تُحْفةُ البَرَرة ْ- في الحصونِ العَشَرَةْ

خالد علي أبا الخيل
1440/02/07 - 2018/10/16 11:16AM

تُحْفةُ البَرَرة ْ- في الحصونِ العَشَرَةْ

التاريخ: الجمعة:3 –صفر-1440 هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد...

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

إخوة الإسلام: الإنسان في هذه الدنيا مبتلى بشياطينٍ من الجن والإنس يؤذونه ويضرونه وهذا ابتلاءٌ ملازمٌ للإنسان لا ينفك عنه حتى تقوم الأبدان للرحيم الرحمن.

إخوة الإسلام: هذا كما أنه للجن شياطين، فكذلك للإنس شياطين، وقال الله عزَّ وجلَّ: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(الناس:6).

ولدفع هؤلاء الشياطين حصونٌ عظيمة، وقواعد كبيرة، فمعنا في هذه اللحظات حصونٌ عشرة تدفع عن الإنسان شر الإنس والجِنة:

 فالحصن الأول –عباد الله-: قراءة سورة البقرة، وقراءة سورة البقرة من أوراد البيوت وأذكارها، وفي الصحيح: (أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ ولا تستطيعها الْبَطَلَةُ) والبطلة هم: السَّحرة.

وقد جاء في الصحيح أيضًا: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا اقرؤوا فيها سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة).

وعند الحاكم (إذا قُرِئت سورة البقرة في البيت خرج الشيطان).

وقراءة سورة البقرة مشتركة، فمن شاء أن يُفرقها أو يجمعها أو يشترك في قراءتها اثنان فأكثر في يومٍ أو يومين أو أيام فإنها حمايةٌ للإنسان من شر شياطين الإنس والجان، فاجعل لبيتك من قراءة سورة البقرة حظًّا عظيمًا، واحرص على قراءتها مباشرة، فإن المباشرة أعظم وأقوى من السماع.

ومن الحصون الحصن الثاني: قراءة آية الكرسي، وقراءة آية الكرسي كما جاء في البخاري معلقًا وعند النسائي مسندًا في قصة أبي هريرة مع الشيطان الذي كان يسرق منه صدقة الفطر، فكلما قبض عليه قال: دعني لن أعود، فقبض عليه القبضة الثالثة، وقال: لأبعثنك إلى رسول الله، قال: دعني أعلمك كلمات اقرأ آية الكرسي عند النوم، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح، فذهب أبو هريرة ﭬ إلى النبي ﷺ وأخبره، فقال المقالة المشهورة: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ).

وقراءة آية الكرسي في موطنين:

الموطن الأول: دُبر كل صلاةٍ مكتوبة (فَمَن قرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، لم يمنَعْه مِن دخولِ الجنَّةِ إلَّا الموتُ) كما رواه النسائي وغيره.

والموطن الثاني: عند النوم كما في الحديث السابق.

وكفى بآية الكرسي أن فيها عشر جُملٍ وقواعد عقدية.

الحصن الثالث –أيها الإخوة-: التسمية، جاء عند أحمد أن رجلًا كان مع النبي ﷺ فسقط، فقال: تعِس الشيطان، فقال النبي ﷺ: (لا تقل: تعِس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعِس الشيطان تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، قُل: بسم الله) ولهذا جاء عند أحمد والترمذي (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الكنيف يعني: الحمام- أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ).

وإذا دخل الإنسان بيته وذكر الله وسمَّى عند طعامه قال الشيطان: لم تُدركوا المبيت ولم تدركوا الطعام.

بل التسمية –عباد الله- أمرها عظيم؛ ولهذا شُرِع للإنسان يُسمي في صباحه، ومساءه، فمن قال ثلاث مرات: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء وهو السميع العليم لم يضره شيء في يومه ذلك، بل –أيها الأحبة- كما جاء في الصحيحين ( لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَيْطَان).

ولهذا –عباد الله- التسمية أمرها عظيم تطرد الشياطين، وتُذهِب الوساوس عن الإنسان.

ومن الحصون –أيها الإخوة-: ذِكر الله عزَّ وجلَّ، نعم إنه ذِكر الله العظيم أعظمه وأفضله وأكبره وأَجلُّه هو: قراءة القرآن، من أعظم الأذكار قراءة القرآن فكم لك حظٌّ من كلام ربك في يومك، في بيتك، في سوقك، في حياتك، في مسجدك، في عملك، في كل حالةٍ من الأحوال؛ ولهذا جاء عن النبي ﷺ أنه كان يذكر الله على كل أحيانه.

جاء عند الترمذي من حديث الحارث بن نافعًا: أن النبي ﷺ قال الحديث وفيه: (وآمركم بلا إله إلا الله فإن ذلك كمثل رجلٍ طلبه العدو سراعًا، فدخل حصنٌ حصين، فهل يستطيع أن يدخل عليه العدو؟) قالوا: لا، قال: (فكذلك ذِكر الله).

(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) (الناس:4) يخنس الشيطان عند ذِكر الله عزَّ وجلَّ.

ومن الأذكار العظيمة اجعلها على بالك من الأوراد اليومية قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير -وليس فيها يُحيي ويُميت- إذا قلتها في صباحك مائة مرة كتب الله لك مائة حسنة، ومحا عنك مائة سيئة، وكانت حرزٌ لك من الشيطان في يومك ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جئت به، وهي لا تأخذ إلا بضع دقائق، وسواءً قلتها متفرقة أو مجتمعة فقلها في يومك فإنها ذكرٌ عظيم، كيف لا! ولا إله إلا الله أعظم الحسنات وأيسر الحسنات.

