تحذير الأخيار من هوس الانتحار

الشيخ السيد مراد سلامة
1441/04/13 - 2019/12/10 19:55PM

Smiley face

{تحذير الأخيار من هوس الانتحار}
إعداد الشيخ
 السيد مراد سلامة
عناصر الخطبة:

1-ظاهرة هوس الانتحار بالأرقام

2-حرمة الانتحار

-3أسباب الانتحار

4 – الآثار المترتبة على الانتحار:

5-كيفية التغلب على فكرة الانتحار

الخطبة الاولى

تعريف الانتحار

الانتحار هو قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال؛ مثل: الشنق، أو الحرق، أو تناوُل السموم، أو تناول جُرعة كبيرة من المخدرات، أو إلقاء نفسه في النهر، أو قتْل نفسه بمأكول أو مشروب؛ وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بأن مماته أصبح أفضل من حياته. 

أمّا بعد: فإننا في الحقبة الأخيرة وفي وسط تلك الفتن المهلكة أصاب كثيرا من شبابنا اليأس والقنوط وأصبحوا عرضة لما يسمى بهوس الانتحار فما من يوم إلا ومصرنا تفجع بشاب أو فتاة أقدم على الانتحار

هيا لنتعرف على تلك الظاهرة بالأرقام ونتعرف على حرمتها في شرع العزيز الجبار ونتعرف  أسبابها و آثارها و كيفية الوقاية منها

1-ظاهرة هوس الانتحار بالأرقام:

حقائق حول الانتحار

- حسب إحصاءات الأمم المتحدة فإنه في أية لحظة ننظر إلى سكان العالم نجد أن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية. إن أكثر من 90 % من حالات الانتحار يرتبط سبب انتحارهم باضطرابات نفسية وتحديداً الكآبة، أي فقدان الأمل الذي كان موجوداً لديهم .

- يعدّ الانتحار السبب الثامن لحالات الموت في الولايات المتحدة الأمريكية.

- الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة أضعاف تقريباً. ولكن محاولات الانتحار عند النساء أكثر.

- في 60% من حالات الانتحار يتم استخدام الأسلحة النارية مثل المسدس.

- تشير الدراسات إلى أن قابلية الانتحار لدى الشخص تكبر مع تقدم سنّه، ولذلك نرى بأن هنالك

أعداداً معتبرة بين الذين يموتون منتحرين وأعمارهم تتجاوز 65 عاماً. وهؤلاء معظمهم من الرجال.

ولكي لا يظن أحد أننا نبالغ في هذه الأرقام، فإننا نقدم إحدى الإحصائيات الدقيقة جداً والتي تمت

عام 2002 في الولايات المتحدة الأمريكية وكان بنتيجتها:

بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة. عدد الرجال منهم 25 ألف رجل، و6 آلاف امرأة.

أكثر من 5000 شخص بين هؤلاء هم من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً.

أما عدد الشباب بين هؤلاء (15-24 سنة) فقد بلغ 4000 منتحراً.

وبناء على هذه الأرقام فإنه يمكن القول بأنه في أمريكا هنالك شخص يقتل نفسه كل ربع ساعة!!

وفي هذه الإحصائية تبين بأن هنالك 17 ألف إنسان قد قتلوا أنفسهم بإطلاق النار من مسدسهم.

وهنالك أكثر من 6 آلاف شخص فضَّلوا شنق أنفسهم.

أكثر من 700 من هؤلاء ألقوا بأنفسهم من الطوابق العليا.

وأكثر من 300 شخص رموا بأنفسهم في الماء فماتوا غرقاً.

ويمكن القول وسطياً بأنه في كل عام يُقتل 100 ألف شخص بحوادث مختلفة مثل حوادث السيارات

وغيرها، وبالمقابل نجد أن 30 ألف شخص يقتلون أنفسهم، فتأمل هذه النسبة العالية جداً للذين

يقدمون على الانتحار.

والعجيب في هذا التقرير أن هنالك 5 ملايين أمريكي حاولوا قتل أنفسهم!!!

وعلى الرغم من الوسائل المتطورة التي تبذل في سبيل معالجة هذا الداء فإن نسبة الانتحار زادت

60 بالمئة خلال النصف القرن الماضي!

لقد كان الاعتقاد السائد قديماً أن أشخاصاً محددين فقط لديهم ميول نحو الانتحار، ولكن أثبتت

الحقائق العلمية أن كل إنسان لديه إمكانية الإقدام على الانتحار فيما لو توفرت الظروف المناسبة.

