تذكير الأماجد ببعض آداب المساجد

عبدالله اليابس
1438/02/17 - 2016/11/17 16:44PM
تذكير الأماجد ببعض آداب المساجد الجمعة 18/2/1438هـ
الحمد لله رب العالمين, إله الأولين والآخرين, وقيوم السموات والأرضين، سبحانه سبحانه, نصب الجبال فأرساها، وأرسل الرياح فأجراها، ورفع السماء فأعلاها, وبسط الأرض فدحاها، الملائكة من خشيته مشفقون، والجبابرة لعظمته خاضعون، {لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، {الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}، لا مغيث غيرُ الله، ولا مجير إلا الله، ولا معين سوى الله, و لا ناصر إلا الله.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع *** أنت المُعَدُّ لكل ما يُتوقعُ
يا من يُرجَّى في الشدائد كلِّها *** يا من إليه المشتكى والمفزع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلةٌ *** فلئن رُدِدتُ فأيُّ باب أقرعُ
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه *** إن كان جودُك عن فقيرك يُمنع حاشا لفضلك أن تُقَنِّط عاصيًا *** الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثم الصلاة على النبي وآله *** خير الأنام ومن به يستشفع
صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. المسجد بيت الله .. والمساجد خير البقاع .. جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).
طمأنينة المؤمن في المسجد .. والمؤمن في المسجد كالسمكة في الماء.. ولذلك كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل قلبه معلق بالمساجد).
المسجد هو مكان انطلاق الخير للمجتمع, مكان اجتماع الصالحين والمصلحين, منطلق التأثير والتغيير, ولذلك لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان أولَ ما بدأ به: بناء المسجد .. فبنى المسجد قبل بناء بيته صلى الله عليه وسلم.
لابد من صنع الرجال *** ومثله صنع السلاح
وصناعة الأبطال عِلمٌ *** قد دراه أولو الفلاح
لا يُصنع الأبطال إلا *** في مساجدنا الفساح
في روضة القرآن في *** ظل الأحاديث الصحاح
بيت هذه مكانته, وبناء هذه قدسيته, لا ينبغي أن يعامل كسائر الأماكن.
للمساجد حرمتها, وللجوامع آدابها, ولبيوت الله سكينتها وقدسيتها.
ولعلنا في هذه الدقائق نتعرف على شيء من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الأماجد من رواد المساجد.
وأنبه إلى أن هذه الآداب بعضها واجبٌ شرعًا, وبعضها من المستحَبات, وبعضها من الآداب الذوقية التي لا يتعلق بها إثم شرعي, وإنما تُخل بالذوق العام وباحترام المقام.
فمن آداب المساجد: النهي عن تشبيك الأصابع فيها قبل الصلاة, روى أبو هريرة كما في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأَ أحدُكم في بيتِهِ ثم أَتَى المسجدَ كان في صلاةٍ حتى يرجعَ, فلا يفعلُ هكذا ــ وشَبَّكَ بينَ أصابعِه ــ).
ومن آداب المساجد أن يأتي إليها المصلي بسكينة ووقار, وهدوء في المشي وتروي, فلا يركض أو يسرع سرعة يلهث فيها نَفَسُه, فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ثُوِّبَ للصَّلاةِ فلا تأتوها وأنتُم تسعَونَ, وأتوها وعليكُمُ السَّكينةُ, فما أدرَكتُم فصلُّوا, وما فاتَكم فأتِمُّوا, فإنَّ أحدَكُم إذا كانَ يعمِدُ إلى الصَّلاةِ فَهوَ في صَلاةٍ).
ومن آداب المساجد العناية بتسوية الصفوف, وسد الفُرج والفتحات بين الصفوف, فقد روى النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لتسوّون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم))، أخرجه البخاري. وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وصل صفاً وصله لله، ومن قطع صفاً قطعه الله)) رواه النسائي والحاكم والحديث صحيح.
ومن آداب المساجد الاشتغال فيها بقراءة القرآن والدعاء والذكر قبل الصلاة وبعدها, ولابأس برفع الصوت شيئاً يسيرًا لكن لا يؤذي غيره, روى أبو سعيد الخدري كما عند أبي داوود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ألا إن كلَّكم مناجٍ ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفعْ بعضُكم على بعض في القراءة).
فإذا نهي عن رفع الصوت بقراءة القرآن والذكر بحيث يؤذي الآخرين فما ظنك بمن يرفع صوته بمحادثة صاحبه ونحو ذلك.
ويُلحق بذلك أيضًا رفع بعض مريدي الخير صوتهم بالإنكار عند حصول خطأ في المسجد كصوت موسيقى من جوال أو لعب أطفال ونحو ذلك, فيرفع صوته بالإنكار ويغلظ في الأسلوب, مما يحرج المخطئ وينفره, بل الذي ينبغي في مثل هذه الحال مناصحة صاحب الأمر سرًا, وعدم التشويش على بقية المصلين.
تعمدني بنصحك بانفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
ومن آداب المساجد الإتيان إليها بثياب نظيفة, ساترة, مع طيب الرائحة, {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}, فالقادم إلى المسجد وافد إلى الله تعالى في بيته, فكيف يطيب له أن يلبس رديء الثياب, أو يلبس ثياب النوم أو الابتذال, وكيف تسمح له نفسه الخَيِّرة أن تكون رائحته ثومًا أو بصلاً أو عَرَقًا أو دخاناً؟ فالواجب الحرص على هذا الأمر غاية الحرص, والاستعداد للصلاة بتهيئة ملابس نظيفة ممن تكون أعمالهم تضطرهم إلى اتساخ الملابس, فإنك لو قَدِمت إلى مَلِك من ملوك الأرض للبست أجمل الثياب وتطيبت بأجمل العطور, فكيف بالوفود على بيت ملك الملوك جل وعلا؟
ومن آداب المساجد تقديم الرِّجل اليمنى عند الدخول واليسرى عند الخروج, وقول الدعاء الوارد في ذلك, روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج من المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم), وروى أبو داوود في سننه أن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بًالله العظيم, وبوجهه الكريم, وسلطانه القديم, من الشيطان الرجيم, قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. فما زلنا مع حديث عن بعض آداب المساجد, ومنها التبكير للصلاة عمومًا, ولصلاة الجمعة خصوصاً, روى أوس بن أوس كما عند ابن حبان وغيره والحديث حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن غسَّل يومَ الجمعةِ واغتَسل, ثمَّ بكَّر وابتكَر, ومشى فدَنا, واستَمَع وأنصَت, ولم يَلْغُ, كتَب اللهُ له بكلِّ خُطوةٍ يخطوها عمَلَ سنةٍ صيامِها وقيامِها) وروى الترمذي وحَسَّنَه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إنَّ النَّاسَ يجلِسونَ يومَ القيامةِ منَ اللَّهِ عز وجل على قدرِ رواحِهِم إلى الجمعاتِ).
وينبغي التنبيه إلى أن بعض المصلين يأتي مبكراً إلا أنه لا يُوفَّق للقرب من الإمام, فيجلس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأمامية، مع أن السنة القرب من الإمام ما أمكن فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: (تقدموا فأتموا بي, وليأتم بكم من بعدكم, ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل) أخرجه مسلم.
ومما ينبغي التنبيه إليه بما له صلة بالتبكير للمسجد أنه لا ينبغي أن تُحجز الأماكن في داخل المسجد لمن هو خارجُه, حيث إن الأحق بالمكان من سبق إليه, فالمكان في الصف المتقدم .. للشخص المتقدم بالحضور, بل قد ذهب بعض العلماء من الحنابلة إلى بطلان صلاة من صلى في المكان المحجوز لأنه مكان مغصوب, لكن ينبغي التنبيه إلى أنه إذا خيفت المفسدة بالجلوس في مكان حجزه غيرك فلا تُزله, قال ابن عثيمين رحمه الله: (لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يُرفع، لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنتَ في مكانه، فإن الله قد يثيبُك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر).
ومن آداب المساجد كذلك أن المصلي إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فلا يتخطى الصفوف, روى ابن حبان وغيره عن عبدالله بن بُسر رضي الله عنه أنه قال: كُنْتُ جالسًا إلى جنبِ المنبرِ يومَ الجمعةِ فجاء رجلٌ يتخطَّى رقابَ النَّاسِ, ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ النَّاسَ, فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (اجلِسْ فقد آذَيْتَ وآنَيْتَ), ففي تخطي الصفوف يوم الجمعة إذاً أذيةٌ للمصلين, وأذية المسلمين منهي عنها كما علمنا.
ومن أذية المصلين أن يوقف المصلي سيارته في مكان يؤذي فيه إخوانَه, كأن يغلق بها على سيارة مصلٍ آخر, أو يغلق بها باب أحد جيران المسجد, أو يسُدَّ بها الشارع أو يُضَيِّق مكان المرور فيه, وكل ذلك فيه أذى للمسلمين, ولو تأمل الإنسان فإنه لو أوقف سيارته في مكان لا يضيق به على إخوانه, فإنه في الوقت نفسه سيكون آمَنُ على سيارته أن تصاب بالأذى, ويكسب الأجر من الله تعالى بكثرة الخطى للمساجد فله بكل خطوة حسنة.
ومما تجدر الإشارة إليه في مسألة الأذى أنه ينبغي الحرص على الابتعاد عن كل ما يؤذي المصلين, ومن الأمور المهمة التي يغفل عنها الكثير رمي النفايات في الحاويات الموجودة قرب المساجد والمخصصة للأوراق التي فيها ذكر الله تعالى, فينبغي الانتباه لذلك, والحرص على عدم تلويث تلك الأوراق التي فيها ذكر الرب الجليل سبحانه وتعالى بالأوساخ والقاذورات.
أيها الإخوة .. هذه جملة من آداب المساجد .. جعلنا الله تعالى ممن يمتثلها حق الامتثال, ويتأدب بآداب الإسلام, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات

آداب المساجد 18-2-1438.docx

آداب المساجد 18-2-1438.docx

المشاهدات 1664 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


جزاك الله خيرا