ومن الأذكار: أذكار الصباح والمساء، ومن الأذكار: الأذكار عند دخول دورة المياه، وعند الخروج، وعند الطعام، وعند الانتهاء، وغير ذلك من الأذكار العظيمة التي تجعل العبد في حصنٍ حصينٍ من الشياطين.

والحصن الخامس –أيها الأحبة-: الاستعاذة، إنها الاستعاذة العظيمة، الاستعاذة –عباد الله- هي: الالتجاء والاعتصام والاحتراز من شيءٍ تخافه إلى من يعصمك منه، وشياطين الجن والإنس لا يعصمك من شرهم وكيدهم ومكرهم إلا الله (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) (الأعراف:200).

ولما كان رجلٌ عند النبي ﷺ غضب غضبًا عظيمًا انتفخت أوداجه واحمر وجهه، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إنه لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ذلك) فقيل للرجل: قُل ذلك، فأبى.

 فالشاهد –عباد الله- أن الاستعاذة حرزٌ وحمايةٌ من شر الشياطين؛ ولهذا جاء الاستعاذة في مواطن عظيمة عند دورة المياه، عند الدخول للخلاء، وعند ظهور الفتن، والاستعاذة من شر ما يعمل الإنسان ومما لا يعلم، وغير ذلك من مواطنها.

والحصن السادس –أيها الأحبة-: قراءة المعوذتان، أن المعوذتان العظيمتان هما سورة الفلق وسورة الناس، سورتان عظيمتان كبيرتان حمايةُ للإنسان من شر شياطين الإنس والجن؛ ولهذا في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (مَا تَعَوَّذَ بِمِثْلِهِمَا مُتَعَوِّذٌ).

وجاء عند الترمذي أن النبي ﷺ كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الجان وعين الإنسان) فلما نزلتا عليه أخذ بهما وترك ما سواهما.

وقراءتهما في ثلاثة مواطن:

الموطن الأول: قراءتهما عند النوم ثلاثًا.

والموطن الثاني: بعد الصلوات المكتوبات بعد الظهر، والعصر، والعشاء مرةً مرة، وبعد المغرب والفجر ثلاثًا ثلاثًا.

والموطن الثالث: في الصباح والمساء ثلاثًا ثلاثًا.

وفي قراءتها دُبر الصلاة سرٌّ عظيم أشار إليه ابن القيم $ وهو أن الله عزَّ وجلَّ يحمي العبد من الصلاة إلى الصلاة حمايةً وحرزًا من شر الشياطين، فاقرأهما بتدبر وتأمُّل، وتفكَّر فيهما، ففيهما الاستعاذة من شر الدنيا والآخرة.

والحصن السابع –أيها الأحبة-: الإخلاص لله، والإيمان بالله، والتوكل على الله (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (النحل:99) (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص:82-83).

وكلما قوي إخلاصك، وقوي إيمانك، وقوي توكلك، فتعلم علم اليقين أن الضُّر والنفع بيد الله (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (البقرة:102) فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك حينئذٍ تدفع شر الشياطين.

يجري القضاء وفيه الخير أجمعه

 

لمـؤمـــنٍ واثـقٍ باللـه لا لاهي

إن جاءه فـــــرحٌ أو نابه تــــرحٌ

 

في الحالتين يقول: الحمد لله

 قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

والحصن الثامن –عباد الله-: قراءة خواتيم سورة البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) (البقرة:285) الآيتين فإنهما كما في الصحيحين: (مِنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) كفتاه من كل سوء، ومن كل مكروه، ومن كل عين، ومن كل سحر، ومن كل أذى؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم لما ذكر النبي ﷺ: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة:286) (قال الله: قد فعلت) الحديث رواه مسلم.

ولهذا –عباد الله- هاتان الآيتان كان السلف يستحبون أن يدعو الإنسان بما فيهما من الدعاء، وقد نزلتا على النبي ﷺ نزل بهما هما وفاتحة الكتاب ملكٌ خاصٌّ، وفُتِح بابٌ خاصٌّ وقال: إنك لن تسأل الله عزَّ وجلَّ بشيءٍ منهما إلا أُعطيت، وهما خواتيم سورة البقرة من أوراد الليل، ودخول الليل من صلاة المغرب.

والحصن التاسع: لزوم الجماعة والاجتماع، فقد قال في الحديث عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالاجتماع وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد) ولما ذكر صلاة الجماعة قال: (فإن الشيطان يأكل من الغنم القاصية).

 فالجماعة والاجتماع رحمة منه تفر الشياطين، ولا تستطيعه شياطين الإنس والجن؛ ولهذا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103).

ولهذا شُرِع الاجتماع في أمهات العبادات: في الصلوات الخمس، وفي الجُمَع، وفي الأعياد، وفي بعض نوافل العبادات والطاعات.

والحصن العاشر -وهو الأخير-: لزوم الطاعة والعبادة، والإكثار منها، فإن الشيطان يفر من الطاعة، ويفر من صاحب العبادة.

ولما ذكر النبي ﷺ سجود السهو قال فيهما: (فإن شفعن له كُنَّ إرغامًا للشيطان) وفي سجدة التلاوة جاء في صحيح مسلم يقول النبي ﷺ: (إذا مر العبد بالسجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، فقال: ويحي أُمِرت بالسجود فلم أسجد، وأُمِر ابن آدم بالسجود فسجد) فعند العبادة والطاعة، والذكر، والصدقة، والصِّلة، والبِر والإحسان، وحُسن الخلق، والاجتماع، والإتلاف، وألوانٍ من العبادات والطاعات تفر منه شياطين الإنس والجن.

فاجعل لحياتك نصيبًا من العبادة، واسمع إلى مقالة الإمام ابن تيمية حيث قال $: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.

وقال $: أسعد الناس أعبدهم لله.

 

 

المشاهدات 991 | التعليقات 0