تذكيرات سريعة لأوقات الإجازات

عبد الله بن علي الطريف
1435/08/08 - 2014/06/06 12:02PM
تذكيرات سريعة لأوقات الإجازات. 8/8/1435هـ
أيها الإخوة: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ -جل وعلا-، وهي وصيته -سبحانه- للأولين والآخرين من أهلِ الكتبِ السابقةِ واللاحقةِ.
ولقد وعد -سبحانه- من قام بهذه الوصية بالثواب، وتوعد من أهملها وضيعها بالمعاقبة بأليم العذاب؛ فقال -سبحانه-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131].
أيها الإخوة: التذكير في أوقات المواسم مطلب شرعي، ولم يأت المسلم للجمعة إلا وهو ينتظر ذلك يقول ربنا في محكم التنزيل: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) [الأعلى:9-11] (فَذَكِّرْ) بشرع الله وآياته (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه.
ومما يحسن التذكير به في مثل هذه الأيام: الاهتمام بالوقت.. الزمن.. الحياة.. وهي أسماء لمسمى واحد.. ذلكم الكنز الثمين، العظيم في قيمته.. الرخيصُ على كثير منا.. وهو مصدر سعادة الأمة، وبقدر اهتمامها به يقاس تطورها.. وبقدر ما تكون ثقافة حفظ الوقت وإدارته بالأمة سائدة بقدر ما تتطور وتزدهر في هذه الحياة.. وتتميز أمتنا أمة الإسلام بأن سعادتها تمتد إلى الآخرة حينما يبعث الله الخلق ليجازيهم؛ فمن أحسن إدارة الوقت، وأحسن الاستفادة منه فيما يرضي الله، وابتعد عما يغضبه؛ فاز وربح، ومن لا..؛ خاب وخسر نعوذ بالله من الخسران..
أحبتي: لذلك أقسم الباري سبحانه بأجزاء من الوقت إشعاراً للأمة بأهميته وقيمته وفضله، لافتاً أنظارها لآثاره ومنافعه فأقسم بالفجر والليل والنهار والضحى والعصر الذي هو الدهر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، أي الليل والنهار، وهما محل أفعال العباد وأعمالهم...
وحث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم على اغتنام الأوقات وأكد عليه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لرجلٍ وهو يَعِظُه: «اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ: شبابَك قبلَ هَرَمِك، وصحَّتَك قبلَ سَقَمك، وغِناك قبلَ فقرِك، وفراغَكَ قبلَ شُغْلِك، وحياتَك قبلَ موتِك». رواه الحاكم وصححه الألباني.
والمرادُ من هذا أنَّ هذه الأشياء تعوقُ عن العمل، فبعضُها يشغل عنه، إمَّا في خاصّة الإنسان، كفقره وغناه ومرضه وهرمه وموته، وبعضُها عامٌّ، كقيام الساعة، وخروج الدجال، وكذلك الفتنُ المزعجةُ، كما جاء في حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا». رواه مسلم.
أحبتي الكرام: أي حث منه صلى الله عليه وسلم على اغتنام الأوقات أوضح من هذا الحث.! وأي شمول لكل فرص العمر أوسع من هذا الشمول.! بل لقد ذهب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحرصِه على وقت المسلم إلى أبعد من ذلك؛ فحذرَ صحيحَ البدنِ من الفراغ، وعده سبباً من أسباب الغبن، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». رواه البخاري قال السندي رحمه الله: والمقصود أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحةِ والفراغ، بل يصرفونهما في غير محلهما، فتصير الصحةُ والفراغ في حقهم وبالاً.
كتب بعضُ السَّلف إلى أخٍ له: يا أخي يُخيَّلُ لك أنَّك مقيم.؟! بل أنتَ دائبُ السَّيرِ، تُساق مع ذلك سوقاً حثيثاً، الموت موجَّهٌ إليك، والدنيا تُطوى من ورائِك.
وقال بعضُ الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه، سارت به وإنْ لم يسر، وفي هذا قال بعضهم:
نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ *** وأيّامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحِلُ
ولم أرَ مثلَ الموتِ حقاً كأنَّه *** إذا ما تخطَّتْهٌ الأمانيُّ باطِلُ
وما أقبحَ التَّفريطَ في زمنِ الصِّبا *** فكيف به والشَّيبُ للرَّأس شامِلُ
ترحَّل من الدُّنيا بزادٍ من التُّـقى *** فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِــلُ
وقال سعيدُ بن جُبير: كلّ يوم يعيشه المؤمن غنيمة، وقال بكر المزني: ما من يومٍ أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول: يا ابنَ آدم، اغتنمني لعلَّه لا يومَ لك بعدي!.. ولا ليلةٍ إلا تنادي: ابنَ آدم، اغتنمني لعلَّه لا ليلةَ لك بعدي..! ولبعضهم:
اغتَنِمْ في الفراغ فَضْلَ رُكوعٍ *** فعسى أنْ يكونَ موتُك بَغتة
كم صَحيحٍ رأيتَ من غيرِ سُقم *** ذهَبتْ نفسُهُ الصحيحة فلتَة