كما كان الاعتقاد السائد أن الحديث مع الشخص الذي ينوي الانتحار حول انتحاره سيشجعه على

الانتحار أكثر، ولكن الدراسات أظهرت العكس، أي أن الحديث عن عواقب الانتحار ونتائجه الخطيرة

وآلامه يمكن أن تمنع عملية الانتحار.

أحبتي في الله :و تفيد دراسة صدرت عام 2013، للباحث المصري، ياسر ثابت، في كتاب بعنوان "شهقة اليائسين"، أنّ حالات الانتحار في مصر زادت بنسبة 12 في المائة عام 2011، عن العام الذي سبقه. كما قال إنّ نحو 18 ألف حالة انتحار وصلت إلى مركز السموم خلال عام 2011، أغلبها رجال. وتشهد مصر سنويّاً نحو 3 آلاف حالة انتحار، لمن هم في عمر أقل من 40 سنة. فيما تقول تقارير أخرى، إنّ 5 أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الانتحار بغية التخلص من مشاكلهم. وبحسب الدراسة، فإنّ عام 2009 وحده، شهد 104 آلاف محاولة انتحار في مصر، نجح 5 آلاف منهم في إنهاء حياتهم. وجاء الفصل الأخير من الكتاب بعنوان "أسبوع الانتحار"، وتحدث عن حالات الانتحار في مصر خلال الأسبوع الذي أعقب الثورة التونسية وسبق الثورة المصرية. وقال، إنّ النظام المصري السابق وظّف كل طاقاته لمواجهة من هدّدوا وجوده بإزهاق أرواحهم، على طريقة محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه، وأشعل الثورة التونسية. وأكد الباحث أنّ حالات الانتحار المستمرة بعد يناير/كانون الثاني 2011، تمثل أكبر دليل على أن هذه الثورة ما زالت مستمرة، من جهة، كما أنّ أسباب اليأس في المجتمع المصري لم تنضب بعد، من جهة أخرى. من جانبه، يؤكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أنّ "جريمة الانتحار في مصر أصبحت ظاهرة خطيرة تتصاعد يوماً بعد يوم". (1)

2-حرمة الانتحار

الانتحار حرام بالاتفاق، ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله. قال الله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(2) وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(3)

 وقد قرر الفقهاء أن المنتحر أعظم وزرا من قاتل غيره، وهو فاسق وباغ على نفسه، حتى قال بعضهم: لا يغسل ولا يصلى عليه كالبغاة، وقيل: لا تقبل توبته تغليظا عليه

كما أن ظاهر بعض الأحاديث يدل على خلوده في النار. منها قوله من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا (

أيّها المسلم، إنّ من أعظم النّفوس حرمةً عند الله نفسَك التي بين جنبيك، فنفسك أمانةٌ في عنقِك، لا تتعدّى عليها، ولا تعرض لها بسوء، فأنتَ مسؤول عنها، فيجِب المحافظة على النّفس، ومحاولةُ قتل النفس من كبائر الذنوب، سببٌ للعذاب يومَ القيامة وسخطِ الله وعضبِه، قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ، فنهانا عن قتلِ أنفسنا لأنّه تعالى بنا رحيم، ولذا وجَب على المسلم الصبرُ على البلاء، وحرم عليه الاستعجال بقتل نفسِه، بل نُهي عن تمنّي الموت، وأُمر بالصّبر والاحتساب.

الجزاء من جنس العمل

أيّها المسلم، إنّ سنّة نبيّك – صلى الله عليه وسلم- بيّنت عِظم قتلِ الإنسان نفسَه، وأنّ قتل الإنسان نفسَه كبيرة من كبائر الذنوب، تُوعِّد عليها بالنار يومَ القيامة، ففي الصحيح عن ثابت بن الضحاك : قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) (4)

 أي: يكون عذابُه بذلك النّوع الذي أزهَق به نفسَه، وفي الصحيح أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا(5)  

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : الذي يطعن نفسه إنما يطعنها في النار ، والذي يتقحم فيها يتقحم في النار ، والذي يخنق نفسه يخنقها في النار.(6)

سوء الخاتمة

عن سهل بن سعد الساعدي، قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين، وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم، فقال: «من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى هذا» فتبعه رجل، فلم يزل على ذلك حتى جرح، فاستعجل الموت، فقال بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه، فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليعمل، فيما يرى الناس، عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس، عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها»"  (7)

