تأمل معي هذه الآية!
عبدالرزاق بن محمد النهيان
1438/09/20 - 2017/06/15 16:58PM
الخطبة الأولى:(واحة السجود)21/9/1438هــ
أيها الصائمون:آية في كتاب الله لا أبالغ إن قلت أن الجميع قرأها،ولست أبالغ إن قلت:بأن من تأملها وفهم مراد الله بها فهم قليل بل أقل من القليل،إنها قول الحق تبارك وتعالى:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)هذه الآية وردت بين آيات الصوم في سورة البقرة(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وبين قوله تعالى:(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ). إن ورود هذه الآية في هذا الموضع يدل على أن الصوم من دواعي الإجابة فينبغي أن يُدعى الله سبحانه وتعالى في هذا الوقت. وفي الحديث "ثلاثة لا ترد دعوتهم وذكر منهم:" والصائم حتى يُفطر"فالصائم مستجاب الدعوة. وتأمل أيها الصائم في قوله تعالى:"فإني قريب" فالله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل بالإجابة عن السؤال ولم يقل(فقل لهم إني قريب)كما في قوله تعالى:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِير"فتأمل كيف جاء جواب السؤال في قوله"فإني قريب" ولم يقل(قل)لأن(قل)هنا يحتاج إلى مدة وإن كانت قصيرة فهي لا تتناسب مع القرب في الإجابة،فأراد ربنا سبحانه وتعالى لأن يجعل القرب في الإجابة عن السؤال دون وساطة فجعل الجواب منه لعباده مباشرة وجاءت الفاء في الجواب (فإني) لتفيد السرعة والمباشرة الفورية التي تتناسب مع هذا العطاء الرباني العظيم فقال تعالى (فإني قريب). قريب بعلمه وقدرته وتدبيره من جميع خلقه لم يزل بهم عالماً ولم يزل عليهم قادراً،وقد روى الطبراني وغيره: "أن ناساً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم:أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟فأنزل الله تعالى:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان".وثبت في الصحيحين عن أبي موسى:"إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنقِ راحلته" فهو سبحانه قريب من أهل الإحسان بذاته ورحمته قرباً ليس له نظير،ومن أهل سؤاله بإجابته،وهو مع ذلك فوق سماواته على عرشه،فلا يكون قط إلا عالياً ولا يكون فوقه شيء ألبتة. فإذا سألتَ فقُل:يا الله،وإذا استعنتَ فقل:يا الله،إذا جلستَ على فِراش المرض فقل:يا الله،وإذا جاءك ملك الموْت فقل: يا الله. وتأمل في قوله:"أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"تأمل قوله:"إذا دعان"ولم يقل"إن شئت أو شاء ربك"كما في موطن آخر قال تعالى:"بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ"فوجود المشيئة يعني أنه سبحانه ربما يفعل وربما لا يفعل،وعدم وجود المشيئة يعني (القطع بالإجابة) قطعاً تجاب دعوته،فإن لم تكن إجابة الدعوة في الدنيا،فإنها تُدّخر له في الآخرة أو يُدفع عنه بقدرها من السوء. وتأمل أكثر في قوله:" أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"فإنك ستلاحظ أنه قدم الإجابة الدالة على جواب الشرط فقال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)ولم يقل: إذا دعاني أجيبه، فالأصل أن يأتي بأداة الشرط ثم جواب الشرط،الآن قدم الجواب للتأكيد على قوة الوعد فقدم الإجابة على الشرط تنبيهاً على قوة الوعد وأن هذا حاصل. ونلاحظ عند التأمل أنه سبحانه أتى بأداة الشرط"إذا"ولم يقل"إن دعان"مع أنها أداة شرط أيضاً كما في قوله تعالى:" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" والفرق بين الأداتين: لأن (إن) تفيد التشكيك والتقليل بخلاف (إذا) التي تفيد الجزم لأنه عندما تذوقُ حلاوةَ ما أعطاكَ اللهُ تعالى من إشراقات في الصيام فإنك تتجه إلى شكره وسؤاله أن يزيدك من فضله العظيم. فيفهم من السياق أن الدعاء شرط الإجابة وهو مطلوب . قَالَ الطِّيبِيُّ:"اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ فَضْلِهِ فَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يُبْغِضْهُ وَالْمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ". عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ"رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع. وتأمل قوله"وإذا سألك عبادي"وتأمل كلمة"عبادي"حيث رسمت بالياء،فهي تفيد كثرة العباد، لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة، فكل العباد تسأل،وهذا لا يخص عبداً دون عبد،وإذا حذفت الياء أفادت القلة، كما في قوله تعالى:"فبَشِّرْ عِبَادِ.الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"أي: أرشده وأهداه,وأدله على توحيد الله,والعمل بطاعته,ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد,ولا يهدي إلى سداد،وهم قليل من العباد. فما أوسع فضله سبحانه وما أكثر خيره.