أيها الآباء وأنا منكم: ماذا أعددنا لأولادنا وما نحن فاعلون لهم في هذه الإجازة؟ حق علينا أن لا نألو جهداً، وأن لا ندخرَ وسعاً في وعظهم لاستثمار الأوقات، ثم في التشاور معهم في أمثل الطرق لذلك.. لكن أن نفرّط ثم تضيعُ الأوقات على الأولاد والأمة سبهللاً، فهذا والله عينُ الغبن الذي حذّر منه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وحري بنا أن نبذل الجهد وأن نجعل لهم جزءًا كبيرًا من وقتنا، ونصيبًا مفروضًا من فراغنا نمضيه معهم بين الجد والترويح...
أيها الإخوة: ومما ينبغي التذكير به في هذه الأيام وهي أيام العطل وتغلب فيها الغفلة على بعض الناس التذكير بفضل الطاعات في أيام الغفلات.. فعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ للنبي صلي الله عليه وسلم: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: "ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ...."رواه أحمد وحسنه الألباني.
لقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسباب إكثاره للصيام في شعبان أنه "شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ". قال أهل العلم: وهذا دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله -عز وجل-؛ ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة.
وكذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ " رواه مسلم.
ومما يقوي فضل التفرد بالطاعة ما منحه الله من الفضائل والدرجات لمن يذكر الله في وقت غفلة الناس، ومنها الأجر العظيم للرجل الذي يدخل السوق فيذكر الله؛ لأنه ذكر الله في مكان غفلة الناس، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن دخل السُّوقَ فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويُميتُ وهو حيٌّ لا يموتُ، بيدِه الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، كتب اللهُ له ألفَ ألفِ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيِّئةٍ، ورفع له ألفَ ألفِ درجةٍ" رواه الترمذي وحسنه الألباني.
أيها الأحبة: الأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس كثيرة ومتنوعة، فتعرضوا لنفحات الله وتلمسوا مرضاته.
الخطبة الثانية:
أحبتي ومما ينبغي التذكير به: مراقبة الله في الخلوات وأنها تقي المسلم إن شاء الله من البليات.
أيها الأخ المبارك: لقد توعد الله المكذب المتولي عن شرعه بقوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14] ومتى استشعَرت بأن اللهِ يراك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وإن تواريت وراء الأستار في الخلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، إذا علمتَ ذلك، واستشعرتَه اتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطناً، وكانَ باطنُك خيراً من ظاهرِك..
وقيل لبعضهم: متى يهش الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة؟ فقال: إذا علم أن عليه رقيبا.
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ *** خَلَوْتُ ولكنْ قُلْ عَلَيَّ رقيبُ
ولا تحسـبنَّ اللهَ يغفـلُ ســاعـةً *** ولا أنَّ ما تُخفيه عنه يغيبُ
لعلنا ننجو ممن عناهم رسول الله فيما رواه ثَوْبَانُ -رضي الله عنه-، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا!"، قَالَ ثَوْبَانُ -رضي الله عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ! قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ -أي: من جنسكم-، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ -أي: يأخذون من عبادة الليل نصيبا- وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا" رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
ومن هنا علينا أن نحذر أولادنا الذين يستخدمون الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من الوقوع بالحرام وما أيسره فيها أو الدعوة إليه، أو الترويج لدعوات مغرضة أو نشر أحاديث ضعيفة أو موضوعة.. وأن عليهم نشر الفضيلة والدعوة إليها وكم هدى الله بهذه الوسائل من البشر.. وكم أضل الله بها آخرون، وقد أقسم خير البرية -وهو الصادق بلا قسم- في قوله لعلي رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم : «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». رواه البخاري.
سلك الله بنا وذريتنا سبل السلام، ووفقنا للطاعة وحسن الإسلام.. واجعل سرائرنا خيرا من ظواهرنا، وارزقنا مراقبتك بالغيب والشهادة.
[/size][/font]
المشاهدات 2804 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


بارك الله فيكم أستاذ عبد الله ، نسأل الله ان يبارك لنا في اوقاتنا و ما فيها من قول و عمل .


جزيت الجنة شيخ عبدالله ونفع الله بكم وزادكم من فضله وعلمه