تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ 10/4/1446هـ

خالد محمد القرعاوي
1446/04/13 - 2024/10/16 23:45PM
تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ 10/4/1446هـ
الحمدُ للهِ وليِّ النِّعَم, ودافِعِ النِّقَمِ, أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ شَهَادَةً تُبرِئُ القُلُوبَ وَالأبَدانَ من السَّقمِ, وَأَشهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيرُ من وَصفَ الأَدْوَاءَ وعِلاجَها، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِه الكِرَامِ وَالتَّابِعينَ لَهُم بِإحْسَانٍ على الدَّوامِ. أَمَّا بَعدُ: عِبَادَ اللهِ: أُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقْوَى اللهِ فَهِيَ مُعْتَصَمٌ عِنْدَ البَلايَا، وَفَرَجٌ في الهَمِّ وَالرَّزَايَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: الابْتِلاءَاتُ سُنَّةٌ ربَّانِيَّةٌ! وَهِيَ مِن حِكْمَةِ اللهِ وَعَدْلِهِ، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَعَالَى: (وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). قَالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَي نَبتَلِيكُم بالشِّدَّةِ والرَّخاءِ، والصِّحَّةِ والسَّقَمِ, والغِنَى والفَقْرِ, والحَلالِ والحَرَامِ, والطَّاعَةِ والْمَعْصِيَةِ وَالهُدَى وَالضَّلالَةِ.! عِبَادَ اللهِ: والبَلاءُ بِالْمَرضُ قَدَرٌ مِنَ اللهِ تَعَالى وَهُوَ لِلمُؤْمِنِ نِعمَةٌ وَأَجْرٌ إنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ. وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). وَالْمُؤْمِنُ بِحَمْدِ اللهِ أَمْرُهُ كُلُّهُ إلى خَيْرٍ قالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». ألا تَعْلَمُونَ أنَّ البَلاءَ عُنوانُ مَحَبَّةِ اللهِ لِلعَبْدِ، وطَريقٌ لِجَنَّةِ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». ولا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ نَتَمَنَّى الأَسْقَامَ وَالبَلايَا؟ كَلاَّ فَالعَافِيَةُ لا يُعادِلُها شَيءٌ, فَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلُوا اللهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإنَّ أَحَداً لَم يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيراً مِن العَافِيَة».
أيُّهَا الْمُؤمِنُ: وَفِي الْمَرَضِ: رَفعٌ لِلدَّرَجَاتِ وَحَطٌّ لِلسَّيئَاتِ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وَفِي مَرَضِ الْمُؤمِنِ زِيادَةٌ لإِيمَانِهِ, وحُسنِ تَوَكُّلِهِ على رَبِّهِ, وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِمَولاهُ، وَهَذا أعْظَمُ عِلاجٍ لِكِبْرِ النَّفْسِ, والغَفلَةِ والغُرُورِ!
أيُّهَا الْمُسلِمُ، لا شَافِيَ إلاَّ اللهُ، ولا رافِعَ لِلْبَلْوَى سِواهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، والرَّاقِي والطَّبيبُ والدَّواءُ أَسبَابٌ شَرعيَّةٌ يُيَسِّرُ اللهُ بها الشِّفَاءَ، فَافعَلِ الأَسبَابَ وَتَدَاوى بِالْمُبَاحِ, ولا تُقْبِلْ على الطَّبيبِ بِقَلبِكَ! فهو بَشَرٌ لا يَملِكُ نَفعاً ولا ضَرَّاً، وقُلْ: ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). وَخُذْ بِوَصِيَّةِ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَكَ حِينَ قَالَ: «وإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ». وَأَنْفَعُ الأَدْوِيَةِ: الرُّقيَةُ بالقُرآنِ وبِمَا صَحَّ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
عِبَادَ اللهِ: وَبِكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ تَزُولُ الأَمْرَاضُ وَيضْعُفُ أَثَرُها يقُولُ الْمَوْلَى: (وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ).