الخطبة الثانية: أيها الصائمون: إن كثرة الأولاد والأموال لا تقرب إلى الله،قال تعالى"وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأؤلئك لهم جزاء الضعف وهم في الغرفات آمنون" قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في قوله تعالى:"واسجد واقترب":واسجد لربك واقترب منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات،والقربات فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه.أهـ كلامه. فالصلاة هي وسيلة القرب الكبرى،وليس بين العبد وبين ذلك إلا أن يقبل على الله بوجهه ولا يلتفت،ثم يسجد فيزداد قرباً(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب). عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ؛فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"أخرجه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ - أي جدير وحقيق- أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ "رواه مسلم. فالسجودُ برهانُ خضوعٍ، وسمة خشوع،وموقف عزٍّ، ومدرسة اعتراف،فسبعة أعضاء تسجد لله وتحمل البدن، كلها مُنطرِحة غير متأفِّفة ولا مستكبِرة،بل راغبة مُحبَّة طالبة للعز والرفعة. فاسجد ففي كلِّ سجدة تسجدها مطمئنًّا مؤمنًا ترتفع درجة،فلا تبخل على نفسك،ولا تعجل في سجودك، فأطِل؛فاللذة تأتي كلما طال بقاؤك ساجدًا حتى إنك تود ألا ترفع. اسجد باكيًا ويا لذة البكاء في السجود! واسجد سائلاً، وداعيًا، ومسبِّحًا، ومهللاً، متضرِّعًا خاضعًا،واسجد حامداً،فكم من محروم لا يدري ما السجود!وإن طرَح جبهتَه على الأرض،نقرها نقرًا لا يدري ما قال ولا يعرف ما ذاق. اسجد وليسجد قلبك عبوديَّة وطاعة وامتثالاً ورغبة ورهبة لله سبحانه.
اسجد سجودًا يليق بمن تَسجُد له،فـ"السين" سمو، و"الجيم"جَنة،و"الدال"دائمة. فلا يليق بك أن تعرف هذا،وتجعل سجودَك مرورًا عابرًا تَخطف التسبيحات خطفًا وكأنك على جمر. اللهم أعنا على تذوق حلاوة السجود واجعله يتغلغل إلى سويداء القلوب،ثم صلوا ،،،
أيها الصائمون:آية في كتاب الله لا أبالغ إن قلت أن الجميع قرأها،ولست أبالغ إن قلت:بأن من تأملها وفهم مراد الله بها فهم قليل بل أقل من القليل،إنها قول الحق تبارك وتعالى:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)هذه الآية وردت بين آيات الصوم في سورة البقرة(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وبين قوله تعالى:(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ). إن ورود هذه الآية في هذا الموضع يدل على أن الصوم من دواعي الإجابة فينبغي أن يُدعى الله سبحانه وتعالى في هذا الوقت. وفي الحديث "ثلاثة لا ترد دعوتهم وذكر منهم:" والصائم حتى يُفطر"فالصائم مستجاب الدعوة. وتأمل أيها الصائم في قوله تعالى:"فإني قريب" فالله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل بالإجابة عن السؤال ولم يقل(فقل لهم إني قريب)كما في قوله تعالى:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِير"فتأمل كيف جاء جواب السؤال في قوله"فإني قريب" ولم يقل(قل)لأن(قل)هنا يحتاج إلى مدة وإن كانت قصيرة فهي لا تتناسب مع القرب في الإجابة،فأراد ربنا سبحانه وتعالى لأن يجعل القرب في الإجابة عن السؤال دون وساطة فجعل الجواب منه لعباده مباشرة وجاءت الفاء في الجواب (فإني) لتفيد السرعة والمباشرة الفورية التي تتناسب مع هذا العطاء الرباني العظيم فقال تعالى (فإني قريب). قريب بعلمه وقدرته وتدبيره من جميع خلقه لم يزل بهم عالماً ولم يزل عليهم قادراً،وقد روى الطبراني وغيره: "أن ناساً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم:أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟فأنزل الله تعالى:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان".وثبت في الصحيحين عن أبي موسى:"إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنقِ راحلته" فهو سبحانه قريب من أهل الإحسان بذاته ورحمته قرباً ليس له نظير،ومن أهل سؤاله بإجابته،وهو مع ذلك فوق سماواته على عرشه،فلا يكون قط إلا عالياً ولا يكون فوقه شيء ألبتة. فإذا سألتَ فقُل:يا الله،وإذا استعنتَ فقل:يا الله،إذا جلستَ على فِراش المرض فقل:يا الله،وإذا جاءك ملك الموْت فقل: يا الله. وتأمل في قوله:"أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"تأمل قوله:"إذا دعان"ولم يقل"إن شئت أو شاء ربك"كما في موطن آخر قال تعالى:"بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ"فوجود المشيئة يعني أنه سبحانه ربما يفعل وربما لا يفعل،وعدم وجود المشيئة يعني (القطع بالإجابة) قطعاً تجاب دعوته،فإن لم تكن إجابة الدعوة في الدنيا،فإنها تُدّخر له في الآخرة أو يُدفع عنه بقدرها من السوء. وتأمل أكثر في قوله:" أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"فإنك ستلاحظ أنه قدم الإجابة الدالة على جواب الشرط فقال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)ولم يقل: إذا دعاني أجيبه، فالأصل أن يأتي بأداة الشرط ثم جواب الشرط،الآن قدم الجواب للتأكيد على قوة الوعد فقدم الإجابة على الشرط تنبيهاً على قوة الوعد وأن هذا حاصل. ونلاحظ عند التأمل أنه سبحانه أتى بأداة الشرط"إذا"ولم يقل"إن دعان"مع أنها أداة شرط أيضاً كما في قوله تعالى:" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" والفرق بين الأداتين: لأن (إن) تفيد التشكيك والتقليل بخلاف (إذا) التي تفيد الجزم لأنه عندما تذوقُ حلاوةَ ما أعطاكَ اللهُ تعالى من إشراقات في الصيام فإنك تتجه إلى شكره وسؤاله أن يزيدك من فضله العظيم. فيفهم من السياق أن الدعاء شرط الإجابة وهو مطلوب . قَالَ الطِّيبِيُّ:"اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ فَضْلِهِ فَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يُبْغِضْهُ وَالْمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ". عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ"رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع. وتأمل قوله"وإذا سألك عبادي"وتأمل كلمة"عبادي"حيث رسمت بالياء،فهي تفيد كثرة العباد، لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة، فكل العباد تسأل،وهذا لا يخص عبداً دون عبد،وإذا حذفت الياء أفادت القلة، كما في قوله تعالى:"فبَشِّرْ عِبَادِ.الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"أي: أرشده وأهداه,وأدله على توحيد الله,والعمل بطاعته,ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد,ولا يهدي إلى سداد،وهم قليل من العباد. فما أوسع فضله سبحانه وما أكثر خيره.
الخطبة الثانية: أيها الصائمون: إن كثرة الأولاد والأموال لا تقرب إلى الله،قال تعالى"وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأؤلئك لهم جزاء الضعف وهم في الغرفات آمنون" قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في قوله تعالى:"واسجد واقترب":واسجد لربك واقترب منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات،والقربات فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه.أهـ كلامه. فالصلاة هي وسيلة القرب الكبرى،وليس بين العبد وبين ذلك إلا أن يقبل على الله بوجهه ولا يلتفت،ثم يسجد فيزداد قرباً(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب). عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ؛فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"أخرجه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ - أي جدير وحقيق- أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ "رواه مسلم. فالسجودُ برهانُ خضوعٍ، وسمة خشوع،وموقف عزٍّ، ومدرسة اعتراف،فسبعة أعضاء تسجد لله وتحمل البدن، كلها مُنطرِحة غير متأفِّفة ولا مستكبِرة،بل راغبة مُحبَّة طالبة للعز والرفعة. فاسجد ففي كلِّ سجدة تسجدها مطمئنًّا مؤمنًا ترتفع درجة،فلا تبخل على نفسك،ولا تعجل في سجودك، فأطِل؛فاللذة تأتي كلما طال بقاؤك ساجدًا حتى إنك تود ألا ترفع. اسجد باكيًا ويا لذة البكاء في السجود! واسجد سائلاً، وداعيًا، ومسبِّحًا، ومهللاً، متضرِّعًا خاضعًا،واسجد حامداً،فكم من محروم لا يدري ما السجود!وإن طرَح جبهتَه على الأرض،نقرها نقرًا لا يدري ما قال ولا يعرف ما ذاق. اسجد وليسجد قلبك عبوديَّة وطاعة وامتثالاً ورغبة ورهبة لله سبحانه.
اسجد سجودًا يليق بمن تَسجُد له،فـ"السين" سمو، و"الجيم"جَنة،و"الدال"دائمة. فلا يليق بك أن تعرف هذا،وتجعل سجودَك مرورًا عابرًا تَخطف التسبيحات خطفًا وكأنك على جمر. اللهم أعنا على تذوق حلاوة السجود واجعله يتغلغل إلى سويداء القلوب،ثم صلوا ،،،