عن الحسن، حدثنا جندب بن عبد الله، في هذا المسجد، وما نسينا منذ حدثنا، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة "  (8)

3-أسباب ظاهرة الانتحار

أخي المسلم هناك أسباب عديدة لحدوث ظاهرة الانتحار تجعل من المرء فريسة للأوهام و أن السبيل الوحيد هو ان يقدم على إنهاء حياته ذكر العلماء منها

هناك مجموعة من العوامل التي قد تؤدي إلى قيام الشخص بالانتحار أو التفكير فيه، ويمكن إجمالها فيما يلي:

1-فمن أهم أسبابه عدم الإيمان بالله:

فالله -عز وجل-يقول: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا }(9)  , لذلك نجد أن أعلى معدل للانتحار في العالم في دول هي أعلى الدول دخلاً للفرد مثل: السويد والنرويج؛ وذلك لإلحادهم بالله وكفرهم.

2-الانغماس في المعاصي:

فمع كثرة عصيان الله يضيِّق اللهُ -تعالى-صدرَ العاصي, وتضيق به الحياة, ويفكِّر في الانتحار مهما كان يعيش عيشة رغدة، يقول الحسن البصري -رحمه الله- عن العصاة: "فإنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإن ذلَّ المعصية لا يفارق رقابهم؛ أبى الله إلا أن يذل من عصاه".(10)

3-اليأس من رحمة الله:

فنتيجة البُعد عن الله فإنه ييأس من أن ينشرح صدره، ويظن أن عُسره ليس بعده يُسر, ولا يمكنه أن يتمثل قول يعقوب لبنيه: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (11)

4-عدم الرضا بقضاء الله:

وهذا من أهم أسباب الانتحار؛ لأن المنتحر لا يكون حاله كحال المؤمن عن أبي يحيى صهيب بن سنان -رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )) (12)

ولما رأى علي -رضي الله عنه-عدي بن حاتم -رضي الله عنه- كئيبًا؛ قال له: "يا عدي، من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر, ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله".(13)

5-الجزع عند أدنى مصيبة:

فالمُنتحر ليس عنده صبر على البلاء، كهذا الرجل الذي أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) رغم شدة قتاله في المعركة، فتبعه أحد الصحابة حتى رآه أحد الصحابة وقد أثخنته الجراح، فثبَّت سيفه بالأرض, ووضع ذبابته عند صدره, واتكأ فقتل نفسه (متفق عليه).

6-جهل العاقبة:

فيظن المنتحر بسبب الضيق الذي يشعر به في الدنيا أنه بذلك سوف يرتاح, وينتهي نَصبُه، والحقيقة المُرَّة أنَّ ما سيلقاه بعد الانتحار من العذاب أضعاف ما كان يعانيه؛ لقوله -تعالى-: { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى }(14)

7-تكليف النفس الحصول على الكماليات:

وهي آفة عامة في المجتمع، فيحاول الشاب أو الفتاة أن يلبس ملابس ثمنها أضعاف راتبه، فيضطر إلى الاستدانة ليلبس، أو شرائها بالتقسيط، وكلاهما دين، وقِسْ على ذلك في كافة مناحي الحياة: عند الزواج، وعند شراء تليفون محمول, وعند شراء سيارة، ومسكن... يكلـِّف نفسه أكثر من حاجاته الأساسية, وأكثر من إمكانياته المادية, فإذا بالديون تلاحقه, فكان الإرشاد النبوي أن ننظر إلى من هو أسفل منا في الدنيا؛ لكي لا نزدري نعمة ربنا, وصدق "الحسن" إذ يقول: "من نافسك في دينك فنافسه, ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره".(15)

9-الإعلام الفاسد:

ففي الأفلام يمثل لك قصة حب محرمة بين رجل وامرأة، وعند فشلها تلجأ المرأة إلى الانتحار، ويلجأ الرجل إلى شرب الخمور، أو الانتحار أيضًا؛ فيؤثر ذلك في النشء, ويرسخ هذا المعنى عندهم, وخصوصًا مع المؤثرات النفسية التي تـُستعمل في هذه الأفلام.