و «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». والعَسلُ لَمْ يُخلق لَنَا شَيءٌ أَفْضَلَ مِنهُ! والْحِجَامَةُ خيرُ الأَدوِيَةِ كما قالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ». وفي الحَبَّةِ السَّودَاءِ شِفَاءٌ من الأَسقَامِ كُلِّها، قَالَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنها سَمِعَتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ مِنَ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الْمَوْتُ». وعندَنا بِحمدِ اللهِ مَاءٌ مُبَارَكٌ ! قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ». تِلكَ أدوِيَةٌ نَبَوِيَّةٌ نَافِعَةٌ شَافِيَةٌ لِمَن تَلَقَّاها بِالقَبُولِ والرِّضا، فاللهمَّ إنَّا نسألك العفوَ والعَافِيَةَ في الدِّينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أَقُولُ قَولِي هَذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم مِنْ كُلِّ ذَنبٍّ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ جَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً, عَلِمَهُ من عَلِمَهُ، وَجهِلَهُ من جَهِلَهُ, أُشهد أَنْ لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَرْضِ وَالسَّماءِ، وَأُشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُ الله ورسولُهُ أَخْلَصُ النَّاسِ بالعبادَةِ والدُّعاءِ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ, وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَومِ اللِّقَاءِ. أَمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ، أُوصِيكُم وَنفْسِي بِتقَوى اللهِ تَعَالَى، فَمن اتَّقى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عليهِ كَفَاهُ. أيُّها الكِرامُ: الأَدْوِيَةُ ثَلاثَةٌ: دَواءٌ مَشْرُوع ٌمُستَحبٌّ كالرُّقيَةِ والعَسَلِ وَزمزمِ، وَدَوَاءٌ مُباحٌ كالأدوِيَةِ والعَقَاقِيرِ التي لَم يُحرِّمْهَا الشَّارِعُ الحَكِيمُ، وأَدْوِيَةٌ مُحرَّمَةٌ لا يَجُوزُ التَّدَاوِيَ بِهَا، وهي كُلُّ ما حُرِّمَ عَلَينَا اسْتِخْدَامُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ, فإنَّ اللهَ تعالى لَمْ يَجْعَلْ شِفَائَنَا فِيمَا حرَّمَ عَلَينَا. وَقَدَ قَالَ رَسُولُ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ). وَالوْقَايَةُ خَيرٌ بِإذْنِ اللهِ مِنَ الْعِلاجِ, وَمِنْ سُبُلِ الْوِقَايَةِ فِي زَمَنِنَا أَخْذُ لَقَاحِ الأَنْفِلْوَنَزَا الْمَوسِمِيَّةِ مَنْعًا بِإذْنِ اللهِ مِنِ انْتِشَارِهَا, وَتَخْفِيفًا مِنْ حِدَّتِهَا.
ثمَّ احْذَرْ أيُّها الْمَرِيضُ مِنَ التَّسَخُّطِ فَهُو يُنَافِي الصَّبْرَ والاحِتِسَابَ! وَإذَا أَرَدَتَّ أنْ تَعْرِفَ نِعَمَ اللهِ عَليكَ فَانْظُرْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْكَ ألَمَاً وَأَكْثَرُ وَخَطَرًا, فَأُنَاسٌ يَتَمَنَّونَ أنْ يَمْشُوا! وَأَنتَ تَرُوحُ وَتَمْشِي, وَبَعْضُهُمْ يَتَمَنَّى أنْ يَنْطِقَ وَيُعَبِّرَ وَأَنْتَ تَنْعَمُ بِذَلِكَ, وَإخْوانٌ لَنَا يَتَمَنُّونَ ألا يَتَكَشَّفَ أحَدٌ عَورَاتِهِمْ وَنَحْنُ بِحْمْدِ اللهِ في سِتْرٍ وَعَافِيَةٍ. حَقَّاً (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
أيُّها الْمَرِيضُ مِنْ حَقِّكَ أَنْ نُذَكِّرَكَ بِوُجُوبِ الصَّلاةِ فِي وَقْتِهَا إنْ اسْتَطَعْتَ، وَإلَّا فاجَمَعْ بَينَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَبَينَ الْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ لِقَولِ اللهِ تَعَالَى:(فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). كَمَا يجِبُ عليهِ أَنْ يَتَطهَّرَ لِلصَّلاةِ التَّطَهُّرَ الشَّرعِيَ، فإنْ لم يَستَطِعْ فَإنَّهُ يَتَيَمَّمُ، فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَلا يَدَعُ الصَّلاةَ تَفوتُ عَنْ وَقْتِهَا؛ فإنَّ اللهَ يَقُولُ: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ). يَا صَاحِبَ الهَمِّ إنَّ الهَمَّ مُنْفَرِجٌ * أَبْشِرْ بـِخَيرٍ فَإنَّ الفَارِجَ اللهُ.
اليَأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَانَاً بِصَاحِبِهِ * لا تَيأَسَنَّ فَإِنَّ الكَافِيَ اللهُ.
إذا بُليتَ فَثِقْ بِاللهِ وَارْضَ بِهِ * إنَّ الذي يَكشِفَ البَلْوَى هُوَ اللهُ.
واللهِ مالـَكَ غَيرُ اللهِ مِن أَحَدٍ* فَحَسبُكَ اللهُ في كُلٍّ لَكَ اللهُ.
فَالَّلهُمَّ إنَّا نَسألُكَ العَفوَ والعَافِيَة في دِينِنَا ودُنْيَانَا وَأَهلِينا وأَموالِنا, واحفظنا مِن بينِ أَيدِينا وَمن خَلفِنَا، وعن أَيمَانِنا وعن شَمَائِلِنا، ومِن فَوقِنَا، ونَعوذُ بِكَ أنْ نُغتَالَ مِن تَحتِنا. اللهمَّ إنَّا نَسأَلُكَ صِحَّةً في إِيمَانٍ، وإيمَانَاً في حُسنٍ خُلُقٍ وعَمَلٍ، اللهمَّ اشفِ مَرضَانَا ومَرْضَى الْمُسلِمِينَ وعافِ مُبتَلانَا، اللهمَّ أَنزل رَحمَتَكَ وشِفَاءكَ على خَادِمِ الْحَرَمَينِ الْشَّرِيفَيِنِ، وَاجْزِهِ خَيرًا على خدمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
 
المشاهدات 1395 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا