تَرْبِيَةُ الأَبْنَاءِ فِي بِيئَةِ صَّحِيحَةِ وَسَّلِيمَةِ مُحَافِظَةِ
محمد البدر
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَال تَعَالَى:﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وَقَالَﷺ:«تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ الزَّوَاجَ -وَهُوَ أَسَاسُ تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ- لِلْاسْتِمْتَاعِ، يَسْتَمْتِعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ فِي حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَتُقْضَى الشَّهْوَةُ، وَيُحْفَظُ النَّسْلُ، وَيَتَرَبَّى الْأَبْنَاءُ فِي الْبِيئَةِ الصَّحِيحَةِ السَّلِيمَةِ الْمُحَافِظَةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَخْرُجَ نَشْءٌ يُوَحِّدُ اللهُ وَيَتَّبِعَ رَسُولَ اللهِﷺفَيَحْصُلُ فِي اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ تأسيس الْبَيْتِ وَالْأُسْرَةِ، الَّذِي هُوَ نَوَاةُ قِيَامِ الْمُجْتَمَعِ وَصَلَاحِهِ، فالزَّوْجُ يَكِدُّ وَيَكْدَحُ وَيَتَكَسَّبُ، فَيُنْفِقُ وَيَعُولُ ويحمي وله القوامة، وَالْمَرْأَةُ تُدَبِّرُ الْمَنْزِلَ، وَتُنَظِّمُ الْمَعِيشَةَ، وَتُرَبِّي الْأَطْفَالَ، وَتَقُومُ بِشُئُونِهِمْ. وَبِهَذَا تَسْتَقِيمُ الْأَحْوَالُ، وَتَنْتَظِمُ الْأُمُورُ.
عِبَادَ اللَّهِ:إن نعمَ الله على الناس لا تُعدّ ولا تحصى ومن أعظمها نعمةُ الذرية قَال تَعَالَى:﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ﴾وَقَالَ تَعَالَى:﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾.وَقَال تَعَالَى:﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.فَالْأَبْنَاءُ نِعْمَةٌ وَأَمَانَةٌ في أعناق الوالدين فهم مسؤولين مسؤولية عظيم ومباشرة في تَرْبِيَةُ الأَبْنَاءِ وتنشئتهم على العقيدة الصحيحة الصافية ومحبة الله جل وعلى ومحبة نبيهﷺوالصَّحَابَةَ الكرام رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجمعين ومن سار على نهجهم واتبع سبيلهم إلى يوم الدين حتى يكونوا بإذن الله أبناء صالحين ونافعين لأمتهم ولأوطانهم ولوالديهم.قَال تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾وَقَالَﷺ:«أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَﷺ:«إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
عِبَادَ اللهِ:ومن المسؤولية التي تقع على عاتق الوالدين تنشأت الأبناء بعد التوحيد على الصلاة منذ أول النشأة وحداثة السن ،قَالَ تَعَالَى:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾.وَقَالَﷺ:«مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَ حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.كذلك يجب أن يَتَرْبِى الأَبْنَاءِ على الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة وعلى طاعة الله والبُعد عن الحرام واجتناب الآثام والمحافظة على الصلاة وآداء الأمانة وحب الخير للغير وتعليمهم وحثهم على مساعدة كل من يحتاج للمساعدة وتفقد المحتاجين والمساكين واليتامى والأرامل وغيرهم ، وحب هذه البلاد والدفاع عنها لأن فيها مقدسات المسلمين وفيها بيت الله الحرام قبلة المسلمين في كل مكان ومحبة ولاة الأمر امتثالا لأمر الله قَالَ تَعَالَى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾وأمر رسوله ﷺوأن هذه البلاد قائمة بأمر الله على تحكيم كتاب الله وسنة نبيهﷺوغرس محبة العلماء الربانيين والمصلحين الصادقين ، وعلموهم حسن الأدب قبل أي شيء وحسن الأخلاق وإعطاء كل ذي حق حقه وإنزال الناس منازلهم وآداب الكلام وآداب الطعام والشراب وآداب اللباس و الحفاظ على النظافة في كل شيء وأنها من دأب المسلمين ولابد للوالدين أن يكونوا خير قدوة في ذلك حتى لا يحصل تناقض في شخصية الأبناء . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمَاً لِشَأْنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
عِبَادَ اللهِ:ومن المسؤولية التي تقع على عاتق الوالدين إبعادهم عن جلساء السوء وقرناء الشر، كذلك صرفهم عن الجماعات والاحزاب المنحرفة والمخالفة للسنة ومما ساعد من انتشارها الفضائيات وشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وما تقدمه من سم فكري يشمل جميع جوانب الحياة الدينية والاجتماعية وغيرها ، فيتأثر بها هذا الجيل ويبدأ في تطبيقها عمليا سواء بالتغير في فكره فيرى ما هو محرم وممنوع شرعا وعقلا مسموحاً به،أو بتطبيق ذلك عمليا في ملبسه وشكله الخارجي فيتشبه بهم في قصة شعره وطريقة كلامه وجميع تصرفاته كما هو مشاهد في الاسواق والشواطىء والمراكز التجارية من التبرج والسفور والتحرش والاختلاط وظهور القصات الغريبة والملابس التي لم تكن من قبل والعباءة المزخرفة والملونة والمخالفة للشرع بل أن البعض لا يكلف نفسه لبس الحجاب لإغراء الشباب فأين أولياء أمور أمثال هؤلاء،وكل ذلك راجع لغياب القدوة وضعف الوازع الديني وسوء التربية وفقدان الحياء والغيرة من قلوب بعض الناس قَالَﷺ:«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَقَالَﷺ«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى:إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين.واحفظ اللّهمّ ولاةَ أشمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.اللّهمّ واصرف عن بلادنا جائحة كورونا وعن سائر بلاد المسلمين﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1637218009_تَرْبِيَةُ الأَبْنَاءِ فِي بِيئَةِ صَّحِيحَةِ وَسَّلِيمَةِ مُحَافِظَةِ.pdf