10-اضطراب الشخصية: وهي ليست أمراضًا نفسية أو عضوية. وإنما سمات متطرفة تجعل تلك الشخصيات مختلفة عن بقية الناس، وهم لا يشعرون بأنهم يعانون من اضطراب، ولهذا يعاني من يعيشون معهم، ويعانون هم أيضًا من أنفسِهم وتصرفاتهم، وهم لا يستجيبون للعلاجات بشكل جيد لأنهم لا يقتنعون بحاجتهم إليها، ومنهم: الشخصية الهستيرية، والشخصية غير الناضجة انفعاليًا، والشخصية العاجزة، والشخصية الانطوائية، والمدمنون على الكحول أو المخدرات. وكل هؤلاء يفكرون في الانتحار.

11-المشاكل الأسرية واحترام الذات: قد تؤدي الصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين، وكذلك عيش الطفل أو المراهق مع زوجة أب قاسية او زوج أمّ قاسٍ، أو تعرض الطفل للضرب والإيذاء أو الحرمان العاطفي بشكل متكرر، أو الإهمال للطفل وحاجته النفسية والجسدية، أو تعرّض المراهق للنقد المستمر أو الاستهزاء وعدم احترام ذاته ومشاعره، وتعليم الوالدين المتدني، وحالات الاغتصاب للنساء. قد تؤدي جميعها إلى الوصول إلى حالة اكتئاب شديدة ومن ثم التفكير في الانتحار والتخلّص من الحياة.

12-المشاكل الاقتصادية: كالفقر، والبطالة وعدم الحصول على المهن اللازمة على الرغم من الشهادات والمؤهلات، أو فقدان المهنة أو المنزل. وقد بينت الدراسات حول الراشدين في هونج كونج مثلاً أن 55% من حالات الانتحار يقوم بها عاطلون عن العمل. وأعربت منظمة الصحة العالمية عن خشيتها من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع حالات الانتحار خاصة بعد إقدام بعض رجال الأعمال على الانتحار.

13-الفشل: يعد الفشل المالي كالفشل في سداد الالتزامات المالية أو التعرض للخسائر، أو الفشل العاطفي، أو الفشل الدراسي، أو الفشل الاجتماعيّ، أو الفشل المهني كتأمين وظيفة كريمة والمحافظة عليها، أحد الأسباب الرئيسيّة المؤدية للانتحار، وقد أظهرت الدراسات الدولية أن 60 % من حالات الانتحار كانت بسبب الفشل.

14-الشعور بالذنب أو الوحدة: ويُعتبر هذا سببًا رئيسيٍّا في الانتحار وهو الشعور بالذنب والرغبة في عقاب الذات، أو الشعور بالوحدة والاعتقاد بأن العالم لا يفهمه ولا أحد يشعر به، وبسبب عدم القدرة على توجيه العقاب للآخرين فيوجه العقوبة لذاته، وتكثر هذه الحالة عند المراهقين وغير الناضجين فكريًا أو المضطربين نفسيًا.

15-سهولة الوصول إلى المواد المميتة: كالأدوية والسموم والقفز من الأماكن المرتفعة.

4- الآثار المترتبة على الانتحار:

فإن سالت عن الآثار المترتبة على تلك الجريمة النكراء فهيا لنتعرف عليها من خلال شرع العزيز الغفار

أولا: إيمان أو كفر المنتحر:

ورد في الأحاديث الصحيحة عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ما يدل ظاهره على خلود ومنها حديث جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي نفسه، حرمت عليه الجنة) (16) أخرجه البخاري

وظاهر هذين الحديثين وغيرهما من الأحاديث يدل على كفر المنتحر؛ لأن الخلود في النار والحرمان من الجنة جزاء الكفار عند أهل السنة والجماعة.

لكنه لم يقل بكفر المنتحر أحد من علماء المذاهب الأربعة؛ لأن الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة -غير الشرك - لا يخرج عن الإسلام عند أهل السنة والجماعة، وقد صحت الروايات أن العصاة من أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون.

 بل قد صرح الفقهاء في أكثر من موضع بأن المنتحر لا يخرج عن الإسلام، ولهذا قالوا بغسله والصلاة عليه كما سيأتي، والكافر لا يصلى عليه إجماعا. ذكر في الفتاوى الخانية: المسلم إذا قتل نفسه في قول أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه.

وهذا صريح في أن قاتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، كما وصفه الزيلعي وابن عابدين بأنه فاسق كسائر فساق المسلمين(17)

 كذلك نصوص الشافعية تدل على عدم كفر المنتحر. (18).

وما جاء في الأحاديث من خلود المنتحر في النار محمول على من استعجل الموت بالانتحار، واستحله، فإنه باستحلاله يصير كافرا؛ لأن مستحل الكبيرة كافر عند أهل السنة، والكافر مخلد في النار بلا ريب، وقيل: ورد مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة.

ومما يدل على أن المنتحر تحت المشيئة، وليس مقطوعا بخلوده في النار - حديث جابر أنه قال لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص، فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وليديه فاغفر(19)  

وهذا كله يدل على أن المنتحر لا يخرج بذلك عن كونه مسلما، لكنه ارتكب كبيرة فيسمى فاسقا.

ثالثا: غسل المنتحر:

المنتحر عمدا، يغسل ويكفن لأنه لا يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه عند الفقهاء كما سبق، ولهذا صرحوا بوجوب غسله كغيره من المسلمين (20)

وادعى الرملي الإجماع عليه حيث قال: وغسله وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفاية إجماعا، للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره. (12)

رابعا: الصلاة على المنتحر:

واعلموا عباد الله أن جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية) يرى أن المنتحر يصلى عليه، لأنه لم يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه كما تقدم، ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا على من قال لا إله إلا الله (أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر) ولأن الغسل والصلاة متلازمان عند المالكية، فكل من وجب غسله وجبت الصلاة عليه، وكل من لم يجب غسله لا تجب الصلاة عليه. (22)

وقال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي -وهو رأي أبي يوسف من الحنفية، وصححه بعضهم - لا يصلى على قاتل نفسه بحال، لما روى جابر بن سمرة: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه (23 )

عن جابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن رجلا قتل نفسه، قال: " إذن لا أصلي عليه ".(24)

وعلله بعضهم بأن المنتحر لا توبة له فلا يصلى عليه

وقال الحنابلة: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه عمدا، ويصلي عليه سائر الناس. أما عدم صلاة الإمام على المنتحر فلحديث جابر بن سمرة السابق ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قاتل نفسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، فألحق به غيره من الأئمة)(25)  

وأما صلاة سائر الناس عليه، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين امتنع عن الصلاة على قاتل نفسه لم ينه عن الصلاة عليه. ولا يلزم من ترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة غيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بدء الإسلام لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له، ويأمرهم بالصلاة عليه. (26)

كما يدل على هذا التخصيص ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما أنا فلا أصلي عليه

وذكر في بعض كتب الحنابلة أن عدم صلاة الإمام على المنتحر أمر مستحسن، لكنه لو صلى عليه فلا بأس. فقد ذكر في الإقناع: ولا يسن للإمام الأعظم وإمام كل قرية -وهو واليها في القضاء - الصلاة على قاتل نفسه عمدا، ولو صلى عليه فلا بأس.(27).

خامسا: تكفين المنتحر ودفنه في مقابر المسلمين:

اتفق الفقهاء على وجوب تكفين الميت المسلم ودفنه، وصرحوا بأنهما من فروض الكفاية كالصلاة عليه وغسله، ومن ذلك المنتحر؛ لأن المنتحر لا يخرج عن الإسلام بارتكابه قتل نفسه كما مر. (28)

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

5-كيفية التغلب على فكرة الانتحار

أمة الإسلام: بعدما تعرفنا على تلك الظاهرة الخطيرة وتعرفنا على أسبابها وآثارها هيا لنتعرف على كيفية الوقاية من هوس الانتحار

فمن أعظم الوسائل التي تردع المؤمن بأن يفكر في هذه الموبقة وهذه الكبيرة من كبائر الذنوب هو: تنمية الوازع الديني والحس الإيماني وذلك باستحضار عدة أمور منها:

1- أن نفسه التي بين جنبيه هي ملك لله وليس ملكاً له حتى يتصرف فيها كيفما شاء يدل على ذلك حديث: عن أسامة قال أرسلت بنت النبي {صلى الله عليه وسلم} إليه أن ابناً لي قبض فائتنا وفي رواية حفص بن عمر عن شعبة أن ابني قد احتضر فاشهدنا وفي رواية حجاج أن ابنتي قد حضرت فأرسل يقرئ السلام ويقول إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكلٌّ عنده بأجلٍ مسمى فلتصبر)(29) فاللام لام الملكية .

