تحرير الرها من الصليبيين
ناصر محمد الأحمد
1436/01/04 - 2014/10/28 03:08AM
تحرير "الرها" من الصليبيين
7/1/1436ه
د. ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: في التاريخ عبرة. والأمة التي لا تقرأ تاريخها لن تقرأ مستقبلها. والأمة اليوم في أمس الحاجة إلى مراجعة تاريخها، خصوصاً فيما يتعلق بصراعها مع خصومها وأعدائها.
يا جامعي حطب التاريخ في قلم لا تحرقون سوى الأيدي بلا حذر
هلا وعيتم دروس الأمس دامية هلا استجبتم لضم القوس للوتر
فالقلب إن يعرف الإيمان نبضته كان الجناحان ملئ السمع والبصر
فلْنُقلب صفحة مشرقة من صفحات تاريخنا، لعله يجدد شيئاً من العزة في نفوسنا، فنستفيد منه في بعض صراعاتنا اليوم.
كيف حرر المسلمون مدينة "الرها" من أيدي الصليبيين؟.
تعرّضت الأمة الإسلامية في أواخر القرن الخامس الهجري لأول عدوان عسكري خارجي يغزوها في عقر دارها ويهدد وجودها ومصيرها ألا وهو عدوان الفرنجة الصليبيين، عندما جاءوا من دول مختلفة في غرب أوروبا خاصة فرنسا للاستيلاء على بلاد الشام والجزيرة والاستيطان فيها بتحريض من البابا أوربان الثاني والكنيسة الكاثوليكية، بذريعة تخليص الضريح المقدس في أرض المسيح من أيدي المسلمين الكفار، وتأمين وصول الحجاج المسيحيين إلى الأراضي المقدسة في فلسطين. وهكذا اندفعت الجحافل الجرارة لهؤلاء الغزاة تحت راية الصليب، مخترقين شرقي أوروبا، وقطعوا آلاف الأميال حتى وصلوا إلى الأناضول، حيث نجحوا في إحراز النصر على الأتراك السلاجقة، أكبر القوى الإسلامية في المشرق الإسلامي إذ ذاك، وذلك في عام 1097م، الأمر الذي فتح أمامهم طريق آسيا الصغرى، ومنها إلى الجزيرة والشام أو أرض اللبن والعسل بناء على ما هو مدون في كتابهم المقدس. وقد ردد رجال الدين الكاثوليك هذا الوصف كثيراً على مسامع عامة النصارى في مدن فرنسا وإيطاليا وألمانيا، أثناء فترة الدعوة والتحضير لهذه الحملات الغاشمة وذلك لحشد أكبر عدد ممكن من المقاتلين من مختلف الطبقات والفئات، مع منحهم صكوك الغفران التي يدخلون بها الجنة بزعمهم إن هم قتلوا المسلمين، فكان ذلك حافزاً لكثير من المغامرين والمرتزقة والمهمّشين واللقطاء واللصوص وغيرهم للانخراط في هذه الحملات العدوانية لأجل إشباع رغباتهم وتحقيق أطماعهم الدنيوية في تلك الأرض الموعودة على حساب أهلها المسلمين، وذلك بجانب العامل الديني. وقد رسم لنا المؤرخون صوراً مرعبة للمذابح التي ارتكبها الصليبيون بحق المسلمين، وما قاموا به من سلب ونهب وتخريب وتدمير للمدن الإسلامية التي احتلوها أو مرّوا بها، وصولاً إلى المذبحة الكبرى التي ارتكبوها غداة اقتحامهم مدينة القدس في 23 شعبان عام 492هـ، التي راح ضحيتها جل سكان المدينة. وخلال عدد قليل من السنوات استطاع الصليبيون أن يستولوا على أجزاء واسعة من مدن وموانئ وأقاليم بلاد الشام والجزيرة، وأكدوا وجودهم الاستيطاني بإنشاء عدد من الإمارات الصليبية في أخصب بقاعها وأغناها، مثل: الرها، وإنطاكية، وطرابلس، وبيروت، وعكا، وصيدا، فضلاً عن مستعمرتهم الأساسية في فلسطين. وقد ضموا إلى كل مستعمرة أو إمارة ما يحيط بها من مدن وأقاليم زراعية خصبة، وعملوا على تأمين كل منها بسلسلة من القلاع والحصون القوية التي نظّموا فيها الحاميات، وشحنوها بالمؤن والسلاح، وبكل ما يمكنها من الصمود لمدة طويلة في وجه أي حصار قد يقوم به المسلمون لها. وبعد أن استتب وجودهم في تلك الإمارات والمستعمرات، شرعوا في تطوير أعمالهم العدوانية ضد المدن والبلدات الإسلامية التي لم تخضع لهم، فاستحلوا دماء أهلها وأموالهم، وقطعوا طرقهم، ونهبوا قوافلهم وخيراتهم، وأذاقوهم لباس الذل والخوف.
