تذكيرُ المعلمِ الكريمْ -بأساليبِ الفهمِ والتعليمْ
خالد علي أبا الخيل
تذكيرُ المعلمِ الكريمْ -بأساليبِ الفهمِ والتعليمْ
التاريخ: الجمعة:2-محرم-1439 هـ
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل العلم نور الحياة، وسبيل الأمن والنجاة، وجعل له مفاتيح وسُبل لإيصال العلم والانتباه، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل من أساليب التعليم القدوات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد المخلوقات، وأبلغ من أوصل العلم والمعلومات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين فازوا بالعلم والتعليم الحسن والمكرمات. أما بعد... فاتقوا الله عباد الله، فتقواه مفتاح العلوم ومنابع الحِكم والفهوم. أيها المسلمون.. العلم أشرف المطالب، وأجل المنى والرغائب.
وَالعِـلْمُ نُورٌ فَكُنْ بِالعِلْمِ مُعْتَصِمًا
إِنْ رُمْتَ فَوزًا لَدَى الرَّحْمَنِ مَوْلانا
وَهْوَ النَّجَاةُ وَفِيـهِ الْخَيْـرُ أجمعه أَجْمَعُـهُ
وَالْجَاهِلُونَ أَخَفُّ النَّاسِ مِيزَانَـا
وَالْعِلْـمُ يَرْفَـعُ بَيْتًا كَانَ مُنْخَفِضًا
وَالْجَهْلُ يَخْفِضُهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَا
وَأَرْفَعُ النَّاسِ أَهْلُ الْعِلْـمِ مَـنْزِلَةً
وَأَوْضَعُ النَّاسِ مَنْ قَدْ كَانَ حَيْرَانًا
عباد الله.. إيصال العلم إلى أهله ومعرفة سُبل الوسائل الموصلة إلى طالبه من مهمات التعليم، وأهم وسائل التعليم وكثيرًا ما يتخلف الطالب، ويعسر الفهم، ويُحجب العلم بسبب عدم العلم بالوسائل التي يدخل من خلالها المعلم إلى الطالب، والشيخ إلى مدارك السائل والمتعلم، والداعية إلى معرفة المدعوين والمخاطبين. ولهذا فن التعليم ينبغي أن يكون فنًا مستقلًا يُدرَّس ويُتعلم، ودخول العلم إلى قلب المتعلم هو الغاية القصوى، والهدف الأسمى إذ العلم وسيلة وإيصاله غاية، فحديثنا في جُمعتنا كيفية وصول العلم إلى أهله، وذكر أساليبه وطرقه، والمعلم والشيخ كالصيدلي يصرف الدواء لمن يُناسبه، فهذا عالم، وهذا جاهل، وهذا طالب علم، وهذا عامي، فالناس ألوانٌ وطبقات، وأحوالٌ وجنسيات. وخير من أُخِذ منه هذا الباب هو رسولنا السيد الأواب، فهديه أكمل الهدي وأوضحه، وأفضله وأجمعه، فهو الرسول المعلم، وكل من سواه منه متعلمٌ ويتعلم، فهو القدوة والأسوة.
شُغِفْتُ به حُبًّا فإنْ ذُكِرَ اسمُهُ
تحدَّرَ دمعُ العين يَسْتَشْهِدُ الخدّا
بسيرتِهِ عطَّرتُ ظِلَّ جوانحي أَجْمَعُـهُ
لعلَّ يدَ الرحمن تَسْتَنقِذُ العَبْدَا
أرطِّب حَلْقي بالصلاةِ على اسمِهِ
فتنقلبُ الأشواقُ في مُهْجتي بَرْدَا
فكان ﷺ يختار في تعليمه من الأساليب أحسنها وأفضلها وأوقعها، يفهمها المُخاطب، ويعقلها الطالب، وترسخ في ذهن الراغب، وكُتب السُّنَّة طافحةٌ بسيرته العطرة، وصوره المشرقة، كان يلون الحديث ألوانًا، ويُوصله إلى الأذهان والأفهام إيصالًا.