2-أن يتذكر خطورة قتل النفس المعصومة ، وأن قتله لنفسه جمع منكرين عظيمين وموبقتين مهلكتين ، وهما قتل نفس مؤمنة والانتحار وليذكر قول الله تعالى : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(30)

3-استحضار أن الرزق مقسوم من الله وليس من البشر فقد جاء في الحديث : ( يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها) ، وهذا الرزق قد قدره الله وكتبه منذ أن نفخ في العبد الروح في بطن أمه كما في حديث : عبد الله قال حدثنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} - وهو الصادق المصدوق - إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة ً مثل ذلك ثم يكون مضغة ً مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيٌّ أو سعيد ثم تنفخ فيه الروح فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النا ر حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) !!(31)

4- استحضار النعم التي أكرمك ربك بها وشكرها : فنعمه تترى ولكن الشيطان يعميها على بعضنا ولذلك جاء الحث على استحضارها لئلا نكفر نعم الله علينا : {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(32)  

الهوامش

1-شهقة اليائسين /ياسر ثابت

2-[الأنعام: 151]

3-[النساء: 29]

4-أخرجه البخاري في الأدب (6105)، ومسلم في الإيمان (110)

5-أخرجه البخاري في الطب (5778)، ومسلم في الإيمان (109)

6-أخرجه البخاري في الجنائز (1369) وأحمد (2/435)، وهو في السلسلة الصحيحة (3421)

7-أخرجه البخاري (6493)

8-(أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3463) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (113))

9-(طه:124)

10-الجواب الكافي (ص: 38)

11-(يوسف:87).

12-أخرجه أحمد (4/333، رقم 18959)، ومسلم (4/2295، رقم 2999) ، والدارمي (2/409 ، رقم 2777) ، وابن حبان (7/155 ، رقم 2896) .

13-أخرجه ابن عساكر (40/93)

14-(طه:127).

15-سلسلة علو الهمة -المقدم

16-أخرجه أحمد (4/312 ، رقم 18822) ، والبخاري (3/1275 ، رقم 3276) ، ومسلم (1/107 ، رقم 113) .

17-الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 292) الفتاوى الخانية بهامش الفتاوى الهندية 1 / 186، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1 / 250، وابن عابدين 1 / 184.

18-نهاية المحتاج 2 / 432

19-((مسلم) 184 -(116) , (مسند الإمام أحمد) 15024)

20-الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 294) ابن عابدين 1 / 584، والفتاوى البزازية على الهندية 1 / 186.

21-نهاية ال محتاج2 / 432.

22- الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 294) القليوبي مع حاشية عميرة 1 / 348، 349، والفتاوى الهندية 1 / 163، وابن عابدين 1 / 584، وبلغة السالك على أقرب المسالك 1 / 543، وجواهر الإكليل 1 / 106.

23-أخرجه أحمد (5/91) قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي. وفي (5/92) و(94) قال: حدثنا حسن بن موسى. ومسلم (3/66) قال: حدثنا عون بن سلام الكوفي. وأبو داود (3185)

24-مسند أحمد (34/ 434) أخرجه ابن أبي شيبة 2/168، ومسلم (887) ، وأبو داود (1148)، والترمذي (532) ، وابن حبان (2819) ، والطبراني (1981) ، والبيهقي 3/284، والبغوي

25-المغني 2 / 418.

26-المغني 2 / 418، 419، والإقناع 1 / 228.

27-الإقناع 1 / 228

28-الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 295) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1 / 238، والشرح الصغير 1 / 543، وكشاف القناع 2 / 85، ونهاية المحتاج 2 / 432.

29-أخرجه الطيالسى (ص 88، رقم 636) ، وأحمد (5/204 ، رقم 21824) ، والبخاري (1/431 ، رقم 1224) ، ومسلم (2/635 ، رقم 923) ، وأبو داود (3/193 ، رقم 3125) ، والنسائي (4/21 ، رقم 1868) ، وابن ماجه (1/506 رقم 1588) ، وابن حبان (2/208 ، رقم 461) .

30-(93) سورة النساء

31-) أخرجه البخاري (3208) و (3332)، ومسلم (2643) (1)، وابن ماجه (76)، والترمذي (2271 -2273)، والنسائي مختصراً في "الكبرى" (11182)

32-(34) سورة إبراهيم.

 

المرفقات

الأخيار-من-هوس-الانتحار

الأخيار-من-هوس-الانتحار

المشاهدات 1810 | التعليقات 0