأعظم الكلام تأثيرا ؟؟!!
وإن المرء يستغرب كيف ترضى نفس الخطيب وهو أولى الناس باتباع الكتاب والسنة والقرب منهما أن يشقق الكلام ويطيله ويعيد ويزيد ويهتم بالسجع ثم هو يتغافل عن الشواهد من القرآن والسنة والتي هي نور الخطبة وضياؤها وقوتها وعليها يبنى تأثيرها ونفعها وبها تكون بركتها ...
فالله المستعان ...
عبدالله محمد الروقي
جزاك الله خيرا
تعديل التعليق