تحريم الظلم والأمر برد المظالم(3) الحث على النزاهة وحفظ المال- موافقة للتعميم

تركي بن علي الميمان
1447/06/13 - 2025/12/04 00:05AM

عنوان الخطبة: تحريم الظلم والأمر برد المظالم(3) الحث على النزاهة وحفظ المال

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، الحكم العدل، جامع الناس ليوم لا ريب فيه، أحمده سبحانه وأشكره، وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]

عباد الله: الظلم فساد للفطرة الإنسانية، والظلم يؤدي إلى الفساد والإفساد في الأرض؛ ومن الظلم: أكل أموال الناس بالباطل. وما شاع الظلم في أمة إلا وكان عاقبتها الهلاك والدمار.

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» ثَلاَثًا. [رواه البخاري(2597)ومسلم(1832)]

إن هذا الحديث من أصول الإسلام في الحكم، ورعاية المصلحة العامة، واحترام الحق والعدل في إدارة شؤون الناس، وسياسة مصالحهم، ويؤكد ضرورة ابتعاد من يتولى أمراً من الأمور العامة عن كل شبهة، ووجوب أمانته، وترفعه عن كل المغريات التي يتساقط فيها من ليسوا أهلاً لولاية الأمر .

ويلاحظ أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم كان صارماً في هذه المواجهة، وجاءت لغته ممزوجة بالتعريض والحدة والغضب وهو يُعلِّم كل من يتولى أمر المسلمين الدرس الحقيقي، والمسلك الشرعي: في تدبير أمر الرعية، وفي الحفاظ على الحقوق وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وعدم التربح من الجاه والسلطان.

ورسول الله صَلى الله عليه وسلم لم يحدد اسم الرجل، وإنما حدد وظيفته وهي العمل على الصدقة أو ولاية أمور الناس، لأن المراد هو التحذير من مثل ذلك، سواء فيه القائل أو غيره، وهذا من مزيد فضله وحسن خلقه، وكذلك لتحذير كل من يتولى المسؤولية من أن يقوم بمثل هذا التصرف حرصاً على مصلحة الأمة، والأمر ليس مواجهة بين رسول الله وابن اللتبية، ولكنه مواجهة بين المنهج الصحيح، والمنهج المعوج، بين منهج الأمانة ومنهج الخيانة.

ثم يختم الحديث بهذه الصورة التي تفضح أمر كل مسؤول ينهب الأموال ويدَّعي أنها من مخصصاته، حيث يقسم رسول الله صَلى الله عليه وسلم أنَّ من يفعل ذلك سيلقى ربه وهو يحمل على رقبته كل ما سرقه من حقوق الأمة.[كنوز رياض الصالحين(4/266-268)]

عباد الله: لقد بين رسول الله صَلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حرمة الرشوة وتقديم الهدايا للعمال، فقال: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وذلك تمييزاً للرشوة وآخذها يوم القيامة لمزيد                  قبحها.

وقد لعن رسول الله صَلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»  [رواه أبو داود(3580) وصححه الألباني]

وهي تندرج تحت أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:188] [كنوز رياض الصالحين(4/271)]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58] 

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:  

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ،ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه،{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة:281]

عباد الله: منزلة الأمانة في الإسلام عظيمة، والأمانة من أوصاف المؤمنين، والأمانة ميزان صلاح المجتمع، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون:8]

ومما يناقض الأمانة-عباد الله-: الفساد والخيانة، فالفساد الإداري والمالي على الفرد والمجتمع خطره عظيم، وآثاره سيئة؛ فيحرم الاعتداء على المال العام، واستغلال الوظيفة للمصالح الشخصية، والحذر من جريمة الرشوة، فعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[رواه البخاري(3118)]

فالنزاهة -عباد الله- لها أثر عظيم على صيانة مقدرات الوطن، وأنها سبب في زيادة البركة واستمرار نعمة الرخاء في المعيشة.

فالحذر من التساهل في أكل المال الحرام؛ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ»[رواه أحمد(14441)إسناده قوي-وهذا لفظه-، والترمذي(614)وصححه الألباني]

وينبغي الإبلاغ عن أي مظهر من مظاهر الفساد الإداري والمالي، فذلك من الواجبات الشرعية، لما له أثر من حماية المجتمع وصون الحقوق، ودفع الضرر عن البلاد والعباد. 

=فلنتق الله تعالى-عباد الله-، ولنحافظ على الأموال العامة، فالتصرف فيها بغير حق، من الظلم الذي يؤدي إلى الفساد، {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[الأعراف:56]

وصلوا وسلموا على الهادي البشير...

المرفقات

1764788782_تحريم الظلم والأمر برد المظالم(3) الحث على النزاهة وحفظ المال -.docx

1764788796_تحريم الظلم والأمر برد المظالم(3) الحث على النزاهة وحفظ المال -.pdf

المشاهدات 251 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا