تَارِيخُ الخَوَارِجِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى الأُمَّةِ 29 شَوَّال 1439هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1439/10/27 - 2018/07/11 20:03PM

تَارِيخُ الخَوَارِجِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى الأُمَّةِ 29 شَوَّال 1439هـ

الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ القَدِيرِ, خَلَقَ الخَلْقَ وَدَبَّرَهُمْ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَضَى فِيهِمْ بِأَمْرِهِ ، وَسَلَّطَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِحِكْمَتِهِ، وَأَمَدَّ لِلظَّالِمِ يَسْتَدْرِجُهُ، نَحْمَدُهُ عَلَى قَضَائِهِ وَنَشْكُرُهُ عَلَى عَافِيَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, مَنْ تَفَكَّرَ فِي خَلْقِهِ وَأَفْعَالِهِ أَقَرَّ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَأَذْعَنَ لِأُلُوهِيَّتِهِ, وَعَظَّمَهُ تَعْظِيمًا وَكَبَّرَهُ تَكْبِيرًا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, اصْطَفَاهُ اللهُ تَعَالَى وَاجْتَبَاهُ وَلِلْهُدَى هَدَاهُ، وَمِنَ الخَيْرِ أَعْطَاهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ قَرِيبٍ مُغَادِرُونَ وَلِأَعْمَالِكُمْ مُشَاهِدُونَ وَبِحُسْنِهَا وَسَيِئِّهَا مَجْزِيُّونَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ أَقَضَّ مَضَاجِعَنَا وَآلَمَ قُلُوبَنَا مَا حَصَلَ مِنَ الْفِئَةِ الضَّالَّةِ قَبْلَ أَيَّامٍ قَلِيلةٍ مِنْ قَتْلِ لِرِجَالِ الأَمْنِ وَسَفْكٍ لِدِمَائِهِمْ البَّرِيئَةِ وَتَيْتِيمٍ لِأَطْفَالِهِمْ وَتَرْمِيلٍ لِنِسَائِهِمْ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَغَمَّدَهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَأَنْ يُلْهِمَ أَهْلَهُمُ الصَّبْرَ وَالسّلْوَانَ وَأَنْ يَجْبُرَ مُصَابَهُمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَعَالَوْا نَتَعَرَّفُ عَلَى هَذِهِ الْفِرْقَةِ الضَّالَّةِ وَنَرَى تَارِيخَهُمْ وَنَتَبَيَّنُ سِيرَتَهُمْ مِنَ الْقِدِيمِ، وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ وَخَاصَّةً الشَّبَابُ لا يَدْرِي عَنْ ضَلَالِهِمْ وَرُبَّمَا أَيَّدَهُمْ وَظَنَّ أَنَّهُمْ مُجَاهِدُونَ وَلِلِإسْلَامِ نَاصِرُونَ.

أَمَّا مُجْمَلُ اعْتِقَادِ الْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ كُفْرَ فَاعِلِ الْكَبِيرَةِ، وَأَنَّهُ إِنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَيَسْتَحِلُّونَ الْخُرُوجَ عَلَى وُلاةِ أَمْرْ الْمُسْلِمِينَ بِمُجَرَّدِ الْمَعَاصِي.

وَأَمَّا أَوَّلُ خُرُوجِهِمْ فَهُوَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ... فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: أَتُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ) فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا مُحَمَّدُ ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟) ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ ... فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا [أي : على شاكلته ومثله أو يخرج من نسله] قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُجْمِلُ لَنَا مَنْهَجَ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ وَحُكْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ.

فَهَا هُوَ أَوَّلُهُمْ يَتَعَرَّضُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُطَالِبُهُ بِالْعَدْلِ ، فَلا غَرَابَةَ الْيَوْمَ أَنْ يَأْتِي بَعْضُ مَنْ ظَاهِرُهُ الصَّلَاحَ وَرُبَّمَا كَانَ مُنْتَسِبَاً لِلْجَهَادِ ثُمَّ يَعْتَرِضُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَوِ الْحُكَّامِ، فَإِذَا كَانُوا اعْتَرَضُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَّدِّ الْبَشَرِ الْمُؤَيَّدِ بِالْوَحْيِ فَلئَنْ يَعْتَرِضُوا عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، فَاتقَّوُا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْهُم وَمِنْ مَنَاهِجِهِمِ الضَّالَّةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ بَعْضِ صِفَاتِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَهْلُ عِبَادَةٍ, فَهُمْ قُرَّاءٌ لِلْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُمْ لا يَفْقَهُونَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضَاً أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ وَيَتْرُكُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، فَهَاهُمْ يِقُيمُونَ الْجِهَادَ بِزَعْمِهِمْ فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ أَشْرِفَ بِقَاعِ الأَرْضِ وَيَقْتُلُونَ الْمُصَلَّينَ وَيُفَجِّرُونَ الْمُجَمَّعَاتِ السَّكَنِيَّةِ وَيَقْتُلُونَ رِجَالَ الأَمْنِ، فَسُبْحَانَ اللهِ، هَذِهِ آيَةُ مِنْ آيَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ حُكُمِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ – وَمُنْهُمُ الشَّيْخُ ابنُ بَاٍز رَحِمَهُ اللهُ - اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كُفْرِ الْخَوَارِجِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضَاً الْحَثُّ عَلَى قِتَالِهِمْ, فَهَا هُوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ بِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُمُ قَاتَلَهُمْ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ الأَوَائِلِ (لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ)، بَلْ بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ هُمْ بِالْجَنَّةِ، فَعَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سيكونُ في أمَّتي اختلافٌ وفُرقة ، قومٌ يُحسنون القِيلَ ويُسيئون الفعلَ ، يقرؤون القرآنَ، لا يُجاوزُ تراقيَهُم، يَمرُقون من الدّينِ مُروقَ الَّسَّهْم من الرَّميَّة، لا يَرجِعونَ حتى يَرتدَّ على فُوقِه، هم شرُّ الخلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَن قاتَلَهم كَانَ أولَى باللِه مِنْهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ الْخَوَارِجِ خَمَدَتْ فِتْنَتُهُمْ حَتَّى جَاءَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَامَ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ فَدَخَلَ الإِسْلَامَ نِفَاقِاً هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبَأٍ، وَصَارَ يُؤَلِّبُ النَّاسَ عَلَى عُثْمَانَ وَيَذْكُرُ مَسَاوِئَهُ فِي الْمَجَالِسِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَيُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَيْهِ ، حَتَّى أَوْغَرَ صُدُورَ العَوَامِّ  وَدَهْمَاءِ النَّاسِ عَلَى عُثْمَانَ خَلِيفَةِ الْمُسْلِمَينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فقَدِمَتْ مَجْمُوعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ مِصْرَ وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَعْرَابِ الْجَزِيرَةِ فَهَجَمُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَحَاصَرُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ وُهُوَ قَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ  مِنْ عُمْرِهِ، قَتَلُوهُ فِي يَوْمٍ وَهُوَ صَائِمٌ، قَتَلُوهُ وَهُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ زَوَّجَهُ ابْنَتَيْهِ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثِومٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَتَلُوهُ وَهُوَ الذِي بَشَّرَهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، قَتَلُوهُ وَهُوَ الذِي جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، قَتَلُوهُ وَهُوَ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِهِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ) مرَّتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فَلا غَرَابَةَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَقْتُلَ الْخَوَارِجُ فِي عَصْرِنَا هَذَا مَنْ دُونَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهَذَا لَيْسَ غَرِيبَاً عَلَيْهِمْ، لَكِنَّ الْغَرِيبَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ وَلا سِيَّمَا الشَّبَابُ الْمُسْتَقِيمُ قَدِ انْخَدَعَ بِخَوَارِجِ عَصْرِنَا وَمَا مَيَّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، وَظَنَّ أَنَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ جِهَادٍ صَحِيحٍ وَسَيَنْصُرُونَ الإِسْلَامَ.

فَاللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلَاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتِبَسَاً عَلَيْنَا فَنَضِلَّ ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمَينَ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الْخَوَارِجَ لَمْ يَقِفْ شَرُّهُمْ عِنْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، بَلْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَانْحَازُوا إِلَى قَرْيَةٍ قُرْبَ الْكُوفَةِ بِالْعِرَاقِ اسْمُهَا حَرَوْرَاءُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلَيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَأَتَاهُمْ وَنَاظَرَهُمْ وَجَادَلَهُمْ بِالْحَقِّ فَرَجَعَ مَعَهُ أَلْفَانِ مِنْهُمْ تَائِبِينَ مِنْ هَذَا الْمَنْهَجِ الْخَبِيثِ ، وَبَقِيَ نِصْفُهُمْ فَقَاتَلَهُمْ عَلَيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَبَادَهُمْ وَقَتَلَهُمْ جَمِيعَاً إِلَّا تِسْعَةً مِنْهُمْ فَفَرَّوا ثُمَّ نَشَرُوا هَذَا الْمَذْهَبَ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي الْبُلْدَانِ، وَلا يَزَالُونَ حَجَرَ عَثْرَةٍ فِي وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ يَعُطِّلُونَ الِجهَادَ وَيُشْغِلُونَ الْخُلَفَاءَ وَيُكِفِّرُونَهُمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِمَّا لابُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، أَنَّ الْخَوَارِجَ هُمُ الذِينَ قَتَلُوا عَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَدْ قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمِن بْنُ مُلْجِمٍ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى باِلْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ مُحِفَّظَ قُرْآنٍ بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى مِصْرَ يُعَلِمُهُمُ الْقُرْآنَ، لَكِنَّهُ أَتَاهُ الْخَوَارِجُ فَغَيَّرُوا فِكْرَهُ وَأَضَلُّوهُ فَتَبِعَهُمْ حَتَّى آلَ بِهِ الأَمْرُ إِلَى أَنْ قَتَلَ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَنْدِلَ الأَبْطَالِ الذِي طَالَمَا هَزَمَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَاحَاتِ الْقِتَالِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَتَلُوهُ وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ وَالْحٌسَيْنِ وَزَوْجُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، قَتَلُوهُ وَلَهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ (أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَخِيرَاً : فَإِنَّهُ قَدْ أَقَضَّ مَضَاجِعَنَا وَآلَمَ قُلُوبَنَا مَا فَجَعَنَا بَهِ الْخَوَارِجُ الْمُعُاصِرُونَ مِنَ اعْتَدَاءٍ عَلَى رِجَالِ الأَمْنِ الْمُرُابِطِينَ فِي حِرَاسَةِ أَرْضِ القَصِيمِ أَرْضِ العِلْمِ والفِقْهِ وَالعَقِيدَة، فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَغَمَّدَ مَنْ تُوُفِيَّ مِنْهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلَ مَنْزِلَهُ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَجْبرُ مُصَابَ أَهْلِهِمْ، كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَشْفِيَ الْمُصَابِينَ وَأَنْ يَرُدَّهُمْ لِذَوِيهِمْ سَالِمِينَ. وَأَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا دِينَنَا وَأَمْنَ بِلادِنَا، وَأَنْ يُرِينَا الْحَقَّ حَقَّاً وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَالْبَاطِلَ بَاطِلَاً وَيَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ وَأَنْ لا َيْجَعَلَهُ مُلْتِبَسَاً عَلَيْنَا فَنَضِلَ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمُ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

الخَوَارِجِ-وَضَرَرُهُمْ-عَلَى-الأُ

الخَوَارِجِ-وَضَرَرُهُمْ-عَلَى-الأُ

المشاهدات 2378 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا