تجديد الخطاب الديني حينما يكون صناعة خبيثة! / بسام ناصر
احمد ابوبكر
1436/03/20 - 2015/01/11 05:48AM
[align=justify]باتت المؤسسات الدينية الرسمية مطالبة أكثر من أي وقت مضى من أنظمتها السياسية، بالاضطلاع بدور فاعل ومؤثر في التصدي لأفكار "التطرف والغلو"، والانخراط في مواجهة "الفكر التكفيري" المنتح للعمل العنفي، بتجريده من أسانيده الدينية، من أجل حماية الشباب وصيانتهم من الانسياق وراء تلك الجماعات، أو التأثر بمقولاتها وأفكارها بحسب الخطابات الرسمية.
تأتي تلك المطالبات الملحة في معمعة الحرب المعلنة على "الإرهاب"، وفي غمرة الحرب التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد انتكاسة الثورات العربية في البلاد التي مر بها الربيع العربي، وإجهاض تجارب الإسلاميين في الحكم، واعتبار حركة الإخوان المسلمين، أكبر الحركات الإسلامية السياسية، جماعة إرهابية في بعض البلاد العربية، ما فرض سياسة صارمة وشديدة في التعامل معها، والتضييق عليها باعتقال قياداتها وكوادرها، وإغلاق مؤسساتها الدعوية والخيرية.
يظهر بوضوح أن ما تمليه بعض الأنظمة السياسية العربية على مؤسساتها الدينية، وإن تظاهر بمطالبته لها بالتصدي للفكر التكفيري المتطرف، ومواجهة الغلاة المتشددين، إلا أنه تجاوز ذلك ليطالب تلك المؤسسات تحت عنوان تجديد الخطاب الديني، بإعادة النظر في الفكر الذي يقدسه المسلمون، ومن البدهي أن المسلمين لا يقدسون إلا النصوص الدينية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية.
حينما يتكلم بعضهم عن نصوص تضع (1.6) مليار مسلم في مواجهة مليارات البشر الآخرين، فهذا يعني أن مشكلته مع تلك النصوص، وليس مع البشر الذين يؤمنون بها ويريدون تطبيقها، فما حيلة المؤسسات الدينية حينما تكون مطالبة السياسيين لها، تتجاوز في حقيقتها ما تتجمل به في ظاهرها من التصدي للغلاة والمتطرفين والتكفيريين؟ كيف يمكن لمشايخ وعلماء تلك المؤسسات أن يستجيبوا لإملاءات السياسيين التي تطال في جوهرها وحقيقتها نصوص القرآن والسنة النبوية؟.
ما معنى أن يصرح أحد الساسة العرب بقوله: "إن الجهاد أصبح كارثة عالمية"؟ الأمر الذي يشي بأن جوهر تلك المطالبات ينصب على مفهوم الجهاد، الذي تستند إليه الحركات الإسلامية التي تنضوي تحت مسمى السلفية الجهادية بشكل مباشر، وتستند إليه كذلك بعض الحركات الإسلامية الأخرى، التي تنخرط في مقاومة المحتل الأجنبي، كحركتي المقاومة الإسلامية حماس، والجهاد الإسلامي في فلسطين.
إمعانا في التمويه والتضليل فإنه يتم تسويق تلك المطالبات، تحت عناوين دينية، بقدر كبير من الالتباس والمراوغة، كتجديد الخطاب الديني، وضرورة إحداث ثورة دينية، والدعوة إلى التحديث والتطوير، وعدم الجمود على القديم، فهل تجديد الخطاب الديني يسمح بالخروج عن ثوابت الدين وقطعياته؟ وهل الثورة الدينية تعني التنكر لأصول الدين وتغيير أحكامه الراسخة؟.
إن مطالبة بعض الساسة العرب بتجديد الخطاب الديني، في سياقات سياسية مفضوحة ومكشوفة، تُخرج تلك المفردة عن دلالاتها الإيجابية المطلوبة والمحمودة، وتكسوها بظلال سوداوية قاتمة، تجعلها كلمة ممجوجة ومرفوضة، وتضع العلماء والفقهاء أمام تحديات من لون جديد، إذ يتم اختطاف المصطلحات الدينية الصحيحة في ذاتها أمام أعينهم، ليتم توظيفها توظيفا سياسيا موجها، حتى تكون في خدمة أنظمة الفساد والاستبداد وترسيخ وجودها.
عجيب أمر تلك الأنظمة السياسية، فهي دائمة الإلحاح على ضرورة فصل الدين عن السياسة، وكثيرا ما تعيب على الحركات الإسلامية إقحامها للدين في السياسة، واستغلالها له من أجل مكاسب وأغراض سياسية، كيف يكون ذلك محل نقد واعتراض من الأنظمة وهي تمارسه ليل نهار؟ أليس ما تطالب به تلك الأنظمة هو توظيف للدين ومشايخه وعلمائه من أجل تمرير أجندات سياسية باتت واضحة ومكشوفة؟
إن كانوا يريدون أن يكون للدين رأي وموقف، فلماذا لا يسمحون للعلماء والدعاة أن ينتقدوا استبدادهم وفسادهم؟ ولماذا يضيقون ذرعا بالعلماء الذين يفضحون منكراتهم السياسية؟ ولماذا يكرمون العلماء والمشايخ الذين يسكتون عنهم، ويباركون توجهاتهم وقراراتهم، بينما يزجون بمعارضيهم ومنتقدي سياساتهم في غياهب المعتقلات والسجون؟.
لا يخفى مدى حاجة العمل الديني إلى التجديد الديني، والثورة الدينية، لطرح كثير مما علق بالدين المُنزل من الضلالات والانحرافات والخرافات والأساطير، وتطهيره من سائر الأفكار والمقولات المنتجة في عصور الانحطاط والتخلف، والتي رفعتها الممارسة الإسلامية التاريخية إلى مصاف أصول الدين وقطعياته، وباتت من المسلمات التي كبر عليها الصغير، وشاب عليها الكبير، والتي يجد المصلحون عنتا شديدا في تفكيكها ومواجهتها، ودفع أوساط التدين الشعبي للتحرر من أغلالها الحاكمة والموجهة.
وصحيح أن العمل الديني، بحاجة ماسة إلى ثورة دينية، في الفكر والعمل، والنظر والممارسة، لتخرج العمل الديني من رتابته القاتلة، وتقليديته المقعدة، وسلبيته المنزوية في هوامش الحياة، إلى التجدد الدائم والفاعلية المنتجة، والانطلاق الراشد في عالم الإرادة والحرث، والتصدي لمشاكل الحياة وهمومها، واجتراح خطاب إيماني عقلاني، يحفظ قاعدة الأتباع من الانصهار والذوبان، ويقول لسائر المخالفين في الملة والدين قولا بليغا، يقطع دابر اعتراضاتهم وشبهاتهم التي يثيرونها في وجوه المتدينيين.
لكن إن كان الداعي، لذلك التجديد، وتلك الثورة، أنظمة الفساد والاستبداد، فهي صناعة خبيثة، تروم توظيف الدين، وتجنيد بعض شيوخه ومؤسساته وعلمائه (لديهم قابلية دائمة للاستجابة بحكم الوظيفة) لتسويق أنظمتهم، وترسيخ وجودها، وإضفاء شرعية دينية عليها، وهو ما يفرض على العلماء الصادقين الصدع بكلمة الحق، حتى لا تلتبس الأمور على عامة الناس وتختلط عليهم، فإن استبانة سبيل المجرمين أمر مطلوب حتى تعرفهم الشعوب على حقيقتهم، ولا تكن في صفوفهم وخنادقهم.
المصدر: الراية
[/align]
تأتي تلك المطالبات الملحة في معمعة الحرب المعلنة على "الإرهاب"، وفي غمرة الحرب التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد انتكاسة الثورات العربية في البلاد التي مر بها الربيع العربي، وإجهاض تجارب الإسلاميين في الحكم، واعتبار حركة الإخوان المسلمين، أكبر الحركات الإسلامية السياسية، جماعة إرهابية في بعض البلاد العربية، ما فرض سياسة صارمة وشديدة في التعامل معها، والتضييق عليها باعتقال قياداتها وكوادرها، وإغلاق مؤسساتها الدعوية والخيرية.
يظهر بوضوح أن ما تمليه بعض الأنظمة السياسية العربية على مؤسساتها الدينية، وإن تظاهر بمطالبته لها بالتصدي للفكر التكفيري المتطرف، ومواجهة الغلاة المتشددين، إلا أنه تجاوز ذلك ليطالب تلك المؤسسات تحت عنوان تجديد الخطاب الديني، بإعادة النظر في الفكر الذي يقدسه المسلمون، ومن البدهي أن المسلمين لا يقدسون إلا النصوص الدينية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية.
حينما يتكلم بعضهم عن نصوص تضع (1.6) مليار مسلم في مواجهة مليارات البشر الآخرين، فهذا يعني أن مشكلته مع تلك النصوص، وليس مع البشر الذين يؤمنون بها ويريدون تطبيقها، فما حيلة المؤسسات الدينية حينما تكون مطالبة السياسيين لها، تتجاوز في حقيقتها ما تتجمل به في ظاهرها من التصدي للغلاة والمتطرفين والتكفيريين؟ كيف يمكن لمشايخ وعلماء تلك المؤسسات أن يستجيبوا لإملاءات السياسيين التي تطال في جوهرها وحقيقتها نصوص القرآن والسنة النبوية؟.