أيها المسلمون: تسأل كيف كان حال المسلمين وواقعهم السياسي حين احتلال الصليبيين للقدس وبلاد الشام والجزيرة؟.
الجواب: أنه كان يسود التفكك والتشرذم والشقاق بين المسلمين، وكانت تتقاسم أقاليم المشرق الإسلامي إذ ذاك خلافتان متناقضتان ومتصارعتان، وهما: الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في القاهرة، وكانت كل منهما في قمة الضعف. فأما الخلافة العباسية السنية في بغداد وهي الأقدم والأعرق فكانت قد تحولت إلى رمز ديني معنوي، وكان الخلفاء العباسيون يمارسون دوراً شكلياً فقط، ولم يكن تحت أيديهم أي قوة عسكرية، ومن ثم لم يكن لهم أي تأثير يُذكر على مجرى الأحداث خارج مدينة بغداد، وكانت الهيمنة الفعلية للأتراك السلاجقة منذ سنة 447هـ، وهو العام الذي دخل فيه زعيمهم طغرل بك بغداد وخلّص الخلافة العباسية من سيطرة البويهيين الشيعة. وأما الخلافة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية في القاهرة، فكانت هي الأخرى منهكة وضعيفة نتيجة الفتن الداخلية التي عصفت بها من جهة، والحروب المتواصلة والمكلفة بينها وبين السلاجقة في الشام لأسباب مذهبية وسياسية من جهة أخرى. ولم يكن للفاطميين شأن يذكر في مقاومة الصليبيين، خاصة بعد هزيمتهم البحرية وتدمير الصليبيين أسطولهم في معركة عسقلان سنة 517هـ. ومنذ ذلك الحين انشغلت الخلافة الفاطمية بانقساماتها، وفقدت السيطرة على الأحداث التي حولها، حتى جاء صلاح الدين فكنسها إلى مزبلة التاريخ. كما أن الدولة السلجوقية التي كانت وصية على الخلافة العباسية، كانت هي نفسها مفككة ومقسّمة إلى إقطاعيات عسكرية منتشرة في الأناضول وفارس والشام والجزيرة، وكانت هذه الإقطاعيات قد فقدت أواصر الارتباط فيما بينها بعد وفاة آخر سلاطينهم الكبار، وهو ملكشاه بن ألب أرسلان سنة 485هـ.
وفي تلك الفترة حالكة السواد، ظهرت خيانات الخائنين، وانكشف تخاذل المتخاذلين، وانتشرت الجماعات الباطنية، وكانت شوكة مؤذية في خاصرة المسلمين. في حين تُرك العبء الأكبر من الجهاد على عاتق القوى المحلية، التي كان يقودها العلماء العاملون، وغالباً ما كان يحدث ذلك أثناء حصار الصليبيين للمدن. وأما من كان يقاتل من أمراء المسلمين، فكان يقاتل دفاعاً عن نفسه، وعما تحت يده من بلاد، ولاتقاء لعنة التاريخ التي لا ترحم ولا تحابي أحداً.