فتارةً يكون سائلًا، وتارةً يكون مجيبًا، وتارةً يُجيب السائل بقدر سؤاله، وتارةً يزيده على سؤاله، وتارةً يضرب الأمثال، وتارةً يربط كلامه بالقَسم بالكبير المتعال، وتارةً يُلفت السائل عن سؤاله لحِكمة، وتارةً يُعلم بالكتابة، وتارةً بالإشارة، وتارةً بالرسم، وتارةً بالتفهيم والعلم، وتارةً بالتشبيه والتصريح، وتارةً بالإبهام والتلويح، وتارةُ يُورث الشُّبهة ويذكر جوابها، وتارةً يذكر الشُّبهة وينتظر جوابها، وتارةً يسأل أصحابه وهو يُجيبون، وتارةً يمتحن عقولهم وذكائهم، وتارةً باللطافة والمداعبة، وتارةً يُلقي العلم قبل الطالب، ويُنزل الناس منازلهم الأمراء والكبراء، الصغار والنساء، المؤمن وأصحاب العداء، وهكذا في سلسلة ألوان حديثه، وأساليب تعليمه. والمعلم، والشيخ، وطالب العلم، والأستاذ والمربي، والأب والأم من يُراعي تلك الأحوال ومخاطبة تلك الأجيال فيُنزل كلَّ المنزلة ويصرف الدواء لمن يُناسبه. ومن هذه النماذج والأساليب والطرائق أنواعٌ وأشكال: فمنها: تعليمه عن طريق السيرة الحسنة، والأخلاق الجميلة، وهذا من أبرز أساليبه في التعليم العمل والتطبيق والقدوة الحسنة، فكانوا يرونه عليه الصلاة والسلام قبل أن يسألوه، ويعملوا به قبل أن يطلبُ، كان خُلقه القرآن. ومن قواعد القرآن: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب:21) وقوله: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90).
ولا ريب أن التعليم بالفعل والعمل أقوى وأوقع في النفس وأثبت، وأعون وأفهم في الدرس، فما أجمل المعلم والعالم حينما يكون قدوةً في أفعاله أمام طلابه! وسيرته حسنةٌ أمام تلاميذه ونُقاله. ومن أساليبه: التعليم بالتدريج، وتقديم الأهم فالأهم، والبداية بالصغار قبل الكبار، والتأصيل قبل التفريع، والتأسيس قبل البناء.
وَبِالْمُهِمِّ الْمُهِمِّ ابْدَأْ لِتُدْرِكَهُ
وَقَدِّمِ النَّصَّ، والآرَاءَ فَاتَّهِمِ
فمن رام تعليم العلم دُفعة هربت منه دُفعة، ولما بعث معاذًا قال: (فأخبرهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم) والمربي الذي يُربي على صغار العلم قبل كباره. ومن طرائق التعليم عند الرسول الكريم: رعايته في التعليم الاعتدال، والبُعد عن الإملال يُذكرهم ويُعلمهم ويتعاهدهم في أوقاتٍ ومناسبات خشية الملل وضعف الطاقات. ومن جميل تراجم البخاري باب ما كان ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا.
ومن الأساليب: رعاية الفوارق بين المتعلمين، والسائلين، والمُخاطبين، فكان يُخاطب كل واحدٍ بقدر فهمه، وما يليق بمنزلته، وما يُناسب حاله، فالمنتهي يختلف عن المبتدئ، والعالم عن الجاهل، والكبير عن الصغير، فالموفق من يُنزل الناس منازلهم، وينتبه إلى سؤالهم وأحوالهم ففي قصة معاذ (لَا تُخْبِرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) والآخر يستأذن للجهاد، فيقول: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ) والثالث يُكرر طلب الوصية ولا يزيد في جوابه (لاَ تَغْضَبْ).
ومن وسائل التعليم في سيرة من بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم: الحوار والمسائلة، والمجادلة بالحق والمناقشة؛ لإثارة انتباه السامعين، وإظهار الحق المبين، وفتح قلوب المستفيدين، فتارةً (أَتَدْرُونَ مَنْ المُسلِم؟) وتارةً (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ؟)، وثالثًا: (أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟) (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟)
وما محاورة وسؤال وجواب جبريل مع رسول الله في تعليم أركان الدِّين عنا ببعيد.
كَفَاكَ مَا قَدْ قَالَهُ الرَّسُولُ
إذْ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ جِبْرِيلُ
عَلَى مَرَاتِبٍ ثلاثٍ فصَّله
جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِه مشتملة والإحسان
الإسلام والإيمان والإحسان
والكل مبنيٌّ على أركانه
ومن الطرق في إيصال العلم والحق سبيل المحاكمة العقلية، عن طريق الأسئلة والأجوبة النقلية. ومن صوره: أن فتىً شابًا جاء إلى رسول الله ﷺ وقال: أئذن لي في الزنا، فأقبل القوم وزجروه، والمعلم الحكيم، والرفيق الحليم، يقول لأصحابه: (مَهْ مَهْ، ادْنُهْ) فدنا منه، ثم حاوره محاورةً عقلية (أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ أَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ أَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟) وهو يقول: لا والله يا رسول الله، فنزع وتاب.