ما معنى أن يصرح أحد الساسة العرب بقوله: "إن الجهاد أصبح كارثة عالمية"؟ الأمر الذي يشي بأن جوهر تلك المطالبات ينصب على مفهوم الجهاد، الذي تستند إليه الحركات الإسلامية التي تنضوي تحت مسمى السلفية الجهادية بشكل مباشر، وتستند إليه كذلك بعض الحركات الإسلامية الأخرى، التي تنخرط في مقاومة المحتل الأجنبي، كحركتي المقاومة الإسلامية حماس، والجهاد الإسلامي في فلسطين.
إمعانا في التمويه والتضليل فإنه يتم تسويق تلك المطالبات، تحت عناوين دينية، بقدر كبير من الالتباس والمراوغة، كتجديد الخطاب الديني، وضرورة إحداث ثورة دينية، والدعوة إلى التحديث والتطوير، وعدم الجمود على القديم، فهل تجديد الخطاب الديني يسمح بالخروج عن ثوابت الدين وقطعياته؟ وهل الثورة الدينية تعني التنكر لأصول الدين وتغيير أحكامه الراسخة؟.
إن مطالبة بعض الساسة العرب بتجديد الخطاب الديني، في سياقات سياسية مفضوحة ومكشوفة، تُخرج تلك المفردة عن دلالاتها الإيجابية المطلوبة والمحمودة، وتكسوها بظلال سوداوية قاتمة، تجعلها كلمة ممجوجة ومرفوضة، وتضع العلماء والفقهاء أمام تحديات من لون جديد، إذ يتم اختطاف المصطلحات الدينية الصحيحة في ذاتها أمام أعينهم، ليتم توظيفها توظيفا سياسيا موجها، حتى تكون في خدمة أنظمة الفساد والاستبداد وترسيخ وجودها.
عجيب أمر تلك الأنظمة السياسية، فهي دائمة الإلحاح على ضرورة فصل الدين عن السياسة، وكثيرا ما تعيب على الحركات الإسلامية إقحامها للدين في السياسة، واستغلالها له من أجل مكاسب وأغراض سياسية، كيف يكون ذلك محل نقد واعتراض من الأنظمة وهي تمارسه ليل نهار؟ أليس ما تطالب به تلك الأنظمة هو توظيف للدين ومشايخه وعلمائه من أجل تمرير أجندات سياسية باتت واضحة ومكشوفة؟
إن كانوا يريدون أن يكون للدين رأي وموقف، فلماذا لا يسمحون للعلماء والدعاة أن ينتقدوا استبدادهم وفسادهم؟ ولماذا يضيقون ذرعا بالعلماء الذين يفضحون منكراتهم السياسية؟ ولماذا يكرمون العلماء والمشايخ الذين يسكتون عنهم، ويباركون توجهاتهم وقراراتهم، بينما يزجون بمعارضيهم ومنتقدي سياساتهم في غياهب المعتقلات والسجون؟.
لا يخفى مدى حاجة العمل الديني إلى التجديد الديني، والثورة الدينية، لطرح كثير مما علق بالدين المُنزل من الضلالات والانحرافات والخرافات والأساطير، وتطهيره من سائر الأفكار والمقولات المنتجة في عصور الانحطاط والتخلف، والتي رفعتها الممارسة الإسلامية التاريخية إلى مصاف أصول الدين وقطعياته، وباتت من المسلمات التي كبر عليها الصغير، وشاب عليها الكبير، والتي يجد المصلحون عنتا شديدا في تفكيكها ومواجهتها، ودفع أوساط التدين الشعبي للتحرر من أغلالها الحاكمة والموجهة.
وصحيح أن العمل الديني، بحاجة ماسة إلى ثورة دينية، في الفكر والعمل، والنظر والممارسة، لتخرج العمل الديني من رتابته القاتلة، وتقليديته المقعدة، وسلبيته المنزوية في هوامش الحياة، إلى التجدد الدائم والفاعلية المنتجة، والانطلاق الراشد في عالم الإرادة والحرث، والتصدي لمشاكل الحياة وهمومها، واجتراح خطاب إيماني عقلاني، يحفظ قاعدة الأتباع من الانصهار والذوبان، ويقول لسائر المخالفين في الملة والدين قولا بليغا، يقطع دابر اعتراضاتهم وشبهاتهم التي يثيرونها في وجوه المتدينيين.
لكن إن كان الداعي، لذلك التجديد، وتلك الثورة، أنظمة الفساد والاستبداد، فهي صناعة خبيثة، تروم توظيف الدين، وتجنيد بعض شيوخه ومؤسساته وعلمائه (لديهم قابلية دائمة للاستجابة بحكم الوظيفة) لتسويق أنظمتهم، وترسيخ وجودها، وإضفاء شرعية دينية عليها، وهو ما يفرض على العلماء الصادقين الصدع بكلمة الحق، حتى لا تلتبس الأمور على عامة الناس وتختلط عليهم، فإن استبانة سبيل المجرمين أمر مطلوب حتى تعرفهم الشعوب على حقيقتهم، ولا تكن في صفوفهم وخنادقهم.
المصدر: الراية
[/align]