أيها المسلمون: استمر ذلك الوضع السيء إلى أن ظهر الأمير عماد الدين زنكي التركماني، وهو من قادة السلاجقة، والذي تسلم إمارة الموصل سنة 521هـ بأمر من الخليفة العباسي المسترشد بالله، وبترشيح من السلطان محمود السلجوقي، الذي كان عماد الدين يحظى بثقته وتقديره، لما علم من شهامته وكفايته. فكان عماد الدين زنكي هو الذي رفع راية الجهاد ضد الصليبيين بصورة منظمة. بيد أن طريق الجهاد لم يكن مفروشاً بالورود أمام هذا القائد المسلم، فهو عندما تولى الموصل كانت الإمارات الصليبية قد صارت تشغل الساحل الشامي بطوله، إضافة إلى مستعمرتهم الرئيسية مملكة بيت المقدس التي كانت تشغل معظم أراضي فلسطين الحالية، بل كان ملوكها قد توغلوا في أعماق البلاد فبسطوا نفوذهم على الكرك في شرقي نهر الأردن، وعلى الشوبك والبتراء ووادي عربة في جنوب البحر الميت، وامتدت سيطرتهم لتصل إلى ميناء إيلات على خليج العقبة. وقد شكل احتلالهم هذه المناطق تهديداً مستمراً لمواكب الحجاج ولقوافل التجار المسلمين إلى الحجاز والأراضي المقدسة، وأيضاً القوافل المتجهة إلى مصر التي أصبح هذا الطريق هو الممر الوحيد إليها من الشام بعد قطع الصليبيين الطريق الساحلي الذي يربط بين الشام ومصر. وهذا فضلاً عن توغل الصليبيين في أعماق بلاد الجزيرة من خلال إمارة الرها الصليبية، التي راح خطرها يزداد ويتعاظم يوماً بعد يوم. ويمكن القول إنه غداة ظهور عماد الدين زنكي على الساحة الإسلامية، كان الصليبيون قد سيطروا على معظم بلاد الشام والجزيرة، ولم يكن يخرج عن سيطرتهم سوى قواعد الشام الأربع: دمشق وحلب وحمص وحماه. لكن ومع استقلال هذه المدن، إلا أنها كانت عرضة للغارات الصليبية المتواصلة. كل ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فقد كان عماد الدين زنكي محكوماً في حركته بمصالح السلطان السلجوقي والخليفة العباسي ومراكز القوى الأخرى حوله، ثم إنه كان لزاماً عليه أن يهتم أولاً بشؤونه الداخلية وبناء قوته الذاتية، وقد استغرق منه ذلك عدداً من السنوات، فقد تمكن بعد فضل الله ثم بفضل خبرته العسكرية وكفاءته الإدارية من توطيد سلطته في مدينة الموصل وما حولها، وأصبح سيد الجزيرة بغير منازع، كما رسخ نفوذه في حلب ثم في حماه، وبذلك وحّد بين شمال العراق وشمال الشام، وخطا الخطوة الأولى على طريق وحدة الصف. وبالتزامن مع ذلك عمد عماد الدين إلى مناجزة الصليبيين، فانتصر عليهم في عدد من المعارك غير الحاسمة، كما انتزع منهم كثيراً من الحصون والقلاع. وقد توج عماد الدين انتصاراته الظافرة بتحرير مدينة الرها سنة 539هـ.
الرّها مدينة قديمة مشهورة من أمهات مدن إقليم الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات. وهي تقع بين الموصل والشام إلى الشمال من مدينة حلب، وسكانها اعتنقوا المسيحية. وتعتبر مدينة الرها أهم أمكنتهم الدينية والتاريخية. وكان الذي فتحها هو الصحابي عياض بن غَنْم سنة 17هـ. وكان فتحها صلحاً ودخل أهل سائر الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرهاء من الصلح. وهي اليوم تحت سيادة الدولة التركية وتُدعى "أورفا". وقد احتل الصليبيون الرها سنة 1097م، ونظراً لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والدينية، فقد أنشؤوا فيها إمارة صليبية كانت هي أولى إماراتهم في الشرق. ولم يكد يمرّ عامان على تأسيس الرها، حتى أصبح أميرها ومؤسسها ملكاً على مملكة بيت المقدس، وكانت إمارة الرها هذه أكبر وأخطر مستعمرة صليبية في المشرق بعد مملكة بيت المقدس، وكان خطرها يرجع إلى كونها أقيمت في عمق بلاد المسلمين وليس على الساحل كبقية الإمارات الصليبية، ثم إن هذه الإمارة الصليبية كانت تشكل خطراً كبيراً على مدينة الموصل وما يتبعها، وكانت في نفس الوقت تشكل تهديداً لمدينة حلب ولشمال الشام كله، هذا فضلاً عما يمثلهُ قربها من العراق من تهديد للخلافة الإسلامية التي تعد رمز الوحدة بين المسلمين. كما كانت هذه الإمارة من جهة ثالثة، مصدر خطر كبير على الطريق البري الممتد من مدينة الموصل إلى مدينة حلب، وكان أميرها الصليبي يطلق قواته للإغارة على بلاد المسلمين القريبة من الرها، وقطع الطرق وممارسة أعمال السلب والنهب بصورة مستمرة. كما أنه كان قد استغل انشغال عماد الدين زنكي بقتال الصليبيين في جنوب الشام، فقام بتوسيع حدود إمارته، فبسط سيطرته على مناطق كثيرة في غربي الفرات. ولم يكن عماد الدين زنكي غافلاً عما كان يقوم به هذا الصليبي وقواته من تحرشات واستفزازات للمسلمين، لكنه ظل يترقب الفرصة المناسبة لتوجيه ضربة قاضية لهذه الإمارة الصليبية المعادية، وقد كان هذا الخيار أشدّ إلحاحاً بعد تزايد خطره واطراد أعماله العدوانية ضد المسلمين وممتلكاتهم، وكثرت شكاوى المسلمين منه إلى عماد الدين زنكي. فماذا فعل عماد الدين يا ترى؟.
