تذكرةٌ وعِظة
محمد ابراهيم السبر
"خطبة: تذكرةٌ وعِظة"
الحمد لله، على ما ستر من العيوب، والشكر له على ما كشف من الكروب، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو غفَّار الذنوب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له علاَّم الغيوب، وأشهد أن نبينا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله كشف به ربُّه الغمَّة ودفع الخطوب، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما أشرقَت شمسٌ وآذنَت للغروب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوا الله - رحمكم الله -، واجعلوا مراقبتكم لمن لا يغيب عنكم نظره، وشكركم لمن تترادف عليكم مننه ونعمه، وخضوعكم لمن لا تخرجون عن ملكه وسلطانه، ما شغل عن الله فهو شُؤم، والتُّؤَدة خيرٌ إلا في أمر الآخرة، ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾.
توبوا الى الله واستغفروه من المعاصي، واستعِدُّوا ليومٍ يُؤخَذ فيه بالأقدام والنواصي، بضاعة الأقوياء العمل، وبضاعة الضعفاء الأماني، وإخوان السوء كالنار يُحرِق بعضها بعضًا، ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
ومن عرفَ الدنيا لم يفرَح فيها برخاءٍ، ولم يحزَن فيها على بلاء، ومن تعاقبَ عليه الليلُ والنهارُ أردَيَاه، ومن وُكِّل به الموتُ أفناه.
والعمرُ تنقصُه الساعاتُ والصحةُ تعرِضُ لها الآفات، والعبدُ لا يستقبلُ يومًا إلا بفِراقِ آخر، وأعظمُ المصائبِ انقِطاعُ الرَّجاء.
فاستعدُّوا - رحمكم الله - ليومٍ تُرجَعون فيه إلى الله؛ فإنه لا ملجَأَ من الله إلا إليه، فلله درُّ عيونٍ ذرَفَت بعد ما عرفَت، وقلوب اتعظت، ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
وتعلمون - رحمكم الله - أن ربكم خلق الخلق ليعبدوه، ويحبوه ويُعظِّموه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه، ليهابوه ويخافوه، ودعا عباده إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يحبه ويرضاه، والمباعدة عما ينهى عنه ويكرهه ويأباه.
فاستقيموا وأحسنوا، فمن أحسن الظن بالله أحسن العمل، والإيمان ليس بالتحلِّي ولا بالتمنِّي، ولكن ما وَقَرَ في القلب، وصدَّقه العمل.
والمُسلمُ من سلِم المُسلمون من لسانه ويدِه، والمُهاجِرُ من هجرَ ما حرَّم الله، والمُجاهد من جاهدَ نفسَه وهواه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
ومن اعتمد على الله كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن استغنى به أغناه، والقناعة كنزٌ لا يفنى، والرضا مالٌ لا ينفَد، وقليلٌ يكفي خيرٌ من كثيرٍ يُلهِي، والبرُّ لا يبلى، والإثم لا يُنسى، والديَّان لا يموت، وطوبى لمن خرج من الدنيا قبل أن يُخرَج منها، وطول الأمل يُنسي الآخرة. ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
فاتقوا الله – عباد الله - ولا تكونوا ممن قادَتهم شهواتهم، وغلَبَت عليهم شِقوتهم، وسيروا إلى الله سيرًا جميلًا، واذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بكرةً وأصيلًا، واستغفروا ثم استغفروا، واندموا على تفريطكم ندمًا طويلًا.
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله - عباد الله – حق التقوى، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وبطاعة ربِّكم تزيَّنوا، ومن الذنوب توبوا وتطهَّروا، وعن باب مولاكم فلا تبرَحوا، وخُذوا من صحتكم لمرضكم، ومن حياتكم لموتكم، ومن غناكم لفقركم، ومن قوتكم لضعفكم، ومن تفكَّر بعواقب الدنيا أخذَ بالحذَر، ومن أيقنَ بطول الطريق تأهَّب للسفر.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهُم إنا نعوذ بك من زيغ القلوب، وتبِعَات الذنوب، ومُردِيات الأعمال، ومُضِلَّات الفتن.
اللهُم وفِّقنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة.
اللهم ارفع الغمة عن هذه الأمه، وادفع عنها البلاء والمحنة، وانج المستضعفين من المؤمنين في غزة، ياذا الطول والعزة.
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.
ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
سبحانك ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.