ومن وسائل توصيل العلم: سؤاله أصحابه؛ ليكشف ذكائهم، ومعرفتهم، وعلومهم وفطنتهم، ثم يُجيبهم ويُرشدهم. ومن ذلكم –بارك الله فيكم- ضرب الأمثال، والتشبيه بالمقال، وقد قيل: بالمثال يتضح المقال، والله سبحانه يقول: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون) (العنكبوت:43) والقرآن والسُّنَّة مليئان بضرب الأمثال، وتقريب الأفهام بالمقال. ومن حُسن الأسلوب وإيصال العلم المطلوب: الرسم والكتابة، والخط والعبارة، ففي البخاري خطَّ النبي ﷺ خطًّا مربعًا، وتارةً يأمر أصحابه بالكتابة لهم ولغيرهم، وتارةً يجمع عليه الصلاة والسلام بين العبارة والإشارة، فيجمع بين القول والإشارة كحديث: (الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضاً) وشبَّك بين أصابعه. وتارةً يُذكِّر المنهي عنه، ويُشير إليه تأكيدًا لتحريمه، فمرةً أخذ حريرًا بشماله، وذهبًا بيمينه ورفعهما بيديه، وقال: (إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإناثهم). ومن أساليب المصطفى في توصيل العلم والهدى: ابتدَأه أصحابه بالإفادة دون سؤالٍ منهم وإفادة، فيُورد عليهم شُبهة ويُجيب ويُعلمهم قبل سؤالهم عنها، وهكذا العالم والمربي، والأستاذ والملقي يُلقي الفائدة والعلم قبل سؤال الناس عنها أو خوضهم فيها، وما يحتاجونه في حياتهم ونوازلهم. ومن الطرق: إجابة السائل عمَّا سأل عنه وهذا كثير، وربنا يقول: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون) (النحل:43)
فالسؤال مفتاح العلم، وينبوع الفهم؛ ولهذا يجب على المسلمين سؤال أهل العلم الموثقين عن دينهم ومشاكلهم، وأحوالهم، وأمور دينهم ودنياهم، وتعاملهم ومعاملاتهم، وأن يتفقهوا في دينهم ويعبدوا الله على بصيرةٍ وعلمٍ ونور، وقد قيل:
شفاء العمى طولُ السؤالِ وإنما
تَمَامُ العَمَى طُولُ السكوت على الجَهْلِ
ويقول الآخر:
إِذا كنتَ لا تدري ولم تكُ بالذي
يُسائلُ من يدري فكيف إِذًا تَدْري
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. أما بعد... عباد الله: ومن الأساليب في توصيل العلم جواب السائل بأكثر مما سأل إذا دعت الحاجة إلى معرفة الزائد، ومنه: لما سُئل رسول الله ﷺ عن ماء البحر قال: (هُوَ اَلطُّهُورُ مَاؤُهُ) هذا جوابه، ثم زاده لمسيس الحاجة لمثله (اَلْحِلُّ مَيْتَتُهُ) فالعالم والمعلم يستقرئ السؤال فمتى احتاج إلى زيادةٍ زاد. ومن الوسائل لطالب العلم والدلائل: تدريب العالم والشيخ، والمعلم والمربي لتلاميذه لتبليغ العلم وإيصاله، والجواب عمَّا سأل تدريبًا وتعليمًا، وتنشئةً وتحفيزًا، وتقويةً وحفظًا. ومن الأساليب الجميلة والإيجابيات الحميدة: الثناء على الطالب والسائل رفعةً لمعنوياته، وإشعارًا لمعرفته، وتقويةً لعلميته، فهذا عليه الصلاة والسلام منهجه يُثني ويمدح، فقال لأبي ذر: (لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ) وضرب صدره،
وقال لمعاذ: (وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ). ومن ذلك: انتهاز الفرص للتعليم والدعوة كالمناسبة لحدثٍ ما، ومنه قول جرير: كنا جلوسًا ليلةً إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ). فالداعية والعالم والمعلم يقتنص فرص المناسبات والطلاب، وأوقات الحاجات وفتح الأبواب. ومن الأساليب: التكرار للتوكيد والتنبيه، وقد ترجم إمام المحدثين البخاري بابٌ من أعاد الحديث ثلاثًا ليُفهم عنه، وكان من هديه ﷺ إذا تكلم تكلم ثلاثًا؛ حتى تُفهم عنه، فالإعادة والتكرار أسلوبٌ جميلٌ إذا دعت الحاجة إليه، ومن القواعد ما تكرر تقرر. ومن أسباب إيصال العلم: التنبيه بالنداء للمخاطب، ومنه: (يا معاذ) قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ومنه: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ) وكذا إمساكه بيد المُخاطب؛ لإثارة الانتباه كالأخذ باليد أو المنكب ليستشعر الطالب قُربه فيُلقي سمعه وبصره وقلبه، ويحفظ ما يُلقى إليه، يقول ابن مسعودٍ ﭬ: علمني رسول الله ﷺ وكفي بين كفيه التشهد في الصلاة، ويقول ابن عمر ﭬ أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي، ويقول معاذ: أخذ بيدي، وقال: (وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ).
ومن الطرق الجميلة، والسُّبل الحميدة إجمال المعدود، ثم التفصيل، وهذه قاعدةٌ تربويةٌ نبوية تُورث الفهم والذكاء، ورسوخ العلم وحفظه وضبطه، وأعون على الحفظ والتركيز، وأشوق للمستمع.
ومن السُّنَّة (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ) فذكرها، وحديث (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) ومنه: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ) (وَثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيَمَانِ).
ومن الأساليب الحميدة النافعة المُجيدة: التعليم بالتذكير والوعظ، والترهيب والترغيب، فلا يقتصر على الترهيب فيؤدي إلى التنفير، ولا على الترغيب فيؤدي إلى الكسل وترك العمل، وهو هدي القرآن والسُّنَّة، ففي القرآن (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين) (الذاريات:55) وقال: (إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر) (الغاشية:21) وهل كانت حياته عليه الصلاة والسلام إلا وعظًا وإرشادًا، وتبصيرًا وذكرى؟ يقول العرباض: وعظنا رسول الله ﷺ موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، ويقول جابر: كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيشٍ، يقول: (صبَّحكم ومسَّاكم)
ولهذا تارةً يُرغِّب، وتارةُ يُرهِّب، لكن لا يقتصر على الترغيب فقط، ولا على الترهيب فقط، تارةً يجمع بينهما فلكل وقتٍ ما يُناسبه، وحالةٍ ما يوافقه. ومن أساليب التعليم المفيدة: طرح القصص والأخبار اللطيفة، فكم في القصص من دروس، وكم في القصص من تهذيبٍ للنفوس (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) (يوسف:111) فالقصص تُورث النشاط والانتباه، وتتشوق إليها النفوس، وسببٌ للثبات (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود:120) والقرآن والسُّنَّة كفيلان مليئان بذكر القصص والأخبار، والوقائع وذكر الأخيار. ومنها: التلميح لا التصريح، والتلويح لا التجريح، فمما يُستحيا منه ومنه في الحديث (وَفِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ)
وكان يُكني إلا إذا دعت الحاجة إلى البيان والإيضاح. ومنها: تعليم النساء ووعظهن، وتذكيرهن، وتخصيص درسٍ لهُن. ومن ذلك الغضب في التعليم إذا اقتضت الحال إلى ذلك. فهذه –أيها الإخوة- ستٌّ وعشرون أسلوبًا وطريقة لتوصيل العلم والفائدة، ونحوها كثير نماذج من أساليب التعليم يسلك العالم، والشيخ، والمربي، والأستاذ، والمعلم ما يُناسب الطالب، ويستفيد منه الراغب، ولكل حالةٍ لبوسها، ولكل مناسبةٍ حدوثها، ولكل مقامٍ مقال، فمن وفِّق لحسن الأسلوب في التعليم نال المطلوب، وحصل المرغوب، وزال المرهوب. هذا وصلوا سلموا على نبيكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
إنّي لأرجو من يمينكَ شربةٌ
و بِدار عدنٍ في جواَركَ منزلا
صلى عليكَ اللهُ يا علم الهُدىَ
ما هلّ مزنٌ أو تراكم مُقبلا