هذا ما سنسمعه في الخطبة الثانية بإذن الله ..
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: أعدّ عماد الدين زنكي لذلك خطة محكمة أحاطها بالسرية التامة، كما أنه لم يُظهر أي سوء نية تجاه أميرها، وذلك لضمان نجاح الخطة وعدم فشلها. ذلك أن أميرها إلى جانب شهرته بالغدر والقسوة والأطماع الواسعة، كان معروفاً بالدهاء والشجاعة والفروسية، ومتميزاً بالكفاءة القيادية والإدارية، ولو أنه علم أو حتى شك بما يدبره له عماد الدين لاستعد له، ولاستنفر قوى الصليبيين التي من حوله وحشدها إلى جانبه، ولظل متأهباً على الدوام لصد أي هجوم على إمارته قد يقوم به ضده. وحينئذ كان سيتعذر على جيش عماد الدين مواجهة قوى الصليبيين مجتمعة بطبيعة الحال، كما يتعذر عليه اقتحام قلعة المدينة المعروفة بحصانتها الشديدة، والتي قد يلجأ للتحصن بداخلها بعد أن يشحنها بالمؤن والأطعمة والعتاد، وبصورة تؤدي إلى صموده لفترة طويلة، الأمر الذي لم يكن في صالح عماد الدين لأن أجزاء أخرى من بلاده ستكون أثناء ذلك عرضة للغزو من قبل جيوش الإمارات الصليبية الأخرى، أو حتى من قبل جيوش حكام المسلمين الذين يناصبونه العداء. ولذلك فقد قضت تلك الخطة بمباغتة المدينة على حين غرة، مع استخدام وسائل الضغط كافة على المدينة وإرغامها على الاستسلام قبل تدخّل القوى الفرنجية. وهذا ما حدث بالضبط. ففي نوفمبر سنة 1144م خرج عماد الدين زنكي بقواته من مدينة الموصل متظاهراً بغزو ديار بكر الواقعة في أعالي دجلة، بعد أن كان قد حيل بينه وبينها في العام السابق. وكان يتابع بصورة سرية تحركات أمير الرها. وسبب اختياره لهذا التوقيت بالذات هو علمه بأنه موعد مغادرة أمير الرها إلى إمارة إنطاكية لحضور احتفالات عيد الميلاد التي تُقام فيها سنوياً حسب العادة بما يتخلل هذه المناسبة عند النصارى من ضروب اللهو والعربدة والصخب، والتي كان يميل إليها أمير الرها الصليبي. وفعلاً فمع خروج عماد الدين زنكي على رأس جيشه من مدينة الموصل، غادر الصليبي مدينة الرها متوجهاً إلى إنطاكية وهو في تمام الاطمئنان على مدينته، نظراً لتصوره أن عماد الدين زنكي منشغل عنه، ولماّ علم عماد الدين بأمر مغادرته أرسل مباشرة إلى أمير حماه يطلب منه توجيه قواته إلى مدينة الرها على وجه السرعة، وما لبث هو نفسه حتى انحرف بقواته غرباً، فأطبق الجيشان: جيش حماه وجيش الموصل على مدينة الرها في وقتٍ واحد، وأحكما الحصار حولها، وباشر النقّابون في العمل لفتح ثغرات في سور المدينة تحت غطاء الهجمات التي كانت تشنها القوات الإسلامية على حامية المدينة. وقد استمر الحصار أربعة أسابيع كان أمير الرها قد علم خلالها بما تتعرض له قاعدة إمارته، فعاد أدراجه إليها، لكنه لم يجرؤ على الاقتراب منها، ولجأ إلى قرية مجاورة على الضفة الغربية للفرات، ومكث فيها منتظراً وصول المدد من إمارة إنطاكية ومن مملكة بيت المقدس، اللتين كان قد بعث إليهما يستنفرهما لنجدته، إلا أن الجيوش الصليبية وصلت بعد أن كانت الجيوش الإسلامية قد اقتحمت المدينة ودخلتها عنوة، بما في ذلك اقتحام قلعتها الحصينة. وقد كان للمباغتة دورها الحاسم في سرعة سقوط قلعة المدينة العصية بأيدي قوات عماد الدين التي داهمتها في وقت لم تكن فيه حاميتها مستعدة للصمود لحصار طويل. وهكذا دخل عماد الدين مدينة الرها، وعاد الأذان يصدح من جديد في هذه المدينة بعد أن توقف نحو خمسين عاماً بسبب الاحتلال الصليبي.
استطاع عماد الدين زنكي بعد تحرير هذه المدينة المهمة تصفية الوجود الصليبي في شرقي الفرات، فاستولى على ما كان للصليبيين من حصون ومعاقل هناك، كما تم تأمين الطريق الرئيسية الممتدة من الموصل إلى حلب والطرق المتفرعة عنها من غارات الصليبيين، فأمن المسلمون على أموالهم وممتلكاتهم وأعراضهم في تلك الأنحاء بعد طول قلقٍ ومعاناة. وقد كان تحرير مدينة الرها أعظم انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ أن جاؤوا إلى المشرق الإسلامي، فانتعشت بهذا الانتصار آمال المسلمين وارتفعت معنوياتهم، كما أن هذا الانتصار عزز من سمعة ومكانة عماد الدين زنكي، وأعلى من شأنه بين أمراء المسلمين، ودعم موقفه في جهاده ضد الصليبيين في بلاد الشام. فقد هزّ تحرير الرها جبهة الفرنج في الصميم، وقد عد بعض المؤرخين الأوروبيين تحرير الرها بداية النهاية لمملكة بيت المقدس الصليبية. بيد أنه لم يُكتب لعماد الدين زنكي مواصلة مشواره، فقد لقي حتفه غيلة في 6 ربيع الآخر 540هـ على يد كبير حرّاسه، وكان من الباطنية، وذلك بعد مرور عام وبضعة أشهر على تحريره مدينة الرها. وبعد استشهاده حاول الصليبيون استعادة الرها من جديد، إلا أن ابنه الملك الصالح نور الدين محمود، الذي خلَفه على إمارة حلب، تصدى لهم بكل جسارة، وكان نور الدين هذا من خيرة حكام المسلمين وأصلحهم وأتقاهم بعد عمر بن عبد العزيز كما قال ابن كثير وغيره، وكان يفوق والده عزماً وحماسة وهمة للجهاد في سبيل الله، ولطرد الصليبيين الجاثمين في بلاد المسلمين، وكان له شرف التصدي للحملة الصليبية الثانية. وفي عهده تغيّر الموقف تغيّراً حاسماً لصالح المسلمين، وخاب أمل المرجفين الذين راهنوا على انقسام مُلك عماد الدين زنكي وتوقف عجلة الجهاد بعد وفاته.
فهل لنا في التاريخ عبرة؟ ..
أمامك فانظر أيّ نهجيك تنهج طريقان شتى مستقيم وأعوج
أما فيكم راعٍ لحق نبيه ولا خائفٌ من ربه يتحرج
فيدرك ثأر الله أنصار دينه ولله أوس قادمون وخزرج
ويقضي إمام الحق فيكم قضاؤه تماماً وما كل الحوامل تُخدَج
اللهم ..
المشاهدات 2344 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
داما سباق شيخنا لكل نازلة ومقدام لكل حادثة ورائد كل جديد ومفيد ويعلم الله أنكم قائمون على ثغرة لا يقوم غيرك بسدها فكتب الله أجرك ونفع بعلمك وجزى الله خيرا كل المشاركين والزائرين والمعلقين.
تعديل التعليق