تَذكِيرُ الأَبْرَارِ بِحُسنِ الجِوَارِ

رمضان صالح العجرمي
1446/04/07 - 2024/10/10 12:57PM

خُطبَة بعنوان: (تَذكِيرُ الأَبْرَارِ بِحُسنِ الجِوَارِ.)

1- أَهَمِّيَةُ الإِحسَانِ إِلَى الجَارِ.
2- خُطُورَةُ أَذَى الجَارِ.
3- حُقُوقُ الجَارِ.
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التذكير بهذا الحق العظيم من حقوق الإسلام وهو حق الجار، وبيان خطورة أذى الجار، مع بيان بعض من حقوق الجار.

• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، لقد اهتمَّ الإسلام بالجار وأعلَى من قدره؛ حيث قرن الله سبحانه وتعالى الإحسان إلى الجار مع الأمر بعبادته وتوحيده، من ضمن عَشَرَة أوامر في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾
•بل تأمل نزول جبريل عليه السلام؛ لتقرير هذا الحق الأصيل من حقوق الجار؛ ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.)) ، وفي مسند الإمام أحمد عن رجلٍ من الأنصار، قال: ((خرجتُ من بيتي أُريدُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فإذا بهِ قائمٌ، ورجلٌ معهُ كلُّ واحدٍ منهما مُقبلٌ على صاحبِهِ، فظننتُ أنَّ لهما حاجةً، فواللهِ لقد قامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حتى جعلتُ أَرْثِي لهُ من طولِ القيامِ، فلمَّا انصرفَ قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، لقد قامَ بكَ الرجلُ، حتى جعلتُ أَرْثِي لكَ من طولِ القيامِ، قال: ((وقد رأيتَهُ؟)) قلتُ: نعم، قال: ((وهل تدري من هذا؟)) قلتُ: لا، قال: ((ذلكَ جبريلُ ما زال يُوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنهُ سيُورِّثُهُ)) ثم قال: ((أما إنكَ لو سلَّمْتَ عليهِ لردَّ عليكَ.)) [صححه الألباني في إرواء الغليل]
•ومما يبين أهمية هذا الحق؛ فإنه يثبت حتى ولو كان الجارُ غيرَ مسلم؛ فإذا كان الجار يهوديًا، أو نصرانيًّا؛ فإنه يثبت له حق الجوار؛ كما قال تعالى: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾
•والإحسان إلى الجار: من علامات الإيمان، ومن صفات وسمت الأبرار؛ ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصمت.))، وفي الحديث: ((وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا.)) [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]
•والإحسان إلى الجار: سبب من أسباب نَيل محبة الله تعالى ورسوله المختار صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُحِبَّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاصْدُقُوا إِذَا حُدِّثْتُمْ، وَأَحْسِنُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ))؛ [رواه الطبراني، وحسَّن إسناده الألباني].
•والإحسان إلى الجار والقيام بحقه: سببٌ لمغفرة الذنوب والأوزار؛ فقد روى الإمام أحمد بسند حسنٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مُسلِمٍ يَموتُ، فيَشهَدُ له ثلاثةُ أبياتٍ مِن جيرانِه الأدْنَيْنِ بخَيرٍ، إلَّا قال اللهُ عزَّ وجلَّ: قد قبِلتُ شهادةَ عِبادي على ما عَلِموا، وغفَرتُ له ما أعلَمُ.)) [صححه الألباني]
•والذي يحسن إلى جاره في الحقيقة هو من خير الناس؛ ففي سنن الترمذي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ الأصحابِ عندَ اللهِ خيرُهم لصاحبِه، وخيرُ الجيرانِ عندَ اللهِ خيرُهم لجارِهِ.)) 
•ومن رزقه الله تعالى الجار الصالح فقد ظفر بسعادة الدنيا؛ فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ من السعادةِ: المرأةُ الصالحةُ، والمسكنُ الواسعُ، والجارُ الصالحُ، والمركبُ الهنيءُ. أربعٌ من الشَّقاءِ: الجارُ السوءُ، والمرأةُ السوءُ، والمركبُ السوءُ، والمسكنُ الضَّيِّقُ.)) [رواه ابن حبان، وصححه الألباني]

• الوقفة الثانية: في التحذير من أذى الجار.
•فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أذى الجار بأي شكل من الأشكال، وذكر أن ذلك مما ينافي الإيمان؛ كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ)) قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الذي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ)) ؛ أَي غوائله وشروره؛ ففي رواية: ((قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: شَرُّهُ.)) وَفِي الحَدِيث: ((من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يؤذ جَاره ...)) وَجَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((من أغلق بَابه عَن جَاره مَخَافَة على أَهله وَمَاله؛ فَلَيْسَ بِمُؤْمِن، وَلَيْسَ بِمُؤْمِن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه.))
•ومما يدل على خطورة أذى الجار: أن الخطأ في حقه أعظم من الخطأ مع غيره؛ فقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أعظم الذَّنب عِنْد الله؟ فَذكر ثَلَاث خلال: ((أَن تجْعَل لله نداً وَهُوَ خلقك وَأَن تقتل ولدك خشيَة أَن يطعم مَعَك وَأَن تَزني بحليلة جَارك))، وفي سنن أبي داود عن الْمِقْدَادِ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟)) قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: ((لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ؛ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ)) قَالَ: فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟)) قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: ((لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ؛ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ))
•ومما يبين خطورة أذى الجار أيضًا: أن العبد لا ينتفع بأعماله الصالحة، إلا بالكف عن أذى الجيران؛ فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أَبى هُرَيْرَة رضي الله عنه قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: ((لاَ خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.)) قَالُوا: وَفُلاَنَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَتصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلاَ تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم:( (هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) والأَثْوارُ: جمعُ ثَوْرٍ، وهو: القِطْعَةُ من الأَقِطِ.
•ولذلك فقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جار السوء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ (الإقامة) فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ)) وفي رواية: ((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ ..)) [رواه النسائي، وابن حبان، وصححه الألباني]
•لأن الجار السيئ من مصادر الشقاء والعياذ بالله؛ ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق، والله تعالى يحب جارًا صبر على أذية جاره، حتى يكفيَه الله إياه بتحوُّلٍ أو موت)) ؛ ولذلك يقولون: الجار قبل الدار.
•ومن أراد أن يعرف أنه محسن أم مسيء؟ فلينظر إلى حاله مع جيرانه؛ فإن مقياس العبد في الإحسان والإساءة بحسب تعامله مع جيرانه؛ روى البيهقي والحاكم بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: ((كُنَّ مُحْسِنًا)) قَالَ: كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: ((سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ))

نسأل الله العظيم أن يرزقنا حسن الجوار.

             *   *   *   *

الخطبة الثانية:- مع الوقفة الثالثة: حقوق الجار.
•فإن حقوق الجار كثيرة ومتعددة، لكنك لو تأملتها لوجدتها تتفرع من ثلاثة حقوق كبرى؛ وهي:
الحق الأول: بذل المعروف والإحسان إليه؛ وذلك بأن يتعاهد جيرانه ويطعمهم من طعامه، ويتعاهد الأقرب منهم بالهدية، وأن يكون عونًا لهم ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم؛ ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ.)) ، وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ.)) ، وروى البخاري في الأدب المفرد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كَمْ مِنْ جَارٍ متعلقٍ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ.))

الحق الثاني: كف الأذى عنه؛ فلا يتطلع إلى عوراتهم، ولا يؤذيهم بالقول ولا بالفعل؛ فقد جاء الوعيد الشديد فيمن يؤذي جاره؛ فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ.)) [رواه أحمد، والطبراني]؛ قال المناوي رحمه الله: "أي: أول خصمين يُقضى بينهما يوم القيامة جاران، آذى أحدهما صاحبه؛ اهتمامًا بشأن حق الجوار الذي حث الشرع على رعايته".
•صور من أذى الجيران؛ ليحذر المسلم من الوقوع فيها:-
•ارتفاع الأصوات المزعجة، والكلمات الصاخبة لاسيما أوقات النوم والراحة، ويزداد الأذى ويعظم الجرم والأسى إذا كانت أصواتٌ مُحرَّمة، ومزامير وغناء صاخب، ومسلسلاتٌ ماجنة، وسهراتٌ آثمة.
•التعدي على ملكه وحدوده، وعقاره وأرضه.
•التجسس عليه، والتصنت لحديثه، أو مكالمته أو خلافه مع أهله وأولاده، فبعض الناس إذا سمع صوتًا مرتفعًا من جاره أو مكالمةً من هاتفه تقصَّد الإنصات، واستجمع الكلمات.
•النظر إلى محارمه، وزوجته وبناته، وترقب طلوعه وخروجه بإطلاق النظرات إلى العورات.
•الاعتداء على مركوباتهم وممتلكاتهم بالتخريب والإفساد.
•ومن ذلك ما يفعله بعض الأبناء والأطفال من لعبٍ ولهوٍ وإزعاجٍ للجيران، وما يسببونه من قلقٍ وأذى وعدوان.
•أذيته من جهة النوافذ المطلة عليه بإزعاجه بفتحها أو الاطلاع على بيته من خلالها.
•كشف عورته، وإظهار سِره، وخيانته في جواره، والكذب عليه.
•تأجير من لا يرغب تأجيره لمبررٍ شرعي.
•حسده والحقد عليه، وتمني زوال النِّعمة عنه، وتتبع عثراته.
•الاجتماع عند بابه أو أمامه، ومضايقته في جميع أحواله.
•التجمع مع أصدقائه في منزله وجاره يتضرر بذلك، ويتضايق إما بالسهر أو الدخان أو رفع الأصوات أو سماع الغناء.
•ومنها: سبُّه ولعنه، والقدح فيه وشتمه.
•وضع المخلفات من القمائم في طريقه، وأمام بابه، وإيذائه بالروائح الكريهة، والمياه السائلة.
•وضع الحيوانات والطيور التي تؤذيه برائحتها وأصواتها، وما يخرج منها.

الحق الثالث: الصبر وتحمُّل الأذى الذي يصدر منه، فإذا ابتُليت بجار سوء يؤذيك، فعليك بالصبر، وتذكر أن صبرك هذا على أذى جارك مما يؤهلك لمحبة الله جل في علاه؛ كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ، وذكر منهم: ((وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ ... ))؛ [رواه أحمد بإسناد على شرط مسلم، وصححه الألباني] ، وجاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وقال: إن لي جارًا يؤذيني ويَشتِمُني، ويُضيِّقُ عليَّ، فقال ابن مسعود: "اذهبْ فإن هو عَصَى الله فيك؛ فأَطعِ الله فيه."
•فإن عجزت عن الصبر على إيذاء جارك، فتذكر هذه الوصية النبوية؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه، فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به وفعل)) ، وفي رواية: ((فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقيت من الناس، قال صلى الله عليه وسلم: وما لقيت؟ فقال الرجل: يلعنونني، فقال صلى الله عليه وسلم: قد لعنك الله قبل الناس، فقال: إني لا أعود، ثم ذهب إلى جاره، فقال له: ارجع لا ترى مني شيئًا تكرهه، فجاء الشاكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ارفع متاعك، فقد كُفيت))؛ [أخرجه أبو داود، والحاكم، وصححه الذهبي].
•ونختم بهذه النماذج الرائعة في حُسنِ الجوار، وفي الصبر على أذى الجار؛ فقد رُوِيَ عَن سهل بن عبد الله التسترِي رَحمَه الله: "أنه كان له جار مجوسي، وكان في نفس البيت في الطابق الأعلى، فانفتَحت فتحة في كنيف المجوسي، فكان يقع منها الأذى في دار سهل، فكان يضع كل يوم الجفنة تحت الفتحة، فينزل فيها الأذى، ثم يأخذ ذلك بالليل ثم يَطرحه بعيدًا، فَمَكثَ رَحمَه الله على هَذِه الْحَال زَمَانا طَويلا إِلَى أَن حضرت سهلاً الْوَفَاة فاستدعى جَاره الْمَجُوسِيّ وَقَالَ لَهُ: أدخل ذَلِك الْبَيْت وَانْظُر مَا فِيهِ، فَدخل فَرَأى ذَلِك البثق والقذر يسْقط مِنْهُ فِي الْجَفْنَة، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أرى؟! قَالَ سهل: هَذَا مُنْذُ زمَان طَوِيل يسْقط من دَارك إِلَى هَذَا الْبَيْت وَأَنا أتلقاه بِالنَّهَارِ وألقيه بِاللَّيْلِ؛ وَلَوْلَا أَنه حضرني أَجلي وَأَنا أَخَاف أَن لَا تتسع أَخْلَاق غَيْرِي لذَلِك؛ وَإِلَّا لم أخْبرك فافعل مَا ترى؟! فَقَالَ الْمَجُوسِيّ: أَيهَا الشَّيْخ أَنْت تعاملني بِهَذِهِ الْمُعَامَلَة مُنْذُ زمَان طَوِيل وأنا مقيم على كفري، مد يدك فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ثمَّ مَاتَ سهل رَحمَه الله."
•واسمع لهذه القصة التي ذكرها الغزَّالي رحمه الله في الإحياء: أن بعضهم شكا كثرة الفئران في داره، فقيل له: لو اقتنيت هرًّا (أي: قطة) حتى يهرب الفأر من دارك، فقال: أخشى أن يسمع الفأر صوت الهِرِّ، فيهرب إلى الجيران، فأكون قد أحببت لهم ما لا أحبُّ لنفسي.

نسأل الله العظيم أن يصلح أحوال المسلمين إلى أحسن حال.

#سلسلة_خطب_الجمعة.
#دروس_عامة_ومواعظ.
(دعوةٌ وعمل، هدايةٌ وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp

المرفقات
المشاهدات 995 | التعليقات 0